|
إيكولوجيا عميقة
طرحُ مسألة الإيكولوجيا شبيه بالحديث عن الاقتراع العام أو عطلة الأحد: في مرحلة أولى، يتهمك البورجوازيون وأنصار النظام بأنك تسعى إلى هلاكهم، وإلى انتصار الفوضوية والظلامية، ثم في مرحلة ثانية، عندما تصبح قوَّة الأشياء والضغط الشعبي لا يقهران يمنحونك ما منعوه إياه بالأمس. وبالأساس لا شيء يتغيَّر. إنَّ أخذ الشروط الإيكولوجية في الاعتبار يخلق كثيرًا من الأعداء في صفوف الأعراف. ومع ذلك فإنَّ له ما يكفي من الأنصار الرأسماليين ليصبح قبوله من طرف قوى المال احتمالاً جديًّا. إذن، لا فائدة، من الآن، من لعب لعبة الاختباء: إنَّ النضال الإيكولوجي ليس غاية في حدِّ ذاته، بل مرحلة من المراحل. يمكن أن يخلق مصاعب للرأسمالية ويرغمها على التغيُّر. لكن متى؟ بعد الصمود طويلاً بفضل القوَّة والحيلة، ستتنازل الرأسمالية في النهاية لأنَّ المأزق الإيكولوجي سيصبح لا مفرَّ منه. ستتقبَّل هذا التحدي كما قبلت بقية التحديات السابقة. لذا يجب من الآن أن نسأل أنفسنا، صراحة: ماذا نريد؟ هل نريد رأسمالية تتصالح مع الرهانات الإيكولوجية أم ثورة اقتصادية، واجتماعية، وثقافية تقوِّض شروط الرأسمالية وتخلق رابطًا جديدًا بين الإنسان والجماعة، ومحيطه والطبيعة؟ هل نريد إصلاحًا أم ثورة؟
مقدمة شهد العالم خلال العقود الثلاثة الماضية إدراكًا متزايدًا بأن نموذج التنمية الحالي (نموذج الحداثة) لم يعد مستدامًا، بعد أن ارتبط نمط الحياة الاستهلاكي المنبثق عنه بأزمات بيئية خطيرة مثل فقدان التنوع البيئي، وتقلص مساحات الغابات المدارية، وتلوث الماء والهواء، وارتفاع درجة حرارة الأرض (الدفء الكوني)، والفيضانات المدمرة الناتجة عن ارتفاع منسوب مياه البحار والأنهار، واستنفاد الموارد غير المتجددة، مما دفع بعدد من منتقدي ذلك النموذج التنموي إلى الدعوة إلى نموذج تنموي بديل مستدام يعمل على تحقيق الانسجام بين تحقيق الأهداف التنموية من جهة وحماية البيئة واستدامتها من جهة أخرى. وفي هذا السياق يشير كل من سوزان وبيتر كالفرت إلى أن البشرية تواجه في الوقت الحاضر مشكلتين حادتين، تتمثل الأولى في أن كثيرًا من الموارد التي نعتبر وجودها الآن من المسلمات معرضة للنفاد في المستقبل القريب، أما الثانية فتتعلق بالتلوث المتزايد الذي تعاني منه بيئتنا في الوقت الحاضر والناتج عن الكم الكبير من الفضلات الضارة التي ننتجها. ونتيجة لذلك فقد أسهمت الضغوط المشتركة لكل من ازدياد الوعي بالندرة القادمة وتفاقم مشكلة السُّمية في العالم إلى بروز مسألة الحفاظ على البيئة واستدامتها كموضوع مهم سواء في مجال الفكر أو السياسة (كالفرت وكالفرت 2002: 423).
المنزل الموجود في شارع أوكسفورد 1019، هو واحد من منازل بيركلي، كاليفورنيا، التي يود المرء رؤيتها من الداخل: بناء خشبي من بدايات القرن الماضي يتوضع في حديقة وافرة. مشربية مدورة خلف نافذتها يخمِّن المرء وجود مقعد مريح يطل على خليج سان فرانسيسكو. في المدخل تقف سيارة تويوتا بريوس أُلصق على نافذتها الخلفية ملصق: "مركبة منخفضة الانبعاث". ملصق آخر يعلن عن انتخاب اوباوما. في أعلى الدرج تقودك شرفة خشبية مغطاة إلى الباب الرئيسي. إعلانات أوباما هنا أيضًا، وعليها ملصق صغير: "لقد صَوَتُ". يستجيب المضيف بسرعة إلى صوت المقبض النحاسي الكبير: فريتيوف كابرا يدعوني إلى شرب الشاي في غرفة الزاوية. الفيزيائي، الفيلسوف، نصير العصر الجديد، المفكر الأخضر، الكاتب، الناشط – سيرة حياة هذا النمساوي تقدم الكثير للمناقشة. عُرف فريتيوف كابرا في عام 1975 عبر كتابه الأول طاو الفيزياء الذي درس فيه الصلات والروابط المشتركة بين الفيزياء "الغربية" والتصوف الشرقي. لكن إنجازه الأكبر كان في عام 1983 عندما طالب في كتابه "الأكثر مبيعًا" نقطة الانعطاف بنقلة أنموذجية جذرية: الانتقال من الرؤية الآلتية النيوتونية للعالم إلى أسلوب حياة كُلاني وإيكولوجي. هذه الرؤية المنظومية – الشبكية – تهيمن على أعماله وكتاباته حتى اليوم. |
|
|