|
صوت الصمت - 3
الدربان والآن يا معلم الحُنوّ، أرشد إلى الطريق من تبقى من البشر، وألقِ نظرة على كلّ أولئك الذين يطرقون (الباب) طالبين القبول، منتظرين في قلب الجهالة والظلام فتح الباب واسعًا أمامهم. صوت المرشحين: ألن تكشف عن عقيدة القلب[1]، يا سيد شفقتك الذاتية؟ وهل سترفض قيادة خدّامك على درب الخلاص؟ المعلم يتكلم: هناك دربان؛ أمّا (أشكال) الكمال فهي ثلاث؛ وستة هي الفضائل التي تحول الجسد إلى شجرة للمعرفة[2]. من ذا الذي سيقترب؟ من ذا الذي سيدخل أولاً؟ من ذا الذي سيتلقى، كواحد، عقيدة الدربين وحقيقة القلب السرية والموحى بها[3]؟ ذلك الدرب الذي يتجنب المعرفة التي تقدمها الكتب، ويبشر بالحكمة، ويكشف تاريخ الألم. لكن يا للأسف، يا للأسف، ليس بوسعنا القول إن كل البشر الذين يعرفون الألايا[4] سيتحدون مع الروح الكبرى، أو إنهم حين يمتلكوها لن يعرفوا استخدامها. انظر كيف، شبيهةً بالقمر الذي تعكسه الأمواج الهادئة، تنعكس الألايا من قبل الصغير ومن قبل الكبير. هي تنظر إلى نفسها من خلال أصغر الذرات، لكنها لا تستطيع، مع الأسف، الوصول إلى قلب كل البشر. مؤسف أن نقول إن القليل فقط سيستفيد من هذه النعمة، هذه النعمة التي لا تقدر بثمن والتي هي معرفة الحقيقة. الحس الصحيح للكائنات، ومعرفة من ليس موجودًا. التلميذ يسأل: أيها المعلم، ماذا عليّ أن أفعل للوصول إلى الحكمة؟ أيها الحكيم، ماذا عليّ أن أفعل لأبلغ الكمال؟ ابحث عن الدروب. ولكن، ليكن قلبك طاهرًا قبل البدء برحلتك أيها اللانو. وقبل أن تقوم بأولى خطواتك تعلم التمييز بين الصح وبين الخطأ، بين العابر دومًا والدائم دومًا. وقبل كل شيء تعلم التمييز بين حكمة الرأس وحكمة الروح، بين عقيدة العين وعقيدة القلب. نعم، تشبه الجهالة إناءً مغلقًا وخالٍ من الهواء، الروح في داخله كالعصفور الأسير (الذي) ليس بوسعه التغريد ولا تحريك أجنحته، (حيث) يبقى المغني صامتًا ومثقلاً قبل أن يموت تعبًا. ورغم هذا، تبقى الجهالة أفضل من علم (نابع عن) رأس يفتقر إلى حكمةٍ تنيره وتوجهه. لا يمكن لبذور الحكمة النمو والتكاثر في مجال بلا هواء. كي تحيا التجربة وتحصد (ثمارها) يحتاج العقلي إلى مجال وإلى عمق، وإلى رؤوس تجذبه نحو جوهرة-الروح[5]. لا تبحث عن تلك الرؤوس في مملكة مايا، لكن حلّق فوق الأوهام، وابحث عن الخالد والسات[6] الذي لا يتحول، وتحدى اقتراحات الخيال المضللة. لأن العقلي كالمرآة يجذب الغبار من خلال انعكاسه[7]، لذلك هو يحتاج إلى الريح الناعم لحكمة الروح كي يزيل غبار الأوهام. فابحث أيها المبتدىء عن توحيد عقلك وروحك. اهرب من الجهالة وفي الوقت نفسه (اهرب) من الوهم. وأدر وجهك لخيبات (هذا) العالم. واحذر (من) أحاسيسك لأنها خاطئة. لكن، ابحث في جسدك، في هيكل أحاسيسك، عن الإنسان الخالد[8]، عن طريق اللاشخصنة؛ ثم وقد باشرت البحث انظر إلى الداخل: فأنت هو البوذا[9]. اهرب من المديح أيها التقي! لأن المديح يقود إلى توهم الذات. وجسدك ليس أنت، فذاتك بلا جسد بحدِّ ذاتها، والمديح أو اللوم لا يؤثران فيها. يشبه مدح الذات أيها المريد