|
التسامح: المبدأ ومراجعة المبدأ
ما هو التسامح؟ إنه مفهوم غامض تصعب الإحاطة به. ويمكنه أن يُستَعمَل بمعنىً تحقيري
للتعبير عن موقفٍ يتبناه المرء تجاه الذين لا يعجبوه؛ فيُقال: نحن «نتسامح» معهم.
ولكني أعتقد بأنَّ هناك معنىً آخر، طريقةً أكثر فضيلة لتعريفه، معنىً يُقصَدُ به
أننا نحاول فهم الآخر وإيجاد ما هو هام لديه.
إذا أردنا تحليل زماننا بطريقةٍ مبسطةٍ سريعة، يمكننا وصفه بتعبير "التعددية". والمفارقة هي أننا نرى في جميع أنحاء العالم مساعٍ لوضع حدودٍ وإزالتها. فنحن في زمنٍ لم يعد هناك فيه من معنىً للنظر إلى العالم على أنَّه مقسَّمٌ إلى أقسام كما كان في السابق، بل يتمُّ الكلام حاليًا على القرية العالمية الكبيرة التي تتميَّز بغياب الحدود: أطباء بلا حدود، صحفيون بلا حدود، تجارة بلا حدود، إلخ. ولكننا نشهد في الوقت نفسه حروبًا دامية غايتها حماية الهوية الخاصة من هيمنة التعددية المتوحشة التي تسِمُ عالمنا أكثر فأكثر. فطرح التساؤلات حول الهوية يبيِّن وضوح خطر التعددية ويشير إلى زوال الإجماع التلقائي على قيَم المجتمع ومشاريعه. في خضم التغيُّرات هذه تُقدِّم الإيديولوجية الليبيرالية نفسها بوصفها فلسفة عامة للجماعة البشرية بكل اختلافاتها وشعورًا يُحس اتجاه الجماعات الأخرى عموده الفقري فضيلة التسامح. ففي الديمقراطيات الحديثة كل فرد له الحق أن يكون موضع تسامح الأفراد الآخرين، وتقريبًا كل شخصٍ يؤمن وبشكلٍ يكاد يكون مطلقًا بالتسامح. وعليه، ولخشيتهم أن يبدو لا متسامحين، بات الناس يميلون إلى توسيع مدى التسامح، عاطفيًا وحقوقيًا، حتى يشمل أوسع شريحة من البشر بمن فيهم أولئك الذين لا يتسامحون. لكن هل يجب أن يكون التسامح بلا حدود لكي يكون فضيلة؟ في هذه الأجواء يصبح تعبير التسامح أكثر غموضًا من تعبير التعددية لدى معاصرينا. وبالتالي، تصبح إعادة التفكير في التسامح ضرورة: لأن فضيلة التسامح ضرورية ولايمكن الاستغناء عنها للعيش معًا في مجتمعٍ تعددي[1]. يجب علينا التنويه منذ بداية هذه المقالة أن إطار طرح الموضوع هو المجتمع الغربي وتطوره: الليبرالية، الديموقرطية الليبرالية، الدولة والكنيسة، الفردانية... ولن نتطرق إلى الموضوع، على الرغم من أهميته الكبرى، في إطار المجتمع التقليدي الشرقي ومشكلاته في عالمنا العربي وذلك لأسباب متعددة مثل ضيق المساحة ونقص الأدبيات المحلية التي عالجت هذا الموضوع بطريقة علمية وجدية. ففي ثقافتنا العربية يلفت التسامح النظر بغيابه و الواقع المدهش حقًا هو أنَّ التسامح الذي يُعتبر سمة عامة في الفكر الغربي منذ النصف الثاني من القرن السابع عشر، وفكرة معاصرة في زمننا هذا، هذا التسامح، يبدو في المقام الأول غائبًا عن اللغة العربية، وبالتالي، غائبًا غيابًا طبيعيًا عن أنماط التفكير كافة التي تعمل عبر هذه اللغة[2]. إشكالية التسامح 1. هل الليبرالية خطر على التسامح؟ بعد خبرة حرب الأديان في أوروبا نهاية عصر النهضة، كان فلاسفة عصر الأنوار هم أول مَن فرض استقلالية الفرد المفكِّر من كل ضغوطاتٍ خارجية. حينها، طُرِحَ السؤال حول أفضل طريقةٍ للعيش معًا بدون عنفٍ داخل المجتمع. ولتفادي كل انحرافٍ طائشٍ وعنيف، راهن مفكِّرو الحداثة على العقل حيث إنه القدرة الوحيدة المشتركة بين كل الكائنات البشرية التي يمكن الوثوق بها للحدِّ من العنف المتفجر بين الجماعات الدينية المختلفة. فاستطاعت الحداثة، من خلال قبولها المطلق للعقل، أن تبتَّ في الجدال وتؤسِّس فضيلة التسامح العقلانية في أجواءٍ صارت أقل قدسيةً وأكثر إنسانية. في القرن العشرين، وبسبب فظائع الحربين العالميتين والأنظمة الاستبدادية، تبيَّن أن قدرة العقل على التنظيم للعيش معًا بسلامٍ كاملٍ وبلا عنف هي وهمٌ كبير. بالإضافة إلى ذلك، نمَت التعددية الثقافية للمجتمعات الديمقراطية، خصوصًا الغربية (تنوُّع إثني وديني وإيديولوجي...)، وقد تخطى هذا النمو السريع مستوى الاختلاف بين الأفراد، مما أدخل تحوُّلاً على التساؤل، وصار موجَّهًا نحو كفاية العقل وقدرته على جعلنا نعيش معًا، وعلى جعلنا نبني مجتمعًا ضمنيًا inclusive يشمل كل الاختلافات (الفردية والثقافية) بدون عنف. في هذا الإطار، ولمواجهة التحديات الجديدة، صارت نظرية الديمقراطية الليبرالية، كما يراها الفيلسوف الأمريكي جون راوولز John Rawls ويفسِّرها، مهمة. فراوولز يمنح العقل أهميةً أساسية في التنظيم العادل للاختلافات. وخلافًا لفلاسفة الحداثة، فإنَّ إقراره بالعقل معتدل وليس إقرارًا مطلقًا. بالنسبة إلى راوولز، إنَّ مبدأ مجتمعٍ ليبرالي هو أن يكون مجتمعًا يضمن لكل مواطنٍ من مواطنيه الحرية نفسها في اختيار مفهومه للحياة الصالحة وتحقيقه[3]. وسيقودنا المبدأ الليبرالي الذي يؤكد على أهمية كل فردٍ في المجتمع بغض النظر عن خصوصياته الفردية (وبالتالي المجتمعية والجماعية) إلى طرح التساؤل: هل الليبرالية تحمل في ثنياتها، بل وتدعم، الفردانية التي رأى الفيلسوف الكندي تشارلز تايلور أنها الانحراف الأول للحداثة؟ إنَّ راوولز يقسم الحياة الاجتماعية إلى مضمارين[4]: المضمار العام حيث تعمل المبادئ الليبرالية ولكنها لا تتدخل، مبدئيًا، بكل أبعاد الحياة، بل تحاول أن تحافظ في عالمٍ تعدُّديٍّ على توازنٍ أدبي بين جميع العقائد المعقولة Doctrines Compréhensives المختلفة[5]؛ والمضمار الخاص حيث كل العقائد المعقولة، وفيه توضع الخطوط الأساسية لحياة الأفراد والجماعات اليومية. لسوء الحظ، كما أشار الذين انتقدوا ليبرالية راوولز[6]، فإن نية انطلاقة الليبرالية لم تتم. فقد استولى المضمار العام على المضمار الخاص ونال كل الأهمية. وبسبب هذا الانقلاب، الذي لم تشأه الليبرالية، لا توجد المعايير الأدبية للحياة إلا في المضمار العام، وكل ما ينتمي إلى المضمار الخاص صار خاصًا فعلاً ليس له، من الناحية الأدبية، أيَّة أهمية في المضمار العام. وبالتالي، لا ينبغي على أيِّ أحدٍ، بل لا يجب، أن يدلي برأيه في شأن الحياة الخاصة لشخصٍ آخر. وفجأةً، نجد أنفسنا في مرحلةٍ ثقافية نشهد فيها تغيُّرًا هامًا في العقلية. فقد انزلقنا من الإقرار بالاختلاف، بمعنى الموقف الأخلاقي المحبَّذ والسامي، إلى اللامبالاة. بالإضافة إلى ذلك، فإن آلية هذا الانزلاق شديدة الدقة بحيث تظل مخفيةً عن عيون غالبية معاصرينا. كما أننا في مرحلةٍ ثقافية تهيمن فيها على ضمائر معاصرينا نظرةً متمحورةً شديد التمحور حول الإنسان. وبذلك فإنَّ مشروع أدبياتٍ علمانية متحررة تمام التحرر من أيِّ تأثيرٍ ديني فوق طبيعي Surnaturel يُعتبَرُ غالبًا أنه الوحيد القادر على حلِّ المآزق الأخلاقية لزماننا. إنَّ ما تمت الإشارة إليه هو بالضبط ما شخَّصه الفيلسوف الكندي تشارلز تايلور واعتبره أول أمراض الثقافة المعاصرة؛ أي الفردانية Individualisme. لا شكَّ في أنَّ للفردانية دورًا مهمًا في بحث كل فردٍ عن هويته في تطوُّره الطبيعي على جميع المستويات كي يعرف ذاته ويحقِّقها. بيد أنَّ خطر الفردانية يكمن في أنها تقود إلى نسبيةٍ أخلاقية للقيَمRelativisme moral : لكلِّ واحدٍ قيَمَه الخاصة وهي في نظره قيم مطلقة، أي يصعب مناقشتها أو انتقادها. وتعتمد هذه النسبية على مبدأ في غاية النبل وهو مبدأ الاحترام المتبادل، حيث إنه من حق كل فردٍ في المجتمع أن ينظِّمَ حياته بحسب ما يراه صحيحًا ومهمًا. بمعنى آخر، على كل شخصٍ أن يكون «صادقًا مع نفسه، ويفتش في نفسه عن انشراحه (تحقيق ذاته)»[7]. وفي آخر الأمر، لا يتعلق تحقيق الذات والانشراح الشخصي بشخص غير الذات. ولا يحق لأيِّ شخصٍ آخر غير الذات أن يسعى إلى إملاء أيِّ شيءٍ حول طريقة سلوك الفرد في المجتمع. وهذا ما يسميه تايلور إيديولوجية انشراح الذات épanouissement de soi الشديدة القوَّة في الثقافة الغربية المعاصرة، التي استمدت قوتها من عصر الأنوار ونالت دعمًا من الليبرالية، فتشكَّل لديها تصوُّر للكائن البشري على أنه محور الكون. وتقوم هذه الإيديولوجية أيضًا على مفهوم خاص للحرية، وتدافع عنه بعنف. وهذا المفهوم هو الحرية التي تحدِّد مصيرها بنفسها liberté autodéterminée. وبموجب ذلك، يكون الكائن البشري حرًا حين يقرِّر لنفسه بنفسه بدل أن يترك التأثيرات الخارجية تصيغ قراراته. وبالتالي، لا ينبغي على حياة الفرد أن تُصاغ بحسب متطلَّبات التقولب الخارجية وحسب، بل لا يمكننا أن نجد خارج الذات نماذج حياةٍ ملائمة[8]. بهذه الطريقة يحدث انتقال ثقافي هام يمكننا أن نسميه محورية الإنسان anthropocentrisme أو ذاتانية مفرطة subjectivisme exagéré. وهكذا، فإن إيديولوجية انشراح الذات، التي طالما عظَّمت الليبرالية من شأنها، وهي صالحة في حد ذاتها، ستخضع لانحرافٍ وتقود بالتالي إلى انغلاقٍ على الذات وإلى نوعٍ من الاستخفاف بالحياة في مجال كل الاهتمامات التي تسمو عن مستوى الذات، سواء كان ذلك على المستوى السياسي أو الديني أو التاريخي. كما أنها تسمح بإقامة ذاتانية أخلاقية subjectivisme moral «لا تريد أن تتأسَّس المواقف الأخلاقية إطلاقًا على العقل أو على طبيعة الأشياء، بل أن يتبناها كل واحدٍ منا انطلاقًا من دوافع ذاتانيةٍ صرفة»[9]. وهذا يؤدّي إلى «أن يفقد العقل دوره في التحكيم في الجدالات الأخلاقية»[10]، وألا يقبل معاصرونا بسهولة أي شيءٍ معياري خارج تحكيمهم الشخصي. إنَّ ما أشرنا إليه هو المصدر الأساسي للنسبية اللطيفة[11] relativisme doux التي تميِّز العيش معًا في المجتمعات الديمقراطية الليبرالية. وكما تمت الإشارة إليه مرارًا، «هذا الموقف يحوي تناقضًا ويدمِّر ذاته بذاته، حيث إنَّ الذات (أو جزءًا منها على الأقل) بحاجة ماسة إلى مثالية أخلاقية»[12]. وهكذا، يبدأ الحوار بطريقةٍ سيئة، لأنه لا يحق لنا أن نناقش علانيةً قيَمَ الآخر، كما أننا لا نستطيع البتة، في جدالٍ علني، أن نعبِّر عن رأينا أو أن أن نبرِّره من خلال الاستناد إلى قيمنا الشخصية. وهذا ما يسميه تايلور إفراغ الأخلاق من المعنى[13]. بذلك، فإنَّ تسامحًا يمكننا أن ننعته بالساذج سيميِّز العيش معًا ويؤثِّر به في ديمقراطيةٍ ليبرالية. 2. غموض في التعبير، التسامح بين «الخلط» و«التفاهة» حين نتكلَّم على التسامح، هل المقصود منه الامتناع عن التدخل في حياة الآخر المختلفة تمام الاختلاف عن حياتنا؟ لو كان هذا هو المقصود، منذ متى كان الامتناع أو عدم الفعل فضيلة أخلاقية، خصوصًا حين يتعلَّق الأمر بفعلٍ شريرٍ أخلاقيًا؟ ومن جهة أخرى، ألا نقول إنَّ الموقف الخامل من الشرِّ يجعلنا شركاءَ فيه بقدرٍ ما؟ من هذه الناحية، فإنَّ المتسامح يصبح شريكًا في الشر، ولا يمكننا بأيِّ شكلٍ من الأشكال أن نصف هذه الشراكة بأنها فاضلة. حينها، كما تقول سوزان مندوز Suzan Mendus، نجد أنفسنا أمام مفارقةٍ يصعب هضمها: إذا فسَّرنا التسامح بأنه يرتبط بما لا نوافق عليه أخلاقيًا، وإذا قبلنا أيضًا أنَّ التسامح هو مثالية أخلاقية، فإننا سنواجه مفارقةً شديدة: كيف يمكننا أن نفسِّر سماحنا بأشياء تُعتبَرُ سيئة أخلاقيًا بأنه سلوك أخلاقي صحيح ... وكيف يمكن للتسامح، في هذه الحالة، أن يكون فضيلةً للفرد وخيرًا للمجتمع؟[14] إن هذه التساؤلات، التي يمكننا أن نكثر منها بسهولة، وهذه الحدود غير الواضحة، تبرهن لنا على أن التسامح مفهوم غامض، بل ومتناقض، حتى وإن بدا أمرًا مستحبًا. ومن الصعب أن تتكوَّن لدينا فكرة محددة عنه إذا منحناه ملء معناه. كما أننا لسنا واثقين من قدرتنا على تكوين مفهومٍ للتسامح، إذا كان قصدنا من كلمة مفهوم تمثيلاً أو تحديدًا شاملاً. كيف نستطيع إذًا أن نردَّ على هذه الاعتراضات لإنقاذ قيمةٍ وفضيلةٍ أخلاقيةٍ تبدو ضرورية للعيش معًا في مجتمعٍ تعدديٍّ نتمناه، أي مجتمعًا عادلاً خاليًا من العنف؟ يطرح بول ريكور Paul Ricœur التساؤلات نفسها ويشعر بالصعوبات نفسها[15]. لذلك ينطلق من قاموس Le Robert الفرنسي، أي من فهمٍ مشترك يستطيع الجميع أن يستوعبوه. فالقاموس يعرِّف كلمة «التسامح» بطريقتين: 1. «فعل التسامح بشيء، عدم المنع أو الفرض مع أنه يمكننا ذلك؛ والحرية الناتجة عن هذا الامتناع». 2. «موقف يقبل لدى الآخر طريقةً في التفكير أو التصرُّف مختلفة عمَّا نتبناه». ويشير ريكور إلى أنَّ التعريف الأول يقوم على الامتناع، وتطغى على الثاني سمة القبول. في هذا المجال، يمكن طرح عددٍ من التساؤلات: ما هو الامتناع المقصود؟ مَن عليه أن يمتنع؟ كيف يمكن لسلبية الامتناع أن تتحلى بقيمةٍ أخلاقية؟ كيف يتم الانتقال، في التعريف الثاني للتسامح، من الامتناع عن المنع أو الفرض من جهة القادر على ذلك إلى قبول الاختلاف من ناحية كل طرف؟ ويلاحظ بول ريكور من جهةٍ أخرى أنَّ التعريف الأول للتسامح يستهدف، على ما يبدو، مؤسَّساتٍ أو سلطاتٍ تظل غير محدَّدة. وبالتعارض مع التعريف الثاني لعدم التسامح: «موقف يعادي التسامح الكنسي أو المدني»، يلاحظ أنَّ الهيئتين أو السلطتين مذكورتين: سلطة كنسية وسلطة مدنية. بينما التعريف الثاني للتسامح، الذي يعارض التعريف الأول لعدم التسامح: «ميل إلى عدم تحمُّل، إدانة، ما لا يُعجِبُ من آراء الآخر أو سلوكه»، يبين أنَّ التسامح يستهدف السلوك الفردي أو الفرد في علاقاته. انطلاقًا من هذا، يتساءل ريكور هل ما يجوز في مضمار الحقوق التشريعية (السلطتان)، يجوز أيضًا على مستوى العقليات والتقاليد الثقافية (الأفراد)؟ ويتساءل أيضًا هل يتغير معنى اللفظ حين يمتد ليشمل الممارسة الدينية والتفكير اللاهوتي (وذلك بالربط مع منبع المسيحية: الكلمة). إنَّ هذا الخلط، بالنسبة إليه، بين مضامير مختلفة حيث ينبغي على اللفظ أن يتخذ معانٍ مختلفة هو أحد الخطرين القادرَين على بلبلة الخطاب في مسألة التسامح في أيامنا. وبسبب هذا الغموض في اللفظ، سيتعلَّق خطر ثانٍ بالخطر الأول (الخلط)، وهذا الخطر الثاني هو تفاهة الخطاب عن التسامح. وبسبب هذا الخطر، ظهرت شكوك حول مصداقية الخطاب عن التسامح، ويمكننا التعبير عنها بسهولة وفقًا لمبدأ شائع بين معاصرينا: «عِش كما تشاء، ودع الآخرين يعيشون كما يشاؤون أيضًا»[16]. وهكذا، يعبِّر خطر التفاهة بطريقةٍ أو بأخرى عن الاستياء الذي وصفه تشارلز تايلور أعلاه بتعبير: النسبية اللطيفة المحبذة في حياة المجتمع والثقافة السائدة اليوم. إعادة النظر في التسامح، مقاربة فلسفية بعد أن بينا في الجزء الأول «استهلاك التسامح ومقاومة ما لا يُسمَح به»[17]، سوف نتساءل، على خطى بول ريكور وتشارلز تايلور، هل ما شكَّل نموذج التسامح صالح لأيامنا؟ وسنبيِّن كيف أننا تخطينا اليوم هذا النموذج ونفتِّش عن أساسٍ أكثر إيجابية يتخطى ما تبقى من الامتناع السلبي في مفهوم التسامح. فقد بلغ نموذج التسامح هذا، بحسب رأي ريكور، غايته وتخطاها في مجتمعٍ ليبرالي وفي ديمقراطيةٍ مؤسَّساتيةٍ حقيقية. 1. مواجهة «الخلط»، بانوراما تاريخية نقدية رأينا أعلاه أنَّ الخطاب في التسامح معرَّض لخطر الخلط والتفاهة، وهذا يجعل مفهوم التسامح نفسه غامضًا. وسيحاول بول ريكور أن يبعد هذين الخطرين إذ يجري تحليلاً فلسفيًا يأخذ في عين الاعتبار التطور التاريخي لفكرة التسامح. فالمجتمع الغربي الحالي في نظره تخطى هذا النموذج [تسامح الامتناع]، ويفتِّش عن أسسٍ أكثر إيجابيةً تتخطى ما بقي من الامتناع في مفهوم التسامح.[18] وتجدر الإشارة منذ البداية إلى أنَّ ريكور يرى وجود ثمنٍ ينبغي دفعه على الدوام طوال هذا التطور التاريخي، أو تخلٍّ ينبغي القيام به في سبيل التقدُّم على درب التسامح. بمعنى آخر، إنَّ هذا التطور هو دومًا طريق – بعدَّة مراحل – من التخلي عن العنف وعن الاعتقاد بالحقيقة الكاملة[19]. ما هي هذه المراحل؟ وما هو الثمن الذي ينبغي دفعه في كلِّ مرحلة ومَن يدفعه؟ هذه هي الأسئلة التي ينبغي الإجابة عنها. ولأجل ذلك، يضع ريكور المراحل التالية[20]: 1. المرحلة الأولى أن نتحمَّل على الرغم منا ما لا نوافق عليه لأننا لا نستطيع منعه[21]. يمكننا الانتباه إلى عدَّة نقاطٍ في هذه المرحلة الأولى: أولاً، فيها يكمن الامتناع الذي رأيناه أعلاه. نمتنع لأننا لا نستطيع أن نفعل غير هذا. نحن مجبَرون على العمل بحسب القواعد الموضوعة مسبقًا، ولكن، مَن الذي وضعها؟ النقطة الثانية، يبين لنا تعبير: على الرغم منا أنَّ هذا الامتناع قهري. وحيث إنه قهري فهو سلبي. والثمن الذي ينبغي دفعه لنكون في هذه المرحلة من التسامح هو إذًا أن يضحي الفرد مجبرًا برغبته في العيش بحسب قناعاته وأفكاره. مَن يفرض أو يجبِرُ على هذا الامتناع؟ إنه طرف ثالث له سلطة أعلى من الطرفين، ولديه القدرة على كبح عنف قناعاتهما. ويمكن لهذا الطرف الثالث أن يكون مثلاً: القانون، حيث توكل مهمة تطبيقه إلى الدولة لمنع المتطرفين أو المعادين للأجانب في بلدٍ ما من اللجوء إلى العنف كي يحققوا هدفهم؛ أو حضور الجنود من أجل الحفاظ على السلام، إلخ. النقطة الثالثة وترتبط بالتاريخ. فالكلام على التسامح كامتناعٍ بالإكراه يعود إلى ما قبل حرب الأديان وعصر الأنوار الذي جعله بعضهم مهد التسامح. فبحسب مبدأ التسامح الذي يفرضه طرف ثالث، يمكننا القول إنَّ الأقليات داخل الإمبراطوريات الكبيرة (المسيحيون واليهود في الحكم الإسلامي مثلاً[22]) كانت تتمتع بتسامحٍ من هذا النوع وبحسب هذا المبدأ. هذه المرحلة الأولى هي في أسفل سلم تطور التسامح. إنها هشَّة لأنها لا تتم إلا بالقوة وبحياد الطرف الثالث. ولا يمكننا أن نعرف قط حتى متى ستقاوم القوة وستستمر الحيادية من دون أن تنزلق إلى أحد المعسكرين. 2. المرحلة الثانية لا نوافق على طريقة عيش الآخر، ولكننا نجبر أنفسنا على تفهُّمها من دون الالتزام بها[23]. إنها خطوة نحو الأمام في طريق التطور. في هذه المرحلة، يتم الانتقال من الامتناع السلبي إلى الامتناع الإيجابي. نمتنع ونحاول فهم الاختلاف. يتسم هذا الانتقال بأزمةٍ وحتى بتمزُّقٍ داخليٍّ شديد. في هذه المرحلة، حين يكتشف المرء أنَّ الآخر يعيش حياةً هانئة بحسب قناعاته التي ليست قناعاته هو، يكتشف محدوديات قناعاته وأفكاره. فيعيش صراعًا داخليًا بين القناعة الداخلية القوية من جهة، وجهد التصوُّر واللطف الواجب بذله من أجل الاتصال بالآخر حيث هو، وحيث لا يستطيع [الشخص المتسامح] أن يذهب ولا يريد أن يذهب[24]. في هذه المرحلة، يمكننا أن نتكلَّم للمرة الأولى على المسكونية والحوار بين الأديان، أي يمكننا أن نوسِّع مضمار التفكير ليشمل القضايا الدينية. وفي هذه المرحلة أيضًا، تظهر الروح النقدية داخل الفرد. باختصار، تتميَّز هذه المرحلة بالعلاقة غير المستقرة وغير المحتملة بين القناعة والنقد. فالقناعة تحوي عادةً نفحةً من عدم التسامح، أي الاندفاع لفرض القناعات الشخصية على الآخر. وفي اكتشاف عدم التسامح الكامن في القناعات يعيش الفرد أزمته الداخلية؛ إذ كيف يستطيع أن يوفِّق بين قناعةٍ لها قيمة مطلقة في نظره واختلاف الآخر الذي يعيش معه في مساحة العيش نفسها؟ إنها مسألة مزعجة لا تترك الشخص الذي يتساءل حولها حياديًا. على هذا الأساس، فإنَّ الثمن الواجب دفعه للوصول إلى هذه المرحلة من التسامح – وهي بالأحرى في المضمار الثقافي أو الشخصي لا المؤسَّساتي – هو هذا التوتر أو المعركة أو التمزُّق الداخلي. وبسبب عدم الاستقرار في هذه المرحلة، من الضروري الانتقال إلى المرحلة التالية. 3. المرحلة الثالثة لا نوافق على طريقة الآخر في العيش، ولكننا نحترم حريته في العيش كما يحلو له، لأننا أقرينا بحقه في أن يُظهِرَ هذه الحرية على الملأ[25]. في هذه المرحلة يتم الانتقال، بخطوة حاسمة، من الامتناع الإيجابي، الذي يسعى إلى فهم اختلاف الآخر، إلى القبول، أي قبول الآخر. وهنا يتم الإقرار بحرِّيته وحقه في إظهارها على الملأ، بما فيه حقه في ترك دينه أو حقه في الجحود (حقه في أن يخطئ، إذا أردنا قول هذا بطريقةٍ سلبية). في هذه المرحلة يضع بول ريكور نموذج التسامح في عصر الأنوار. فقبل تلك الفترة، يلاحظ ريكور أنَّه كانت هناك معاهدة جدلية (ديالكتية) بين الدولة والكنيسة (السلطتان الكبيرتان). فالكنيسة تمنح الدولة مسحةً، أي تقرُّ بحقِّها الإلهي في أن تحكم الشعب؛ وبالمقابل، كانت الدولة تمنح الكنيسة شدَّة الساعد الدنيوي، أي المنع الذي تحتاج الكنيسة إليه للحفاظ على نقاء عقائدها. في عصر الأنوار، انهارت هذه العلاقة الجدلية بين الدولة والكنيسة، وصارت الدولة فاقدة القدسية، وفقدت الكنيسة قدرتها على الإجبار. في هذه المرحلة ولِدَت دولة القانون[26]، وهي ثمرة فقدان السياسة للمسحة الدينية. وتظهر دولة القانون في أمرين: - أولاً، إنها تمتنع عن فرض قناعاتها على الأفراد، وهذه ولادة للحرية: حرية الرأي، والتعبير، والتعليم، إلخ[27]. فنجد هنا أنَّ الامتناع من ناحية الدولة والقبول من ناحية الفرد يرتبطان بعضهما ببعض. - ثانيًا، تظهر دولة القانون من خلال العدالة، أي أنَّ جميع الأفراد متساوون ويتمتعون بالحقوق نفسها أمام القانون. إنه مبدأ المواطنة. لكن العدالة تتضمَّن أيضًا الحقوق المتساوية لجميع الأفراد في المشاركة بشكلٍ فعَّال في الخيرات المادية وتشكيل السلطة السياسية مهما كان معتقد الفرد أو قناعاته (البعد الرسمي لدولة القانون). وفي حال عدم التساوي بين مختلف المجموعات التي تكوِّن المجتمع (عدم مساواةٍ عددية، غنى، سلطة أخلاقية، إلخ)، تتطلَّب العدالة أن تنال المجموعة الضعيفة نصيبًا أقلَّ من الضرر في حال توزيع الفوائد والأضرار (البعد المادي لعدالة دولة القانون، أي التساوي في الفرص)[28]. وهكذا، يحق لمختلف الجماعات أن تنمي خصوصياتها في الحياة الشخصية كما في الحياة الاجتماعية، شريطة احترام قواعد النظام العام. وهذا الحق هو في صلب مبادئ دولة القانون والديمقراطية الحديثة. فالحريات العامة تؤمِّن حرية التعبير، الحق في ممارسة الديانة بحرية أو استعمال اللغة الشخصية. وفي الآن نفسه، على هذه الخصوصيات ألا تؤسِّس هوية سياسية خاصة يُعترَفُ بها داخل الساحة العامة. فالنطاق العام هو، وعليه أن يلعب هذا الدور دائمًا، رابط الوحدة السياسية والمشروع المشترك لكلِّ الجماعات والأفراد. في هذه المرحلة، تظهر بوضوحٍ إمكانية الخلط بين المجالات: المجال المؤسَّساتي (امتناع الدولة عن فرض نفسها[29]) والمجال الثقافي (قبول الفرد أو إقراره بحرية الآخر). إنَّ التسامح في هذه المرحلة مكلف جدًا لأننا لا نقبل بسهولة أن يتمتع الذين لا يفكِّرون مثلنا بحقوقٍ مثلنا في إعلان قناعاتهم [وعيشها] لأننا نعتقد بأنَّ هذا يعني منح الحق نفسه للحقيقة وللضلال[30]. 4. المرحلة الرابعة لا نوافق ولا نعارض دواعي عيش الآخر بشكلٍ مختلفٍ عن الذات، بل ربما تعبِّر هذه الدواعي عن علاقةٍ مع الخير والحق لا يستوعبها [مَن يعيش خبرة التسامح] بسبب محدودية الفهم البشري[31]. إذا كانت المرحلة الثالثة خطوة حاسمة في سلم التفكير حول التسامح، فإنَّ هذه المرحلة منعطف في هذا التفكير. وكذلك، إذا كانت المرحلة الثانية تتميَّز بالتمزُّق (يُعاشُ كأزمةٍ داخلية) في القناعات، فإنَّ التمزُّق في هذه المرحلة يصبح تمزُّق الحقيقة. في الواقع، إنَّ هذين التمزقين منطقيَّين حيث إنَّ القناعة هي مآل التفكير، فهي تتضمن إذًا اعتبار ما يؤمَنُ به ويُعترَف أنه حقيقة. باختصار، القناعة هي افتراض الحقيقة. من جهةٍ أخرى، وللمرة الأولى، لا تحوي هذه المرحلة شجبًا، ولكننا نتابع عدم موافقتنا. لذلك نعتقد بأنَّ في المعتقدات التي لا نشارك بها، ومع ذلك نمتنع عن شجبها، شيئًا ما لا نفهمه، لكن الآخر المختلف يفهمه. لذلك نعتقد باحتمال وجود – بل لا شك في وجود – حقيقة خارج مجموعتنا، أي في قناعات الآخر التي ليست قناعات الذي في هذه المرحلة. نحن هنا في مجالٍ بعيدٍ عن القانون والخطأ اللذَين رأيناهما أعلاه، واللذَين تضمنهما دولة القانون. وكذلك، ليست مبادئ العدالة التي التقيناها أعلاه كافية (امتناع الدولة والمساواة أمام القانون)، وينبغي الانتقال من امتناع الدولة عن فرض نفسها إلى مبدأ أكثر إيجابية. ويرى ريكور أنَّ تطبيق هذا المبدأ أصعب، لأنه افتراض بأنَّ اعتناق الآخر لمعتقداته هو اعتناق حر، وهذه الحرية المفترضة تستطيع وحدها أن تجعل المعتقد في فئة الشخص لا في فئة الشيء، فتجعلها بالتالي تستحق الاحترام[32]. وفي هذا الاحترام، «وهو فضيلة التسامح على المستوى الثقافي»، يكمن الانتقال، أو الانعطاف من سلبية النظرة إلى الآخر إلى الإيجابية. إنَّ الثمن الذي ينبغي دفعه في هذه المرحلة هو التساؤل حول الحقيقة التي نلتزم بها، ونحن مستعدون لأن نضحي بحياتنا في سبيلها. فالمسألة هي أن نقبل بأننا لا نمتلكها ولن نمتلكها أبدًا، لأنها ليست شيئًا نمتلكه. إنَّ تطور التسامح هذا في نظر ريكور يتميَّز بما يسميه التوافق الصراعي Consensus conflictuel: توافق بمقدار ما تتفق فيه الثقافة المسيحية والثقافة العلمانية على قيمٍ مشتركة تؤسسانها بشكلٍ مختلف ... وصراعيٌّ بمقدار ما لنهري الحداثة [المسيحية