|
منقولات روحيّة
حول الكاتب: يعتبر مارتن بوبر أحد أهم الناطقين باسم الروح الإنسانية. ولد في ڤيينا عام 1878، ودرس الفلسفة وتاريخ الفن في جامعة برلين. ثم أسس دورية اليهودي Der Jude عام 1918، وبقي محررًا لها حتى عام 1924. وقد أصبحت هذه المجلة، الناطقة بلسان اليهودية-الألمانية، برئاسته ما بين 1923 و1933. درّس بوبر الفلسفة والديانة اليهودية. بعدها درّس تاريخ الديانات في جامعة فرانكفورت. وفي عام 1938 غادر ألمانيا مهاجرًا إلى فلسطين التي جعل منها موطنًا له. وهناك عمل، حتى العام 1951، أستاذًا للفلسفة الاجتماعية في الجامعة العبرية في القدس. عام 1951 حاز على وسام غوته من جامعة هامبورغ. وفي عام 1953 حصل على جائزة السلام من قبل معرض الكتاب الألماني. كتب البروفيسور بوبر الكثير في مجالات الفلسفة، والتربية، وفلسفة الديانات؛ ودرّس علم الاجتماع، والفن، وتفسير التوراة، واليهودية، والحَصيدية، والصهيونية. أمّا أعماله الأكثر شهرة فهي أنا وأنت، والتعريف الكلاسيكي لـفلسفة الحوار، ما بين الإنسان والإنسان، كسوف الله، حكايات حَصيدية، وإشارة إلى الطريق. ذهب مارتن بوبر ثلاث مرات إلى أمريكا. كانت أول مرة في عام 1951-1952 بدعوة من الندوة اللاهوتية اليهودية. ثم في عام 1957 بمناسبة الذكرى الرابعة لوفاة زليم ألنسن وايت حيث ألقى محاضرة في معهد واشنطن لعلم النفس. ثم في عام 1958 كأستاذ في جامعة برينستون.
هل بوسع العلم أن يصبح دينًا؟ إن غرائزنا، وثقافتنا، وحتى حسنا السليم ستقول لنا أن الإجابة بنعم على هذا السؤال هو بكل بساطة جواب سخيف. فهذا السؤال إذًا سؤال خاطىء. ولكن، من بوسعه أن ينكر واقع أن العلم الحديث قد قوض الأساطير واكتسح والمعتقدات التي أثّرت لقرون في حياة البشر؟ ومن بوسعه أن ينفي واقع أن العلم، وبالتالي نتاجه الأكثر وضوحًا – التكنولوجيا – هو في طريقه لأن يغير حياتنا، تاركًا إيانا عزّلاً أمام معضلة رفاه ظاهر، يرافقه نضوب (قد يصل إلى حد الفناء) في حياتنا الداخلية؟ ما نشهده اليوم هو بروز إلحاد جديد، لا علاقة له بالإلحاد القديم، سواء أكان وضعيًا أو ماديًا جدليًا. وهذا الإلحاد الجديد يأتي من منظومة العلوم الحديثة التي، على أرض الواقع، تقدم العلم كدين جديد. تمتد جذور العلوم الأساسية في أعماق الأرض الخصبة للتساؤلات المشتركة بين جميع مجالات المعرفة الإنسانية: ما هو معنى الحياة؟ وما دور الإنسان في العملية الكونية؟ وما دور الطبيعة في عملية المعرفة؟ وهذا يعني أن للعلوم الأساسية نفس جذور الدين أو الفن أو الأساطير. ولكن تدريجياً بدأ يُنظر إلى هذه التساؤلات على أنها غير علمية، مما أدى إلى إلقائها في جحيم اللاعقلانية التي هي مجال الشاعر والصوفي والفيلسوف. وكان السبب الأساسي، لهذا التحول النمطي، الانتصار الذي لا يرقى إليه الشك، من المنظور المادي المباشر، للتفكير التحليلي الإختزالي والآلوي. فقد كان يكفي تطبيق قوانين لا ندري من أين أتت. ثم، بموجب هذه القوانين، هذه المعادلات الحركية، يصبح بوسعنا التنبؤ بكل شيء بدقة، طالما أننا نستطيع تحديد الشروط الأولية الأساسية لهذا الشيء. وهكذا أصبحت كل الأشياء محددة لا بل محددة مسبقًا. مما جعل فرضية الألوهة غير ضرورية. كما أصبح من غير الممكن تجاوز المسافة القائمة بين "السيد الإله"، الذي يمكن في أحسن الأحوال قبوله كمنطلق، وبين شؤون عالمنا. ما جعل من الصعب حدوث أي جديد في هذا العالم حيث الحرية كاذبة (فكل شيء مقدر مسبقًا). وأصبح العالم الذي كان في الماضي شاهدًا على نظام مطلق ثابت لا يتغير، ملزمًا لأن يتحول إلى تقني يقيس الكم.
أيها المدعوون، أيتها الأخوات، أيها الإخوة، لا تبتغي هذه الكلمات البتة تقديم نظرية في علم النفس التحليلي، فهذا مضمار يعود لأشخاص مؤهلين للقيام بهذه المقاربة ولاختصاصيين في هذا العلم؛ لكننا نرغب ببساطة دراسة ما إذا كان لبعض المراجع الخيميائية لعلم النفس اليونغي علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالمقاربة الرمزية المعتمدة في الماسونية. ولا شك أن ما سنقوله في هذا المجال سيبقى ناقصًا وغير دقيق وغير كاف، وهذا طبيعي بالنسبة لأشخاص يبحثون، كما هي حالنا جميعًا. لذا نرى أنه من الأفضل أن نشير من بداية بحثنا إلى أن مرجعه الرئيسي هو مؤلَّف ج. ل. ماكسانس، الذي بعنوان يونغ هو مستقبل الماسونية.
|
|
|