|
الاقـتـلاع 2:
ليست مشكلةُ اقتلاع الفلاحين أقلَّ خطورةٍ من مشكلة اقتلاع العمال. فعلى الرغم من أنَّ المرَضَ أقلُّ تفاقماً فإنَّ فيه شيئاً أكثرَ فضحًا؛ لأنَّ ما يتنافى مع الطبيعة الإنسانية هو أنْ يزرعَ الأرضَ أناسٌ مقتلَعون. لا بد من إيلاء الاهتمام نفسِه للمشكلتين. فضلاً عن ذلك، يجب عدم إظهار علامة اهتمام علنية أبدًا للعمال مِن دونِ إظهار علامة أخرى مماثلة للفلاحين. لأنهم شديدو الحذر، شديدو الحساسية، وتُقِضُّ عليهم مضجعَهم دائمًا فكرةُ أنهم منسيُّون. لا شك أنهم يجِدون ضمن الآلام الحالية عَزاءً في ضمان أنه يفكَّر بهم. يجب الاعترافُ بأننا نفكر بهم عندما نكون جائعين أكثر بكثير مما نفكر بهم عندما نأكل ما نشاء؛ كذلك الأمر حتى بين الناس الذين كانوا قد اعتقدوا أنهم وضعوا تفكيرَهم على مستوى أعلى بكثير من جميع الحاجات الجسدية. يميل العمالُ إلى أنه يجب عدم التشجيع على الاعتقاد بأنَّ المقصود لا بد أنْ يكون هم حصرًا عندما يجري الكلامُ عن الشعب. ليس هناك قطعًا أي مبرِّر شرعي لهذا؛ إلاَّ إذا أُخِذَت بعين الاعتبار، وكما هي، فكرةُ أنهم يُحدِثون ضجةً أكثر من الفلاحين. وتوصَّلوا حول هذه النقطة إلى إقناع المثقفين الذين يُظهِرون ميلاً نحو الشعب. ونتجَ عن ذلك، لدى الفلاحين، نوعٌ من الكراهية لما يسمونه في السياسة باليسار – إلاَّ عندما يقعون تحت التأثير الشيوعي وعندما تكون معارضةُ تدَخُّلِ الإكليروس [رجال الدين] anticléricalisme في الحياة العامة ضغطًا رئيسيًا؛ وفي بعض الحالات الأخرى أيضًا بالتأكيد. يعود تاريخ انقسام الفلاحين والعمال إلى زمن طويل. هناك شكوى منذ نهاية القرن الرابع عشر يسرد فيها الفلاحون بنبرة مؤثِّرةٍ تُمزِّقُ القلبَ الأعمالَ الوحشيةَ التي ألحقَتْها بهم جميعُ طبقات المجتمع بمن فيهم الحرفيون. قلَّما حصلَ في تاريخ الحركات الشعبية في فرنسا أنِ التقى الفلاحون والعمالُ معًا إلاَّ بطريق الخطأ. وحتى في عام 1789، ربما كان الأمر مجرَّدَ مصادفةٍ أكثرَ مِن كونِه أيَّ شيء آخر. كان الفلاحون في القرن الرابع عشر أكثرَ الناس شقاءً بكثير. ولكنْ حتى عندما يكونون أسعدَ ماديًا – وإذا كانوا كذلك فقلَّما يدركون ذلك لأنَّ العمال الذين يأتون إلى القرية لقضاء عطلة لعدة أيام يسيطر عليهم إغواءُ المباهاة والتبجُّح – فسيَظلُّ يعذِّبُهم شعورُ أنَّ كلَّ شيء يجري في المدينة وكأنهم "غيرُ معنيِّين" "out of it". وما زاد هذه الحالةَ الذهنيةَ سوءًا هو بالطبع تركيبُ البرق والهاتف في القرى وإنشاءُ دُورِ السينما فيها وانتشارُ الصحف مثل Confidences [أسرار] وMarie-Claire [ماري-كلير][1]، والتي يُعَدُّ الكوكايينُ في نظرها مادةً غيرَ خطرة. عندما يكون الوضع هكذا فيجب أولاً ابتكارُ وتطبيقُ شيء يعطي الفلاحين من الآن فصاعدًا الشعورَ بأنهم "معنيُّون" "in it". من المؤسف ربما أنْ تأتيَ النصوصُ الصادرة رسميًا من لندن دائمًا على ذِكْر العمال أكثرَ مما تأتي على ذِكْر الفلاحين. صحيح أنَّ مشاركة الفلاحين في المقاومة أقل بكثير. ولكنْ ربما يكون هذا سببًا إضافيًا لتقديم أدلة متكررة على أننا نعرف أنهم موجودون. وينبغي أنْ يؤخذَ في الاعتبار أنه لا يمكن القولُ بأنَّ الشعب الفرنسي مع حركة ما إنْ لم يكنْ أغلبُ الفلاحين معها. من المفروض أنْ نضعَ لأنفسنا قاعدةً هي ألاَّ نقدِّمَ أبدًا للعمال وعودًا بالجديد والأفضل بدون أنْ نقدِّمَ وعودًا مماثلة للفلاحين. كانت البراعةُ الكبيرة للحزب النازي قبل عام 1933 هي أنه قدَّم نفسَه للعمال على أنه حزب عمالي بنوع خاص وقدَّم نفسَه للفلاحين على أنه حزبُ فلاحين بنوع خاص وقدَّم نفسَه للبرجوازيين الصغار على أنه حزب برجوازيين صغار بنوع خاص، وهكذا. وكان ذلك سهلاً عليه، لأنه كان يَكْذِبُ على كل الناس. من المفروض أنْ نحذوَ حَذْوَ الحزب النازي ولكنْ بدون كذب على أحد. هذا صعب ولكنه ليس مستحيلاً. كان اقتلاع الفلاحين خلال السنوات الأخيرة خطَرًا قاتلاً للبلاد كخطورة اقتلاع العمال. كان أحدُ الأعراض الأخطر منذ سبع أو ثمان سنوات هو هجرة السكان من الأرياف والذي تواصلَ في أوج أزمة البطالة. من البديهي أنَّ هجرة السكان من الأرياف يؤدِّي في ظروف قصوى إلى الموت الاجتماعي. يمكننا القولُ بأنَّ الأمر لا يصل إلى هذا الحد. ولكنْ لا نعرف شيئًا عن ذلك. وحتى الآن، لا نَلْمَح أيَّ شيء يمكنه إيقافها. بشأن هذه الظاهرة لا بد من ملاحظة شيئين. الأول هو أنَّ البِيضَ نقلوها أينما ذهبوا. فوصلَ المرضُ حتى إلى أفريقيا السوداء، التي كانت مع ذلك ومنذ آلاف السنين بالتأكيد قارةً مؤلَّفةً من القرى. كان هؤلاء الناسُ يعرفون على الأقل كيف يعيشون سُعداءَ على أرضهم عندما لا يأتي أحدٌ يقتلهم أو يعذِّبهم أو يستعبدهم. ويأخذ اتِّصالُنا بهم في جعلِهم يفقدون هذه المعرفةَ. خلاصةُ القول، من شأن ذلك أنْ يحمِلَ على الاعتقاد بأنه حتى السود في أفريقيا، وعلى الرغم من أنهم أكثر الشعوب المستعمَرة بدائيةً، عليهم أنْ يعلِّمونا أكثرَ مما عليهم أنْ يتعلَّموا منا. فأفضالُنا عليهم تشبه فضلَ الثريِّ على الإسكافي[2]. لا شيء في العالَم يعوِّض خسارةَ البهجة في العمل. الملاحظة