|
إبستمولوجيا
يمكن أن تكون للأشياء السماوية أهميتها، لكن الشؤون الأرضية لا تقل عنها أهمية. فما هو موقف يورغن هابرماس من الدين؟ لا غرو أن الإنسان يعيش وحيدًا عن الأرض. لكن أن تستمر هذه الحياة في مكان ما آخر، أمر يمكن للإنسان أن يحلم به، لكنه ليس بالأمر المؤكد. ولهذا من الضروري أن يركز الإنسان على حياته الآنية والدنيوية، أما الباقي، الأشياء المتعالية، فبإمكانه أن يرمي بها، وبلا حرج، إلى قارعة الطريق. لكن هل يمكن ذلك فعلاً؟ في خطابه الذي ألقاه بمناسبة حصوله على جائزة السلام الألمانية في خريف 2001، بعيد أحداث الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية، أبرز هابرماس خلافه مع كل علمانية متطرفة. طبعًا إن العلمانية كانت وستبقى قصة ناجحة. فهي ساعدت على كبح جماح الأديان وخصوصًا رغبتها في السيطرة على السلطة السياسية، فإذا توقفت سلطة البابوات والكاردينالات وأنصارهم عن التدخل بشؤون الكتابة والبحث، فإن النتيجة ستكون لا ريب أفضل.
ملحم رضوان: كتبت وشاركت في العديد من المحاضرات والندوات والمؤتمرات المعنية بالفلسفة وعلم النفس والعلم والحكمة لسنوات طويلة. في هذا الإطار، ما هي أبعاد مشروعك الفكري الذي علمت وتعمل على تحقيقه؟ ندره اليازجي: في مرحلة مبكرة من حياتي، إذ لم أكن قد تجاوزت السادسة عشرة من عمري، اختبرت تجربة فكرية تمثَّلت في إرادة حرة وواعية، أكَّدت، على نحو يقين، على ضرورة المعرفة والحياة المتسامية إلى تحقيق وجودي الإنساني والكوني. في تلك المرحلة الأولى، التي أمدَّتني بالمعرفة، وأعني الفرصة التي سنحت لي إمكانية الاطلاع على أنواع المعارف، أدركت الغاية العظمى التي سعيت وما زلت أسعى إلى تحقيقها في حياتي.
تأثرت الفلسفة الأفلاطونية المُحدَثة بعد القرن الرابع بمذهب الفيلسوف يمليخا الأفامي الذي أظهر من الاهتمام بالوثنية ما جعل الأفلاطونيون المُحدَثون بعده تقاةً لا يتعبدون للآلهة فلسفيًّا وحسب، بل وعلى غرار المتدينين الروحانيين، فاستعملوا الفلسفة لتأويل القَصص المأثور عن هوميروس والخبرات الروحية والرموز والشعائر السرَّانية لعلم الباطن. إن الغرض من هذا البحث هو تعليل انعطاف الأفلاطونية المُحدَثة المتأخرة نحو الدين بدوافع فلسفية. قبل الدخول في صلب المواضيع العقلية، لا مناص لي من التذكير بضرورة التزام حياة الفيلسوف وأخلاقياته وبأهمية الدين "الوثني" في حياة پروقلس ومذهبه الفلسفي. فلقد بين پيار هادو، في كتابه عن "الفلسفة القديمة"، أن تلك الفلسفة لم تكتفِ بمجرد الخطاب الفلسفي، بل أصرت كذلك على ضرورة انسجام سلوك الفيلسوف مع فكره، فوضع كل مذهب فلسفي قواعد في المناقب والسلوك؛ إذ لم يفصل الفلاسفة آنذاك بين النظر theoria والعمل praxis. من هنا كان پروقلس يؤالف في حياته بين النظر العقلي العميق وبين التعبد للآلهة.
مستمرة... |
|
|