|
ألعاب ذهنية
بِلْ
فيزانت
رونيه ديكارت – العالم والفيلسوف الذي عاش في
القرن السابع عشر – أنقذ العلمَ من هيمنة
الدين بخروجه بنظرية الثَنَوية – فصل الجسم
عن الذهن – لكن هذا أدَّى إلى صرف العلماء في
القرنين التاليين عن مسألة الوعي. لكن
العشرين سنة الماضية شهدتْ تحولاً عن ذلك
المنحى، مع تركيز باحثين ومفكِّرين رُوَّاد
على ما يرى فيه الكثيرون آخر الأمور الكبرى:
العقل. فكيف يمكن للكتلة الرخوة بين أذنيك أن
تقرِّر أوان استيقاظك، وحياتك المهنية، أو
إمعانك النظر في سحابة على هيئة بقرة؟ استأثر
الفلاسفة بالمجادلة إبان القرن الماضي،
محاوِلين تحديد ماهية الحقائق الموضوعية
التي يمكن الأخذ بها بخصوص العقل، فيما
استغنى علماء النفس السلوكيون عن المفهوم
برمَّته. لكن العلماء عادوا اليوم، غاطسين في
السيرورات العصبونية [= النيورونية] لتحديد ما
يحوِّل المادة الرمادية لكلِّ شخص إلى اختبار
للذات. وقد
توغَّل العلماء العصبيون، مثل الأستاذة
سوزان غرينفِلد من جامعة أوكسفورد، عميقًا في
طبقات النشاط بين العصبونات، طارحين أن مستوى
وعينا ناتج عن شبكات من العصبونات ترجِّع من
حولها أصداء الروابط بين 100 مليار من الخلايا
المتوائمة، مثل حشرات واقعة في شبكة عنكبوت
ثلاثية الأبعاد: كلما كان الطنين أكبر كان
الإدراك أعلى. ويقوم
أنطونيو داماسيو، أستاذ العلوم العصبية في
جامعة أيُوا، بالفحص عن الأساس التطوري
للانفعالات. أما أولِه باولسِن، من قسم
العلوم العصبية في أوكسفورد، فهو يبحث في
تشكُّل الذاكرة. وقد قام الباحث في الجامعة
لورنس فايسكرانتس بزرع دارة سيليكون ميكروية
في مخِّ مريض مصابٍ بفالج سفلي وجعل خلايا
عصبية متصلةً بها مباشرة، بما سمح للشخص
بتحريك مؤشِّر فأرة كمبيوتر باستعمال قدرة
الفكر المحضة. كذلك فإن شركات الأدوية تضخُّ
في السوق حبوبًا مثل "البروزاك" تغيِّر
من أمزجة المخ. غير أن الفيزياء هي التي تحتضن
تطوير أكثر النظريات إثارة للاهتمام. ففي
جامعة أريزونا، مضى ستوارت خاميروف، الأستاذ
في التخدير وعلم النفس، قُدُمًا بطروحات
عالِم الرياضيات روجر بِنْروز من جامعة
أوكسفورد، باسطًا نظرية بِنْروز/خاميروف في
"اختزال الغرض المؤالَف" (ا غ م) الخاصة
بالوعي الكوانتي. تذهب النظرية، بإيجاز شديد،
أنه في داخل كلِّ خلية عصبية توجد
أُنَيْبيبات ميكروية مغزلية الشكل (حبال
صغيرة جدًّا من البروتين) تبدي خواصًا
ميكانيكية كوانتية – خصائص مزدوجة موجية/جسيمية
– تتخذ موضعين أو هيئتين في الوقت نفسه. وهذه
الأُنَيْبيبات الميكروية قادرة على الرقص في
ائتلاف مع الآلاف من نظيراتها في شبكة
متَّسقة. وأخيرًا، تنهار الحالات الهجينة من
