|
اللاعنف والمقاومةNonviolence and resistance
في عام 1600 تأسسَّت شركةُ الهندِ الشرقيةِ الإنكليزيةُ Compagnie anglaise des Indes orientales. كان هدفُها الوحيد هو تنظيم التجارة بين الهند وأوربا ولم تكن تنوي القيامَ بغزوات للأرض. ثم أسَّسَ الهولنديون والفرنسيون كذلك شركاتٍ تجاريةً دخلَتْ في تنافُسٍ حتمي فيما بينها. ونشأَتْ نزاعاتٌ عديدة تداخلَت فيها المصالحُ التجاريةُ للشركات الأوروبية والمصالحُ السياسية للحكام المسلمين والهندوس الذين يتقاسمون الهند. وفي القرن الثامن عشر تصارعَ الإنكليزُ والفرنسيون للسيطرة على الأراضي الهندية. وانتصرَ الإنكليزُ في النهاية ونجحوا في إرساء سيطرتهم على الهند مستفيدين من انحطاط إمبراطورية المغول. في الغابة السياسية التي كانت تُشكِّـلُها الهندُ في تلك الحقبة، كان الأشخاصُ الأكثرُ جرأةً والأكثرُ مكرًا والأقلُّ تورُّعًا والأكثر مواظبةً هم وحدهم الذين يستطيعون أنْ يأملوا في البقاء، وانطلاقًا من هذه الخلفية من الجشع والخيانة والفساد والقسوة يجب تقييم الأفعال والناس الذين عاشوا في ذلك العصر. (...) فارتكابُ القتل أو التعرُّض للقتل كان القانونَ الوحيدَ، وإذا خرجَ الإنكليزُ من الصراع منتصرين فذلك لأنهم، بالإضافة إلى كونهم قُساةَ القلوب كخصومهم، كانوا يمتلكون خصالاً لا يمتلكها خصومُهم: ألا وهي الصبر على الشدائد والقدرة على تمالُكِ الأعصاب في مواقفَ شبه ميئوس منها"
هذا الكتاب شهادةٌ على العنف: بواعثه، آليات اشتغاله، منطقه التبريري... وذاك العمى الذي يجعلنا لا نرى في عنفنا الخاص سوى ردِّ فعل "مشروع" على عنف آخر. غنيَّةٌ هي الحرب اللبنانية بالدروس والدلالات. ذلك أن العنف الذي أنتجته وظهَّرته لا يحدُّه نموذج واحد من نماذج العنف المعروفة. فهذه الحرب لم تقتصر على دول، كتلك الحروب التي شهدتها أوروبا قبل الحرب العالمية الثانية؛ ولا هي مجرَّد حرب استقلال بين حركة تحرُّر وطني وقوة استعمارية. ثم إنها ليست من صنف حروب الهويات الطائفية أو الإثنية فحسب، كتلك التي عرفتها افريقيا وبلاد البلقان. تبدو هذه الحرب اللبنانية عصيَّة على التصنيف، لأنها في الواقع خليط من كل تلك الحروب. فلقد كانت حربًا بين دول، لكنها في الوقت نفسه كانت حربَ استقلال وطني ضد محتلٍّ اختلفت هويته من مرحلة إلى أخرى ومن فريق داخلي إلى آخر. وكانت حربًا طائفية بين مسلمين ومسيحيين، لكنها شهدت أيضًا صدامات مذهبية بين سنَّة وشيعة. كذلك كانت عنفًا دمويًا – لعلَّه الأشد دمويةً – داخل جماعة طائفية أو مذهبية واحدة في بعض الأحيان: "حرب الإلغاء" بين المسيحيين (1990)، و"حرب إقليم التفاح" بين الشيعة (1987). إلى ذلك يمكن اعتبارها حرب اسرائيل في لبنان وعلى لبنان، لتنفيذ مشروعها القديم الرامي إلى إنشاء "حلف بين أقليات المنطقة ضد الأكثرية العربية-الإسلامية"، مثلما هي في الوقت ذاته حرب القيادة السورية "الأسدية" في لبنان وعلى لبنان، طمعًا في إعادة تكوين "سوريا الكبرى" بـ"حدودها التاريخية".
لست قديسًا ولا غارقًا في الخطيئة. أبقى متفائلاً، ليس لأنَّه بوسعي تقديم أي دليل على أن الحقَّ سيزدهر، إنما بسبب إيماني الذي لا يتزعزع بأن الحقَّ سينتصر في نهاية المطاف... لأن أساس وحينا هو فقط الإيمان بأن الحق سينتصر حتمًا. (هاريجان، 9-8-1942، ص262) *** لم أدَّعي يومًا بأني زاهد؛ فالزهد مرده صرامة الأشياء. أنظر إلى نفسي كصاحب بيت يعيش حياة خدمة متواضعة، كغيري من العاملين الذين يعيشون على صدقات الأصدقاء... والحياة التي أعيشها سهلة ومريحة بمجملها، هذا إن فهمنا الراحة بأنها مجرد حالة ذهنية. ومن هذا المنظور، لديَّ كل ما أحتاج إليه ولا أتعب نفسي باكتناز أي شيء خاص. (الهند الفتاة، 1-10-1925، ص338)
لا يمكن للعين أن تخطئ تغيرًا في المزاج العام بدأ يتصاعد في الآونة الأخيرة، تحت ضغط العنف الأمني وانعدام أي أفق لتغيير موازين القوى لصالح الثورة حتى اللحظة. حيث بدأ الكثيرون بالتساؤل حول جدوى النضال اللاعنفي، خاصة بالشكل الذي تجلى عليه في الثورة السورية، متمثلاً بشكل وحيد هو التظاهر، وقاصرًا، إن على الصعيد الميداني أو الإعلامي، عن مواجهة أصوات متعالية باتت ترى في عسكرة الثورة والمطالبة بإجراءات دولية ذات طابع عسكري، مخرجًا وحيدًا لانتصار الثورة. وليس أقدر على الحديث عن هذه القضية من نشطاء داريا، أيقونة النضال السلمي في سوريا. ومن هؤلاء، الناشط الميداني وأحد القيادات الشبابية في المدينة، أسامة نصار، الذي اعتقل للمرة الأولى عام 2003 ضمن ما بات يعرف بـمجموعة شباب داريا. واعتقل للمرة الثانية في عام 2007، ثم اعتقل وزوجته الحامل في اعتصام وزارة الداخلية بتاريخ 16-3-2011 وأفرج عنه بعد نحو أسبوعين، وكان الاعتقال الرابع في الأول من أيار من قبل المخابرات الجوية، حيث أفرج عنه بعد نحو شهرين، ومنذ ذلك الوقت يعيش متواريًا، حاله كحال معظم النشطاء الميدانيين.
|
|
|