|
قيم خالدة
تنطلق دراسةُ نيتشه للعلوم
التاريخية من بيان الوضعية الحقيقية للعلم
الحديث، أي من نقد المعرفة العلمية،
وهي آخر مرحلة في المعارف الإنسانية. ونعني
بـ"المعرفة العلمية" العلوم التي
تُسمى "وضعية" positives،
أي تلك التي ليست علومًا إنسانية في صورة
مباشرة: الفيزياء، الكيمياء، البيولوجيا،
الرياضيات، والتاريخ في مستواه التجريبي empirique.
موضوعُ
قبول الآخر يقتضي تعريفَ مفهومَي "الآخر"
و"القبول". لكنِّي أرى من الملائم
التوقف أولاً عند عبارة "رؤية توليفية"
التي صُنِّفَتْ كلمتي تحتها – وهي، ضمن
السياق الذي نحن في صدده، تعني الجمع بين
الدين والفلسفة أو التوفيق بينهما.
من
الأفكار القوية والمتداولة اليوم أن الثقافة
هي المدخل إلى معالجة الأزمات التنموية
والحضارية – على أن تُفهَم كلمةُ "ثقافة"
هنا بمعناها الأوسع والأغنى والأكثر
فاعلية وراهنية، أي بوصفها تجسِّد حيوية
التفكير بقدر ما تمثِّل منبع المعنى
ومصدر القوة، أو بوصفها ترمز إلى عناوين
الوجود ومصادر المشروعية بقدر ما تجسِّد
سيرورة التحول والازدهار في مجتمع من
المجتمعات.
في
حديثنا عن الوجودية، سيرتكز نقدُنا على
جانبها "السلبي"، لأنه الجانب الوحيد
الذي يرينا حقيقتَها وموقفَها من التيارات
الفكرية الأخرى، وسنغض الطرْف عن جانبها
"الإيماني"، مع أننا سنتحدث عنه
أحيانًا. فنحن نعتقد أن الوجودية، كما كانت
معروفةً في القرن العشرين، ليست من نتاج
ذلك العصر وحده، بل هي من نتاج العصور
الغابرة جميعًا: لقد وُجِدَتْ في كلِّ حقبة
من أحقاب الفكر الإنساني لأن الإنسان كان
يشك، أو يعلن ثورته، أو يتذمر من الوجود
ويتمرد عليه، أو يفكر فيه تفكيرًا سلبيًّا،
أو يرى عبثه ولاجدواه. ونحن نعتقد أيضًا أن
الوجودية السلبية قد نتجت من الصراع الذي
قام – ومازال قائمًا – بين وجهتَي النظر
المادية والروحية إلى الوجود، ومن التقدم
العلمي الهائل، ومن الآراء العلمية التي
تسود العالم، بنتائجها المادية التي لا
يُخضِعها الإنسانُ لتحليل فكريٍّ معمق؛
كما نتجت أيضًا من المساوئ التي وصلت إليها
البشرية ومن المآسي والويلات التي تركت
الإنسانَ في فوضى الفكر وظلامه وجحيمه.
|
|
|