لايقينية اشتباكها الكوانتي إلى وضع وحيد "كلاسيكي"،
مشكِّلة من خلال العملية فكرًا واعيًّا. وعلى
غير مدرسة العلم العصبي، يأمل أنصار الوعي
الكوانتي بأنه سوف يقدِّم المكوِّن السحري،
فيما يتعدَّى العمليات الكيميائية، الذي سوف
يجيب عن كيفية التفكير وسببه. ومع أنها
استُبعِدَت على الفور في العديد من الأوساط
فإن هذه الأفكار وجدت سبيلَها إلى المناقشة
والبحث المباشر، في محاولات لإثبات مثل هذه
المقترحات (أو لنفيها). يقول
الفيزيائي المرموق بول ديفيز، مؤلِّف 25
كتابًا، بما فيها العقل الإلهي، والزائر
الآن في المركز الأسترالي للبيولوجيا
الفضائية في جامعة ماكويري (سيدني)، إن الوعي
مازال لغزًا عميقًا. كما يقول إن إحدى طرق
التخطيط لمناقشة مسائل المخ والعقل والوعي هي
رؤية الموضوع من خلال أعمال رياضي أديلايد
السابق ديفيد تشالمِرز، الأستاذ الآن في
جامعة أريزونا، الذي يتكلَّم على مسائل "يسيرة"
و"عسيرة". والمسألة
اليسيرة المزعومة هي اكتشاف أجزاء المخ التي
تقابل حالات ذهنية معينة – المشاعر،
الأحاسيس، الخواطر، وغيرها من الارتكاسات.
"ذلك شيء يمكننا، من حيث المبدأ، إنجازُه"،
على حدِّ قول ديفيز. "في وسعنا أن نتخيل
خريطة ضخمة للمخ وفهمًا لما يجري على المستوى
الإلكتروكيميائي." لقد
حاجَجَ بعض المفكِّرين، بمن فيهم دانييل
دِنِّت، أستاذ الفلسفة في جامعة تافتْس
المقيم في بوسطن، أن المخ يعالج المعلومات
التي يُلقَّم إياها مثل كمبيوتر داروِني،
وذلك بفرز المعلومات فرزًا اصطفائيًّا، وأن
وعيًا منفصلاً خارج حِواء أحداث الحياة
وإحساساتها هو تصوُّر لا طائل تحته. يقول
دِنِّت: "اطرحْها، فلا يتبقى شيء فيما
يتعدَّى قناعة غريبة [لدى بعض الناس] بأن ثمة
بقية ما لا توصف ذات "مضمون نوعي" محرومة
من كافة القدرات على تحريكنا، إبهاجنا،
إزعاجنا، وتذكيرنا بشيء ما." فهل
اختبار شخص ما للحياة هو أكثر من مجموع
إدراكاته الحواسية؟ هنا تنشأ المشكلات
العسيرة المزعومة، كما يرى ديفيز: كيف يمكننا
أن نصف، بلغة العصبونات ونقاط التساقي، زرقة
الأزرق ورطوبة الماء؟ يقول ديفيز: "لا أحد
متفق على هذا حقًّا، وهناك نقاش حول ما إذا
كانت هذه فعلاً مشكلة علمية أصلاً [...]. فهل هي
تتخطَّى إلى الأبد عالَم العلم بحيث لا
تقدِّم إسهامًا فيه؟" هذا ما
يذهب إليه رودني بروكس. وبروكس هو أستاذ علوم
الكمبيوتر في معهد ماساتشوسِتْس للتكنولوجيا
العريق، وهو يرأس مختبرَه للذكاء الصنعي الذي
تعداده 250 باحثًا. أحد مشاريعه روبوط شبيه
بالإنسان، يرى ويسمع ويشعر. يقول بروكس: "روبوطاتنا
تتحلَّى بالانفعالات؛ إنها تستجيب عاطفيًّا.
