الصفحة السابقة             الصفحة التالية

بحثًا عن الحلِّ: و – عودة إلى جغرافية السياسة...
محاولة للتعمق في خلفية ما يجري

طائر الليل

على سطح الأشياء تكمن المشكلة،
وفقط على سطح الأشياء، نجد قلبها.
ليو شتراوس، تأملات حول ماكيافيلِّي.

1

ونعود مرَّة أخرى إلى جغرافية السياسة متفكرين في واقعنا الحالي وفي آفاقه المستقبلية القريبة والبعيدة، فنسترجع ما سبق وطرحناه في الفصل السابق من أفكار تؤكد على ضرورة تشكيل حكومة انتقالية...

... مؤلفة بشكل شبه رئيسي من التقنيين. وذلك بعد أن يتمَّ التوافق على المبادىء التي ستوجهها والتي هي باختصار:

أ‌.        على الصعيد الداخلي: وضع أسس ومبادىء دولة برلمانية تنبذ بشكل كامل كافة أشكال الطائفية والتعصُّب. وتباشر في إعادة إعمار البلد...

ب‌.     على الصعيد الخارجي: مصالحة النظام الجديد مع محيطه العربي والإقليمي والدولي والابتعاد عن سياسة المحاور...[1]

نعود لنناقش ذلك الجانب الأصعب والأخطر الذي تتعامل معه بلدنا، والمتمثل بالحاضنة الجغرافية السياسية الإقليمية والدولية المحيطة. لكن، منطلقين هذه المرة من الداخل، في محاولة لفهم تعقيدات الواقع وارتباطه. ونبدأ بـ...

2
مشكلتنا الكردية...

لأننا نواجه اليوم فعلاً في بلدنا وفي المنطقة "مشكلة كردية" حقيقية! مشكلة لا يمكن الخروج منها بمجرد الاعتراف بالأكراد كأقلية أثنية تشكل حوالي الـ10% من سكان سورية (أي ما يقارب الـ2.4 مليون إنسان) والإقرار بأن لهذه الأقلية حقوق. إنما يجب التفكير بالموضوع من منظور أوسع يربط هذه المشكلة بإطارها الجغرافي السياسي الإقليمي والدولي. كما يبدو واضحًا من الخريطة أدناه التي تبين توزع هذه الأثنية القومية على دول المنطقة، ومن ضمنها سورية...

وتجدنا من هذا المنظور أمام إثنية وقومية حرمت طويلاً من أبسط حقوقها وتطالب، بحقها في تقرير المصير. ما يعني إضافةً إلى حقها باستعمال لغتها ونشر ثقافتها بين أبنائها في البلدان التي تسكن فيها، حقها بالانفصال عن بعض (وحتى عن جميع) هذه البلدان، وتشكيل دولتها القومية الخاصة على تلك المساحة الجغرافية التي يشكل الأكراد فيها الأكثرية. وهي منطقة تضم ما يقارب الأربعين مليون كردي، كما هو واضح من الجدول التالي الذي يعطي فكرة أولية لتوزع الأكراد على دول المنطقة.

تركيا

ما بين الـ11.5 إلى 20 مليون

أيران

ما بين الـ6 إلى 9.2 مليون

العراق

ما بين الـ5 والـ7 مليون

سورية

ما بين الـ2.4 والـ 2.8 مليون

واقع حال لم يأخذه بالحسبان أولئك الذين قسَّموا (وتقاسموا) المنطقة بعيد الحرب العالمية الأولى. لكن...

إيجاد هذه الدولة سيؤدي أولاً إلى انتزاع أقسام كبيرة من دول المنطقة، وعلى رأسها تركيا التي يقطن فيها ما لا يقل عن 20 مليون كردي يتواجدون في القسم الجنوبي الشرقي منها حيث يشكلون الأغلبية المطلقة. وهو أمر لا تقبل به حتى الآن الحكومة التركية.

