|
إضاءات
التشاؤم هو فرصة خلاصنا الوحيدة، والتفاؤل شكل من أشكال الغباء. أن يتفاءل المرء في أوقات كهذه ينمُّ إما عن انعدام أي إحساس وإما عن بلاهة فظيعة. لستُ أقول إن كل شيء سلبي وقاتم، لكني أعني أن الأمور السلبية في العالم هي أكثر من أن نتجاهلها أو أن نغض الطرف عنها. يبدو لي خطأ جسيمًا أن نحتمل وجود الأمور السلبية بسبب بعض الإيجابيات المقابلة لها. هذه لا تشفع بتلك. لقد تحولت الديموقراطية إلى كاريكاتور خلال الأعوام الأخيرة، إلى مهزلة، إلى فقَّاعة صابون. أظنُّ أن الجميع بات يعلم أن هذه الصيغة فاشلة. يقال لنا باستمرار: الديموقراطية هي أهون الشرور، لكن "أهون الشرور" ليس بالحلِّ المرضي ولا الكافي، وتكرار تلك اللازمة مرادف لعملية غسيل للأدمغة، إذ إنه يمنع الناس من البحث عن بديل أفضل. الديموقراطية ليست نقطة وصول بل نقطة انطلاق، وقد مضت أعوام كثيرة على ولادتها من دون أن يتغيَّر فيها شيء إلى الأفضل، من دون أن يتوقف التلاعب الفاضح، المباشر أو غير المباشر، بالرأي العام، من دون أن يُشفى السياسيون من مرض الفساد والجشع وإخفاء المعلومات والخضوع الذليل للسلطة الاقتصادية.
تعرَّف القيم بأنها المعتقدات تجاه الوسائل والغايات وأشكال السلوك المفضلة لدى الناس، توجِّه مشاعرهم وتفكيرهم واختياراتهم، وتنظِّم علاقاتهم بالواقع والمؤسسات والآخرين، وتحدِّد هويتهم ومعنى وجودهم. بصيغة أدق تتصل القيم بنوعية السلوك المفضل وبمعنى الوجود وغاياته. ومن ثم، الحديث اليوم عن القيم هو حديث عن المعايير الواجب تحققها في كل فكر وسلوك إنسانيين، بحيث أصبح لا ينظر إلى الإنسان إلا انطلاقًا من القيم التي تسود حياته وسلوكاته الفردية والجماعية على السواء، والمتجسدة، رغم تعاليها، في سلوكه اليومي على شكل علاقة اجتماعية ما، أو ضمن مؤسسة ما، مما يعطي لحياته معنى، والقصد هنا "معنى إنسانيًا". وفي جميع الحالات والاحتمالات تشكِّل القيم معيارًا لنا يوجه سلوكنا، فنعتمده في عمليات إصدار الأحكام والمقارنة والتقويم والتسويغ والاختيار بين بدائل مختلفة في المناهج والوسائل والغايات. الشيء الذي حمل الفلاسفة والمفكرين على التمييز بين قيم–الوسيلة وقيم–الغاية؛ فالأولى هي مجرد معتقدات تفاضل بين سلوك وآخر، في حين الثانية هي التي تحدد لنا الغايات المثلى والتي نسعى إليها ونحقق بها وجودنا من مثل قيم: السلم، العدالة، الخلاص، الحكمة، المحبة، احترام الآخرين... إلخ.
المقدمة الحق في تغيير الدين من الحقوق التي كفلتها المواثيق الدولية، والتي اعتبره بعضها يدخل في الحق في حرية الاعتقاد، إلا أنها لم تشر إليه بنفس الوضوح والصراحة. فإن كانت بعض المواثيق الدولية قد اعتبرته مشمولاً في الحق في حرية الاعتقاد، وأكدت عليه بشكل صريح ومباشر، فإن بعضها الآخر لم يشر إليه على الإطلاق كما كان الحال بالنسبة للمواثيق الإقليمية العربية. وربما يعود ذلك لخصوصية الشريعة الإسلامية في المنطقة العربية وغيرها من دول العالم الإسلامي التي تعتبر أن الحق في تغيير الدين قد يتعارض معها على اعتبار أنه يدخل ضمن ما يطلق عليه في الإسلام الردة، وعقوبة المرتد حسب جمهور الفقهاء هي القتل.
وسط اكتساح التكنولوجيا لوجودنا المعاصر، وفي خِضَّم غابة وسائل الاتصال وزحمة الفضائيات والمواقع الإلكترونية، وفي وقت يبدو المثقف الواعي في حيرة من أمره، ويسعى الى احتضان مفردات الثقافة والتقانة ومواكبتها؛ يجد المفكر الميديائي نفسه مطالبًا، وأكثر من أي وقت مضى، بتقديم رؤية إنسانية متكاملة تسهم في فتح أفق جديد ومغاير لدور الإعلام ووسائله ليتغلب على عطالته من جهة وليبدع فكرًا في عالم أمست فيه المعرفة إلزامًا يشبه الحتمية القدرية الى حدٍّ بعيد. وتتميز وسائل الاعلام بقدرة عالية على شحن الطاقات وتفعيلها، وهو دور متعدد في وجه ومزدوج في آن، فإمَّا أن تتحول الشاشة إلى أداة فاعلة لبناء الإنسان ومن ثم خدمة مشاريع التنمية البشرية، أو تتحول إلى أداة تفتيت مدَّمرة بتغذية العنف والعصبيات وترويج صورة الإنسان المستهلك، وتصبح شاشة "القمامة ومواقع "التفاهة" أداة تسويق لثقافة طاعة الأيديولوجيات المتصارعة وتكريس العنف وتسويق الاستهلاك.
ما هو السبب الذي يجعلنا نصدرعنوانًا نحكم فيه على كون ابن رشد شخصية فلسفية بحاجة إلى إعادة القراءة، حتى نجعل منه موضوعًا متجددًا؟ في الحقيقة، إن كل الدراسات التي تمت حتى الآن حول ابن رشد، وكل ما يتعلق بفلسفته، إنما تندرج بين خانتين ضيقتين، وهما: - أولاً: سياق الحديث عن الرشدية اللاتينية وآثارها في الفكر الأوروبي الوسيط، وردود فعل الكنيسة الكاثوليكية عليها. - ثانيًا: سياق الصراع بين التقليديين والتحديثيين حول نموذج الدولة الحديثة وعلاقتها بالدين وعلاقة الدين بالعلم، وعلاقتهما معًا بالسلطان السياسي. وفي إطار تعرضنا لفلسفة ابن رشد لابد من التعرف على المضامين الفكرية لفلسفته وعلاقة ذلك بعصره وبيئته الثقافية والحضارية وأهميته في ذلك كله. لكن، ما هي الدوافع التي جعلت المهتمين بفلسفة ابن رشد يصدرون عليه أحكامًا أحادية الجانب؟
مقدمة وملخص تنفيذي تعالج هذه الورقة مفهوم العلمانية، كونه مفهومًا قد حاول أن يتضمن قضايا العلاقة بين الدين والدولة بطريقة تصبح معها الدولة دولة مدنية لكل مواطنيها بشكل متساوٍ وبدون أي تمييز، كما وتتمتع في إطارها الأديان بالحرية الكاملة لممارسة شعائرها الدينية بدون قيود أو ضوابط تعسفية، وفي نفس الوقت بدون سطوة دين على دين آخر، وبدون فرض الأديان قيودًا وأعمالاً تعسفية على غير المتدينين، كما وعلى قوانين الدول التي يفترض أن تكون قوانينًا مدنية. وبناء على طلب "ملتقى الحريات الفلسطيني" فقد قسمت الورقة إلى عدة محاور: المحور الأول هو مفهوم العلمانية بين وضوح المضمون والتباس المعنى (لاسيما الترجمة العربية إلى كلمة "العلمانية" وما تثيره هذه الكلمة من القياسات)، والمحور الثاني لمناقشة نشأة العلمانية، فيما جاء المحور الثالث ليناقش السؤال المتعلق بالمنشأ الديني للعلمانية، لاسيما لجهة إدعاء بعض الباحثين أن العلمانية ذات جذور مسيحية، كما وناقش المحور محاولات تأصيل العلمانية عربيًا وإسلاميًا، وبيَّن المحور الرابع أن العلمانية ليست أوروبية فقط، وقدم أربعة نماذج لها وناقشها بالتفصيل، وهذه النماذج هي: نموذج الفصل بين الدين والدولة، نموذج الكنيسة (الدين المعتمد)، نموذج المجتمعات المحلية المعترف بها، ونموذج "الاحترام المتساوي لكل الأديان". وهي نماذج نشأت في دول مختلفة بعضها أوروبي وبعضها خارج أوروبا كما يبيِّن هذا القسم. وحاول القسم الخامس، بعد ذلك، توضيح العناصر والمكونات المشتركة بين نماذج العلمانية الأربعة، فيما جاء المحور السادس ليعالج علاقة العلمانية والديمقراطية، ويقدم النماذج الأربعة غير العلمانية، وغير الديمقراطية، وهي: نموذج الدولة الثيوقراطية، نموذج الدولة الدينية، نموذج الدولة العلمانية شكلاً والقامعة لحريات مواطنيها، ونموذج العلمانية المطلقة. أما القسم السابع فقد ناقش حالة العلمانية في الوقت المعاصر في العالم، وجاء القسم الثامن كخاتمة وخلاصات.
يُعد الكاتب والمناضل المارتينيكي فرانز فانون (1925 – 1961) أحد أبرز من كتبوا عن مناهضة الآخرين، العالمي والمحلي، في القرن العشرين. ألهمت كتاباته ومواقفه كثيرًا من حركات التحرر في أرجاء العالم لعقود عديدة. توفي فانون بمرض سرطان الدم في 6 ديسمبر 1961، عن ستة وثلاثين عامًا، ونُقل جثمانه من أحد مستشفيات واشنطن إلى قاعدة من قواعد الثوار الجزائريين في تونس. وعلى بُعد ستمائة متر داخل الأرض الجزائرية تمت مراسم الدفن والوداع، على نحو ما أوصى فانون! ففي الثانية والنصف من بعد ظهر يوم 12 ديسمبر، رفع خمسة عشر من الجنود جثمان فانون على نقالة مصنوعة من فروع الأشجار، ساروا بها في صمت مهيب عبر الأحراش قاصدين أرض الجزائر. عبروا الحدود التونسية تحرسهم من فوق التلال المشرفة قوات من ثوار جيش التحرير الوطني. ولم يكن ذلك العبور ممكنًا دون اتصالات رسمية بجهات متعددة، منها الحكومة التونسية، واستحكامات عسكرية، والأهم، احتضان أهالي المنطقة للموكب في منطقتهم المشتعلة بحرب الثوار الجزائريين ضد الآخر الفرنسي.
السوداوي، ليس عندي غير شيء واحد أقوله له: "انظرْ إلى المدى البعيد." فالسوداوي يكاد دومًا أن يكون امرءًا يغالي في القراءة. العين البشرية لم تُصنَع لمثل هذه المسافة بتاتًا؛ فالأمداء البعيدة هي ما ترتاح إليه. حين تعاين النجوم أو أفق البحر، فإن عينك تكون مستريحة تمامًا؛ وإذا كانت العين مستريحة كان الرأس حرًّا والمشية أكثر ثباتًا؛ كل شيء يستريح ويلين حتى الأحشاء. لكنْ لا تحاولنَّ البتة أن تليِّن نفسك عامِدًا؛ فالإرادة فيك، حين تطبِّقها على نفسك، تشدُّ كل شيء بالوَرْب وينتهي بها الأمرُ إلى خنقك. لا تفكرْ في نفسك؛ انظرْ إلى المدى البعيد. الصحيح أن السوداوية داء؛ والطبيب يقدر أحيانًا أن يخمن سببه ويصف الدواء؛ لكن هذا الدواء يعيد انتباهك مركوزًا في جسمك، وهمُّك أن تتبع نظام الحِمْية من شأنه بالضبط أن يُبطل مفعوله؛ لذا فإن الطبيب – إذا كان حكيمًا – يحيلك إلى الفيلسوف. لكنك، حين تهرع إلى الفيلسوف، ماذا تجد؟ تجد امرءًا مغاليًا في القراءة، يفكر كصاحب النظر الحسير، وحزينًا أكثر منك.
|
|
|