ريشار جاكمون: ماذا نترجم إلى العربية؟*

 

حوار مع ريشار جاكمون*
ترجمَه عن الفرنسية: محمد علي عبد الجليل

 

في مقال بعنوان: ترجمة الرواية العالمية إلى العربية (1991-2015). معالم بارزة من أجل البحث، نُشِرَ في الكِتاب المُعنوَن: Les Occidents des mondes arabes et musulmans, Afrique du Nord XIXe-XXIe siècles [مَغارب العالَم العربي والإسلامي، شَمال أفريقيا من القرن التاسع عشر إلى القرن الواحد والعشرين]، وهو عمل جماعي بإشراف مكسيم دل فيول [Maxime del Fiol] وكلير ميتاتر [Claire Mitatre] ([منشورات] غوتنر [Geuthner]، عام 2018)، يهتم ريشار جاكمون [Richard Jacquemond] بالموضوع المُهمَل المتعلِّق بالإنتاج الروائي المترجَم إلى العربية منذ عام ١٩٠٠ إلى يومنا هذا، ساردًا تاريخَه ورِهاناتِه.

ريشار جاكمون

كِنزَة الصفريوي: ما هي خصائص الترجمة الأدبية اليومَ في حقل النشر بالعربية؟

ريشار جاكمون: أولاً، من الصعب تكوين فكرة دقيقة عن ذلك نظرًا لتنوع دُور النشر العربية (ففي حين كان النشر سابقًا يكاد ينحصر في مدينتَيْ القاهرة وبيروت، فقد تطوَّرَ اليومَ مجالُ النشر الوطني في معظم البلدان العربية، لكن حركة توزيع الكتب من بلد إلى آخَر غالبًا ما تكون قليلة أو متعثرة).

ومع ذلك، فإن مُسوحاتي الفِهرسية قادتني إلى ملاحظة بعض الاتجاهات العامة: الحضور الخجول إلى حد ما للأجناس [الأدبية] وللكُتَّاب الأكثر شعبية في الأسواق الغربية اليوم (الرواية البوليسية، الرواية العاطفية، الرواية الخيالية [fantasy] ...)، وبالتالي للإنتاج [الأدبي] لأمريكا الشمالية وللإنتاج الأنجلو-سكسوني بشكل عام والذي يهيمن على هذه الأجناس في السوق الدولية. علاوةً على ذلك، كذلك هو الأمر بالنسبة للأدب الأمريكي المكرس أو [ما يسمَّى] الأدب الرفيع [high brow]، فهو قليل الحضور إلى حد ما.

إنَّ الروائيين الأمريكيين المعاصرين الكبار لا نكاد نراهم في الترجمة العربية، [بل] هم بشكل عامّ أقلّ حضورًا بكثير من حضورهم في الأسواق الأوروبية. بالمقارَنة، فإن الآداب الأوروبية (الأدب الفرنسي والألماني والإيطالي والإسباني...) ممثَّلة تمثيلاً أفضل، وكذلك أدب أمريكا اللاتينية، أدب "جيل الطفرة [boom]" على وجه الخصوص.

من ناحية أخرى، فإن الآداب الأخرى، آداب الجنوب (إفريقيا) وآداب الشرق ليست حاضرة تمامًا، باستثناء بعض الأسماء الكبيرة. هناك خصوصية أخرى، وهي الحضور القويُّ في الترجمة العربية للمؤلِّفين العرب الذين يكتبون بالفرنسية أو بالإنكليزية، وهو شكل من أشكال "عودة النص" الذي يُعَدُّ أمرًا مشروعًا فضلاً عن أنه لا يخصُّ الأدبَ وحدَه.

ك. ص.: إنك تُدلي بهذه الملاحظة المحزِنة: "على غرار أقرانِه الذين يترجمون إلى اللغات المركزية الكبيرة، يظلّ المترجم العربي كاتبًا ثانويًا ومن الدرجة الثانية، كاتبًا لا يُتيح لنفسه أو لا تُتاح له الحريات المعترف بها للكاتب الأصلي." كيف نتجاوز هذا الوضع؟

ر. ج.: هذا صحيح خارجَ العالَم العربي أيضًا، لكن المشكلة حاليًا في عالَم النشر العربي هي ندرة "المترجمين الكِبار" وكذلك ندرة وجود الكاتب-المترجِم الذي كان أكثر شيوعًا في الأجيال الأقدم، عندما كانت للترجمة حظوة أكثر لأنها كانت مرتبطة بالمشروع النهضوي.

من وجهة النظر هذه فإن الوضع الحالي يكشف إلى حد ما عن "تنميط" لوضعِ المترجِم العربي: إنه "ينحجِبُ عن الأنظار"، شأنه شأن المترجِم الإنجليزي أو الفرنسي. ومع ذلك، حتى لو كنا نميل في كثير من الأحيان إلى الحط من قيمة عملهم، فأنا مقتنع بأن هناك مترجمين ممتازين ناشطين اليوم وأن هناك المزيدَ كلَّما تحسَّنَ وضعُ سوقِ النشر.

لا تزال هناك مشكلة خاصة تتعلق بمسألة ازدواجية اللغة بين فصحى ودارجة: لقد قام الكتَّاب العرب المعاصرون منذ فترة طويلة بتحطيم الحاجز الذي يفصل بين العربية المكتوبة والعربية المحكيَّة، ولكن القيام بهذا الأمر هو بالضرورة أصعب على للمترجمين، وخاصةً لأنَّ إدراج الدارجة في نص مترجَم من لغة أجنبية يعني بالضرورة "تحديد موضعه" في فضاء معيَّن. ولكن هذا يؤدّي إلى نتائج مفجعة، كما هي الحال في الترجمة المصرية لــرائعة [لويس-فرديناند] سيلين [Louis-Ferdinand Céline] المعنونة سَفَر إلى آخر الليل [Voyage au bout de la nuit] بعربية فصحى لا تشوبها شائبة!

ك. ص.: تدافع عن عِلمِ اجتماعِ المترجمين. لماذا وماذا يمكن أن يقدِّمَ لفهم رهانات مجال الترجمة؟

ر. ج.: لأن الذين يمارسون المهنَ الفكرية مدرَّبون تحديدًا على ممارسة السلطة الرمزية المخولة للكلمة، فإن النظر بموضوعية إلى هذه المهن الفكرية هو المهمة الأصعب، وبالتالي فحاجتنا إلى إخضاع هذه المهن للمَوضعة [objectivation] السوسيولوجية مُـلِـحَّـة بشكل خاص. وهذا ينطبق أيضًا على المترجمين.

على سبيل المثال، تشيع في أوروبا أسطورة "المترجِم الناقل بين الثقافات"، وهو نوع من الخطاب المثالي الذي لا يُخبرنا شيئًا عن الظروف الموضوعية تاريخيًا واجتماعيًا والتي يعمل فيها أولئك الذين يمارسون الترجمة - إلى جانب أنشطة أخرى في معظم الأحيان، وهذا تحديدًا واحد من العناصر التي نميل إلى نسيانها في هذا البناء الأسطوري "للناقل".

هناك عدد من التحقيقات السوسيولوجية التي تناولت أوضاع المترجمين في أوروبا؛ كذلك في فرنسا، أنهى حاليًا فريقٌ جماعي تاريخ الترجمات الفرنسية - وسيُنشَر المجلَّـدُ الأخير في 19 أيار/مايو القادم. لكن على الجانب الآخر من البحر المتوسط، ماذا نعرف تحديدًا عن المترجمين العرب (بموضوعية)؟ لا شيءَ يُذكر. إنه برنامج بحثي جميل...

مقابلة أجرتها كِنزَة الصفريوي

8 أيار/مايو 2019

*** *** ***


 

horizontal rule

*  [1] المقابلة الأصلية على موقع دار النشر المغربية En toutes lettres التي أسَّسها هشام حُديفة وكِنزة الصفريوي: https://etlettres.com/richard-jacquemond-que-traduit-on-en-arabe/

* ريشار جاكمون، المتخصص في الأدب العربي الحديث، هو أستاذ في جامعة آيكس-مرسيليا في قسم دراسات الشرق الأوسط وباحث في معهد البحوث والدراسات حول العالم العربي والإسلامي [IREMAM]؛ وقد عمل مدَّةَ أكثر من خمسة عشر عامًا في مِصرَ وأَلَّفَ العديد من المنشورات العلمية حول الإبداع الأدبي العربي المعاصر وكذلك حول أعمال الترجمة من العربية وإليها. وقد تَرجمَ أيضًا إلى الفرنسية العديدَ من المؤلَّفات (رواياتٍ وقصصًا قصيرة ًوديوانَ شِعرٍ) لمؤلِّفين، مصريين على وجه الخصوص، ولا سيَّما صنع الله إبراهيم. مارتان غوتييه [Martin Gautier]

للمزيد راجع مقابلة منشورة سابقًا في معابر على الرابط التالي:

http://www.maaber.org/issue_november12/spotlights3.htm

 

 

 

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 إضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود