المهم
هو الاستماع، ليس فقط إلى مكلِّمكم، بل أيضًا
إلى ردود فعلنا على ما يقال، لأن مكلمكم سوف لن يتناول أي فلسفة خاصة،
إنه لا يمثل الهند بحال من الأحوال، أو أي واحدة من فلسفاتها. إننا
معنيون بالمشاكل الإنسانية، لا بالفلسفات والاعتقادات. إننا معنيون
بالحزن الإنساني، الحزن الذي هو عند أكثرنا والهم والخوف والآمال
وحالات اليأس والاضطراب العظيم الكائن في شتى أنحاء العالم. بذلك نحن
معنيون بصفتنا كائنات إنسانية، لأننا مسؤولون عن الفوضى العظيمة التي
في العالم، مسؤولون عن الاضطراب، عن الحرب الدائرة في فيتنام، مسؤولون
عن حوادث الشغب. إننا، بصفتنا كائنات إنسانية تعيش في هذا العالم في
بلدان ومجتمعات مختلفة، مسؤولون بالفعل عن كل ما هو دائر. لا أحسبنا
ندرك مقدار خطورة هذه المسؤولية. لعل بعضنا يحس بها ولذلك فإننا نريد
أن نفعل شيئًا ما، أن ننضم إلى زمرة معينة، أو طائفة أو اعتقاد معينين،
وأن نكرس حياتنا لتلك الإيديولوجيا، لذلك الفعل بعينه. لكن ذلك لا يحل
المشكلة ولا يبدد مسؤوليتنا الخاصة.
يجب علينا، إذًا، أن نُعنى أولاً بفهم ما هي المشكلة، وليس بما علينا فعله؛ ذلك
سوف يأتي لاحقًا.
الهندوسية Hinduism
هي الديانة الأكثر انتشارًا في شبه القارة الهندية، وهي مجموعة كبيرة
من المعتقدات والتقاليد الدينية التي تعود جذورها إلى أواسط الألف
الثانية قبل الميلاد، وما تزال مستمرة حتى اليوم ولها من الأتباع أكثر
من 900 مليون. وهي ديانة لا يعرف لها مؤسس محدد، وقد تطورت على مدى
عصور طويلة عن ديانة سابقة، ما قبل تاريخية، يطلق عليها المؤرخون
وعلماء الأديان تسمية "الفيدية"
Vedism،
نسبة إلى كتب الفيدا الدينية التي ظهرت في زمانها، وهي أقدم الكتب
الدينية المعروفة في العالم.
ثم مرت الهندوسية بمرحلة وسيطة هي المرحلة البراهمانية
Brahmanism،
وهي مرحلة تبدأ تقريبًا في القرن التاسع قبل الميلاد، واشتهرت بكهنتها السحرة
الذين كان يـُطلق على الواحد منهم تسمية "برا همان"
Bráhman
أو "براهمين" Brahmin،
واقتصرت خدمتهم الدينية بشكل أساسي على تقديم القرابين وممارسة السحر، وكانوا
يحظون بالمكانة العليا في المجتمع، ويعتبرون طبقته
casta
الأعلى، ويليهم طبقة الأمراء والفرسان
Kshatriya،
وتليها طبقة الفلاحين ومربي المواشي
Vaishyas،
ثم طبقة العمال والحرفيين Shudra،
وأخيرًا طبقة المنبوذين Paria
المعدومة المكانة والدور الاجتماعي.
منذ فجر التاريخ والإنسان يسعى إلى فهم نفسه وفهم ما يحيط به وفهم هذا
الكون الواسع الذي يعيش به. كانت المفاهيم الأولى بدائية جدًا، قامت
على عبادة قوى الطبيعة من شمس وقمر ومطر وجبال ورعد وولادة وموت ونار
وريح... إلخ، ولكنها كانت إلى حد كبير بسيطة لكن متوازنة وفيها الكثير
من التواضع والاعتراف بأن إدراكنا بسيط جدًا أمام تلك القوى الهائلة.
كانت العبادات تجمع بين فلسفة بسيطة مصحوبة بتقاليد وشعائر بسيطة.
مع تطور الإنسانية، وحصول إدراك أكبر للإنسان لما يحصل حوله، بدأت تلك الفلسفات
الدينية تتعقد وتأخذ مفاهيمًا أكبر، وبنفس الوقت تطورت الحالة الاجتماعية
والمدنية بشكل أكبر وظهرت المدن ومن ثم الدول، مما تطلب وضع قوانين وشعائر. هذا
التطور كانت له طبعًا فوائد جمة على حياة الإنسان وقيمه الاجتماعية والفكرية،
ولكن حمل معه تناقضًا لم يكن موجودًا سابقًا على كافة الأصعدة، فظهرت القوانين
مثلاً، والتي طبعًا تنظم العلاقات بين الناس وتحفظ حقوقهم وواجباتهم، ولكن بنفس
الوقت فقدت الشفافية التي كانت موجودة، وأصبح القانون بطشًا أحيانًا وأصبح بيد
الأقوى. ظهرت بنفس الوقت التصنيفات والطبقات الاجتماعية. على مستوى العبادة، لم
تعد العبادة بالانسجام والبساطة نفسهما، وظهر تياران واضحان جدًا وأحيانًا
كثيرة متناقضان: التيار الأول وهو الفلسفة، ويقوم على محاولة فهم الكون
والألوهة من خلال تجارب عقلية ونفسية وروحية معينة؛ والتيار الثاني وهو الدين،
والذي يقوم على ممارسة شعائر وطقوس معينة، واعتبار الألوهة أمرًا خارجيًا يجب
تقديم الأضاحي والقرابين وصلوات معينة نحوها.