كريشنامورْتي:
هذا حديثنا الأخير. هل ما تزالون تحبون أن يكون موضوع التأمل هو مدار الحديث،
كما اقتُرح سابقًا؟
الجمهور:
نعم.
كريشنامورْتي:
قبل البحث فيه، أعتقد أنه ينبغي علينا النظر في مسألة الانفعال والجمال. كلمة
"انفعال" مشتقة من كلمة معناها "يعاني"، لكننا نستعمل تلك الكلمة بمعنى مختلف
عن أي من الحزن أو الشهوة. من غير الانفعال لا يمكن للمرء أن يفعل الشيء
الكثير، والانفعال ضروري للبحث في هذه المسألة المعقدة جدًا، مسألة ما التأمل.
بالمعنى الذي نقصدهُ - ولعلنا، ربما، نعطيه مغزى مختلفًا - يأتي الانفعال عندما
يكون ترك كلي للـ"أنا" والـ"أنت"، الـ"نحن" والـ"هم"، وعندما يكون، مع ذلك
الترك، حسٌّ عميق من الزهد. لا نعني زهد الكاهن أو الراهب، فزهدهما قاسٍ، يوجهه
ويديمه الضبط والكبت. إننا نتحدث عن انفعال هو نتيجة لزهد ليس قاسيًا. العقل
الزاهد هو حقًا عقل جميل. الجمال، مرة أخرى، هو مسألة معقدة نسبيًا. في حيواتنا
النذر اليسير منه: نعيش هاهنا في بناء جميل تحيط به غابة جذابة ذات أشجار قديمة
رائعة، مع سماء زرقاء ومع غروب للشمس جذاب، لكن الجمال ليس هو جوهر التجربة.
ليس الجمال في الشيء الذي خلقه الإنسان وحده. لإدراك ما هو جميل جمالاً عميقًا
ليس الواجب فقط هو صمت العقل بل أيضًا فسحة عظيمة في العقل. أملي هو ألا يكون
لهذا كله وقعًا سخيفًا نسبيًا، لكنني أعتقد أنه سوف يصبح قابلاً للفهم ونحن
نمضي فيه.
يتمثل
هذا البحث في تأمُّل ودراسة المقولتين التاليتين بوعي وحكمة:
-
مفهوم الحكم والسلطة
-
ثقافة الحوار والتسامح
أولًا: مفهوم الحكم والسلطة
عندما تُقحَم سياسةُ التسلُّط أو شهوةُ التحكُّم في إدارة الأمة على نحو ما
تقتضي ضرورة تطبيق القيم الروحية والعقلية المستنيرة والمفاهيم السامية في نطاق
سلطة تتميَّز بالحكمة والوعي، تتراجع المبادئ الروحية الماثلة في إيمان يعتمد
على تفسير الشريعة، بظاهرها وباطنها، وتندحر القيم والمفاهيم الأخلاقية
والاجتماعية التي تتأسس عليها الأمة وتحياها وتحققها في ظل سلطة أو حكم يسعى
إلى تطبيق المبدأ الإلهي في عالم الأرض لكي يستعيد الإنسان تأسيس الفردوس الذي
فقده يوم انحرف عن سبيل معرفة الحقيقة والحفاظ عليها.
في هذا النطاق الروحي العميق والواسع، أود، بل أحب، أن أتحدث عن ثقافة الحوار
والتسامح التي هي أعظم وأجل وأسمى الحروب المعلنة على التحكُّم، والتسلُّط،
والجهل، والباطل الذي يهدف إلى إلغاء حقيقة الحياة الروحية وإلغاء الآخر.