|
بحثًا عن الحقيقة
سؤال: هل بوسعك أن تخبرني تحديدًا بماذا تعتقد؟ رامي شابيرو: أعتقد أنه يوجد واقع وحيد فقط – سمِّه الله أو يهوه أو الطاو أو البراهمان أو الروح الكبرى أو الأب/الأم إلخ... – وأن هذا الواقع يتجلَّى بأشكال لامتناهية كالتنوع اللامتناهي للكون. وأعتقد أن اختبار هذا الواحد يتطلب منَّا مقاربة الحياة بشكل صحيح، أي برحمة وتواضع وبأقصى درجات الاحترام. وأعتقد أنه بمقدار ما تتضمن ديانات العالم من وسائل مفيدة تساعد على ترجمة هذه المبادىء إلى أفعال، بمقدار ما يجب تبجيلها. وفي المقابل، أعتقد أنه بمقدار ما تبشِّر نفس هذه الديانات بالثنائية والكراهية للغرباء وللنساء وبالعنصرية والعنف وضدَّ المثلية الجنسية، إلخ... بمقدار ما يجب رفضها. عقيدتي هي أن نحبُّ الله (الواقع والحياة) من كلِّ قلوبنا، مع كل نَفَسٍ، بكلِّ كياننا ومصيرنا، وأن نحبَّ الجار والغريب كما نحبُّ أنفسنا. سؤال: هذا هو تحديدًا ما بشَّر به يسوع. ر. ش.: لقد أضفتُ تعبير "الغريب"، ولكن ليس بوسعك أن تجِد من هو أكثر يهوديةً من يسوع. سؤال: وكيف ذلك؟ ر. ش.: لقد كان يسوع يهوديًا وفَّق بين تعاليم شعبه وبين زمانه. فما قام به يسوع في زمانه هو تمامًا ما أقوم به اليوم. وأنا غالبًا ما اتخذه قدوةً لي. سؤال: ألا يجعل ذلك منك مسيحيًا؟ ر. ش.: كلا، على الإطلاق. فالمسيحي هو من جعل يسوع إلهًا. أمَّا فيما يتعلَّق بي فإني أعتبره حكيمًا كبيرًا، رابيًا ونبيًّا ولكن ليس إلهًا. وعندما نسمح لأنفسنا بأن نقرأ كلمات يسوع كما جاءت، مع الانتباه إلى حال اليهود في القرن الأول وفي ظلِّ الاحتلال الروماني القاسي، فإننا نتبين أن يسوع هو ابن شعبه الذي أحبَّ لله، والجار والغريب. سؤال: لقد قرأت أنك تنظر إلى الكتاب المقدَّس بجدِّية ولكن ليس بشكل حرفي. فما الذي يعنيه هذا؟ ر. ش.: أعتقد أن جوهر الكتاب المقدَّس هو الأسطورة، وأن الأسطورة هي من أكثر الأدوات الفعَّالة التي نملكها كبشر من أجل سبر الأغوار العميقة للوعي. فهي تمكِّننا من أن نتبين ونتعرف إلى لاثنائية الله، وأن نشعر بها بمنتهى العمق. القراءةُ الحرفيةُ للكتاب المقدَّس تحجب عنا عمقه الأسطوري وتجعله بلا معنى. وفي حين ليس بوسعك تجاهل المستوى الحرفي للنص – موسى قابل الله عند شجيرة تحترق وليس في الوول مارت – فإن التمسُّك بالمستوى الحرفي فقط كان بين اليهود، وعلى مرِّ القرون، يعبِّر عن الجهالة. سؤال: لكني تعلَّمت أن القراءة الحرفية هي القراءة الصحيحة الوحيدة. ر. ش.: وهذا فارق آخر بيننا. لقد كان الرابانيون القدماء يعلِّمون بأن للكتاب المقدَّس أربع مستويات هي: الفشات أي المستوى الحرفي، والرمز أي المستوى المجازي، والدراش أي المستوى التخيلي، والسود أي المستوى الروحاني. فعندما تتعلم كيف تتناول التوراة بمستوياتها الأربعة تدخل الفردوس الذي هو الجمع الحرفي لأول حرفٍ من أسماء المستويات الأربعة للمعرفة. هذه بالعبرية هي الفردوس. سؤال: وهكذا فإن دراسة النص هي بالنسبة لك تمرين روحي؟ أيٌّ من تلك المستويات الأربعة هو بالنسبة لك الأكثر إنارةً؟ ر. ش.: تكون الدراسة تمرينًا روحيًا إن تعلمت كيف تتناولها بمستوياتها الأربعة. والدراش هو المستوى الذي يثير عندي الكثير من التساؤلات. فـالدراش هو ذلك المستوى من القراءة حيث التأويل ممكنٌ وحيث بوسع خيال القارئ أن يستخلص من القصص القديمة التي يقرأها قصصًا جديدةً. يعلِّمنا الرابانيون أن التوراة كتبت بنار سوداء، التي هي الأحرف الثابتة، وبنار بيضاء كتبت الفراغات التي تحيط بالأحرف وبالكلمات. وعليك أن تتعلم قراءة النارين. فبقراءتك للنار السوداء ترى ما هو مكتوب على الصفحات؛ وبقراءتك النار البيضاء ترى عن طريق خيالك ما هو مختبئ. سؤال: مثلاً؟ ر. ش.: مثلاً، لقد جاء في التوراة أنه بعيد تضحيته بإسحاق عاد إبراهيم إلى منزله وحيدًا؛ فالتوراة لا تخبرنا أين ذهب إسحق. إن عودة إبراهيم إلى منزله هي النار السوداء، أمَّا المغامرات غير المكتوبة لإسحاق فهي النار البيضاء. ما الذي حلَّ به يا ترى؟ وبماذا كان يفكر؟ وإلى أين ذهب؟ دع خيالك يحلِّق مع هذه التساؤلات وستكتشف أمورًا حول نفسك لا تستطيع النار السوداء أن تخبرك بها. سؤال: أمور تتعلق بنفسي؟ كيف يكون هذا ممكنًا؟ ر. ش.: الكتاب المقدس هو أسطورة، والأسطورة هي خريطة تكشف أعماق النفس البشرية. الكتاب المقدس يتحدث عنك. لذلك عندما تندمج في هذه اللعبة الخيالية المتدفقة التي هي الدراش ستتعلم طرق جديدة تساعدك على التعبير عن قصتك الخاصة وفهمها. فإنْ تمسكنا بقصتنا حول إبراهيم وإسحاق، وعندما تكتشف ما الذي فعله إسحاق بعد أن اكتشف نيَّة والده بقتله فإنك تستعيد في وعيك الرؤى غير الواعية المتعلقة بكيفية تعاملك مع الإجراءات المحتملة المهددة للحياة عند أهلك. تنظر الدراش إلى الكتاب المقدس كحلم رأيته الليلة الفائتة. وفعل الميدراش، بمعنى أن تتخيل قصص جديدة، هو فعل حلم يكشف المعاني والرسائل الأعمق التي يرسلها عقلك الباطن إلى عقلك الواعي. الكتاب المقدس من منظور الدراش يشبه حلمًا يدور كله حولك. ترجمة: أكرم أنطاكي *** *** ***
|
|
|