وكذلك الأمر بالنسبة إلى إيران التي يقطن في القسم الشمالي الغربي منها – ما بين روسيا وتركيا والعراق – ما لا يقل عن 7.5 مليون كردي. إيران التي كانت أول دولة حاول الأكراد فيها، في نهاية الحرب العالمية الثانية، بمعونة وتشجيع من روسيا السوفياتية، إقامة منطقة حكم ذاتي شبه مستقلة. ما عرف في حينه بجمهورية ماهاباد[2] التي استمرت أقل من عام (ما بين 22 كانون الثاني 1946 و5 كانون الأول 1946). ونتذكر بهذا الخصوص أن القائد العام لقوات هذه "الجمهورية" كان الملاْ مصطفى البرزاني[3] الذي لجأ، إثر انهيارها، إلى الاتحاد السوفياتي مع من تبقى من قواته، وبقي هناك كجنرال في الجيش الأحمر حتى تشرين الأول من عام 1958 حين عاد إلى العراق بعيد انتصار ثورة 14 تموز التي أطاحت بالحكم الملكي هناك. ونتفكر في المصالح التي جعلت روسيا مهتمةً إلى هذا الحدِّ بالـ"قضية الكردية" فلا نجد، للوهلة الأولى، سوى ذلك الطموح الروسي التقليدي للوصول إلى المياه الدافئة.

وننتقل إلى العراق حيث حاول الملا مصطفى البرزاني قيادة الأكراد من أجل إنشاء منطقة حكم ذاتي في المناطق الشمالية من هذا البلد التي يشكل الأكراد فيه الأغلبية المطلقة. وقد استمر الصراع بين "الأكراد العراقيين" والسلطات المركزية في بغداد سنوات طويلة – ما بين 1959 و1963 (خلال حكم عبد الكريم قاسم) ثم تصاعد بشكل خاص بعد وصول البعث إلى السلطة في شباط 1963 (ومن ثم خلال فترة حكم صدام حسين) – حتى كان الاجتياح الأمريكي للعراق الذي أطاح بحكم هذا الأخير وساعد على إقامة نظام حكم جديد أصبح للأكراد فيه منطقة حكم ذاتي شبه مستقلة. ونلاحظ أن أهم الدول التي تدخلت في حينه لدعم الأكراد في العراق كانت إيران (أيام حكم الشاه أي حتى عام 1977)، وإسرائيل (بشكل مستمر) وفرنسا، وطبعًا الولايات المتحدة. وأن كل من هذه الدول إنما كانت تساعد الأكراد انطلاقًا من مصالحها الجغرافية السياسية المباشرة. كما نلاحظ أن روسيا (السوفياتية آنذاك) كانت خلال هذه المرحلة الممتدة من 1963 وحتى انهيار الاتحاد السوفييتي "تساعد" الجانب العربي بسبب مواقفه المعادية للغرب وللولايات المتحدة.

وننتقل إلى سورية التي يقطنها حوالي الـ2.5 مليون كردي يسكن معظمهم في المناطق الممتدة ما بين محافظة الحسكة التي باتوا يشكلون فيها الأكثرية العددية وشمال محافظة حلب مرورًا بشمال محافظة الرقة. كما يتمركز الأكراد السوريون أيضًا في الأحياء الفقيرة للمدن السورية الرئيسة كدمشق وحلب. ونلاحظ أن...

... المجتمع الكردي السوري، كمكون أساسي من مكونات البلد، قد تمَّ دمجه (شكلاً) في النظام السياسي والاجتماعي للدولة السورية الفتية، خلال النصف الأول من القرن الماضي حين لم يكن هذا المكون يعكس مشاكل تذكر... بدأ (تمايزه) بالظهور مع مجيء البعث إلى السلطة، ومشاركة قوات سورية في حينه في قمع التمرد الكردي في شمال العراق. ثم أخذ هذا التمايز بالتجذر مع تفاقم المشكلة الكردية في جنوب تركيا وبدء نشوء شبه كيان كردي مستقل في شمال العراق...[4]

مع الإشارة إلى أنه لا بدَّ من أن نأخذ بعين الاعتبار التطور الكبير الذي حصل في الآونة الأخيرة بعيد اندلاع الثورة في سورية، والمتمثل...