الثانية التي يجب تسجيلها هي أنَّ الوسائل غير المحدودة ظاهريًا للدولة الشمولية عاجزة أمام هذا الشر. هناك بهذا الصدد في ألمانيا اعترافات رسمية صريحة تكرَّرَت عدةَ مرات. وهذا أحسن، في وجهٍ من الوجوه، لأنَّ ذلك يعطي إمكانيةَ القيام بشيء أفضل من ذلك. لقد أثار إتلافُ مخزون القمح خلال الأزمة الرأيَ العام، وفي ذلك حق، ولكنْ إذا فكَّرنا بالأمر فإنَّ إخلاءَ الأرياف في فترة الأزمة الصناعية فيه شيء أكثر فضحًا إلى أبعد حد. ومن البديهي أنه ليس هناك أيُّ أمل في حل مشكلة العمال بمعزل عن تلك المشكلة. ليس هناك أيةُ وسيلة تَحُولُ دونَ جعلِ الطبقةِ العمالية طبقةً كادحةً عندما تزداد باستمرار بتدفُّقِ الفلاحين الذين يعيشون حالةَ قطيعة مع حياتهم الماضية. لقد أظهرَت الحربُ درجةَ خطورة المرض عند الفلاحين. لأنَّ الجنود كانوا من الشبان الفلاحين. ففي أيلول/سبتمبر 1939، كنا نسمع فلاحين يقولون: "من الأفضل للمرء أنْ يعيشَ ألمانيًا من أنْ يموتَ فرنسيًا." ماذا فعلوا لهم حتى يعتقدوا بأنهم لا يمتلكون شيئًا يخسرونه؟ يجب إدراكُ إحدى أكبر الصعوبات في السياسة. إذا كان العمالُ يعانون معاناةً شديدةً من الإحساس بأنهم منفيُّون في هذا المجتمع فإنَّ لدى الفلاحين أنفسِهم انطباعًا مغايرًا هو أنَّ العمالَ في هذا المجتمع هم وحدَهم في وطنهم. وفي نظر الفلاحين لا يبدو المثقَّفون المدافعون عن العمال كمدافعين عن المظلومين بل كمدافعين عن ذوي الامتيازات. والمثقفون لم يتوقَّعوا هذه العقليةَ. إنَّ عقدة النقص في الأرياف هي في أننا نرى فلاحين مليونيريين يجِدون من الطبيعي أنْ يعاملَهم البرجوازيون الصغارُ المتقاعدون بكبرياءِ المستعمِرين تجاه السكان الأصليين. لا بد أنْ تكون عقدةُ النقص قويةً جدًا بحيث لا يمحوها المالُ. وبالتالي كلما عزمْنا على تقديم مكاسبَ معنويةٍ للعمال وجب الاستعدادُ لتقديمها للفلاحين. وإلاَّ فسيصبح اختلالُ التوازنِ الحاصلُ خطيرًا على المجتمع وسينعكس على العمال أنفسِهم. تأخذ الحاجةُ إلى التجذُّر عند الفلاحين بادئَ ذي بدء شكْلَ عطشٍ للمُلْكية. إنه عطشٌ حقيقي عندهم، وهو عطشٌ صحِّي وطبيعي. من المؤكد أننا سنحرِّك مشاعرَهم من خلال تقديم آمال لهم في هذا المنحى؛ وما من سبب يدعو لعدم القيام بذلك مادمنا نعتبر حاجةَ الملْكية حاجةً مقدَّسة لا السندات القانونية التي تحدِّد شكلياتِ الملكية. هناك كثير من الإجراءات القانونية الممكنة لكي تُنقَلَ شيئًا فشيئًا إلى أيدي الفلاحين الأراضي التي لا يمتلكونها. لا يمكن لأي شيء أنْ يُقِرَّ بشرعية حق الملْكية لابن المدينة على قطعة أرض. ولا يمكن تبريرُ الملْكية الزراعية الواسعة إلاَّ في بعض الحالات، لأسباب تقنية؛ وفي هذه الحالات نفسِها يمكن تصوُّرُ فلاحين يزرع كلُّ واحد منهم بكثرةٍ قطعةَ أرضه بالخضار وبمنتجاتٍ من هذا القبيل، ويطبِّق في الوقت نفسه طرائقَ زراعةٍ توسعية، بأدوات حديثة، على مساحات شاسعة يملكونها ملْكيةً مشتركة، على شكل تعاونية. هناك تدبير من شأنه أنْ يؤثِّرَ في قلوب الفلاحين وهو التدبير الذي من خلاله يُقرَّرُ اعتبارُ الأرض وسيلةَ عمل لا ثروةً عند توزيع التركات. وهكذا لا نعود نرى المشهدَ الفاضحَ لفلاَّح مَدين طوالَ حياتِه لأخٍ موظَّفٍ يعمل أقلَّ ويربح أكثر. ربما يكون للرواتب التقاعدية للمسنِّين، حتى وإنْ كانت ضئيلةً جدًا، أهميةٌ وأثرٌ كبيران. للأسف فإنَّ كلمةَ معاش تقاعدي هي كلمة سحرية تشدُّ شبابَ الفلاحين نحو المدينة. فغالبًا ما تكونُ إهانةُ المسنِّين كبيرةً في الريف، ومن شأن قليلٍ من المال الذي يُمنَح بأساليبَ محترمةٍ أنْ يعطيَهم شيئًا من المكانة. على النقيض، يسبِّبُ الاستقرارُ الكبير جدًا عند الفلاحين ظاهرةَ اقتلاع. فالفلاح الصغير يبدأ بحراثة أرضه وحيدًا في حوالي الرابعة عشرة من عمره؛ فيكون العملُ عندئذٍ شِعرًا ونشوةً، على الرغم من أنَّ قواه لا تكاد تكفي لذلك. وبعد عدة سنوات، تُستنفَد هذه الحماسةُ الطفوليةُ ويتم تعلُّمُ المهنة، وتكون القوى الجسديةُ متدفِّقةً وتتجاوزُ إلى حدٍّ بعيدٍ العملَ المطلوبَ تقديمُه؛ وليس هناك شيء آخر ينبغي فِعلُه غير ما تمَّ فِعلُه كلَّ يوم وخلال عدة سنوات. عندئذٍ يقوم بقضاء الأسبوع وهو يحلم بما سيفعله يوم الأحد. ابتداءً من هذه اللحظة يضيع. ربما يجب لهذا الاتصال التام الأول للفلاح الصغير بالعمل في سن الرابعة عشرة، لهذه النشوة الأولى أنْ تُكَرَّسَ بوليمةٍ تُدخِلُها إلى الأبد في أعماق النفس. ويجب أنْ يكونَ لمثل هذه الوليمة طابَعٌ دينيٌّ في القرى الأكثر مسيحيةً. ولكنْ يجب أيضًا بعد ثلاث أو أربع سنوات إرواءُ التعطُّش الجديد الذي يسيطر عليه. ففي نظر الفلاَّح الشاب ليس هناك سوى عطشٍ واحد هو السفر. يجب أنْ يُعطَى جميعُ الفلاَّحين الشباب إمكانيةَ السفر بدون إنفاق المال، في فرنسا وحتى إلى الخارج، ليس في المدن بل في الأرياف. وهذا قد يتطلَّبُ تنظيمَ شيءٍ شبيهٍ بسباق طَواف فرنسا [دورة فرنسا الدولية للدرَّاجات] Tour de France من أجل الفلاحين. ويمكن إضافةُ أعمال تربوية وتثقيفية إليها. لأنَّ أفضل الفلاحين الشباب غالبًا ما يشعرون من جديد بميل للتثقُّف في حوالي سن الثامنة عشرة أو العشرين وذلك بعد أنْ يكونوا قد قاموا بنوع من العنف في سن الثالثة عشرة ليتركوا المَدْرسةَ ويندفعوا إلى العمل. فضلاً عن أنَّ ذلك يحصل أيضًا للعمال الشباب. ويمكن لأنظمةِ تبادُلٍ أنْ تتيحَ السفرَ حتى للشبان الذين لا تستغني عنهم عائلاتُهم. من البديهي أنْ تكون هذه الرحلاتُ اختياريةً بالكامل. ولكنْ لا يحق للأهل أنْ يمنعوهم. إننا لا نتخيل قوَّةَ فكرةِ السفر عند الفلاحين والأهميةَ المعنوية التي يمكن أنْ يأخذَها مثلُ هذا التغيير، حتى قبل أنْ يتحقَّقَ، عندما لا يزال وعدًا، وأكثر من ذلك عندما يدخل هذا الأمر في العادات. فالفتى الشابُّ الذي يضرِبُ في الأرض مسافرًا عدةَ سنوات، دون أنْ يتوقَّفَ أبدًا عن أنْ يظلَّ فلاَّحًا، يعود إلى وطنه وقد هدأَتْ مخاوفُه ويؤسِّسُ أُسْرةً. ربما يجب القيامُ بشيء مشابهٍ من أجل الفتيات؛ يَلْزَمهنَّ شيءٌ يحلُّ محلَّ مجلة ماري كلير، ولا يمكن أنْ نتركَ لهنَّ ماري كلير. لقد كانت الثُّكْنةُ عامِلَ اقتلاعٍ مرعبًا للشباب الفلاحين. إلى هذا الحد صار للتدريب العسكري أخيرًا نتيجةٌ تتناقض مع هدفه؛ فالشبابُ تعلَّموا التدريبَ العسكري ولكنَّ استعدادَهم للقتال كان أقلَّ منه قبل أنْ يتعلَّموه، لأنَّ من كان يخرج من الثُّكْنة كان يخرج منها وقد أصبحَ لاعسكرانيًا[3]. وهذا برهان تجريبي على أنه لا يمكن، وحتى لمصلحة الآلة العسكرية، السماحُ للجيش بالتحكُّم بسنتين من حياة كل فرد ولا حتى بسنة واحدة. فكما أنه لا يمكن تركُ تأهيل الشباب المهني في يد الرأسمالية، كذلك لا يمكن تركُ تأهيل الشباب العسكري في يد الجيش. يجب على السلطات المدنية أنْ تشاركَ فيه، بحيث يصبح التأهيلُ تربيةً لا فسادًا. إنَّ الاتِّصالَ بين الفلاحين الشباب وبين العمال الشباب في الخدمة العسكرية غير محَبَّذٍ على الإطلاق. فالعمال يسعون إلى إدهاش الفلاحين وهذا يسيء إلى الطرفين. فمثلُ هذه الاتِّصالات لا تؤدِّي إلى تقاربات حقيقية. العملُ المشترك وحدَه هو الذي يقرِّب؛ وبحكم تعريفه، ليس هناك من عملٍ مشترك في الثُّكْنة، لأنهم يستعِدُّون فيها للحرب في وقت السِّلْم. ليس هناك أيُّ سبب يدعو إلى إنشاء الثُّكْنات داخل المدن. فلاستخدامها من الفلاحين الشباب، من الممكن جدًا إنشاءُ ثُكْنات بعيدة عن أية مدينة. صحيح أنَّ أصحاب بيوت الدعارة سيخسرون. ولكنْ لا جدوى من التفكير بأي نوع من الإصلاح إنْ لم نكنْ عازمين قطعًا على وضع حد لتواطؤ السلطات العامة مع هؤلاء الناس وعلى إلغاء مؤسسةٍ تشكِّلُ إحدى فضائح فرنسا. بالمناسبة، لقد دفعْنا ثمنَ هذه الفضيحة غاليًا. فالبغاءُ الذي أُرسِيَتْ دعائمُه كمؤسسة رسمية بحسب النظام الخاص بفرنسا قد ساهم مساهمةً واسعةَ النطاقِ في إفساد الجيش وقد أفسدَ الشرطةَ إفسادًا تامًا، مما لا بد أنْ يؤدِّيَ إلى خراب الديمُقراطية. لأنه من المستحيل أنْ تصمدَ الديمقراطيةُ عندما تصبح الشرطةُ التي تمثِّل القانونَ في أعين المواطنين محطَّ ازدراء عام علنًا. لم يتمكَّنِ الإنكليزُ من أنْ يفهموا إمكانيةَ وجود ديمقراطية لا تكون فيها الشرطةُ موضعَ احترام بالغ. لكنَّ شرطتهم لا تمتلك قطيعًا من البغايا من أجل الترفيه عنها. لو تمكَّنَّا من أنْ نُقَدِّرَ بدقةٍ العواملَ التي أدَّت إلى كارثتنا لوجدْنا ربما أنَّ فضائحَنا – كتلك الفضيحة وكفضيحة المطامع الاستعمارية وكفضيحة إساءة معاملة الأجانب – كان لها أثرها الفعلي في ضياعنا. يمكن قولُ الكثير عن شقائنا، ولكنْ لا يمكن القولُ بأننا لا نستحقُّه. البغاءُ مثالٌ نموذجي على خاصية الانتشار هذه من الدرجة الثانية التي يمتلكها الاقتلاع. ويشكِّلُ وضعُ البغيِّ المحترفة الدرجةَ القصوى للاقتلاع؛ وفيما يخصُّ مرضَ الاقتلاع هذا، تمتلكُ حفنةٌ من البغايا قدرةَ عدوى واسعة. من البديهي أنه لن يكون لدينا طبقةُ فلاحين سليمة مادامت الدولةُ تتشبَّثُ بالقيام بنفسها بالتقريب بين الفلاحين الشباب وبين البغايا. ومادامت طبقةُ الفلاحين غيرَ سليمة فإنَّ الطبقة العاملة لا يمكنها هي الأخرى أنْ تكون سليمةً ولا باقي البلد. بالإضافة إلى ذلك، لا شيء أكثر شعبية في نظر الفلاحين من مشروع إصلاح نظام الخدمة العسكرية مع تركيز الاهتمام على راحتهم النفسية. تُطرَح مشكلةُ تثقيف الفكر عند الفلاحين كما تُطرَح عند العمال. فتَلْزَمُهم أيضًا ترجمةٌ خاصة بهم، ويجب ألاَّ تكونَ ترجمةَ العمال. فيما يخصُّ أمورَ الفكر فقد اقتلعَ العالَمُ الحديثُ الفلاحين اقتلاعًا قاسيًا. لقد كانوا يمتلكون فيما سبقَ كلَّ ما يحتاج إليه الكائنُ الإنسانيُّ، من فَنٍّ وفِكْر، على الشكل الذي يناسبهم، وبأفضل نوعيَّة. فعندما نقرأ كلَّ ما كتبَه ريستيف دو لا بروتون Restif de la Bretonne[4] عن طفولته فلا بد أنْ نستنتجَ أنَّ مصيرَ أتعسِ الفلاحينَ في هاتيك الأيام كان أفضلُ بكثيرٍ من مصير أسعدِ الفلاحين اليوم. ولكنْ لا يمكن استعادةُ هذا الماضي على الرغم من قربه. لا بد من ابتكار طرائقَ تمنع من أنْ يظلَّ الفلاحون غُرباءَ عن ثقافة الفكر التي تُقدَّم لهم. يجب تقديمُ العِلْم للفلاحين بطريقة مختلفة عن تقديمه للعمال. فبالنسبة للعمال، من الطبيعي أنْ يسيطرَ عِلْمُ الميكانيك على كل شيء. وبالنسبة للفلاحين، من المفروض أنْ يتمحورَ كلُّ شيء حول الدورة المدهشة التي تَدْخُلُ مِن خلالِها الطاقةُ الشمسيةُ نازلةً في النباتات ومثبَّتةً باليخضور [الكلوروفيل] ومتركِّزةً في الحبوب والثمار تَدْخُل في الإنسان الذي يأكل أو يشرب فتمرُّ في عضلاته وتُكَرَّسُ من أجل استصلاح الأرض. ويمكن لكل ما يتعلَّقُ بالعِلْم أنْ ينظَّمَ حول هذه الدورة، لأنَّ مفهوم الطاقة هو محور كل شيء. إنَّ من شأن فكرةِ هذه الدورة، فيما لو ولجَتْ أرواحَ الفلاحين، أنْ تُوَشِّحَ العملَ بالشِّعر. بصورة عامة، يُفترَضُ من أي تثقيف في القُرى أنْ يكون هدفُه الرئيسيُّ زيادةَ رهافة الإحساس بجَمال العالَم وبجَمال الطبيعة. لقد اكتشفَ السُّيَّاحُ، وهو ما لا ريبَ فيه، أنَّ الفلاحين لا يأبهون بالمناظر الطبيعية. ولكنْ عندما نشاطرُهم أيامَ عملٍ مضنيةً، وهي الطريقةُ الوحيدة لتجاذُبِ أطراف الحديث معهم بكل صراحة، فإننا نسمع بعضَهم يتأسَّفُ لأنَّ عملهم قاسٍ إلى درجة أنه لا يترك لهم مجالاً ليتمتَّعوا بروائع الطبيعة. بالطبع فإنَّ زيادةَ رهافةِ الحسِّ بجَمال الطبيعة لا تتمُّ بالقول: "انظروا ما أجملَه!" فهذا أمرٌ سهل جدًا. إنَّ الحركةَ التي حدثَتْ مؤخَّرًا في الأوساط المثقَّفة باتِّجاهِ الفُلْكلور يُفترَضُ أنْ تُساعِدَ الفلاحين على استعادة الشعور بأنهم ليسوا غُرباءَ عن الفكر الإنساني. فالنظامُ الحاليُّ يقوم على تقديم كلِّ ما له علاقةٌ بالفكر إلى الفلاحين على أنه ميزةٌ خاصة بالمدن حصرًا، والذي نريد أنْ نتيحَ لهم مشاركةً قليلةً فيه، قليلةً جدًا، لأنهم لا يمتلكون قدرةَ إدراكِ كميةٍ أكبر منه. إنها العقليةُ الاستعمارية، بدرجةٍ أقلَّ حدَّةً فقط. وكما أنه يحصلُ أنْ يقومَ أحدُ سكان المستعمرات الأصليين الذين احتكُّوا قليلاً بالثقافة الأوروبية بازدراء شعبِه أكثرَ مما يفعل الأوروبيُّ المثقَّفُ، كذلك الأمرُ غالبًا بالنسبة لمُدَرِّس ابنِ فلاَّح. إنَّ الشرط الأول لإعادة التجذر النفسي للفلاحين في بلادهم هو أنْ تكون مهنةُ المدرِّس الريفي شيئًا متميزًا وخاصًا، بحيث لا يكون تأهيلُ مُدَرِّسِ الريف مختلفًا جزئيًا بل مختلفٌ كليًا عن المُدَرِّس في المدينة. إنَّ من أعلى درجات العبثية استخدامَ قالَبٍ واحد لصناعة مدرِّسين لحيِّ بيلـﭭـيل Belleville[5] أو لقرية صغيرة. إنها إحدى الحماقات العديدة لعصرٍ تكونُ الحماقةُ فيه الصفةَ الغالبة. الشرطُ الثاني هو أنْ يعرِفَ المُدَرِّسون الريفيون الفلاحين ولا يزدروهم، وهذا ما لن نحصلَ عليه بسهولةٍ بمجرَّد تعيينهم عند الفلاحين. ربما يجب أنْ نخصِّصَ جزءًا كبيرًا جدًا من التعليم الذي نقدِّمه لهم لِفُلْكلورِ جميع البلدان، وذلك الفلكلور يجب تقديمُه كشيء له أهمية كبيرة وليس كمادة مثيرة للفضول؛ فنحدِّثُهم عن الإسهام الذي قام به الرُّعْيانُ في محاولات التفكُّر الأولى في تاريخ الفكر البشري، كالتأمل في الكواكب والنجوم[6] وكالتفكُّر في الخير والشر أيضًا كما تُظهِرُ المقارَناتُ في كل مكان في النصوص القديمة؛ ونُطْلِعهم على أدب الفلاحين، على هِسْيودُس Hésiode[7]، على ﭙـيرس الحارث Pier the Ploughman[8]، على مراثي القرون الوسطى، على الأعمال القليلة المعاصِرة التي هي أعمال فلاحين حقيقية؛ نقدِّم لهم كلَّ هذا بدون المساس بالثقافة العامة طبعًا. وبعد القيام بمثل هذا الإعداد، يمكن إرسالُهم ليعْمَلوا لمدة سَنة كخدمِ مزرعةٍ، مِن دونِ التعريفِ بأسمائهم، في محافظة أخرى؛ ثم نجمعهم من جديد في دُور المعلِّمين من أجل مساعدتهم على الاطِّلاع فيها على حقيقة تجربتهم الخاصة. كذلك الأمر بالنسبة لمُدرِّسي الأحياء العمالية وبالنسبة للمصانع. لكنْ يجبُ الإعدادُ لمثلِ هذه الخبرات إعدادًا أخلاقيًا؛ وإلاَّ فسوف تثير الازدراءَ والاشمئزازَ بدلاً من الحنان والحب. قد يكون أيضًا من المفيد جدًا أنْ تجعلَ الكنائسُ وضْعَ الخوري أو القسِّيس في القرية شيئًا مميَّزًا. إنها لفضحيةٌ أنْ نرى في قرية فرنسية كاثوليكية بالكامل إلى أي مدىً يمكن أنْ يكونَ الدينُ غائبًا من الحياة اليومية، مقتصرًا على عدة ساعات من يوم الأحد، وذلك عندما نفكر إلى أي مدىً آثرَ يسوعُ أنْ يستمدَّ أمثالَه من الحياة الريفية. لكنَّ عددًا كبيرًا من هذه الأمثال غيرُ وارد في الليتورجيا[9]، بينما لا تثير الأمثالُ المذكورةُ فيها أيَّ اهتمام. فكما أنَّ الكواكبَ والشمسَ التي يتكلَّم عنها المدرِّسُ تسكنُ في الدفاتر وفي الكتب ولا علاقةَ لها البتَّةَ بالسماء، كذلك فإنَّ الكرمة والقمح والأغنام التي يؤتى على ذِكْرها يومَ الأحد في الكنيسة لا تمتُّ بأية صِلةٍ إلى الكرمة والقمح والأغنام الموجودةِ في الريف والتي نعطيها كلَّ يوم قليلاً من حياتنا. الفلاحون المسيحيون مقتلَعون أيضًا في حياتهم الدينية. إنَّ فكرة تمثيل قرية بدون كنيسة في معرض عام 1937 لم تكنْ عبثيةً بالمقدار الذي قال عنه الكثيرون. مثلما أنَّ أعضاء الشبيبة العاملة المسيحية jocistes الصغار يتحمَّسون لفكرة يسوع العامل، كذلك ينبغي على الفلاحين أنْ يستمدُّوا الفخرَ نفسَه من الجزء الذي تُخصِّصُه أمثالُ الإنجيل لحياة الريف ومن الوظيفة المقدسة