رأى
المرء طائرًا يموت، وقد أطلق رجل عليه النار. كان يطير طيرانًا جميلاً، يضرب
بجناحيه ضربات موقَّعة، بكل حرية وعدم خوف، حتى اخترقه رصاص البندقية، فسقط على
الأرض وقد فارقته الحياة. ثم جلبه كلب، وراح الرجل يجمع طيورًا ميتة أخرى. كان
يهذر مع صديقه، وبدا أنه عديم الاكتراث تمامًا؛ كل ما يشغل باله كان إسقاط أكبر
عدد ممكن من الطيور، والأمر فيما يخصه ينتهي عند هذا الحد. إنهم يقتلون في
أنحاء العالم كلها: تلك الحيوانات البحرية العظيمة الرائعة – الحيتان – تُقتل
بالملايين، والنمر وغيره كثير من الحيوانات باتت الآن أنواعًا مهددة بالانقراض.
وحده الإنسان هو الحيوان الذي لا يؤمَن له جانب!
إنَّ
مفهوم الواجب يسبق مفهومَ الحق، فهو تابع له ومرتبط به. فالحق ليس فاعلاً
بذاته، بل فقط بالواجب الذي يقابله: إذْ لا يتأتَّى الأداءُ الفعلي للحق ممن
يمتلك ذلك الحقَّ، بل من الأناس الآخرين الذين يعترفون بفضلٍ ما تجاهه. يكون
الواجب فاعلاً حالما يُعترَف به. وحتى إنْ كان هناك واجبٌ لم يَعترِفْ به أحدٌ
فلن يفقدَ شيئًا من كمال كينونته. حقٌّ لا يَعترِف به أحدٌ ليس شيئًا ذا قيمة.
لا معنى للقول بأنَّ للبشر حقوقًا من جهة وواجباتٍ من جهة أخرى. فهذه الكلمات
لا تُعبِّـر سوى عن فروقات في زاوية الرؤية. العلاقة فيما بينها هي علاقة ذات
وموضوع. إنَّ للإنسان واجباتٍ فقط إذا ما نظرنا إليه بذاته، بعضٌ من هذه
الواجبات تجاه نفسه. وللآخرين حقوقٌ فقط إذا ما نُظِرَ إليهم من ناحيته. وله
بدَورِه حقوقٌ إذا ما نُظِرَ إليه من ناحية الآخرين الذين يعترفون بأفضال
تجاهه. ليس للإنسان أيُّ حق فيما لو كان وحيدًا في هذا العالَم، بل عليه
واجبات.