... في المبادرة التي تبناها الرئيس بشار الأسد بمنحه الأكراد حكمًا ذاتيًا، وهي أقرب ما تكون إلى الاستقلال، بدلالة عدم وجود أي تشكيل عسكري سوري داخل المرتفعات الكردية، وأناطت مهمة الدفاع عنها الآن بالكرد أنفسهم، فمنعوا التسلل من الأراضي التركية باتجاه الهضبة السورية، وكانوا خير عون لمليشيات حزب العمال الكردستاني في تركيا، التي صعدت عملياتها الانتقامية ضد أنقرة...[5]

ما خلق واقعًا جديدًا دفع بالكثير من الأكراد القاطنين في الداخل السوري، وخاصةً منهم القاطنين في دمشق وحلب، إلى مغادرة هذه المدن والتوجه إلى شمال شرق سورية.

ما يعني أننا أصبحنا اليوم أمام واقع جديد يقول أنه بات للأكراد السورييين مشروع منطقة حكم ذاتي متصل مباشرةً بإقليم كردستان العراق الذي بات يقدم لهم الدعم. واقع يعيد طرح المشكلة الكردية ككل على صعيد سورية وعلى صعيد المنطقة. وننتقل...

3
مشاكلنا الأخرى...

لأنه توجد لدينا فعلاً، ومخبأةً تحت سطح ما كنَّا نفترضه تعايشًا "مثاليًا" على مرِّ العصور بين مختلف مكونات مجتمعنا، مشاكل حقيقية تتعلق بأوضاع أقليات دينية متمايزة لم تعرف نخبها إجمالاً كيف تتفاعل بإيجابية مع الأكثرية السنية الحاضنة للبلد. وخاصةً منذ عام 1970 ومجيء حافظ الأسد إلى السلطة.

ونتفكَّر أن أول هذه الأقليات هي الأقلية العلوية [حوالي 12% من سكان سورية] التي يستند إليها النظام الحالي، والتي لها امتدادات في تركيا وفي لبنان. حبث يعتقد العديد من أبناء هذه الأقلية اليوم أنهم يخوضون معركة مصيرية دفاعًا عن نظام أصبحوا مع الأسف شبه متماهين معه.

وثاني هذه الأقليات هي الأقلية المسيحية [حوالي 4.7% من مجموع سكان سورية] المتمركزة في المدن السورية الرئيسة كدمشق وحلب وحمص وكذلك في وادي النصارى، والتي لها أيضًا امتداد واسع في لبنان.

وثالث هذه الأقليات هي الأقلية الدرزية [حوالي 2% من سكان سورية] التي لها أيضًا امتداد واسع في جبل لبنان.

هذا بالإضافة إلى الأقلية الشيعية [حوالي 1% من سكان سورية] الأصغر التي لها أيضًا امتداد واسع في لبنان غربًا وفي العراق شرقًا، والتي تشكل في كلا هذين البلدين المجموعة الأكبر.

ونلاحظ أن قسمًا كبيرًا من هذه الأقليات يشارك الأقلية العلوية اليوم خوفها الحشوي من بعبع إسلامي سنِّي نجحت ميكيايلية النظام السوري والسياسات الخاطئة لبعض المعارضة في شيطنته. أقليات دفعتها سياسات النظام لأن تتعارض في مواقفها مع الأكثرية العربية السنِّية التي تشكل حاضنة البلد. واقع تستغلُّه إلى حدٍّ كبير القوى الدولية – سواء أكانت هذه القوى متعاطفةً مع الثورة و/أو مؤيدةً للنظام.

ونتوسع في المزيد في هذا السياق. فتجدنا أمام واقع يقول:

-       أولاً: إن خللاً قد حصل فعلاً على صعيد بلد ومنطقة يشكِّل العرب السنَّة فيها الأكثرية المطلقة، كما تبين الخريطة أدناه. خلل يتمثل في تحكُّم عائلةٍ تنتمي إلى الطائفة العلوية (الأقرب إلى الشيعة) ببلدٍ أغلبيته من العرب السنَّة من جهة، وتحالفها مع إيران (الشيعية) التي انتهجت منذ سقوط الشاه، سياسةً معادية بالكامل للغرب ولإسرائيل من جهة أخرى. ما يعني...

-       ثانيًا: أننا أصبحنا نواجه اليوم بالقوة احتمال قيام صراع إقليمي سنِّي شيعي لا يمكن إلا أن تتدخل فيه القوى الإقليمية والدولية التي لها مصالح في المنطقة كروسيا والولايات المتحدة الأمريكية. كما تبين الخريطة أدناه التي تسلِّط الضوء على صراع سياسات هاتين الدولتين ما بين أعوام 1946 و2003. صراع لا مصلحة به للسنَّة الذين يشكلون الأغلبية في سورية وفي المنطقة ولا للشيعة. لكنه واقع لا تستفيد منه في الحقيقة إلا...

-       ثالثًا: إسرائيل التي بات يحكمها منذ فترة اليمين المتطرف من جهة، ويشكِّل اليهود الذين من أصل روسي حوالي الـ20% من سكانها من جهة أخرى. لأننا إن تفكرنا المزيد في واقع هذه الدولة التي تكاتف الشرق والغرب في القرن الماضي على إنشائها، تجدنا من منظور جغرافي سياسي، أمام دولة ذات خلفية دينية – قومية رغم كلِّ ادعاءاتها العلمانية. دولة فشلت حتى الساعة في إقامة علاقات طبيعية مع جيرانها عمومًا، ومع محيطها الفلسطيني والعربي المحيط والحاضن خصوصًا. دولة تعتمد بشكل أساسي على علاقاتها مع الغرب الذي نجحت في استمالته إلى جانبها بسبب ديمقراطية نظام الحكم فيها من جهة، وبسبب تعاطف العالم مع اليهود الذين دفعوا الثمن الأكبر من الاضطهاد خلال الحرب العالمية الثانية من جهة أخرى. دولة، إن انطلقنا من عقلية اليمين الذي بات يحكمها اليوم، لها (من منظورها العنصري الضيق) مصلحة في تفتيت الدول المحيطة بها. وخاصةً منها تلك التي تتعايش فيها بنجاح نسبي أثنيات عرقية وأقليات دينية مختلفة (كلبنان وسورية مثلاً). الأمر الذي يقودنا كمحصلة حاصل إلى المزيد من التفكُّر في تداعيات الثورة السورية على الواقع المحيط الإقليمي والدولي.

4
في التداعيات الجغرافية السياسية للثورة السورية

وتجدنا من هذا المنظور أمام واقع يقول إننا أصبحنا اليوم، وبفضل السياسات غير الحكيمة لنظام الحكم في بلدنا، مسرحًا لصراع على النفوذ السياسي والعقائدي بين محورين إقليمين محلِّيين. المحور الأول شيعي يمتد من إيران (الشيعية) شرقًا مرورًا بالعراق (الذي أصبح منذ سقوط نظام صدام حسين محكومًا من قبل الشيعة) ليصل إلى لبنان (حيث يشكل الشيعة أكبر الأقليات المكونة) عن طريق سورية (ذات الأغلبية السنِّية). والمحور الثاني سنِّي، يبدأ من الجزيرة العربية جنوبًا حيث يشكِّل العرب السنَّة الأغلبية المطلقة. لكن هذا المحور انقطع تواصله الجغرافي السياسي مع تركيا (السنِّية) عبر سورية (ذات الغالبية السنِّية) كما تبين الخريطة أدناه.

واقع، يمكن أن يؤدي، إن استفحل وطال الاقتتال في سورية، إلى صراع إقليمي بين هذين المحورين. وإلى تفتت سورية التي باتت اليوم مرشحة لحرب بالوكالة على أراضيها. حرب لا يمكن أن تنحصر إن وقعت بالقوى الإقليمية، وإنما باتت أيضًا، مرشحة لأن تشمل القوى الدولية الكبرى. كما تبين الخريطة أدناه التي تبين مواقف هذه القوى في الأمم المتحدة.

وهنا لا بدَّ أن نسجِّل أنَّ النظام السوري الذي قام في السبعين من القرن الماضي على أساس تفاهم دولي بين المحورين الدوليين الأساسيين آنذاك (أقصد المحور السوفياتي والمحور الأمريكي) كان أذكى في رهاناته وحساباته من بعض قوى المعارضة التي لم تعرف حتى الآن كيف تتعامل بشكلٍ صحيح مع واقع الصراع الإقليمي والدولي في منطقتنا. لكن...