للخبز وللخمر ويَخْلُصون إلى الشعور بأنَّ المسيحية هي شيءٌ لهم. إنَّ الجدالاتِ التي دارت حول العلمانية [اللائكية] كانت أحد المصادر الرئيسية لتسمُّمِ حياة الفلاحين في فرنسا. وللأسف، ليست هذه الجدالاتُ على وشك الانتهاء. ومن المستحيل تحاشي اتِّخاذِ موقف حول هذه المشكلة، ويبدو للوهلة الأولى أنه من المستحيلِ تقريبًا إيجادُ موقفٍ لا يكون سيئًا جدًا. لا شكَّ في أنَّ الحياديةَ كذِب. فالنظامُ العلماني [اللائكي] ليس حياديًا، فهو ينقل للأطفال فلسفةً أعلى بكثيرٍ مِن دِينٍ مِن نوعِ سان-سولـﭙـيس Saint-Sulpice[10] من جهةٍ وأدنى بكثير من المسيحية الحقيقية من جهةٍ أخرى. لكنَّ هذه الأخيرة نادرة جدًا اليوم. هناك كثير من المُدَرِّسين يُوْلُون هذه الفلسفةَ حبًا يشوبه حماسٌ ديني. ليست حرِّيةُ التعليم حلاً. فالكلمة فارغة من المعنى. إنَّ التكوين الروحي للطفل ليس منوطًا بأحد، لا بالطفل، لأنه غير قادر على التصرُّف به، ولا بالوالدَينِ، ولا بالدولة. ليس قانونُ العائلات الذي يطالَبُ به غالبًا جدًا إلاَّ آلةَ حرب. فالكاهنُ، الذي يمتنع عن الكلام عن المسيح لطفلٍ من عائلة غير مسيحية عندما تُتاحُ له فرصةٌ طبيعيةٌ للقيام بذلك، يكون ربما قليلَ الإيمان. إنَّ الإبقاءَ على المَدْرسة العلمانية على حالها والسماحَ إلى جانب ذلك للمَدْرسة الدينية بالمنافسة لا بل وتشجيعَ هذه المنافسة إنما هو عبثيةٌ من وجهةٍ نظريةٍ ومن وجهةِ نظرٍ عَمَلية. يجب الترخيصُ للمدارس الخاصة، دينيةً كانت أم غيرَ دينية، ليس بمقتضى مبدأ الحرِّية، بل بسبب المنفعة العامة في كل حالةٍ خاصة تكون فيها المَدْرسةُ جيدةً، وبشرطِ إجراء رقابةٍ عليها. السماح للإكليروس بالمشاركة في التعليم الحكومي ليس حلاً. وإذا كان ذلك ممكنًا فلن يكون مرغوبًا فيه، وليس ممكنًا في فرنسا بدون أنْ يؤدِّيَ إلى حرب أهلية. وإعطاءُ أمرٍ للمُدَرِّسين بالحديث عن الله للأطفال، كما فعلَتْ حكومةُ ﭭـيشي منذ عدة أشهر، بناءً على مبادرة السيد شوﭭـالييه Chevalier[11]، هو مزحةٌ غير مستساغةٍ أبدًا. قد تكون المحافظةُ على الوضع الرسمي للفلسفة العلمانية إجراءً تعسُّفيًا، جائرًا في كونها لا تستجيب لسُلَّم القِيَم، إجراءً يُرْدينا رأسًا في الشمولية. لأنه على الرغم من أنَّ العلمانية تثير درجةً معيَّنةً من الحماس شبهِ الديني فإنَّ هذه الدرجةَ ضعيفةٌ بصورة طبيعية؛ ونحن نعيش في عصر النخوات والحماسات التي تُسْتَفَزُّ أو تُستثار. لا يمكن للتيار الوثني للشمولية أنْ يجِدَ من عقبةٍ إلاَّ في حياة روحية حقيقية. فإذا عوَّدْنا الأطفالَ على عدم التفكير في الله فإنهم سيصبحون فاشيين أو شيوعيين لوجود حاجةٍ فيهم تدفعهم إلى التعلُّق بشيء ما. سنرى بوضوح أكبر ما تقتضيه العدالةُ في هذا المجال عندما نضع في مكانِ مفهومِ الحق مفهومَ الواجب المرتبطِ بالحاجة. تحتاج النفسُ الشابَّةُ التي تفتح أعيُنَها على الفكر إلى الكنز الذي راكَمَه الجنسُ البشريُّ على مر العصور. إننا نسبِّبُ أذىً للطفل عندما نربِّيه على مسيحية ضيِّقة تعيقُه عن أنْ يصبحَ قادرًا أبدًا على رؤية كنوز الذهب الخالص في الحضارات غير المسيحية. والتربيةُ العلمانية تُسبِّبُ أذىً أكبر. فهي تخفي هذه الكنوزَ، وكذلك الكنوزَ المسيحيةَ أيضًا. إنَّ الموقفَ الوحيد المبرَّر والممكن عمليًا والذي يمكن أنْ يتَّخذَه في فرنسا التعليمُ الحوميُّ تجاهَ المسيحيةِ يقوم على اعتبارها كنزًا من كنوز الفكر الإنساني من بين كثير من الكنوز الأخرى. فمِن أعلى درجاتِ العبثية أنْ يكونَ هناك طالبٌ فرنسيٌّ حائزٌ على الباكالوريا قد اطَّلعَ على قصائدَ من القرون الوسطى، أو على ﭙـوليوكت Polyeucte [مسرحية تراجيدية لـ"ﭙـيير كورناي"] أو على أتالي Athalie [مسرحية تراجيدية لـ"جان راسين"]، أو على فيدر Phèdre [مسرحية تراجيدية لـ"جان راسين"]، أو على باسكال Pascal، أو على لامارتين Lamartine، أو على المذاهب الفلسفية المتشرِّبةِ بالمسيحية مثل مذهب ديكارت وكانط، أو على الكوميديا الإلهية، أو على الفردوس المفقود، وأنْ لا يكونَ قد فتحَ الكتابَ المقدَّسَ على الإطلاق. ربما لم يَبْقَ إلاَّ أنْ نقولَ لمُدَرِّسي المستقبل ولأساتذة المستقبل: لقد كان للدِّينِ في كل زمان وفي كل بلد عدا بعضَِ الأماكنِ في أوروبا مؤخَّرًا دَورٌ مهيمِنٌ في تطوير الثقافة والفكر والحضارة البشرية. إنَّ التثقيفَ الذي لا يتطرَّقُ للدِّين أبدًا تثقيف عبثي. من جهة أخرى، مثلما أننا نتكلَّم في التاريخ كثيرًا عن فرنسا لصغار الفرنسيين، كذلك من الطبيعي أنْ نتطرَّقَ، لكونِنا في أوروبا، إلى المسيحية قبل كل شيء عندما نتكلَّم عن الدين. وعليهِ، يجب إدراج دروسٍ يمكن تصنيفُها مثلاً تحت خانة "التاريخ الديني" في التعليم في جميع المستويات للأطفال الذين كَبُروا قليلاً. فنُطْلِع الأطفالَ على مقاطعَ من الكتاب المقدَّس وعلى الأخص الإنجيل. ونشرح ضمن روح النص نفسِه كيف يجب أنْ نفعلَ دائمًا. ونتكلَّم عن العقيدة كما نتكلَّم عن شيءٍ لعِبَ دَورًا ذا أهمية كبرى في بلادنا، شيءٍ آمنَ به رجالٌ ذوي قيمة كبرى من أعماق نفوسهم؛ ولن يكون علينا أيضًا أنْ نخفيَ أنَّ كثيرًا من الأعمال الوحشية قد وجدَتْ في العقيدة ذريعةً؛ ولكنْ سنحاول بصورة خاصة أنْ نجعلَ الأطفالَ يحسُّون بالجَمال الذي تنطوي عليه. فإذا سألوا: "هل هذا صحيح؟" فينبغي أنْ تكون الإجابةُ: "هذا جميل إلى درجة أنه لا بد أنْ يحتويَ بالتأكيد على كثير من الحقيقة. أمَّا بالنسبة لمعرفةِ إنْ كان ذلك صحيحًا قطعًا أم لا، اجتهِدوا لكي تصبحوا قادرين على أنْ تدركوا ذلك عندما تكبرون." وسيكون ممنوعًا منعًا باتًا إدراجُ أيِّ شيء في الشروحات ينطوي على نفي العقيدة ولا أي شيء ينطوي على تأكيدها. ويكونُ لكلِّ مُدَرِّسٍ أو أستاذٍ، يرغب في ذلك ولديه المعارفُ والمواهبُ التربويةُ اللازمةُ لذلك، حرِّيةُ الخيار في أنْ يكلِّمَ الأطفالَ ليس فقط عن المسيحية بل يكلِّمهم أيضًا، وإنْ بتأكيد أقلَّ بكثير، عن أي تيارِ فكرٍ دينيٍّ حقيقيٍّ آخر. ويكون الفكرُ الدينيُّ حقيقيًا عندما يكون عالميًا في توجُّهِه. (وهذه ليست حالة الديانة اليهودية المرتبطةِ بمفهوم العِرْق.) لو طُبِّقَ مثلُ هذا الحل لأصبحَ الدِّينُ شيئًا فشيئًا، ويجب أنْ نأْمَلَ ذلك، مسألةً لا ننحازُ فيها مع أحد أو ضد أحد كما ننحاز في السياسة. وهكذا يُلغى المعسكرانِ، معسكرُ المُدَرِّسِ ومعسكرُ الخوري، اللذانِ يُلْقِيانِ بذورَ نوعٍ من حربٍ أهلية كامنة في كثير من القرى الفرنسية. إنَّ الاحتكاكَ بالجَمال المسيحي الذي يقدَّم ببساطةٍ كجَمال يجب تذوُّقُه من شأنه أنْ يُشرِّبَ مجملَ البلد بالروحانية، هذا إذا كان البلد قادرًا على ذلك، بصورة فعَّالة أكثر من أي تعليم عقائدي للمعتقدات الدينية. لا تقتضي كلمةُ الجَمال بتاتًا أنه يجب النظر إلى الأمور الدينية على طريقة محبِّي الجَمال esthètes. فوجهةُ نظر محبِّي الجَمال هي تدنيس للمقدَّس، ليس فقط فيما يتعلق بالدين، بل حتى فيما يتعلق بالفن. إذْ تقوم على التسلِّي بالجَمال وبملامسته وبالنظر إليه. الجَمالُ شيءٌ يؤكل؛ إنه غِذاء. فلو قُدِّمَ للشعب الجَمالُ المسيحيُّ بصفته جَمالاً فحسب لكان حتمًا جَمالاً يغذِّي. في المَدْرسة الريفية، مِن شأنِ القراءةِ المتأنية لنصوص العهد الجديد التي تتعلَّق بالحياة الريفية، قراءةً تُكرَّرُ مرارًا ويعلَّق عليها كثيرًا، وتُراجَع دائمًا، من شأنها أنْ تفيدَ كثيرًا في إعادة الشاعرية المفقودة لحياة الريف. وإذا ما وُجِّهَتْ نحو العمل كعملٍ كلُّ الحياة الروحية للنفس من جهةٍ وجميعُ المعارف العلمية المتعلقة بالعالَم المادي من جهةٍ أخرى فسيأخذ العملُ مكانَه الصحيحَ في الفكر الإنساني. وبدلاً من أنْ يكون ضربًا من السجن، يصبح تواصلاً مع هذا العالَم ومع العالَم الآخر. لماذا مثلاً لا يخطر في أعماق تفكير الفلاَّح وهو يبذر أرضَه، ومِن دونِ ذِكْر كلمات حتى لو كانت داخليةً، بعضُ تشبيهات المسيح مثل: "إذا لم تمتْ البذرةُ..." و"الزرع هو كلام الله..." و"حبة الخردل هي أصغر الحبوب [البذور]..." من جهةٍ وآليةُ النمو المزدوجةُ من جهةٍ أخرى: الآليةُ التي من خلالها تصل الحبةُ إلى سطح الأرض باستهلاكها لنفسها وبمساعدة الجراثيم، والآليةُ التي من خلالها تنزل الطاقةُ الشمسية في الضوء وتصعد بعد أنْ تلتقطَها خضرةُ الساق في حركة صاعدة لا تقاوَم؟ فالتشبيهُ الذي يجعل آلياتِ هذا العالَم مرآةً لآليات عالَم الماورائيات، إذا أمكننا استخدامُ هذا التعبيرِ، يصبح عندئذٍ واضحًا جليًا، ويُدخِلُه تعبُ العمل، بحسب التعبير الشعبي، في الجسد. والعناءُ المرتبطُ دائمًا إلى حد ما بجهد العمل يصبح الألمَ الذي يُدخِلُ جَمالَ العالَم في المركز نفسِه للكائن الإنساني. يمكن لطريقةٍ مشابِهة أنْ تُحَمِّلَ عملَ العمال بمدلول مشابِه. وهذه الطريقةُ سهلةٌ جدًا على التصور. وهكذا فقط تؤسَّسُ كرامةُ العمل تمامًا. لأنه إذا ما ولجْنا في عمق الأشياء ليس هناك من كرامة حقيقية لا يكون لها جذر روحي وبالتالي جذر ذو طابع فوق طبيعي. مهمةُ المَدْرسة الشعبية هي إعطاء العمل كرامةً أكثر بإدخال الفكر فيه، وليس جعْلَ العامل شيئًا مؤلَّفًا من أجزاء يعمل تارةً ويفكر تارةً أخرى. بالطبع يجب على الفلاَّح الذي يبذر أرضَه أنْ يكون مهتمًا بنثر الحبوب كما ينبغي وليس بتذكُّر دروس تعلَّمَها في المَدْرسة. لكنَّ موضوعَ الاهتمام ليس هو محتوى الفكر. فالمرأة الشابة السعيدة والحاملُ لأول مرة والتي تخيط ثيابَ الوليد تفكر بالخياطة كما ينبغي. ولكنها لا تنسى لحظةً الطفلَ الذي تحمله في بطنها. في الوقت نفسِه، وفي مكان ما في مشغل داخل سجن، تخيط امرأةٌ محكومة وهي تفكر أيضًا في الخياطة كما ينبغي، لأنها تخشى العِقابَ. يمكن أنْ نتصوَّرَ أنَّ المرأتين تقومان في اللحظة نفسِها بالعمل نفسِه، واهتمامهما تشغله الصعوبةُ التقنية نفسها. إنَّ الفرق بين العملين ليس أقلَّ من فرق شاسع وهُوَّةٍ سحيقة. تكمن كلُّ المشكلة الاجتماعية في جعلِ العمال ينتقلون من الحالة الأولى إلى الثانية. ما يجب هو أنْ يكون هذا العالَم والعالَم الآخر حاضرَين بجَمالهما المزدوج ومرتبطين بفعل العمل، كارتباط الطفل الذي سيولَد بصناعة ثيابه وحوائجه. هذا الترابطُ يمكن أنْ يجريَ من خلال طريقة تقديم الأفكار، تلك الطريقة التي تضع هذه الأفكارَ في علاقة مباشرة مع الحركات والعمليات الخاصة بكل عمل، ومن خلال استيعاب عميق يتيح عمقُه لتلك الأفكار أنْ تدخلَ في الجوهر نفسِه للكائن، وكذلك من خلال عادةٍ مطبوعةٍ في الذاكرة تربط هذه الأفكارَ بحركات العمل. لسنا اليوم قادرين على مثل هذا التحول لا فكريًا ولا روحيًا. ولو كنا قادرين على البدء بالتحضير له لكان ذلك خطوةً عظيمة. إنَّ المَدْرسة لا تكفي له طبعًا. يجب أنْ تشاركَ فيه جميعُ الأوساط التي يوجد فيها شيءٌ يشبه الفكرَ – الكنائس والنقابات والأوساط الأدبية والعلمية. ولا نكاد نجرؤ على ذِكْر الأوساط السياسية في هذه القائمة. مهمةُ عصرنا وتوجُّهُه هو تكوين حضارة على أساسِ روحانيةِ العمل. إنَّ الأفكار التي تشكِّل بوادرَ هذا التوجه والمتناثرة في أعمال كلٍّ من روسُّو وجورج صاند George Sand وتولستوي وﭙـرودون Proudhon وماركس وفي المنشورات البابوية وغيرها هي الأفكار الأصيلة الوحيدة في عصرِنا والوحيدةُ التي نقتبسها عن اليونان. ولأننا لم نكن على مستوى هذا الشيء العظيم الذي كان على وشك الولادة في داخلنا فقد ارتمَينا في هاوية الأنظمة الشمولية. ولكنْ إذا هُزِمَتْ ألمانيا فربما لا يكون فشلنا نهائيًا. وربما لا تزال لدينا فرصة. ولا يمكننا التفكير بها بدون قلق؛ فإذا سنحَت لنا هذه الفرصةُ فماذا نحن فاعلون، على الرغم من ضعفِنا، حتى لا تفوتَنا؟ هذا التوجُّهُ هو الشيء الوحيد الذي تتيح عظَمتُه أنْ نطرحَه على الشعوب بدلاً من صنم النظام الشمولي. وإذا لم نطرحْه بطريقةٍ تحسُّ فيها الشعوبُ بعظَمة هذا التوجه فإنها ستبقى تحت سلطان الصنم؛ وسيُطْلَى فقط بالأحمر بدلاً من الأسمر. ولو قُيِّضَ للبشر الخيارُ بين الزبدة وبين المَدافع فإنهم، على الرغم من أنهم يفضِّلون الزبدةَ تفضيلاً كبيرًا جدًا إلى أبعد حد، سيُجبِرُهم رغمَ أنوفِهم قدَرٌ غامض على اختيار المَدافع. الإفراطُ في الشاعرية يجعلُ الزبدةَ تُفتقَد – على الأقل عندما نمتلك شيئًا منها، لأنها تكتسي بنوع من الشعر عندما لا نمتلكها. ولا يعود بالإمكان الاعتراف بمدى التفضيل الذي نكنُّه لها. حاليًا تقضي الأممُ المتحدة، وخاصة أمريكا، وقتَها في القول للسكان الجائعين في أوروبا: سنزوِّدكم بالزبدة عن طريق مَدافعنا. وهذا لا يؤدي إلاَّ إلى رد فعل واحد هو فكرة أنَّ هذه المَدافع لا تسرع كثيرًا. وعندما تُقدَّم هذه الزبدةُ فإنَّ الناس سيرتمون عليها؛ وبعد ذلك فورًا سيلتفتون نحو من يريهم مَدافعَ جميلة مغلَّفة بأناقة بأية إيديولوجيا. ولن نتخيل أنهم لفرط إرهاقهم لن يطلبوا سوى الراحة. فالإرهاق العصبي الذي يسببه شقاءٌ حديث العهد يمنع المرءَ من أنْ يستقرَّ في الراحة. وسيُرغِمُ على البحث عن النسيان إمَّا في سكرة ملذَّات ساخطة – كما حدث بعد عام 1918 – وإمَّا في نوع من التعصب الأسود. إنَّ الشقاء الذي غرزَ أنيابَه عميقًا جدًا يخلق استعدادًا للشقاء الذي يرغم النفسَ والآخرَ على التردِّي فيه. وألمانيا مثال على ذلك. يحتاج البائسون من سكان القارة الأوروبية إلى العظَمة أكثر من حاجتهم إلى الخبز، وليس هناك سوى نوعين من العظَمة: العظَمة الحقيقية التي تحمل طابَعًا روحيًا والكذبة القديمة المتعلقة بغزو العالَم. الغزو هو بديلٌ [غير حقيقي] ersatz عن العظَمة. إنَّ الشكل المعاصر للعظَمة الحقيقية هو حضارة تُكَوِّنُها روحانيةُ العمل. إنها فكرة يمكن دفعُها إلى الأمام بدون المخاطرة بالتعرُّض لأيِّ شِقاق أو خلاف. فكلمة روحانية لا تنطوي على أي انتساب خاص [إلى جماعة ما]. فالشيوعيون أنفسهم في الوضع الحالي لن يرفضوها بلا شك. ومن جهة أخرى، قد يكون من السهل أنْ نجِدَ في أعمال ماركس شواهدَ تقتصر جميعًا على إلقاء اللوم في نقص الروحانية على المجتمع الرأسمالي؛ وهو ما يعني أنه لا بد أنْ يكون هناك نقص في الروحانية في المجتمع الجديد. من شأن المحافظين ألاَّ يجرؤوا على رفض هذه العبارة. ولا حتى الأوساط الراديكالية ولا العلمانية ولا الماسونية. والمسيحيون يتمسكون بها بفرح. إنها عبارة تحظى بالإجماع. ولكنْ لا يمكن للمرء أنْ يلامسَ مثلَ هذه العبارة بدون أنْ يرتجفَ. كيف السبيل إلى ملامستها بدون تدنيسها، بدون صُنْعِ كذْبةٍ منها؟ لقد تسمَّم عصرُنا بالكذب حتى صار يُحَوِّلُ كلَّ ما يلامسُه إلى كذبة. ونحن جزء من عصرنا؛ فما من سبب يجعلنا نعتقد أننا خيرٌ من هذا العصر. إنَّ الحطَّ من قيمة هذه الكلمات بإلقائها في المجال العام دون احتياطاتٍ لانهائية من شأنه أنْ يعنيَ فِعْلَ شرٍّ لا يمكن إصلاحه؛ إنه يعني قتلَ ما تبقَّى من أمل يمكن للشيء المقابل أنْ يعطيَه. يجب ألاَّ ترتبطَ هذه الكلماتُ بقضية ولا بحركة ولا حتى بنظام سياسي ولا بأُمَّة أيضًا. يجب ألاَّ يساءَ إليها كما أساء ﭙـيتان Pétain إلى الكلمات: "العمل، العائلة، الوطن"، ولا كما أساءت الجمهوريةُ الثالثة للكلمات: حرِّية، عدالة، مساواة. يجب ألاَّ تكون شعارًا. عندما نطرح هذه الكلماتِ علنًا فلا بد أنْ تكون فقط تعبيرًا عن فكرة تتجاوز تجاوزًا كبيرًا البشرَ والجماعاتِ اليومَ، ونلتزم بكل تواضع بالحفاظ عليها حاضرةً في العقل لتكون دليلاً في كل شيء. وإذا كان هذا التواضع أقلَّ قدرة على جذب الجماهير من المواقف السوقية فإنَّ ذلك لا يهم. إذْ إنَّ الإخفاقَ خيرٌ من النجاح في الأذى. لكنَّ هذه الفكرة من المفروض ألاَّ تحتاجَ إلى الإعلان عنها بإحداث ضجة حولها حتى تؤثِّرَ شيئًا فشيئًا في العقول، لأنها تلبِّي مخاوفَ الجميع في الوقت الحالي. فالناسُ جميعًا يكرِّرون بعبارات متشابهة القولَ بأننا نعاني من عدم توازن سببُه تطوُّرٌ مادي بحْت للتقنية. لا يمكن إصلاح عدم التوازن هذا إلاَّ بتطور روحي في المجال نفسِه، أيْ في مجال العمل. فالصعوبة الوحيدة هي الارتياب المؤلم والمبرَّر جدًا بكل أسف للجماهير التي ترى كلَّ عبارة راقية قليلاً على أنها فخ نُصِبَ لخداعها. لا بد لحضارة تقوم على روحانية العمل أنْ تكون أعلى درجة في تجذُّر الإنسان في العالَم، وبالتالي ستكون نقيضَ الحالة التي نحن فيها والتي تقوم على اقتلاعٍ شبهِ تام. وبهذا فهي بالطبيعة الطموح الذي يستجيب لمعاناتنا. ترجمة: محمد علي عبد الجليل [1] ماري كلير Marie Claire: هي مجلة شهرية نسائية فرنسية تأسست عام 1937 ونشرها فريق ماري كلير. (المترجم) [2] إشارةً إلى حكاية لا فونتين La Fontaine بعنوان: Le Savetier et le Financier [الإسكافي ورَجُل المال]. وهي إحدى الأساطير التي كتبَها الشاعرُ الفرنسيُّ جان دو لا فونتين Jean de La Fontaine (1621 – 1695). تقول الحكاية (بتصرُّف): كان هناك إسكافيٌّ فقير يغنِّي دائمًا وهو فرحان. وكان جارُه الثريُّ قليلاً ما يغنِّي وقليلاً جدًا ما ينام. وإذا صادف أنْ نامَ الغنيُّ مرةً كان غناءُ الإسكافيِّ يوقظُه. فتضايقَ الثريُّ وأعطى الإسكافيَّ مئةَ ريال فرنسي (قديم) écus وطلبَ منه أنْ يحتفظَ بها ليستخدمها وقتَ الحاجة. ومن وقتها توقَّفَ الإسكافيُّ عن الغناء وزارتْه الهمومُ وقلَّ عنده النومُ، وهو يحرِسُ المالَ الذي أعطاه إياه الثريُّ. لكنَّ الإسكافيَّ لم يفقدِ الحكمةَ، فهرعَ إلى الثريِّ وقال له: "رُدَّ لي أغانيَّ ونومي وخذِ المئةَ ريال التي أعطيتَني إياها." (المترجِم) [3] اللاعسكرانية antimilitarisme هي مناهَضة الروح العسكرية. (المترجِم) [4] نيكولا إيدم ريستيف Nicolas Edme Restif المسمَّى ريستيف دو لا بروتون Restif de La Bretonne، والذي يُدْعَى أيضًا ريتيف دو لا بروتون Rétif et de La Bretone: كاتب فرنسي وُلِد في ساسي Sacy عام 1734 لأبوين فلاَّحَينِ من الإيـﭭـون l'Yonne، وتوفِّيَ في باريس عام 1806. عمِل عاملاً في مطبعة (منضِّد حروف). أقام في باريس عام 1761 حيث بدأ مهنةَ الكتابة. من أعمالِه: الفلاَّح الفاسد أو مخاطر المدينة (1775)، وليالي باريس أو المُشاهِد الليلي (1788 – 1793). (المترجِم) [5] بيلـﭭـيل Belleville: هو الحي الباريسي السابع والسبعون في الدائرة العشرين. وهو رمز باريس الشعبية. (المترجِـم) [6] كان كوكبُ الزُّهْرة Vénus يسمَّى نجمةَ الراعي l'étoile du berger، لأنَّ الرُّعيان قد لاحظوا وجودَه بالعين المجرَّدة. وقيل لأنه يلمع في الساعات التي يُسَـيِّـرُ فيها الرُّعاةُ (الرُّعيانُ) قطعانَهم، أيْ في الصباح وفي المساء. ولهذا سمِّيَت الزُّهرةُ أيضًا "نجمةَ الصباح" و"نجمة المساء". كما تُدْعَى "أناهيذ" (من الفارسية: "ناهيد"). ولشدة لمعانها وجَمالِها فقد أسماها الإغريقُ "أفروديت" واتَّخذوا منها إلهةً للحب والجمال، وكذلك اعتبرَها الرومان من بعدهم وأسموها "ﭭينوس". (المترجِـم) [7] هِسْيودُس Hésiode: شاعر يوناني عاش في القرن الثامن (أو السابع) قبل الميلاد. مؤلِّف أعمال ميثولوجية وتعليمية، منها الأعمال والأيام. يُعَدُّ هِسْيودسُ مؤسِّسَ الملحمة التعليمية وأول شاعر إغريقي رئيسي بعد هوميروس. في قصيدته الثيوغونيا (أنساب الآلهة) أصبحَ هسيودسُ أولَ كاتب يَنْظُم الميثولوجيا (الأساطير) الإغريقية ليجعلَها نظامًا فلسفيًا شاملاً. تصف قصيدةُ هسيودسَ الأخرى أعمال وأيام حياةَ الفلاحين الإغريق الشاقة وحُسْنَ تدبيرهم وحصافةَ رأيهم. امتدحَ هِسيودسُ الذي كان فلاحًا بطولةَ الفلاَّحِ ونضالَه الطويلَ والصامتَ مع الأرض وعناصرِ الطبيعة. (المترجِـم) [8] "ﭙـيرس الحارث" "Pier the Ploughman" أو "رؤية وليام حول بيرس الحارث" أو "بطرس الفلاَّح" (بالفرنسية: Pierre le Laborieux ou le Laboureur [بطرس الكادح أو الفلاَّح]: هو عنوان قصيدة رمزية استعارية تتألَّف من أكثر من سبعة آلاف بيت كتَبَها بالإنكليزية الوسيطة ويليام لانغلاند William Langland بين عامَي 1360 و1387. (المترجِـم) [9] الليتورجيا: هي الطقوس والشعائر المسيحية. وكلمة "ليتورجيا" liturgie (liturgy) مشتقة من اليونانية leitourgía المشتقة من laós [الشعب] ومن الجذر ergo[فعَلَ، أنجزَ] وتعني: "خدمة الشعب". وبهذا فإنَّ الليتورجيا هي الطقس العام الرسمي الذي تقيمه الكنيسةُ. (المترجِـم) [10] سان-سولـﭙـيس Saint-Sulpice: كنيسة ورهبانية في باريس في الدائرة السادسة. (المترجِـم) [11] جاك شوﭭـالييه Jacques Chevalier (1882 – 1962): فيلسوف وسياسي فرنسي كاثوليكي، نجل الجنرال جورج شوﭭـالييه. كان وزيرَ الدولة للتعليم والأُسْرة في 1940 – 1941. تسلَّمَ وزارةَ التعليم العام بعد أشهر قليلة من بدء حكومة ﭭيشي. (المترجِـم)
|
|
|