والعلمانية] ليس فقط منابع مختلفة، بل ويحتفظان بمسارين مختلفين أيضًا[33]. استطاع بول ريكور في هذا التحليل أن يتغلَّب على خطر الخلط إذ ميَّز بين مختلف مضامير التسامح: المضمار المؤسَّساتي وتمثِّله هيئتا الدولة والكنيسة؛ المضمار الثقافي ويمثِّله كل فردٍ يهتم بهذا الموضوع مع مدار أو تيارات الفكر المكافئة؛ وأخيرًا مضمار التفكير اللاهوتي ولهذا كلام خاص لسنا في صدد معالجته. بقي علينا الخطر الثاني وهو التفاهة. لقد رأينا أنَّ المرحلة الرابعة تميَّزت بتمزُّقٍ للحقيقة، أو «بزهدٍ في القناعة»[34]، إذا أردنا استعمال تعابير ريكور. على هذا الزهد أن يكون ناضجًا حقًا وناتجًا عن التفكير. لولا ذلك لتحوَّل إلى سرطانٍ حقيقيٍّ للقناعة يدمِّرها من الداخل. فقناعة من هذا النوع (بدون نضج وتفكير) ليست قناعة بل رأيًا بين آراءٍ أخرى. وهنا يمكن لكل شيءٍ أن ينقلب من التسامح إلى اللامبالاة (النسبية). بتعبيرٍ آخر، حين لا تكون القناعات سوى رأيًا، فإنَّ الاعتراف بالاختلافات يصبح فجأةً لا مبالاة، أي موقفًا يعتبر كلَّ شيءٍ صالحًا، وما من شيءٍ يستحق الالتزام؛ ويصبح التسامح سهلاً، لأنه فقد في الواقع فضيلته وقوَّته في لجم العنف الكامن في القناعة[35]. هذا ما نقصده بتعبير التسامح الساذج الذي ليس لديه ما يقوله للآخر، وقد أشرنا إليه أعلاه. وفي هذا التسامح تكمن تفاهة الخطاب حول التسامح، التي تشكِّل الخطر الثاني. فما الذي يجب فعله لمواجهته؟ 2. مواجهة «التفاهة»: غير المقبول لإزالة خطر التفاهة، يقترح ريكور إدخال تعبير: غير المقبول Intolérable في تفكيره حول التسامح، واللاتسامح في آنٍ واحد. إنَّه صرخة القلب الأولى التي تعبِّر عن السخط: هذا فعلاً غير مقبول. وهو يتساءل حول المتذمر الذي يطلق هذه الصرخة: هل يقوم غير المتسامح بإسقاط نبذه الظالم على الآخر، أم اكتشاف المتسامح لحدود تسامحه ولكل تسامحٍ في النكران؟[36] في الواقع، ينظر بول ريكور، بفضل تحليله الذي ذكرناه أعلاه، إلى غير المقبول بطرائق متعددة، وفقًا لاختلاف مجالات تطبيق التسامح: 1. في المجال المؤسَّساتي رأينا أعلاه أنَّ ولادة الحرية هي ثمرة دولة القانون. فالقانون، بحسب مبدأ العدالة، هو ضمان هذه الحريات التي تسمح بوجود قناعاتٍ مختلفة. وكذلك، من خلال قواعد النظام[37] règles d'ordre، يمنع القانون بأن تدوس حرية مجموعةٍ ما على حرية الآخرين. وبحسب مبدأ قواعد النظام هذا يمكننا أن نفهم ردود الفعل العنيفة للدولة، وحتى للدول، تجاه الإرهاب والبدع، إلخ. ولكي يكون القانون قانونًا حقًا، أي عادلاً، ولكي يقوم بمسؤوليته، عليه أن يمتنع عن التدخل في الجدال حول الحقيقة بين مختلف الأطراف، لا بسبب شكوكه كما هو حال اللامبالاة، بل لأنه «حَكَمٌ في الادعاءات المتناحرة لا محكمةٌ في مسألة الحقيقة»[38]. في هذا السياق، من المهم التمييز، مع عدم الفصل، بين العادل (في المضمار السياسي) والحقيقي (في مضمار التقاليد الفلسفية والدينية). فالسياسة لا تدَّعي أنها تملك الحقيقة وإنما فقط شروط العدالة التي تسمح بالتعاون الاجتماعي. وفي الآن نفسه، لا يمكن للعادل أن يولد إلا من الجدال بين القناعات حول ما هي الحياة الصالحة. بهذه الطريقة نفهم عدم التوافق بين مسألة الحقيقة والعدالة داخل دولة القانون. إنَّ عدم التسامح في نظر ريكور يكمن في الخلط على مستوى المؤسَّسات بين العدالة والحقيقة. حين يحدث هذا الخلط، تكف الدولة عن أن تكون حكَمًا أو ضمانًا للحرية، بل وسيلة قمعٍ بين يدي مجموعة ضدَّ المجموعات الأخرى. 2. في المضمار الثقافي رأينا أعلاه، في المرحلة الرابعة، أنَّ افتراض اعتناق الآخر لمعتقداته هو التزام حرٌّ يجعله تلقائيًا في خانة الشخص وليس في خانة الشيء. وبالتالي، تستحق معتقداته وشخصه الاحترام. في مستوى التفكير هذا، يظهر غير المقبول في ما لا يستحق الاحترام [...] لأنه مؤسَّس على عدم الاحترام، أي رفض افتراض حرية الاعتناق في المعتقدات الأخرى. هذا غير مقبول لأنه نبذٌ، أي ما ينبغي علينا رفضه، ما لا ينبغي السكوت عليه. بتعبيرٍ آخر، يُطبَّقُ معيار قواعد النظام في المجال الثقافي داخل المجتمع الحديث على النحو التالي: نقبل جميع الطرائق التي يقود بها كل واحدٍ حياته، شريطة ألا يؤذي حياة الآخر أو حريته. بهذه الطريقة يمكننا أن نفهم ردود الفعل القاسية تجاه السلوكيات التي لا يمكن قبولها، بل ولا السكوت عنها، كالتفرقة العنصرية والخوف من الأجانب (الاتفاق الأوروبي ضدَّ اليمين المتطرف في النمسا حين تسلَّم الحكومة)، أو الإعتداء الجنسي على الأطفال، إلخ. وهكذا، حين نقبل صرخة الاستهجان أو اللامقبول، يُبعَدُ خطر التفاهة عن الخطاب حول التسامح. بيد أنَّ السؤال الذي يبقى يُطرَحُ على مستوى الشخص الذي يحق له تحديد اللامقبول وبحسب أي معيارٍ يحدِّده. هل صرخة الاستهجان المأخوذة على أنها معيار للامقبول صالحة على الدوام مهما كان الوضع؟ إنَّ المسألة ليست سهلة، وتظل مطروحة دومًا للتمييز لدى مَن تقع عليهم مسؤولية الإجابة. وسوف نحاول الإجابة عن هذا السؤال. تخطي السلبية، تأسيس التسامح فلسفيًا 1. مقاومة السؤال لا شك في أنَّ هناك بقايا من عدم التسامح في الثقافة الديمقراطية المعاصرة، أو «جيوب من عدم التسامح»[39] كما يسميها ريكور. لكن خطر الديمقراطية الحقيقي اليوم ليس ما تبقى من عدم التسامح في بعض الممارسات، بل اللامبالاة المتولِّدة عن تمزُّق الحقيقة الذي رأيناه في المرحلة الرابعة. هذا يعني أننا حتى وإن وضعنا اللامقبول أو صرخة الاستهجان كوسيلة كبحٍ لهذه اللامبالاة، سنظل دومًا في نظام عملٍ سلبي. فحين يكون هناك اللامقبول، ستُتَّخَذُ الإجراءات الضرورية لمنع أذية الآخر. ويتم التدخُّل إذًا من أجل المنع. وفي هذا تكمن سلبية التدخُّل. نحن نستطيع اليوم أن نستنكر وأن نفعلَّ كل ما هو ضروري لمنع كل ما تم إقراره توافقيًا أو قضائيًا بأنه شرٌّ. بيد أنَّ المشكلة تظل باقية لأننا عاجزون، كما يقول ريكور، «عن معرفة الخير الذي يخالفه هذا الشر»[40]. فالمسألة تتعلَّق إذًا بنمط الحدِّ الأدنى والسلبي للعمل السياسي (بمعنى العيش معًا): المنع من الأذية، بدل النمط الأعظم والإيجابي: دعم الخير. في هذه المرحلة، يلتقي بول ريكور بتشارلز تايلور. فالاثنان يقرَّان بأهمية الحداثة والليبرالية وصلاحهما في تأسيس العيش معًا داخل مجتمعٍ تعدُّدي. لذلك فإنَّ الاثنين مفيدان من أجل التفكير الجاد القادر على الاعتراف بصلاحية الحداثة وتخطي، في الآن نفسه، سلبياتها في مسألة العيش معًا في ظلِّ العدالة والسلام. 