|
منقولات روحيّة
المسيحية والبوذية تُبديان عن أوْجُه شَبَهٍ
شديدة من بعض النواحي، بمقدار ما تُبديان عن
أوْجُه اختلاف من نواحٍ أخرى – إلى حدٍّ أتاح
للبعض وصف البوذية بـ"ديانة ملحدة":
تعريف سخيف، لكنْ يفهمه من جعلوا الله فكرة
مُؤنْسَنَة على نحو شبه حصري. وفي الحقيقة،
نجد الألوهة مجسَّدة في البوذا، مثلما نجدها
في شخص المسيح. وهما تبدوان، إحداهما كما
الأخرى، تحت مظهر فوقبشري، بيِّن، مفارق،
إلهي. إنَّ مملكة البوذا، مثلما هي مملكة
المسيح، "ليست من هذا العالم"[1].
وخلافًا لما كان عليه الـأفاتارا[2]
الآخرون، لم يكن المسيح ولا البوذا مشرِّعين
ولا محاربين، بل داعيتان جوَّالان. كان
المسيح يختلف إلى "الصيادين"، وكان
البوذا يغشى "الملوك"، وكانا يفعلان ذلك
في بلاد الغربة، ولا يختلطان عضويًّا بحياة
الناس. وتتصف تعاليم كلٍّ منهما بالزهد
والرهبنة والتنسك، وهي، بمعنى ما، غير
اجتماعية asocial –
إلا إذا استثنينا المحبة charité
التي
تبدو هنا تحلُّ محلَّ الشريعة، لكنْ لا يمكن
لها عمليًّا أن تعوِّض عن تشريع بالمعنى
المخصوص للكلمة. بكلمة واحدة، لا تلحظ هاتان
العقيدتان أبدًا هذا العالم الدنيوي، الذي
يمكنه أن يكون سندًا إيجابيًّا للطريق
الروحي، بل تنبذانه باعتباره عقبة في هذا
الطريق. أي أنهما لا تلحظانه من حيث علاقة
رمزيته التي تربط كلَّ شيء، جوهريًّا أو
نوعيًّا أو عموديًّا، بالنموذج الأول
الإلهي، بل حصرًا من حيث علاقة صفته كتجلٍّ
وخلق، وبالتالي صفته اللاإلهية، صفة النقص
والفساد والألم والموت.
توضيح المقصود هنا بكلمة
"سرَّانية"[1]
(la mystique
بالفرنسية، mysticism
بالإنكليزية) هو
المدلول المضمون في مشتقِّها اللغوي من كلمة mustèrion اليونانية التي
تعني "السر". والسرُّ، بهذه الدلالة،
لا يشير إلى الأمر الخفي أو المجهول، الذي لا
يجوز الاطلاعُ عليه إلا للصفوة أو للقلة
المختارة، بقدر ما يشير إلى موضوع معرفي،
كلما توغل العارف في تقصِّيه، تراءت له
إمكانات معرفية أعظم وأعماق جديدة بكر تدعوه
إلى سبرها. من هذا المنطلق، نفضِّل تجنب
أخذ مصطلح "سرانيَّة" على محمل فلسفة
الدين أو ظواهريَّته (= فينومينولوجياه) التي
تحاول أحيانًا استبعاد كلِّ علاقة ممكنة
للسرَّانية بمدارس الأسرار Mysteries
القديمة، فتعتبرها ظاهرة خاصة أو اختبارًا
داخليًّا ذاتيًّا محضًا، وبذلك تعزل هذه
الخبرة الإنسانية الراقية عن القوانين
والسيرورات الفاعلة في الطبيعة وتقطع كلَّ
صلة له بها.[2]
ففي رأينا أن السرَّانية و"علم الباطن" Esoteric
Science الذي
تلقِّنه مدارس الأسرار، متى بلغ كلٌّ
منهما درجة معينة من العمق، أصبحا وجهين
لعملة واحدة وصورتين لخبرة كلِّية لا تتجزأ. وُلِدَ سوامي تشيدانندا
في جنوب الهند في العام 1916، ابنًا بكرًا لأسرة
براهمِنية سُنِّية، واستلهم، وهو بعدُ فتى
صغير، الأناشيدَ والقصصَ الواردة في الكتب
المقدسة الهندوسية. إبان سني الجامعة أيقظتْ
فيه حياةُ القديسين المعاصرين، أمثال شري
راماكرشنا وسوامي فيفيكانندا ورامانا مهارشي
وسوامي رامداس، وتعاليمُهم توقًا حارقًا إلى
الحياة الروحية. في العام 1943 انضمَّ إلى أشرم
سوامي شيفانندا، القديس والحكيم الذائع
الصيت عالميًّا، مؤسِّس"جمعية الحياة
الإلهية"، الذي كانت كتاباته الروحية
الملتهبة قد جذبتْه منذ أمد طويل. كان أشرم
شيفانندا، الذي كان آنذاك عبارة عن بضعة
أبنية وحسب، يقع على ضفاف نهر الغانج على سفوح
الهملايا، على مقربة من ريشِكيش في الهند.
إبان هذه الفترة من حياته، قام سوامي
تشيدانندا، في جملة نشاطات الأخرى، بإلقاء
المحاضرات، والعناية بضيوف الأشرم، وخدمة
المرضى، معبِّرًا عما تحوَّل إلى اهتمام
بأحوال المجذومين نَذَرَ له حياتَه. في أواخر
العام 1959 أرسله سوامي شيفانندا في جولة
تعليمية عالمية دامت سنتين، وانتهى به الأمر
إلى رئاسة "جمعية الحياة الإلهية" خلفًا
لسوامي شيفانندا بعد وفاته في العام 1963. ومذ
ذاك وحياة سوامي تشيدانندا عبارة عن سفر يكاد
أن يكون دائمًا، في الهند وفي خارجها، من أجل
قضية الغاية المركزية لـ"جمعية الحياة
الإلهية": نشر المعرفة الروحية.
|
|
|