|
في إحدى حدائق دمشق، وعلى قمة
مدورة لعمود تزييني صغير هو أحد الأعمدة
المحيطة ببركة راكدة، تتوضع عينان
بيضاويتان وفم يبتسم، وجهٌ بلا خطٍّ يحدده،
وجهٌ سيستوقفك – إنْ لاحظتَه – ويمنحك
ابتسامتَه الخاصة. ربما لأنك ستدرك عفويًّا
أن تلك العيون المرسومة بخطٍّ متعرج وأن تلك
البقعة السوداء المفترَض فيها أنها أنفٌ وأن
الفم المرسوم على شكل صحن هي نتاج أصابع
صغيرة أغراها بياضٌ كلسي بارد بكسره!
استضاف المركزُ الثقافي
الفرنسي في دمشق [طوال شهر تشرين الثاني
2006] معرض الفنان التشكيلي السوري زياد
دلول،
المقيم في باريس منذ العام 1984. وإلى جانب
المعرض، صَدَرَ عن المركز كتابٌ أنيق ضمَّ
أعمالَ المعرض الأخير، كما ضم ثلاثة مقالات،
باللغتين الفرنسية والعربية، في أعمال
الفنان: لأدونيس "احتفاءً بالبَصَر
والبصيرة"، ولپيير كابان "الابتهاج
المطلق بالفضاء المعيش"، ولمالك علولة
"فضاء زياد دلول المفتوح على اتِّساعه".
كلُّ عمل من أعمال الرسام، حينما ينبسط على
جدار معرض، – مبيحًا نفسَه للنظر، في تنوعاته
وتلاوينه وتناغماته المختلفة، مقترحًا في
صمت على مُشاهِده مَسارًا مُشَخْصَنًا دومًا، يكاد أن يكون
حميمًا، مجيزًا له أن
يتحادث معه وأن يستكْنِهَه، – كل عمل، أقول،
يبدو لي شديد التحريك للمشاعر، إذ يبدو لي
عندئذٍ أنه، فيما يعرض نفسه في عريه الهش،
لا يقامر بمعناه وحسب، بل وبوجوده برمته
أيضًا. إذ ذاك يكفي أن يتحول النظرُ عنه أو
ينزلق على سطحه لامباليًا حتى تقع الفاجعةُ
إلى الأبد، فيبدأ هذا الازدراءُ الجلي بتفجير
النسيان، لا بل الموت.
|
|
|