إنها تفهم الاستجابات الانفعالية بنفس
الطريقة التي يتجاوب بها طفل مع انفعال من
راشد، كالغضب أو التشجيع أو الحنان." الربوطات
تحاكي الاستجابات البشرية عن طريق قشر بصري
طبيق وتعلُّم المهارات الحركية ومعالجة
اللغة. ولكن ماذا عن الوعي؟ يجيب بروكس: "إن
أيَّ تجلٍّ للوعي هو مَلَكَة ناشئة عن آليات
أبسط في روبوطاتنا، لكننا لا نقول بأنها
واعية." كتاب بروكس اللحم والآلات يدحض
المقترَب الكوانتي – حصرًا لأنه يبحث عن "سحر". ويشرح
كتاب غرينفِلد الحياة الخاصة للمخ النظرة
الأولى إلى المخ، ومفادها أن غالبية
الحيوانات تشترك في خصائص المخ، بما فيها جذع
مخي بدائي محاط بجهاز طرفي. وهذا الجهاز، بما
فيه اللوزتان والقشر المحزِّم للجسم الثفني،
يشكل قاعدة للاستجابات الأساسية. وعندما
يتأذى يعبِّر الناس عن انفعالات في غير
محلِّها. فعلى سبيل المثال، يبدي المرضى
المصابون بمتلازمة كلوفر–بوسي دافعًا
جنسيًّا قويًّا نحو أيِّ شيء قريب، بما في ذلك
الجمادات. يغلِّف
القشرُ الجهازَ الطرفي ويُشار إليه باعتباره
مسكن السيرورات المعرفية، بينما تقيم
الشخصية في القشر أمام الجبهي. وقد أفضى هذا
إلى استئصال الفصوص، للتعامل مع المرضى
العقليين المستعصين، وإلى النظرة القائلة
بإمكانية تقسيم المخ إلى مناطق اختصاصية،
يتوضَّع الوعي في واحدة منها. في معهد
سولك في لاخولا (كاليفورنيا)، ينتمي فرانسيس
كريك، أحد من رواد الـDNA،
إلى شبكة غير رسمية تُعرَف باسم "مجموعة
لاخولا حول أصول الإنسان". وهي ليست
مؤتمرًا نمطيًّا – إذ لا تنشر أبحاثًا – بل
بالحري منبر حوار عبرمناهجي مهتم بأساس
الحياة البشرية. وقد ضمَّ أحد الاجتماعات في
الشهر الماضي ديرِك دِنتون، أحد الأعضاء
المؤسِّسين، الذي حرَّضت أعمالُه على الوعي
الأولي النقاشَ حول البيولوجيا التطورية.
ورأيُ حامل جائزة نوبل جيرالد إيدِلمَن،
المقبول على نطاق واسع، هو أن الوعي انبثق عبر
إدراك الحيوانات الخارجي للطعام والخطر، في
مقدرة على تشكيل مشهد ذهني، ومن بعدُ نية
للفعل. وقد اقترح دِنْتون، المدير المؤسِّس
لمعهد هوارد فلوري في ملبورن، أن أصل
الانفعالات الإنباتية [= اللاإرادية] مشتقة
داخليًّا؛ وقد استعمل تصوير مخ المرضى لكي
يجد أماكن (عميقًا في الدماغ الأوسط) توضُّع
أصول دوافع من نحو العطش أو الجوع أو الحرمان
من الهواء. من الناحية الفارماكولوجية،
تعرَّف عالمُ الأعصاب كانديس بِرْتْ إلى
ببتيد الإنكفالين (المسكِّن الطبيعي للمخ)
الذي يظهر أن له دورًا في المؤالَفة بين
الانفعالات والصحة. ومن الواضح أن الكثير من
التقدُّم أُحرِزَ على المشكلة اليسيرة
المزعومة على مستوى تساقيات وعصبونات المادة
الرمادية. أما اختصاصية الفارماكولوجيا
العصبية غرينفِلد فقد تخلَّتْ عن تسمية مناطق
المخ، مفضِّلةً عليها وصف عمل المخ الشبيه
الشكل بالجوزة، بملحقِه المخيخ، الشبيه
بالقرنبيط، بوصفه أشبه ما يكون بعمل مدينة
نيويورك. وبذلك يمكن تقسيم عصبونات المخ الـ100
مليار إلى بلديات وأحياء ومجمَّعات أبنية.
ومثل العصبون كمثل الغرفة في بناء في مجمَّع،
تتواصل مع الغرف الأخرى في المدينة بواسطة
رُسُل – مُرسِلات يتم تلقيها بواسطة
مستقبِلات كيميائية – وداخل كلِّ غرفة توجد
تساقيات مثبَّتة على لوحات وخِزانات أقنية
إيونية، مع مضخات لحركة النبضات الكهربائية
التي تبلِّغ الاستجابات النهائية المطلوبة. إن قدرة المخ على الإصلاح
الذاتي – بعد إصابته بسكتة معتدلة، على سبيل
المثال – تشير إلى أنه يتمتع بمرونة تفوق
بكثير التصنيفات الأقدم. وبعيدًا عن الانحياز
إلى الجانب الوراثي الحتمي لنقاش الطبع/التطبُّع،
تعتبر غرينفِلد أن العقل هو "السَّبْخة
المضطرمة لجملة دارَّات الخلايا التي تمَّ
تشكيلها بالخبرات الشخصية والتي تتجدَّد
معلوماتُها ونحن نحيا كلَّ لحظة".
وتحاجِج غرينفِلد بأن الانفعالات هي
لَبِنَات بناء الوعي الذي ينبثق كسلسلة من
موجات شبكات العصبونات، تصعد وتهبط بحسب درجة
الإدراك أو التحريض. يقول بول ديفيز: "هناك أمر
واحد واضح: المخ لا يعمل مثل كمبيوتر رقمي. إنه
عبارة عن نماذج موَّارة من النشاط الكهربائي.
وهو يتعلق بالنماذج وبالتعقيد." ومن
المؤكَّد أنه يوجد جهد عالمي ضخم بغية إيجاد
الجزء الذي يحدث فيه ذلك، ألا وهو "القرين
العصبي للوعي" (ق ع و). ويقول ديفيز إن وضع
الخرائط للطرق التي تقترن فيها السيروراتُ
العصبية بالنواتج الواعية هو مقترَب معقول،
"لكن المرء يبقى واقعًا في شَرَكِ مشكلة
ماهية النموذج الكهربائي المعقَّد المعيَّن
الذي ترتبط به الخواطر أو الإحساسات، ناهيك
عن الخواطر والإحساسات المحددة، كالحب أو
الإحساس بالخضرة. فما الذي يميِّز تلك عن
النماذج الكهربائية الموَّارة في الشبكة
الكهربائية الفيكتورية، التي نظنُّ أن لا
خواطر أو إحساسات مرتبطة بها؟ هذا ما يودُّ
الفيزيائي أن يعرفه. لذا فإن مشكلة الوعي ما
تزال تبدو لي، كفيزيائي، لغزًا عميقًا." إلى جانب مجلة دراسات الوعي،
بوصفها منبرًا للمناقشة بين الاختصاصات، نجد
حوارات تَكْسون. ففي يوم الاثنين، سينعقد
المؤتمر الخامس، المُعَنْوَن بـ"نحو علم
للوعي"، في قاعة الموسيقى في مدينة أريزونا
الصحراوية، بمشاركة 1000 عالم يمثِّلون آخر
التفسيرات الاختبارية والنظرية للتجربة
الإنسانية. وقد حَضَرَ ديفيز عدة مؤتمرات
تَكْسون وأُعجِبَ بمستوى الخبرة التي
أُدْلِيَ بها إغناءً للموضوع. لقد صار
تشالمِرز، زميلُه السابق في أديلايد، مديرًا
مشاركًا لمركز دراسات الوعي الذي ينظِّم
فعاليات تَكْسون. وقد أخبر إحدى الصحف بأن
لقاء هذا العام سيتناول مناقشة ما إذا كانت
مناهجُ ضمير المتكلِّم للرصد قابلة للتطوير