النظام السوري الذي أوصل البلد، برعونته وسياساته الخاطئة، إلى ما وصلت إليه من خراب ودمار، لم يعرف في حقيقة الأمر كيف يتعامل بشكل صحيح مع تغير الحقائق على الأرض، لا على صعيد البلد، ولا على صعيد اللعبة الجغرافية-السياسية التي اعتقد أنه يتقنها. ونتفكَّر في المزيد في هذا الواقع الذي يقول:

-       أولاً: إن المجموعة التي جاءت إلى السلطة في سورية عام 1970 نتيجة تفاهمات دولية وإقليمية كانت بحاجةٍ إليها آنذاك لتأمين توازنات ضرورية في هذه المنطقة الحساسة والاستراتيجية من العالم، من خلال حفاظها على الأمن والاستقرار في بلدها، فقدت اليوم مبرر وجودها ليس فقط لأنها أوصلت بلدها إلى ما أوصلته إليه من جهة، وإنما أيضًا لأنها باتت تهدد الأمن والاستقرار في هذه المنطقة الحساسة من العالم من جهة أخرى. من هذا المنظور يمكن أن نفهم ببساطة لماذا يتفق الجميع اليوم على القول بأنه ليس متمسكًا برئيس المجموعة السورية الحاكمة (كروسيا مثلاً) و/أو لماذا يطالبه بالتنحِّي (كالولايات المتحدة ليس حصرًا). وأيضًا...

-       ثانيًا: لأن الخطأ في الفهم والتعاطي مع الجغرافيا السياسية قاتل. فإن أول أخطاء النظام السوري القاتلة هي أنه لم يفهم حجمه الحقيقي في اللعبة الدولية. وبالتالي بات هذا النظام، الذي اعتقد أنه بتحكمه لمدة طويلة ببلد لا يختلف أحد على أهمية موقعه، يعتقد أن بوسعه التحكم بشكل دائم بسياسات هذا البلد، وبانعكاساتها على المنطقة، ناسيًا حجمه الحقيقي في المنطقة وفي هذا العالم المتغير الذي يفترض أن يعرف الجميع كيف يعيشوا فيه و/أو أن يتعايشوا معه بإيجابية وبحجمهم الحقيقي. وبالتالي، لمَّا كان حجم سورية، من هذا المنظور، صغير جدًا، فإنه بوسعنا القول إن النظام السوري الحالي قد انتهى من منظور الجغرافيا السياسية. لكن...

5
فيما يتعلق بآفاق الحلِّ ونهاية الأزمة...

لمَّا كان ذلك الصراع الدموي المسلَّح الدائر اليوم على الأرض لم ينتهي بعد. كما لا يبدو أنه مرشح للانتهاء خلال فترة زمنية قريبة.

حيث لم يستطع النظام السوري، الذي الذي تمكن من جرِّ المعارضة إلى العنف وإلى الصراع المسلَّح، ورغم كلِّ الدعم الذي تلقاه من إيران ومن روسيا، حسم هذا النزاع لصالحه. إنما توسعت مناطق الصراع إلى مختلف أنحاء البلاد التي خرجت عمليًا بمعظمها عن سيطرته. (كما هو واضح جدًا من الخريطة أدناه).

وكذلك لمَّا لم تتمكن المعارضة حتى الساعة، بسبب شحِّ المعونات العسكرية التي قدِّمت وتقدَّم لها من جهة، وبسبب ضبابية أفقها وطرحها السياسي من جهة أخرى، من حسم المعركة على الأرض لصالحها. ولا يبدو أنها قادرةً على ذلك في المستقبل القريب. فإن المعركة مرشحة لأن تطول. ولكن...

لمَّا كان استمرار وطول مدة هذه الأزمة في الداخل السوري ليس من صالح أحد لا على صعيد البلد، ولا على الصعيد الإقليمي والدولي. لأنه سيؤدي إلى انتشار الفوضى ليس فقط في سورية وإنما أيضًا في جوارها الإقليمي. فإننا نفهم اليوم، لماذا بات الجميع اليوم يبحث عن حلٍّ سياسي لهذه الأزمة.

ونتفكَّر في أن الحلَّ الذي لا بدَّ منه للخروج من الأزمة، والذي يبدو اليوم شبه مستحيل، بات اليوم ولنفس الأسباب، أقرب إلى التحقق من أي وقت مضى. لأن...