برجًا عاليًا صعد إليه مغرور أحمق، ثم جالس هناك في قلب عزلته البعيدة، ولم يشاهد إلا ذاته. يرفض الحكيم العلم الكاذب الذي تبدده رياح قانون صالح تدور عجلته من أجل الجميع، (من أجل) المتواضع و(من أجل) الفخور. عقيدة العين للجمهور أمّا عقيدة القلب فللمختارين. الأولون يرددون بغررور أن: "انظروا نحن نعرف"؛ بينما يعترف الآخرون، ممن تلقوا (المعرفة)، بصوت منخفض: "هذا ما سمعناه"[10]. يا أيها المريد، تدعى "عقيدة القلب" بالغربال الأكبر. ودولاب القانون الجيد يدور بسرعة طاحنًا، ليلاً ونهارًا. منتزعًا الكرة التي لا قيمة لها من الحبة الذهبية، والزوان من الطحين. يد الكارما هي التي تقود العجلة، ودوراتها هي دقات قلبها. المعرفة الحقيقية هي الطحين، والعلم الكاذب هو الكرة. لذلك، إن أردت أكل خبز الحكمة فاعجن طحينك بالمياه الصافية للأمريتا (أي الخلود). لكن إن عجنت الكرة بندى المايا، فإنك لن تحصل إلاّ على طعام يمامة الموت، وعصافير الولادة والانحطاط والألم. إن قيل لك إنه لكي تصبح أرهان عليك أن تكفّ عن حب كل الكائنات، قل لهم إنهم يكذبون. وإن قيل لك إنه من أجل الوصول إلى الخلاص عليك أن تكره أمك وأن تبتعد عن ابنك، أن تستنكر أباك وتدعوه بـ"رأس العائلة"[11]، وأن تتخلى عن أية رأفة تجاه الإنسان والبهيمة؛ قل لهم إن اللغة التي يستعملون خاطئة. لأن هذه هي تعاليم التيرتهيكاس[12]، والسذج. وإن علموك أن الخطيئة تأتي من الفعل، والسعادة من عدم الفعل المطلق، قل لهم إنهم مخطئون؛ فعدم استمرار الفعل الإنساني، وتحرير العقل من عبوديته عن طريق التوقف عن الخطيئة والخطأ ليست للأنوات-الديفا[13]؛ هذا ما تبشر به عقيدة القلب. دهارما العين تجسيد للخارج وللاموجود. ودهارما القلب تجسيد للبودهي[14] الدائم والأزلي. ينير الفانوس بشكل جيد حين يكون فتيله وزيته نظيفان، ولكي يكونا هكذا يجب غسلهما. والريح لا تشعر بعملية التنظيف، لأن أغصان الشجرة تهزها الريح أما جذعها فيبقى ثابتًا. يمكن للفعل واللافعل أن يجدا كلاهما مقرًا في داخلك. ليتحرك جسدك، لكن ليبقى ذهنك هادئًا، ولتكن نفسك صافية كبحيرة الجبل. هل تريد أن تصبح يوغي دائرة الزمن؟ إذًا (عليك) يا أيها اللانو (أن): لا تصدق أن جلوسك في قلب الغابات المعتمة، منعزلاً، متعاليًا، وبعيدًا عن البشر؛ وأن بوسعك العيش من أكل الجذور والنباتات، وإطفاء الظمأ بثلج السلسلة الكبيرة؛ (عليك أن) لا تصدق أيها الورع أن هذا سيقودك إلى الخلاص النهائي. (عليك أن) لا تصدق أن تكسير عظامك، وتمزيق لحمك وعضلاتك سيوحدانك مع ذاتك الصامتة[15]؛ لا تصدق أنه حين تهزم خطايا شكلك الفجّ تكون قد أديت واجبك تجاه الطبيعة وتجاه البشر، يا ضحية ظلالك[16]. لقد ازدرى المباركون هذه الممارسات. وأسد القانون، سيد الشفقة، حين شاهد المسبب الحقيقي للألم الإنساني، تخلّى مباشرة عن الاستراحة الناعمة والأنانية للأماكن المتوحشة والهادئة. بعدها أصبح أرانياكا[17] معلم الجنس البشري. ودخل جولاي[18] النيرڤانا، مبشّرًا في القمم والسهول، ملقيًا الخطب في المدائن أمام الديفا و(أمام) البشر والآلهة[19]. ازرع أفعال خير وستحصد ثمارها، فإغفال فعل خيرٍ يصبح خطيئةً مميتة. هكذا تكلم الحكيم. هل ستتوقف عن الفعل؟ هكذا لن تحصل نفسك على حريتها. لبلوغ النيرڤانا عليك بلوغ معرفة الذات، ومعرفة الذات هي ابنة أفعال خيرة. كن صبورًا أيها المريد كالشخص الذي لا يخاف الفشل، ولا يتملق النجاح. وركِّز نظرات روحك على النجمة التي أنت شعاعها[20]، تلك النجمة البرّاقة التي تشع في أعماق ظلمات ذلك المتواجد دائمًا في حقول المجهول غير المحدودة. وكن مثابرًا كشخصٍ لا يدوم إلى الأبد. خيالاتك تعيش وتتلاشى[21]، لأن ما سيحيا في داخلك دائمًا، لأن ما في داخلك يعرف أن تلك المعرفة[22] ليست هذه الحياة الفانية، إنما هو الإنسان الكائن في الماضي والحاضر والمستقبل، ذلك الذي لن تأت ساعته أبدًا. إن شئت حصاد السلام الناعم والراحة أيها المريد ازرع بذور الاستحقاق في حقول حصاد المستقبل، وتقبّل آلام الولادة. ابتعد من الشمس إلى الظل، ودع المزيد من المكان للآخرين، فالدموع التي تروي تربة الألم الجافة تنبت من آلام أزهار وثمار الثواب الكارمي. وفوق أتون الحياة الإنسانية ودخانها الأسود، يرتفع اللهب المجنح، ذلك اللظى المطهر الذي، آخذًا قوة دفعه من العين الكارمية، بوسعه نسج اللحمة المجيدة لملابس الدرب الثلاث[23]. وهذه الملابس هي: النيرماناكايا، والسامبهوكاكايا والدهارماكايا، ذلك اللباس الجليل[24]. بوسع ثوب شاننيا[25]، هذا صحيح، شراء النور الخالد. فثوب شاننيا كاف لإعطاء نيرڤانا التدمير، لأنه يمنع الولادة الجديدة، أيها اللانو، ويقتل الشفقة. ما يعني أن البوذايات الكمّل حين يلبسون مجد الدهارماكايا، لن يكون بمستطاعهم مساعدة البشر على الخلاص. فهل يعني هذا، مع الأسف، التضحية بالذوات من أجل الذات، وبالجنس البشري من أجل وحدات؟ اعلم أيها المبتدىء أنك تقف هنا أمام درب مفتوح، درب السعادة الأنانية التي يرفضها (أتباع) بودهيساتلفا القلب السرّاني، وبوذاوات الشفقة. أن تحيا لصالح الإنسانية هي الخطوة الأولى، وأن تمارس الفضائل الستة المجيدة[26] هي (الخطوة) الثانية. فلبس ثوب النيرماناكايا المتواضع يعني التخلي الذاتي عن السعادة الأزلية من أجل المساعدة على خلاص البشر. أن تصل إلى طوباوية النيرڤانا، وأن تتخلى عنها، هي الخطوة الكبرى، الخطوة الأخيرة والأعلى على درب نكران الذات. لذا خذ علمًا أيها المريد أن هذا هو الدرب الخفي، درب بوذاوات الكمال الذي ضحوا بذاتهم من أجل ذوات أضعف. ولكن، إن لم يكن بوسعك أن تطال أجنحة عقيدة القلب، إن كنت أنت نفسك في حاجة إلى المساعدة وكنت تخشى تقديمها للآخرين؛ ألا خذ علمًا في الوقت المناسب يا أيها الإنسان ذو القلب الخجول أن عليك الاكتفاء بعقيدة العين. لكن، ابقى محافظًا على رجائك. إن لم يكن بوسعك ولوج الدرب الخفي اليوم، فإنه سيكون في متناولك غدًا[27]. واعلم أن أي جهد يبذل في أي اتجاه، سواء كان جيدًا أو خاطئًا، لن يغيب عن عالم المسببات. لأنه حتى الدخان المتلاشي لا يبقى بلا أثر. "والكلمة القاسية التي تم التفوه بها في حيوات سابقة لن تزول إنما ستعود دائمًا"[28]. فثمرة الفلفل لا تلد أزهارًا، ونجمة الياسمين الفضية لن تتحول إلى شوك. بوسعك أن تخلق اليوم حظوظ غدك، ففي الرحلة الكبرى[29] يكون لجميع المسببات التي زرعت في كل الأوقات حصادها من النتائج؛ هو عدل صارم يحكم العالم. ومن خلال دفع جبار لفعل لا يخطئ، هو يعطي البشر حياة سعيدة أو تعيسة، تلك الابنة الكارمية لأفكارهم وأفعالهم السابقة. احمل إذًا كل ما خزّنته الجدارة من ذخيرة في داخلك، يا أيها الإنسان ذو القلب الصبور. وكن شجاعًا وراضيًا بالقدر. فتلك هي كارماك، (التي هي) كارما دورة ولاداتك، ومصير أولئك الذين وسط الألم والعذاب ولدوا في نفس الوقت معك. أولئك الذين يفرحون ويبكون من حياةٍ إلى حياة، تقيدهم أفعالهم السابقة. افعل من أجلهم اليوم، وسيردون لك الجميل غدًا. فمن برعم التخلّي عن الذات تنبثق ثمرة الخلاص النهائي. محكوم بالفناء من، بسبب خوفه من مارا، يمتنع عن مساعدة الإنسان خوفًا على ذاته. فالمسافر الراغب في ترطيب قدميه المنهكتين في المياه الجارية، والذي يخاف من الغوص خوفًا من التيار، قد يهلك من الحرّ. واللافعل الذي منطلقه الخشية الأنانية لا يحمل إلاّ ثمارًا سيئة. يعيش الورع الأناني بلا هدف. ومن لا ينجز المهمة التي كلف بها في (هذه) الحياة تكون حياته بلا معنى. اتبع عجلة الحياة. اتبع عجلة الواجب تجاه بني جنسك وعائلتك، (تجاه) الصديق والعدو، واغلق نفسك للملذات وللأسى. استهلك قانون الثواب الكارمي. واكسب السيديس من أجل ولاداتك المستقبلية. إن لم يكن بوسعك أن تكون شمسًا، فكن مجرد كوكب متواضع. نعم، إن لم يكن بوسعك أن تشع كالشمس عند الظهيرة على الجبل المكلل بثلج الطهارة الأزلية؛ في هذه الحال، عليك أن تختار أيها المستجد مهنةً أكثر تواضعًا. ارشد إلى الطريق كنجمة المساء - ولو من دون تمييز، حتى وإن كنت ضائعًا وسط الجمهور - أولئك الذين يتلمسون طريقهم في الظلام. انظر إلى ميجمار، الذي داعبت عيناه، عبر خماره القرمزي، الأرض الناعسة. انظر إلى الهالة الوهاجة ليد الهاجبا الممتدة بحنو محب فوق رأس نساكه. الآن كلاهما يخدم النييما (أو النجمة)[30]، وكلاهما يسهر بصمت في الليل حين تغيب. وذلك رغم أن كلاهما كان نييما مشعة في كالباس السابقة، على الرغم من أنهما في مستقبل الأيام سيعودان شمسين (من جديد). فتلك هي أعالي ومنخفضات القانون الكارمي للطبيعة. كن مثلهم أيها اللانو. أرشد وواسي المسافر التعب، وابحث عمن هو أقل منك معرفةً؛ هذا الجالس الذي أنهكه الحزن، والتواق إلى خبز الحكمة كتوقه للخبز الذي يطعم الظلّ...، بلا معلم ولا لاما ولا عزاء؛ واجعله يستمع إلى الشريعة. وقل له، أيها المرشح، أن من يجعل من الكبرياء وحب-الذات خدامًا للتقوى؛ والذي رغم تمسكه بالوجود، يضع صبره وخضوعه عند قدمي الشريعة كالوردة الناعمة عند قدمي شاكيا-تهوببا[31]، يصبح سروتابيًا[32] في هذه الحياة. حيث يمكن لسيدهيات الكمال أن تشع من بعيد، من بعيد جدًا. لقد تمت الخطوة الأولى، ودخل في التيار، وأصبح بوسعه تملك البصيرة الخارقة لنسر الجبال، وحدّة سمع أنثى الأيل. اخبره، أيها المرشح، أن بوسع التقوى الحقيقية إعادة المعرفة إليه، تلك المعرفة التي كان يمتلكها في تجسدات سابقة، وأنه لا يمكن الحصول على رؤية-ديفا وسمع-ديفا خلال حياة واحدة قصيرة. كن متواضعًا إن شئت الوصول إلى الحكمة. كن متواضعًا أيضًا إن شئت تملّك الحكمة. كن كالمحيط الذي تصبّ فيه كل الجداول والأنهار. المحيط الهادئ الجبار لا يتبدل، لأنه لا يشعر بها. دع ذاتك الإلهية تتحكم بذاتك السفلية. ودع الأزلي (فيك) يتحكم بالإلهي. نعم، عظيم هو ذلك الذي قتلت ذاته الإلهية كل معرفة بالشهوة. وراقب السفلي خوفًا من أن يلوث العلوي. في داخلك يوجد درب الحرّية النهائية. ذلك الدرب الذي يبدأ وينتهي خارج ذاتك[33]. أم كلِّ الأنهر لا يمتدحها البشر، وهي لا تمثل شيئًا للمتكبر. تيرتهيكا: فارغ الشكل الإنساني في أعين التافهين، ورغم أنه مشبع بالمياه العذبة لأمريتا. يبقى ينبوع الأنهر المقدسة هو الأرض المقدسة[34]. لأن من يملك الحكمة يكرِّمه كل البشر. الأرهانات والحكماء، ذوي المنظور اللامتناهي[35]، نادرون كزهر أشجار الأودومبارا. يولد الأرهانات عند منتصف الليل، في نفس الوقت (الذي تولد فيه) النبتة المقدسة ذات التسع والسبع جذور[36]. تلك الزهرة المقدسة التي تتفتح وتزدهر في الظلمات، تحت الندى النقية وعلى السرير المتجمد للأعالي المغطاة بالثلوج، تلك الأعالي التي لم تطأها أبدًا أقدام الخطأة. لا يصبح (المرء) أرهانًا أيها اللانو في ذلك التجسد الذي تبدأ فيه النفس، وللمرة الأولى، التوق إلى الخلاص الأخير. ومع ذلك، يا أيها الحريص، لا يمكن لأي محارب يتقدم طوعًا للقتال في ذلك الصراع المحتدم بين الأحياء والأموات[37]، ولا لأي مجندٍ، أن يرفض حق ولوج الدرب المؤدي إلى ساحة المعركة. حيث عليه أن ينتصر أو أن يفنى. فإن انتصر، تكون له النيرڤانا. وقبل أن يتخلى عن ظله - (الذي هو) جسده الفاني، هذا المسبب المثمر للهلع والألم اللامتناهي - سيمجد فيه البشر بوذا كبيرًا ومقدسًا. وإن فني، فإن فناؤه، حتى، لن يكون سدىً؛ حيث لن يعود إلى الحياة الأعداء الذين قتلهم في معركته الأخيرة خلال تجسده القادم. لكن إن شئت بلوغ النيرڤانا، أو رفض الثمن، فلا تتخذ كذريعة لك ثمرة الفعل واللافعل يا أيها الإنسان ذو القلب الجامح. واعلم أن البوديساتفا الذي يتخلى عن الخلاص، كي يلبس تعاسات الحياة السرّية[38]، سيلقب بالمبجل بالثلاث، يا مرشح الألم على مرِّ دورات (الزمن). الدرب واحد أيها المريد، رغم أنه (يبدو) مزدوجًا في النهاية. وعلامات مراحله هي أربعة وسبع بوابات. سعادة آنية - من طرف؛ وسعادة مؤجلة -من طرف آخر. وكلاهما مكافأة للاستحقاق. فالخيار بين يديك. ويصبح الواحد هو الاثنان، المفتوح والسرّي[39]. الأول يقود إلى الهدف، والثاني إلى التضحية بالذات. عندما تضحي بالمتحول من أجل الثابت، فإن المكافأة هي لك: لأن القطرة تعود من حيث أتت. فالدرب المفتوح يقود إلى التغير الذي لا يتحول للنيرڤانا، تلك الحالة المجيدة من المطلق، تلك الغبطة التي تتجاوز الفكر البشري. وهكذا يكون الدرب الأول هو التحرر. أمّا الدرب الثاني الذي هو التخلّي فيدعى بدرب الألم. وهذا الدرب السرّي يسبب للأرهان ألمًا ذهنيًا لا يوصف؛ ذلك الذي من أجل الأموات الأحياء[40]. تلك الشفقة على البشر المحكومين بالشقاء الكارمي. ثمرة الكارما التي لا يتجرأ الحكماء على تخفيفها. لأنه كتب: "علّم الهرب من كل المسببات؛ أما فيما يتعلق بموجان الأثر، فكموجة المد الكبرى، دعه يتبع مجراه". وبمجرد الوصول إلى هدف الدرب المفتوح ستدفع لرفض الجسم البودهيساتفي وللدخول إلى حالة الدهارماكايا[41] الممجدة ثلاث مرات مرات، والتي تعني النسيان الدائم للعالم وللبشر. ويقود الدرب السرّي أيضًا إلى الغبطة البانانيرڤانية - لكن ذلك سيكون في نهاية الكالباسات التي لا تحصى: بعد تلك النيرڤانات التي اكتسبت أو ضاعت بسبب الشفقة اللامتناهية والرحمة في العالم المخدوع للفانين. لكنه قيل إن "الأخير سيصبح الأكبر". فسامياك سامبودها، معلم الكمال تخلى عن ذاته من أجل خلاص العالم، متوقفًا عند عتبة النيرڤانا، الحالة الصافية. أنت تملك الآن المعرفة المتعلقة بالدربين. وسيأتي الوقت الذي يتوجب عليك فيه الاختيار، حين تصل إلى النهاية وتعبر البوابات السبعة، يا أيها الإنسان ذو النفس المتوهجة. فأنت لم تعد مرتبكًا بالأفكار الخادعة، لأنك تعلمت كل شيء. ولأن الحقيقة تقف أمامك مكشوفة النقاب، تنظر إليك بصرامة وتقول: "حلوة ثمار الراحة والخلاص من أجل الذات؛ لكن أكثر منها عذوبةً هي ثمار الواجب الطويل والمرير لإنكار الذات حبًا بالآخرين، في سبيل حب أخوتنا المعذبين في الإنسانية". من يصبح براتييكا بوذا[42] لا يخضع إلاّ لذاته. لذلك يقول البودهيساتفا الذي ربح المعركة وأمسك الجائزة بيده، ومن خلال رحمته الإلهية: "من أجل حب الآخرين أتخلى عن هذه المكافأة الكبرى". ويتم التخلي الكبير. لقد أصبح منقذًا للعالم. تلك هي حاله. انظر! إنهما هناك بعيدًا، هدف السعادة الأبدية ودرب الألم الطويل. وبوسعك يا طالب الألم، أن تختار هذا أو ذاك للدورات القادمة. أوم فاجراباني هوم ترجمة: أكرم أنطاكي *** *** *** [1] تدعى مدرستا العقيدة البوذية، المدرسة الباطنية والمدرسة الظاهرية على التوالي، بعقيدتي القلب والعين. وكان البوذي دهراما في الصين يدعوهما، من هنا جاء الاسم إلى التيبت، بتسونغ مين (وهي المدرسة الباطنية) وكيام مين (المدرسة الظاهرية). وقد دعيت الأولى هكذا لأنها العقيدة التي نبعت من قلب الغوتاما بوذا، بينما كانت عقيدة العين نتاج رأسه وعقله. وأيضًا، تدعى عقيدة القلب بختم الحقيقة أو الختم الحقيقي، كرمز نجده تقريبًا في رأس كل المؤلفات الباطنية. [2] شجرة المعرفة هي إحدى التسميات التي يطلقها أتباع البوذي دهارما (بمعنى دين الحكمة) على أولئك الذين بلغوا قمم المعارف السرانية – أي الأتباع. فنادراحونا، مؤسس مدرسة المادهياميكا، دعي بالشجرة التنين، حيث التنين هو رمز الحكمة والمعرفة. والشجرة تكرم لأنه تحت شجرة البودهي حصل البوذا على المعرفة واستنار، وألقى أولى مواعظه، ومات. [3] القلب السري هو العقيدة الباطنية. [4] الألايا هي النفس الكونية أو الأتمان، تلك التي يملك كل إنسان شعاعًا منها، شعاعًا يستطيع التماهي معه والذوبان فيه. [5] "جوهرة-الروح" أو "الفاجراساتيفا" هي اللقب الأعلى للبوذا "سيد كل الأسرار"، الذي يدعى أيضًا فاجرادهارا وآدي بوذا. [6] السات هو الواقع الوحيد والحقيقة الأزلية والمطلقة، تلك التي كل ما سواها وهم. [7] تعلم عقيدة الشين-سيو أن الروح الإنسانية تشبه المرآة حيث تجذب وتعكس كل ذرة غبار، ما يعني أنها تحتاج لأن تُراقَب ويمسح الغبار عنها كل يوم. أما شين-سيو فقد كان بطريرك الصين الشمالية الذي بشر بالعقيدة السرانية للبوديدهارما. [8] هو الشخصي المتجدد الذي يدعوه بوذيو الشمال بالإنسان الحق، ذلك الذي، متحدًا مع ذاته العليل، يصبح بوذا. [9] كلمة بوذا هنا تعني المستنير. [10] هي عبارة تأتي عادة في مطلع الكتابات البوذية، وتعني ما تم سماعه من منقول شفهي مباشر من البوذا ومن الأرهات. [11] في الأسطورة المسماة بـراتهابالا سوتراساني كان راتهابالا يدعو أباه هكذا. لكن جميع الأساطير التي من هذا النوع رمزية (حيث يملك والد راتهابالا بيتًا له سبع أبواب). من هنا جاء نقد أولئك الذين يقبلون (هذه الأساطير) على حرفيتها. [12] الزهاد البراهمان الذين يزورون المعابد، وخاصةً منها تلك الحاوية على حمامات مقدسة. [13] الذات التي تعيد تجسدها. [14] الحكمة الحقيقية، الإلهية. [15] هي الذات العليا، أو المبدأ السابع. [16] تدعى أجسادنا الفيزيائية بالظلال في المدارس الباطنية. [17] هو الناسك الذي يعتزل في الغابة حين يصبح يوغيًا. [18] جولاي هو الاسم الصيني لتاتهاغاتا، اللقب الذي يطلق على كل بوذا. [19] تتفق جميع الأعراف المتناقلة للشمال والجنوب على التبيان بأن البوذا قد ترك عزلته بمجرد أن وجد حلاًّ لمعضلة الحياة (بمعنى الإستنارة الداخلية)، وأعطى تعاليمه للبشر علنًا. [20] تعتبر العقيدة الباطنية أن أي ذات روحية هي ابنة شعاع "روح كوكبية". [21] لأن الشخصيات أو الأجساد الفيزيائية عابرة كالخيالات، من هنا كانت هذه التسمية. [22] يرتبط العقلي (أو الماناس)، الذي هو مبدأ الإنسان أو ذاته، بجوهر المعرفة، لأن ذوات البشر التي تدعى ماناسا بوترا هي أبناء العقلي (الكوني). [23] للتأمل في الهامش 34 الذي يقول: إنه نفس الاحترام الشعبي الذي يدعو البودهيستفا الذين بلغوا مرتبة الأرهات (أي الذين أتموا الدرب الرابع أو السابع) بـ"بوذا الرحمة". فهؤلاء يرفضون الانتقال إلى الحالة
النيرڤانية، أو "أن يلبسوا ثوب الدهارماكايا وأن يعبروا إلى الضفة
الأخرى"، ما يجعلهم غير قادرين
على مساعدة البشر، بقدر ما يسمح لهم الكارما بذلك. لذلك نراهم يفضلون
البقاء (بروحهم إن صح القول) في العالم، ويساهمون في خلاص البشر عن
طريق التأثير بهم لكي يتبعوا القانون الصحيح، أي بإرشادهم إلى درب
العدالة. لذا من الشائع في البوذية الظاهرية في الشمال أن تكرم هذه
الشخصيات الكبيرة كالقديسين، وأن تقدم لهم نفس الصلوات، تمامًا كما
يفعل اليونان والكاثوليك مع قديسيهم وولاتهم؛ لكن في المقابل لا تشجع
العقائد الباطنية هذه الممارسات. حيث هناك فارق كبير بين التعليمين.
بالكاد يعرف العلماني من الظاهر معنى كلمة نيرماناكايا، - من هنا كان
الخلط وكانت التفسيرات غير الكافية للمستشرقين. مثلاً، يعتقد
شلاجينتفايت أن النيرماناكايا تعني الشكل الفيزيائي الذي يتخذه
البوذاوات حين يتجسدون على هذه الأرض، - "ذلك الشكل الأقل سموًا
لموانعهم الأرضية" (راجع بودي في التيبت) – وينطلق من هذا لإعطاء رؤية
مخطئة تمامًا عن الموضوع. إليكم رغم هذا العقيدة الصحيحة: حيث تدعى
الأجساد أو الأشكال البوذية كما يلي:
نفس الشيء هو السامبهوكاكايا، الذي يتمتع إضافة لما سبق بالبريق
الإضافي للـ"الفضائل الثلاث" التي إحداها هي المحو الكامل لكل علاقة
أرضية. [24] نفس المرجع. [25] ثوب شاننيا، الذي لشاننيافيسنو من راجاغريها، ثالث الأرهات الكبار أو البطاركة، كما يدعو المستشرقون سلالة الثلاث والثلاثين أرهات الذين نشروا البوذية. وثوب شاننيا يعني، مجازًا، تملك الحكمة التي عن طريقها يصبح بوسعنا ولوج نيرڤانا التدمير(التابع للشخصية). ما يعني حرفيًا "ثوب المساررة" التي يلبسها المعتنقين الجدد. يقول إدكينز إن هذا "الثوب الذي من الحشائش" قد استورد من الصين أيام سلالة التونغ. كما وتقول الأسطورة الصينية والتيبتية أنه "حين يولد أرهان، فإننا نجد هذه النبتة في مكان طاهر". [26] "اتباع طريق باراميتا" يعني أن تصبح يوغيًا من أجل أن تكون زاهدًا. [27] المقصود بالغد هنا في الحياة القادمة، حين يعود فيتقمص من جديد. [28] مفاهيم مدرسة براسانغا. [29] الرحلة الكبرى تعني الحلقة الدائرية الكاملة للوجود كله. [30] نييما (التي ترجمناها بالنجمة) هي الشمس في علم التنجيم التيبيتي. أمّ ميجمار أو المريخ فيرمز لها بعين. بينما يرمز للهاجبا الذي هو عطارد بيد. [31] أي بوذا. [32] السروتابي أو "من يدخل في تيار" النيرڤانا، ما لم يصل إلى الهدف لسبب خارق، نادرًا ما يكون بوسعه الحصول على النيرڤانا خلال تناسخ واحد. يقال عادة إن الشيلا يبدأ جهوده التصعيدية في حياة ولا ينهيها، أو لا يصل إلى الهدف إلاّ في ولادته السابعة. [33] بمعنى الذات السفلى. [34] التيرتهيكاس هم طائفة البراهمان الباهمان الذين يقطنون ما وراء الهيمالايا، وهم يسمون بالكفرة من قبل بوذيو الأرض المقدسة (أي التيبت) والعكس صحيح. [35] المنظور اللامتناهي أو المنظور النفسي الذي يفوق قدرة البشر. وينسب للأرهان القدرة على رؤية كل شيء، عن بعد كما عن قرب. [36] راجع الملاحظة رقم 25 : نبتة السانغا. [37] الحي هو الذات أو الإيغو العلوي الذي لا يفنى. والموت هو الذات السفلية الخاصة. [38] الحياة السرية هي حياة النيرماناكايا. [39] إنهما الدرب المفتوح والدرب السرّي؛ حيث الواحد هو الدرب الخارجي الذي يعلم للعلمانيين وهو مقبول بشكل عام؛ بينما الثاني هو الدرب السرّي الذي تشرح طبيعته أثناء المساررة. [40] يدعى البشر الذين يجهلون الحقائق والحكمة الباطنية بالأموات الأحياء. [41] العودة إلى الملاحظة 23. [42] البراتييكايا بوذا هم البوديساتفاس الذين يسعون، وبعد سلسلة من التجسدات، للحصول على ثوب الدهارماكايا. لذا تراهم، غير عابئين بآلام الإنسانية وبمساعدتها، يدخلون النيرڤانا... ويختفون من ناظر ومن قلوب البشر. في بوذية الشمال، تعني كلمة براتييكابودا الأنانية الروحية.
|
|
|