بحيث تضارع في مقبوليَّتها تحليل "الراصد"
التقليدي لسلوك المخ بضمير الغائب. من المسالك الأخرى المطروحة
مسلك الاستبدال الحواسي: هل يمكن لجهاز
مصمَّم لشخص مكفوف البصر يستعمل الصوت أو
المذاق أن يسمح بمستوى ما من البصر؟ يقول
تشالمِرز: "هؤلاء القوم يصرِّحون بأن في
وسعهم أن يبصروا، وبأنهم يمتلكون إدراكًا
للعمق، وما شابه؛ لكن المسألة الحاسمة هي ما
إذا كانوا يختبرون النوع نفسه من الوعي الذي
نختبره نحن حين نبصر، أو ما إذا كان شيئًا
مختلفًا بالكلِّية." فيما يتعلق بالوعي الكوانتي (نُقَّاد
تشالمِرز يتهمونه بالحلولية النفسية)، يقول
إن جلسةً ستنعقد حول نموذج للوعي البصري
يقدِّمه خاميروف وعالمة البيولوجيا العصبية
نانسي وولف. ووولف هي أستاذة مساعدة مشارِكة
لعلم النفس في جامعة لوس أنجلس (كاليفورنيا)،
أطلعتْها غرينفِلد على أبحاث بِنْروز
وخاميروف. وأبحاثُها تتناول ناحية الناقلية
العصبية لناظمات الأستيل كولين وتأثير
بروتين الأُنَيْبيبات الميكروية المشارِكة 2
(ب أ م م 2)، لكنها مشدودة إلى أناقة النموذج
الكوانتي وإلى اعترافه بالزمن كمتحوِّل
يمكِّن "الذاكرة" الواعية من ضمِّ
الأحداث الماضية والآتية. تقول وولف: "الإدراك
متداخل مع الذاكرة واستباق المستقبل." تتصادى فكرةُ خاميروف وأبحاثَ
الفيزيائي النمساوي فريتيوف كابرا الذي قارن
كتابُه طاو الفيزياء الصادرُ في
السبعينيات بين مبدأ لايقين هايزنبرغ في
الميكانيكا الكوانتية (ليس بالإمكان معرفة
كلا سرعة قُسَيْم ذري وموقعه؛ وفعلُ رصده سوف
يغيِّر أحدهما) وبين الطروحات الدورية
والمُوازِنة للتصوف الشرقي. ويقول خاميروف
إنه قرأ كتابات كابرا، ويضيف: "أعتقد بأن
ثمة تشابهات هائلة بين الفيزياء الكوانتية
وبين الروحانية. وأظن بأن القاسم المشترك
بينهما هو الواقع الأعمق." سألتْه هيئة الإذاعة
البريطانية تعليقًا وهي تنتج سلسلة حلقات عن
الخبرات خارج الجسم والخبرات المتاخمة للموت.
يقول خاميروف: "مفاد ما قلتُ لهم هو أنه إذا
كان الوعي حقًّا سيرورةً تتم في هندسة
الزمكان الأساسية، إذ ذاك، حين تقصِّر
العملية الأيضية التي تضخ اتِّساقَ
الأُنَيْبيبات الميكروية في المخ، فإن
المعلومة لا تفنى. قد يُظَنُّ بأنها تندثر،
لكنها ربما، على نحوٍ ما، تبقى عالقة وتتشبث
مدة ما؛ ومن بعدُ، إذا تمَّ إنعاش المخ فإنها
تعود – الأمر الذي يطرح إمكانياتٍ للحياة
الآخرة." على الرغم من جحافل النُقَّاد
فإن خاميروف لا يرتدع. يقول: "الزمن في
جانبنا. فالمقتربات الكلاسيكية أُسْقِطَ في
يدها؛ إنها تخفق فيما يتعلق بتعليل الوعي [...].
إنها مازالت تدور في الفلك نفسه، بحجج
الانبثاق، والمزيد من الاختزال المفرط – هذا
الجزء من المخ هام، وذاك ليس كذلك – بدون أية
محاولة للتعامُل مع القضايا المحيِّرة. لا
أحد يملك مفتاحًا للمشكلة العسيرة غير قوله
إنها تظهر كالأرنب من القبعة [...]. لدينا
تنبؤات قابلة للاختبار يعدمها القوم
الكلاسيكيون." أين، بنظر تشالمِرز، التقدُّم
في المسألة العسيرة؟ يقرُّ تشالمِرز بأنها
"مسألة شديدة الضخامة. إننا نحرز تقدُّمًا
جزءًا بعد جزء. ولا أظن أن المشكلة العسيرة
سوف تُحَلُّ في أيِّ وقت قريب. لكن واحدة من
الأمور التي نتعلَّمها هي أنك تستطيع أن تحرز
تقدُّمًا باتجاه علم للوعي بدون حلِّ تلك
المشكلة. إنه علم للترابطات، أساسًا. إننا
نحصل على روابط منهجية أعمق فأعمق بين المخ
والوعي. ذلك لأنه ما يزال هناك لغز يبطِّن
الموضوع: لماذا يوجد هذا الرابط، هذا الوعي،
أصلاً؟ عند نقطة معينة لا بدَّ أن يخطر ببال
أحدهم أن يقول شيئًا عميقًا فعلاً عن هذا
الأمر. لكن العلم، الآن على الأقل، يمضي
قُدُمًا." ويقول خاميروف بأن المواقف
العلمية السائدة قد تنقلب فعلاً مع تطور
التكنولوجيا الكوانتية للمعلومات:
الكومبيوترات الكوانتية، الكتابة الطلسمية
الكوانتية، النقل الكوانتي عن بُعد. ويضيف:
"ومع صيرورة هذه الأشياء أكثر حقيقية،
أعتقد بأنه سيتحتَّم على القوم أكثر أن
يقولوا: "أجل، ربما كانت أدمغتنا مثل
كومبيوترات كوانتية"." أما ديفيز فإن تحفُّظه المعهود
على مثل هذا الشطح بيِّن: "لا أظن أنه قد
بُرهِنَ أن شيئًا مضحكًا ما لن يحدث. أنا باقٍ
على انفتاحي الفكري، لكني أظل متشكِّكًا."
لكنه يقول إن الوعي قد يستحق ما يُبذَل فيه من
عناء في السباق لابتكار آلة في وسعها أن تعقل
حقًّا. ويضيف ديفيز عن الفِرَق العالمية التي
تتبارى على المركز الأول: "هذه صفقة ستساوي
1000 مليار دولار عندما ينجح الأمر أخيرًا. فإذا
تمكَّنتَ من التيقُّن من أن المخ يفعل هذا [سالِكًا
سلوكًا كوانتيًّا] فأنت في طريقك إلى الفوز.
سوف نعرف كلَّ شيء عن الأمر إذا أفلح أحدُهم
في البرهان عليه." لقد رَمَتْ الحكومة الأسترالية
إلى الحلبة بتمويل سخيٍّ لأولئك المشتغلين في
هذا الحقل، مانحةً مبلغ 30 مليون دولار لمركز
الأبحاث الخاص بتكنولوجيا الكومبيوتر
الكوانتي، الذي يضمُّ معًا فِرَقًا من جامعات
نيو ساوث ويلز وكوينزلاند وملبورن. ويختتم ديفيز بأنه إذا كان
بِنْروز وخاميروف على حق، وكانت هناك
أُنَيْبيبات ميكروية في المخ تسمح بالمحافظة
على الاتِّساق الكوانتي عبر دورات عديدة من
معالجة المعلومات في بيئة حارَّة (المخ)، "إذ
ذاك فإن هذا ما ستحتاج إليه بالضبط جماعة
الحَوْسَبة الكوانتية لبناء كومبيوتر كوانتي
شغَّال. وتلك ستكون ثورة لا تقل عظمة عن
اختراع الكومبيوتر أصلاً. ذاك، إذن، مكمن
المال في الأمر... إذا كان هذا ما يسعى القومُ
إليه." *** *** *** عن تقرير أستراليا المالي |
|
|