2. إعادة تأسيس التسامح فلسفيًا إنَّ تايلور وريكور ليسا معارضَين للثقافة الحديثة. إنهما ليسا من الناس الذين يرون أنَّ الثقافة الحالية هي ثقافة الأنانية والتسيُّب والانفلات الأخلاقي. وليسا أيضًا من المدافعين الأشداء عن هذه الثقافة، أي ليسا من الذين يعتبرون أنَّ الثقافة الحالية تدرُّ الخير فقط وهي صالحة[41]. بل على العكس، حين ينتقدا الثقافة الحديثة فإنهما يسعيا إلى تخطي سلبياتها وتدعيم نظام عيشٍ مشترك أكثر إيجابيةً، أي قادرًا على تخطي محورية الأنا وتأسيس نظامٍ يكون لدعم الخير فيه أولوية على منع الشر. لقد أراد الاثنان أيضًا أن تكون إعادة التأسيس هذه كاملة. ففي نظر ريكور، إنها مسألة تأسيسٍ مشترك[42] للتسامح يدرج ويقر في الثقافة المعاصرة كل العناصر الثقافية الإيجابية للماضي، منذ العصر اليوناني الروماني حتى أيامنا. وغاية هذا التأسيس المشترك هي إيجاد ما أسماه الفيلسوف الفرنسي: الملء[43] le trop-plein الذي يتخطى المنابع المنسية لثقافتنا ويسير بعكس الفكرة التي تقول إنَّ الديمقراطية قائمة على فراغ [...] وهي في حالة إنتاج ذاتها بذاتها مستمرة انطلاقًا من الفراغ أو من ذاتها[44]. ويقرُّ تايلور أيضًا بأننا نحتاج في الجدال الأخلاقي إلى محادثٍ، ولا يمكننا التفكير انطلاقًا من العدم[45]. وسيحاول إظهار علاقةٍ فريدة بين مخزون الهوية الحديثة والخصوصية الثقافية. ويُخصَّصُ تايلور المكانة المركزية بين هذه الخصوصيات للخصوصية الدينية. وكما أشارت آن فورتان[46] Anne Fortin، يعتبر تايلور أنَّ «الديني هو بعدٌ ضمني في الهوية الحديثة، فهو مساحة تسمح للبشري بالارتباط بالصلاح». إنَّ هذا هو بالضبط الارتباط بين المحورية الإنسانية (التي تولِّد المبالغة فيها الفردانية، أول أمراض الحداثة) والمافوق-طبيعية، التي يحاول تايلور أن يضعها في أدبياته. فالحداثة، التي فصلت جذريًا داخلية الكائن البشري على حساب خارجيته، ساعدت على تطرُّف محورية الإنسان على حساب المافوق-طبيعي. حينها، أصبحت غاية تايلور واضحة جدًا. إنه يعي تمام الوعي للحرج الذي تواجهه الحداثة، ويحاول، مستعينًا بالتاريخ الواقعي والجدلية الهيغلية، أن يعيد الارتباط مع تنوُّع المصادر الأخلاقية وتعقيداتها، كي يفسح المجال أمام ديناميكية جديدة لما بعد النقد postcritique وما بعد الرومانسية postromantique، حيث يصبح حوار الكائن البشري والله، العقل والإيمان، التاريخ والجمال، ممكنًا مرةً أخرى وخصبًا، من خلال استعمال وسائل جديدة من الاتصال ومن الحضور في المجتمع الشامل[47]. يلاحظ تايلور أنَّ تحوُّلاً ثقافيًا يُعاش فعليًا في ثقافتنا، خصوصًا بين الشباب. ولا يمكن اعتبار هذا تسيُّبًا أخلاقيًا ولا كبرياءً ولا تساهلاً. لا شكَّ في أنَّ الأمور لا تسير نحو الأفضل (موقف المعارضين)، لكن الثقافة المعاصرة لها مصداقية[48] (موقف المدافعين). فموقف تايلور يقول إذًا: على الرغم من كل انحرافات الثقافة المعاصرة، توجد بدون شكٍّ مثالية أخلاقية للمصداقية un idéal moral de l'authenticité وراء الإيديولوجية القوية لانشراح الذات. وللتفتيش عن هذه المثالية الأخلاقية، لا ينبغي السعي وراء تسويةٍ بين تكلفة الحداثة (الضعف الحقيقي للمدنية) ومنافعها (مزيد من الحرية الفردية)، بل يجب أن نرى في البحث عن هذه المثالية آليةً فعلية قادرة على توجيه كل مَن يشاء نحو «السعي وراء وجودٍ أفضل أو أسمى، أي وجودًا محدًّدًا بالنسبة إلى مثاليةٍ نتوق إليها»[49]. وصعوبة هذا السعي تكمن فعليًا في ثقافة تسامحٍ تجعل جميع أشكال انشراح الأنا نسبيةً. وبذلك، لن تُقبَلَ «أنماط حياةٍ أسمى من الآخرين»[50] على الإطلاق كما هي. وبالتالي، فإنَّ هذه المثالية الأخلاقية حاضرة في الثقافة المعاصرة في شكل بديهيةٍ ولم تتم قط صياغتها ضمن السياق أو تحديدها، وسوف يرفضها أعداؤها ويخفيها أنصارها. خلافًا لمفهومٍ شديد التمحور حول الإنسان وضيِّق أفق الحياة الأخلاقية، حيث توجِّه الرغبات والاحتياجات الفردية وحدها طريقة الوجود في المجتمع، فإنَّ ما يحدِّد الحياة في المجتمع في نظرة تايلور ليس رغبات الفرد ولا احتياجاته الذاتانية. إنَّ موقف تايلور يعبِّر عن أنَّ هذه المثالية الأخلاقية موجودة. إنها مهترئة ولكنها موجودة. ويعتمد هذا على ثلاثة تأكيدات: 1) المصداقية هي مثالية صالحة (ضدَّ المعارضين). 2) يمكننا مناقشة المثاليات عقلانيًا وملاءمة ممارساتها (ضدَّ الذاتانية والمدافعين). 3) يمكن لهذه المناقشات أن تصل إلى نتائج (ضدَّ أفكار حتمية المسار في الثقافة المعاصرة)[51]. على البحث عن المثالية الأخلاقية أن يتم في التاريخ، من أجل إظهار جميع العناصر الأصيلة والمؤسِّسة للثقافة المعاصرة، بعد أن انقطعت هذه العناصر، ولأسبابٍ عديدة، عن جذورها التقليدية. لأجل ذلك يستعمل تايلور أسلوبه التاريخي والجدلي فيستعيد مصادر المصداقية داخل تقليده الشخصي (القديس أوغسطينُس وفكرته عن معرفة الله المقيم داخل الكائن البشري؛ روسّو وفكرته عن صوت الطبيعة داخل الكائن البشري أيضًا[52]). إنَّ حجة تايلور هي أنَّ الكائن البشري لا يستطيع اكتساب اللغة[53] (بالمعنى الواسع) إلا بالعلاقة مع الآخر، خصوصًا مع المهمين في نظره، فهو بالتالي محاور dialogique بطبيعته وليس منفرد الحديث monologique. لذلك يحتاج الكائن البشري احتياجًا ماسًا إلى الآخرين كي يعيش مرتاحًا في العالم، ويفهم نفسه، ويحدِّد لشخصه هوية، ويحقِّق ذاته، حيث إنَّ الهوية هي ما يشكِّل لدى الشخص «الخلفية التي تنال بموجبها أذواقه ورغباته وآراءه وطموحاته معانيها»[54]. وينتج عن ذلك أنه إذا تمَّ الإقرار بالأهمية الشديدة لبعض الأشياء في حياة شخصٍ، ولم تنل هذه الأشياء ملء معناها وملء قيمتها إلا في العلاقة مع مَن يحبه، فإنَّ المحبوب يصبح لهذا الشخص عنصرًا أساسيًا لهويته الداخلية. فالهوية لا تتكوَّن إذًا إلا في منظور الغيرية، لأنه، كما يقول تايلور: «تحديد ذاتي هو البحث عمَّا له مدلوله في اختلافي مع الآخرين»[55]. على هذا الأساس، لا يستطيع الشخص «أن يكتشف هويته بطريقةٍ منعزلة. إنه يساومها في حوارٍ مع الآخر، قسم منه خارجي والقسم الآخر داخلي»[56]. فالعودة إلى الذات، إلى العمق الداخلي، من أجل معرفة الذات وتحديدها، يجعل الفرد يفهم أنه كائن عقلاني مطلق. فهناك إذًا إمكانية، لا بل ضرورة، علاقة موجودة داخل الشخص البشري. من جهةٍ أخرى، فإنَّ أكثر الأشياء دلالةً في حياة شخصٍ ليست كذلك انطلاقًا من قرارٍ عاطفي أو مزاجي. إنها كذلك بمقدار ما تلبي تطلُّبًا فكريًا لا غنى عنه يشكِّل لدى كل كائنٍ بشري، ولدى كل الكائنات البشرية، أفق معنى horizon de sens لا يمكن الإحاطة به ويفلت من قبضة السيطرة. وينتج عن ذلك أننا إذا أردنا أن نعرِّف أنفسنا بطريقةٍ لها مدلولها، علينا أن نتجنب أن نلغي أو نرفض الآفاق التي تنال الأمور بموجبها معنىً بالنسبة إلينا[57]. وإذ تمَّ تبيان هذين المتطلبين (التطلب الحواري والتطلب التفكيري)، يتم تحوُّل الحوار غير الملتزم إلى حوار ملتزم. ففي الحوار الأدبي، ولتفادي تدمير المجتمع لنفسه، يستطيع الشخص، بل عليه، أن يعبِّر عن رأيه في مسألة قيم الآخر. وهذا يشكِّل حجةً داحضة للنسبية اللطيفة. كذلك حين نضع هذين المتطلَّبَين، نتفادى خطر المصداقية الذاتانية، إذ تتأسَّس المصداقية على الحوار لا على إيديولوجية الحرية التي تحدِّد ذاتها بذاتها. فتتمُّ بذلك حماية المصداقية من الزوال حين تتجابه مع الحرية المحدِّدة لذاتها التي أثارتها ليبرالية أسيء فهمها وأسيئت إدارتها وبهذا يُعاد الإعتبار إلى مبدأ الليبرالية نفسه. يعود الفضل لمنهج تايلور في فتح طريقٍ جديد، من خلال الجدلية التاريخية، لإعادة التفكير، بطريقةٍ نقدية وغير امتثالية، في العلاقة بين المحورية البشرية واستقلالية الكائن البشري (الضمنية) من جهة، والمافوق-طبيعية، أفق الوجود البشري (التسامي) من جهةٍ أخرى. فكل التقاليد المعقولة traditions raisonnables، وعلى الرغم من اختلافها، ستشهد حضورًا واضحًا ونشِطًا في الساحة العامة، مع إقرارٍ متبادل بعضها لبعض. وهذه النقطة الأخيرة هي منعطف هام للنظرية الليبرالية في العدالة[58]، مع الحفاظ على كل ما هو أصيل في هذه الثقافة الحديثة، أي دعم الحرية الفردية، التي لا ينبغي أن تعرِّف نفسها على أنها فردانية، وضمان العدالة بحسب المبدأين اللذَين رأيناهما أعلاه. ففي الحقيقة لا تعارض الأصالة المتطلَّبات التي تسمو على الأنا بل تستدعيها[59]. الخلاصة والنظرة المستقبلية أين نحن من التفكير هذا؟ لقد تمَّ تحديد مجالات تطبيق التسامح (المجال المؤسَّساتي مع هيئتيه: الدولة والكنيسة، المجال الثقافي المرتبط مباشرةً بالأفراد كأفراد، وأخيرًا المجال اللاهوتي)، وبالتالي أُبعِدَ خطر الخلط في المجالات. إنَّ صرخة الاستهجان، أو اللامقبول، قد تمَّ قبولها، وتمَّ تحديد مبادئ العدالة الحكومية (مبدأ المساواة الرسمية ومبدأ المساواة المادية) ومبدأ الاحترام في المجال الثقافي. وبالتالي أُبعِدَ خطر التفاهة في الخطاب حول التسامح. بيد أنَّ تدعيم التسامح إيجابيًا في مجتمعٍ تعدُّدي يتطلَّب، بحسب مبادئ العدالة، تساميًا على مركزية الأنا ومنع الشر من أجل تسريع مسار دعم الخير. ماذا، أخيرًا، عن مجتمعنا الشرقي العربي والتعددي؟ أحبُّ كثيرًا هذا القول الذي قاله أحد الحكماء: إنَّ الاهتمام بخير الآخرين، والتسامح الذي يتواكب معه، قد يُتوقع أن يبدأ في دار المرء... ولكن يجب ألا ينتهيا فيها. إنَّ التسامح، كونه فضيلة وقيمة أخلاقية، يفترض في كل شخص القدرة على أن يتحمَّل مسؤولياته الأخلاقية في المجتمع، وهو بهذا يعارض كلَّ ميل إلى الحكم المسبق يرى أنَّ أشخاصًا ما في المجتمع لن يسعهم على الإطلاق أن يصبحوا متسامحين. إنَّ افتراضًا كهذا يشكِّل القاعدة الأساسية لحياة سياسية أصيلة في مجتمع تعددي (بالمعنى الحقيقي لكلمة سياسة، أي العيش معًا بأكثر ما يمكن من عدالة لجميع الناس والجماعات). وهو في الوقت عينه دعوة إلى ربط العملية التربوية في ذاك المجتمع، وفي كل مجتمع، بالسياسة. إنَّ هذين البعدين السياسي والتربوي هما ما يجب أن نؤكِّد عليه في عملية بناء فضيلة التسامح في عالمنا العربي المتعدِّد الثقافات. فلما لا يكون عندنا من يفكِّر بالتسامح ومبادئه وينطق باسمهِ؟ مجلة المشرق: السنة الخامسة والثمانون، الجزء الأول (كانون الثاني – حزيران 2011) المراجع العربية - مجموعة من المؤلفين، التسامح بين شرق وغرب، دراسات في التعايش وقبول الآخر، ترجمة ابراهيم العريس، بيروت، دار الساقي، 1992. المراجع الأجنبية - HABERMAS Jürgen et RAWLS John, Débat sur la justice politique, Paris, Cerf, 1997. - MENDUS Suzan, « Tolérance et pluralisme moral », In Dictionnaire d’éthique et de philosophie morale, Paris, PUF, 2004. - MÜLLER Denis, « Les sources religieuses du soi », dans Laval Théologique et Philosophique, 58, 2 (Juin 2002). pp. 341-356. - « The Declaration on Religious Freedom », in Change in Official Catholic Moral Teaching, Edited by Charles E. Curran, New York, Paulist Press, 2003, pp. 3-12. - POURTOIS Hervé, « La société libérale face au défi du pluralisme culturel », dans Revue Philosophique du Louvain, Vol. 98, no 1, 2000, pp. 6-26. - Recueil de textes, La Tolérance, pour un humanisme hérétique, Paris, Autrement, 1991. - RICOEUR Paul, Lectures 1, Paris, Seuil, 1991. - « Le dialogue des cultures », dans Aux sources de la culture française, Paris, Editions la Découverte, 1997. - Parcours de la reconnaissance, Paris, Stock, 2004. - TAYLOR Charles, A Catholic Modernity, New York, Oxford University Press, 1999. - Multiculturalisme, Différence et démocratie, France, Flammarion, 2003. - Grandeur et misère de la modernité, Québec, Bellarmin, 2004. - WALZER Michael, On Toleration, Yale University Press, 1997. [1] يقول الفيلسوف الأمريكي مايكل والزِر Michael Walzer: "يجعل التسامح الاختلاف ممكنًا؛ بينما يجعل الاختلاف التسامح ضرورة". On Toleration, Yale University Press, 1997, pp. xi-xii. [2] سمير الخليل، التسامح بين شرق وغرب, ص 5. [3] Hervé Pourtois, « La société libérale face au défi du pluralisme culturel », dans Revue Philosophique de Louvain, Vol. 98, no 1, 2000, p. 6. [4] يعتمد فهمنا لفلسفة راوولز على جداله مع يورغن هابرماس Jürgen Habermas, Débat sur la justice politique, Paris, Cerf, 1997. [5] على المجتمع التعددي أن يكون قادرًا على وضع سياقٍ معقول، سواء للأفراد أو للتقاليد المختلفة فيه، يسمح لتعددية الأصول أو أنماط التقاليد بأن تتعايش معًا. العقيدة المعقولة بالنسبة إلى راوولز هي ما يشير إلى هذه الاختلافات. وبالتالي، في المجتمع الليبرالي أعداد من العقائد المعقولة ترتبط بأعدادٍ من الأفراد الواعين الأحرار المتفاعلين. لكن تعددية العقائد المعقولة لا تعني تواجدًا عشوائيًا بل على العكس، لكي يتم قبول عقيدة معقولة في المجتمع الديمقراطي والليبرالي، عليها أن تتوافق مع العقل، وإلا ستتعرض للرفض. [6] ومن بينهم يورغن هابيرماس Jürgen Habermas، تشارلز تايلور Charles Taylor، ماك إينتير MacIntyre. [7] Charles Taylor, Grandeur et misère de la modernité, Québec, Bellarmin, 2004, p. 26. [8] Ibid, p. 42-44. [9] Ibid, p. 31. [10] Ibid, p. 31. [11] نسبية، لأنه ما من شيءٍ معياري في الحياة الاجتماعية خارج الذات بالنسبة إلى فردٍ. ولطيفة لأنَّ هذا التحرُّر من المعيارية الخارجية يُطرَحُ بلطفٍ وبدون عنفٍ بحسب المبدأ النبيل «الاحترام المتبادل». وخير مثالٍ على هذا نجده في تأكيداتٍ مثل: يحقُّ لك أن تفعل كلَّ ما تشاء، مع أنني لا أوافق عليه، طالما أنَّ ما تفعله لا يهدِّد إرادتي في أن أفعل ما أشاء، حتى وإن لم توافق على ما أفعله. [12] Charles Taylor, « Grandeur et … », op. cit. p. 30. [13] Charles Taylor, « Grandeur et … », op. cit. pp. 12-15, 25-38; Multiculturalisme Différence et démocratie, France, Flammarion, 2003, pp. 41-55. [14] Suzan Mendus, « Tolérance et pluralisme moral », dans Dictionnaire d’éthique et de philosophie morale, p. 1536. [15] Cf. Paul Ricœur, « Tolérance, intolérance, intolérable », dans Lecture I, Paris, Seuil, 1991, pp. 294-295. سنشير في الحاشية إلى هذا المقال بالرمز: Art (1). وفي مسألة «التشكيك»، يمكن العودة إلى: Humberto Giannini, dans La tolérance pour un humanisme hérétique, Paris, Autrement, 1991, pp. 20-23. [16] Michael Walzer, op. cit. p. 20. [17] Paul Ricœur, « Le dialogue des cultures », dans Aux sources de la culture française, Paris, Editions de la Découverte, 1997, p. 97. سنشير إلى هذا المقال بالرمز: Art (2). [18] Art (2), p. 97. [19] Art (2), p. 99. [20] يقترح بول ريكور هذه المراحل في Art (2)، ولكننا سنعتمد على Art (1) لتحليلها. را. أيضًا: Michael Walzer, op. cit. pp. 10-12. [21] Art (2), p. 99. [22] Cf. Michael Walzer, op. cit. pp. 14-19. [23] Art (2), p. 99. [24] Art (2), p. 99. [25] Art (2), p. 100. [26] يفضِّل ريكور استعمال تعبير دولة القانون على الدولة العلمانية، لأنَّ هذا التعبير الأخير يرتبط على الدوام في ذهن الناس «ويعبر في تعابيرنا حتى يومنا هذا، عن عدم التمييز والخلط بين المستوى المؤسَّساتي – حيث يعني التسامح الامتناع فقط – والمستوى الثقافي – حيث يعبِّر التسامح عن علاقةٍ جدالية تترجَّح بين العدوانية والاعتراف المتبادل، بين ما ينبغي تسميته ثقافة علمانية، أي لادينية، غنوصية، وثقافة دينية كاثوليكية أساسًا [فرنسا].» Art (1), p. 298. [27] لنعد هنا إلى التعريف (1) للتسامح: «... حرية تنتج عن هذا الامتناع». [28] لكي يؤسِّس ريكور مبدأ العدالة هذا فإنَّه يستوحي من «نظرية العدالة» لجون راوولز. را. Art (1)، pp. 298-299. [29] يسمي ريكور هذه المرحلة من الدولة: الدولة اللأدرية Etat Agnostique، وهي لا تبت في مسألة الحقيقة، خصوصًا في مجتمعٍ تعددي. را: Art (1), pp. 300-301 [30] Art (1), p. 303. [31] Art (2), p. 100. [32] Art (1), p. 304. [33] Art (1), pp. 304-305. [34] Art (2), p. 98. [35] Art (1), p 304. [36] Art (1), p 294. [37] يقصد ريكور بتعبير قواعد النظام الدفاع عن النظام العام، في إطار حرياتٍ متنافسة، ومنع من أن تدوس أو تقمع إحداها الحريات الأخرى. [38] Art (1), p 300. [39] Art (2), p. 102. [40] Art (2), p. 102. [41] في مسألة الجدال بين المدافعين والمعارضين، را. « Grandeurs et … », op. cit. pp. 23-45 [42] Art (2), p. 103. [43] Art (2), p. 104. [44] Cf. Art (2), pp. 103-105. [45] Cf. « Grandeur et … », op. cit. pp. 46-48. [46] Op. cit. par Denis Müller, « Les sources religieuses du soi », dans Laval Théologique et Philosophique, 58, 2 (Juin 2002). p. 344. [47] Ibid, pp. 344-346. [48] هذا يعني أن الكائن البشري مسؤول عمَّا هو عليه، ومعياره لتمييز ما ينبغي عليه أن يكون موجود في داخله. [49] « Grandeur et … », op. cit. p. 28. [50] Ibid, p. 30. [51] Ibid, pp. 36-38. [52] Ibid, pp. 41-45. Cf. « Multiculturalisme… », op. cit. pp. 46-55. [53] يلحُّ هابرماس أيضًا على الحوار. لكنه ركَّز على بنية الحوار، بينما يلتفت تايلور إلى داخل تقليده ليشير إلى أهمية الحوار في الهوية. [54] « Grandeur et … », op. cit. p. 50 ; et « Multiculturalisme… », op. cit. p. 51. [55] « Grandeur et … », op. cit. p. 52. [56] Ibid, p. 65. [57] Ibid, pp. 53-54. [58] كما رأينا أعلاه، تتأسَّس هذه النظرية على فكرة أنَّ العدالة القصوى في المجتمع تتطلَّب حيادًا في الساحة العامة، وبالتالي لا يمكن السماح لأيِّ حضورٍ واضحٍ وعلني للخصوصيات الثقافية. [59] « Grandeur et … », op. cit. p. 58.
|
|
|