-       المصالح التي تنطلق منها الجغرافيا السياسية هي مصالح حقيقية، وليست هراءً ولا لعبًا في نهاية المطاف. حيث...

-       ليس لروسيا ولا للصين من جهة ولا للغرب (وعلى رأسه الولايات المتحدة) من جهة أخرى، مصلحة في الصدام وفي استمرار الصراع في منطقة حساسة كمنطقة الشرق الأوسط. فالجميع – شرقًا وغربًا – تجمعه مصالح تجارية وسياسية تتجاوز من هم على رأس النظام السوري كما تتجاوز المعارضة السورية بمختلف أطيافها. وأيضًا...

-       ليس لإيران (الشيعية) ولا لتركيا والدول العربية (ذات الأغلبية السنِّية) مصلحة في استمرار الصراع الدائر على الأرض السورية، ولا في تحوله إلى صراع سنِّي شيعي يحرق المنطقة. وأيضًا...

-       ليس لإسرائيل حتى مصلحة في فلتان الأوضاع في سورية...

فإن النتيجة والمحصلة هي أن البحث عن حلٍّ سياسي بات أمرًا حتميًا بالنسبة لجميع العقلاء في الداخل السوري وفي المنطقة. ما يعيدنا مرة أخرى إلى بديهية سياسية تقول إن الحلَّ يجب أن يكون سوريًا في نهاية المطاف.

من هذا المنظور تبدو الدعوة المشروطة التي أطلقها الشيخ معاذ الخطيب ومن يقف معه من المسؤولين الجدِّيين في المعارضة للحوار مع النظام ومع جميع الأطياف الدولية حول المرحلة الانتقالية، بارقة أمل وخشبة خلاص يشعر بها بشكل خاص جميع من هم في الداخل السوري ويعانون بشكل يومي من الأوضاع المأسوية الراهنة. وأسس هذه التسوية من منظوري المتواضع يفترض أن تكون:

أولاً: على الصعيد الداخلي السوري:

أ‌.       إنهاء الحكم العائلي الطائفي القائم وتنحِّي رأس النظام وجماعته. لأن...

ب‌.  نظام الحكم في البلد يجب أن يصبح ديموقراطيًا ومدنيًا يؤكد على حقِّ الأكثرية في الحكم. ويضمن حقوق جميع الأقليات القومية والمذهبية. فإنه بات من الضروري اليوم أن...

ت‌.  يتفاهم الجميع على إعادة الاعتبار والقدسية إلى الجيش السوري الذي يجب الحفاظ عليه وإبعاده بالكامل عن السياسة وعن التجاذبات الطائفية، ليصبح جيشًا للبلد ككل. ما يعني أن...

ث‌.  يبدأ التفاوض من أجل تحقيق البنود أعلاه بإعلان وقف فوري لإطلاق النار وبإطلاق سراح جميع المعتقلين وبالتعويض المادي والمعنوي لجميع من تضرر في هذه الأحداث واعتبار كل من قتل فيها شهيدًا.

ثانياً: على الصعيد الإقليمي والدولي:

أ‌.       التأكيد أن سورية جزء لا يتجزأ من العالم العربي والإسلامي. وبالتالي، على أنها صديقة لجميع الدول العربية والإسلامية وترفض الانجرار وراء أية سياسة تؤدي إلى التفريق فيما بينها.

ب‌.  أن تنطلق السياسة الخارجية من مبادىء الحياد الإيجابي وعدم الانحياز وأن ترفض سياسة الأحلاف والمحاور. أمَّا...

ت‌.  فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي فإنه من الواجب أن تعود سورية إلى السعي بكلِّ جدِّية إلى حلٍّ سلمي لهذا الصراع استنادًا إلى قرارات الأمم المتحدة رقم 242 و336 وأن تتبنى بشكل كامل مبادىء المبادرة العربية التي اعتمدتها في حينه جامعة الدول العربية.

أسس ومبادىء يمكن أن تكون مقبولة من الجميع. ولكن، لمَّا كان التفصيل في هذا المجال يتطلب المزيد من التعمُّق. فإن للحديث صلة...

*** *** ***

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود