|
إضاءات
في ظلِّ التردِّي المتفاقم الذي تشهده الحالةُ الإسلامية في مختلف ميادين الحياة، تظهر نداءاتٌ ومطالباتٌ عديدة تنادي بالإصلاح والتقدم والتطور. ويحاول أصحاب هذه النداءات تحديد المشكلة الإسلامية لكي تبرز وجهاتُ النظر المختلفة حول تحديد المشكلة الواجب معالجتها. لكن الغريب في الأمر أن القليل من أصحاب هذه النداءات مَن تنبَّه إلى أساس المشكلة وإلى علَّة المرض الإسلامي. فقد تركزتْ معظم الرؤى على المظاهر والأعراض لأساس المشكلة، فطالبت بحلول لها، فكانت هذه الحلول لا تتعدَّى كونها مسكِّنات ومهدِّئات لحالة الاحتضار الإسلامي.
الوحدة هي تعدُّد مختلِفٌ يتكامل. فلا وحدة بلا تعدد، ولا وحدة بلا اختلاف، ولا وحدة بلا تكامُل. الجسم البشري لا ندركه إلا بتركيبٍ متناسق متكامل لجميع أعضائه. فلا يمكن لليد، مثلاً، أن تمثل الجسمَ كلَّه. ولا يمكن أن نجعل أعضاء الجسم نسخًا بعضها عن بعض – وإلا فلا داعي لوجودها. يجب أن يكون كلُّ عضو مختلفًا عن الآخر، لكنه منسجم معه ويعمل معه، لا ضدَّه. فلا يمكن للقلب، مثلاً، أن يعمل بلا دم، ولا للدم أن يعمل بلا شرايين، ولا للشرايين أن تعمل بلا لحم، ولا للَّحم أن يعمل بلا عظام، وهكذا.
قبل نحو أربعين سنة كنت أعظ رعيتي، وكان ذلك يوم عيد مار جرجس. فقلت في ما قلت: إن مار جرجس لم يقتل التنين، لأننا لا نجد في علم الحيوان ما يسمى تنينًا. هذا فقط صورة رمزية للخطيئة التي يبيدها الشهيدُ بالمحبة. فسمعتُ همهمةً معناها أن هذا الكاهن قد كَفَر! ذلك أن المؤمنين لا يكتفون بأن يهزم الشهيدُ الشرَّ. الأهم أن يركب الخيل ويضرب! وقد يقوِّي الموقفَ أن يُجعَل فارسًا. ومار جرجس لم يكن فارسًا، ولكنه اتُّخِذَ رمزًا للجُنْد المسيحيين الذين قتل منهم الإمبراطورُ ديوكليتيانوس الكثيرين في اضطهاده.
تتكاثر اليوم أحاديثُ العلماء المسلمين حول حاضر الإسلام ومستقبله. ويكادون أن يُجمِعوا على أن أسباب تدهور الشعوب العربية والإسلامية وتخلُّفها كامنةٌ حصرًا في الابتعاد أو الانحراف عن مبادئ الإسلام، وفي عدم تطبيق تعاليمه. ويعرف المهتمون أن هذه الأطروحة قديمة، سَبَقَهُم إليها أقرانُهم في القرن الماضي، وناقشها مفكرون وكتَّاب كثيرون. غير أن لها اليوم وقعًا آخر، في ضوء الأحداث المغيِّرة التي ترجُّ العالم العربيَّ، والعلاقات الجديدة التي تولِّدها بين العرب والغرب.
|
|
|