الفصل الثامن - بدايات عملية متعثرة: ب - أمانة العاصمة الفصل السابع: الجامعة والرفاق والآخرون 4 - ب

ذاكرة الباطن

 

أكرم أنطاكي

 

الفصل الثامن

بدايات عملية متعثرة

(1969-1971)

آ

رَحْ نبني سد الفرات!

 

طائر الليل: هنالك نقطة بداية لأيِّ تحول حقيقي في حياة الإنسان... لحظات قد لا يشعر بها المرء حينئذٍ وتكون حاسمة.

كنت سارحًا في خيالي، شاردًا، وأنا في طريقي من دمشق إلى حلب فالطبقة؛ أفكر فيما جرى معي في تلك السنة التي سبقت تخرُّجي، وفيما كان يخالجني من مشاعر متناقضة – وخاصةً في تلك الرغبة، التي لم أستطع يومًا تحقيقها، في الاستقلال والانطلاق وحيدًا، قاطعًا رباطي بكلِّ ما كان يقيِّدني. كنت أمعن التأمل في ذلك الخاص الذي يخفيه المرء عادة، ويشدُّني إلى دمشق، حيث الأصدقاء عامةً، والأهل خاصةً.

وكنت ودَّعت الرفاق وسلَّمت ما كنت مسؤولاً عنه من تنظيم حزبي وشبابي؛ فحلَّ سمير (1495)(رحمه الله) مكاني لدى فرعية الحزب في الجامعة – تلك التي كانت توسعت بناءً على اقتراح من عطية (1496) (ومنِّي)، فأضحت تضم، إضافةً، كلاً من سمير وندرة (1497) وساسين (1498) ومحمد (1499) وآخر جديد (لم أعد أذكر اسمه)، فُرِضَ فرضًا لأنه كان قريبًا لدانيال نعمة (1500). كما ودَّعتُ أيضًا مسؤولي الحزبي المباشر؛ وكان حينذاك يوسف نمر (1501) (أبو سعيد)، الذي تلمَّستُ من حديثه يومئذٍ وجودَ خلافات حادة في أعالي هرم القيادة الحزبية. ولكن هذا لم يكن يشغلني بقدر ما كانت تشغلني يومئذٍ شؤوننا العائلية.

كانت إكرام (1502) قد غادرتنا قبل شهر إلى فرنسا، حيث أمَّنت لنفسها عملاً مؤقتًا كـBabysitter لدى شقيقة صديقة جان فرانسوا (الشيوعية اليهودية) غابرييل (1503) – عملاً كان يُفترَض أن يساعدها على الانطلاق مجددًا في باريس ومعاودة دراساتها الجامعية التي انقطعتْ في دمشق خلال السنة الأخيرة التي مضت، وكانت بالنسبة لها في منتهى الصعوبة.

وخاصة لأنها اكتشفت أن الرفاق "القادة"، الذين استغلوها بعض الوقت، باتوا يتهربون منها، بسبب حدة طباعها، من جهة، ولِما يمكن أن تسبِّبه لهم من إشكاليات، من جهة أخرى. فتحوَّلتْ مسؤولية تنظيمها الحزبي إلى رفيقات سبق لها أن اصطدمت بهنَّ وحاولن إذلالها، فصارت تُعامَل كرفيقة أقل من عادية (بهدف "تطفيشها"). وإكرام، التي لم تكن يومًا إنسانًا عاديًّا، ولا من اللواتي يتحملن الضيم، رفضت طبعًا ما حاولوا فرضه عليها، ولكن على طريقتها التي كانت المزيد من الهروب إلى أمام. وحاولت، لبعض الوقت، العمل في صفوف "الطبقة العاملة"، فتطوَّعتْ، لاستعادة اعتبارها الحزبي، عاملةً في أحد مصانع النسيج.

"... تصور ذلك الذي تحملتُه من شقيقتك آنذاك. كانت تغادر المنزل، كلَّ يوم، من الصباح إلى المساء للعمل في ذلك المعمل. مرضت يومئذٍ بالتيفوئيد؛ وكانت إصابتها حادة بسبب ما كانت تتناوله هناك من طعام ملوث. كما لحق "البقُّ" ذات يوم بملابسها وكاد أن ينتشر في المنزل...".

-       كانت ما تزال شديدة القناعة والحماس لقناعتها، يا ماما. كانت مثلي تمامًا، ولكن...

كانت النتيجة، بالنسبة لها، كارثية – على جميع الأصعدة. فالرفاق لم يعيروها أيَّ اهتمام، من جهة؛ وآخر هموم تلك "الطبقة العاملة" الافتراضية كان تلقُّف ابنة الأنطاكي، من جهة أخرى! فطفشت البنيَّة في النهاية، وقررت الابتعاد إلى فرنسا؛ وساعدتْها العائلة في ذلك. كان ذلك في أواسط صيف 1969؛ وكانت مشاكل أخي سمير (1504)، التي سبق وأوضحتُها، تزداد حدةً وتفاقمًا بسبب بلوغه. كما كانت شقيقتي الصغرى ريما قد بدأت تعيش مشاكل مراهقتها، التي كانت أيضًا صعبة وعنيفة.

وكان في أثناء تلك السنة إجراء عملية جراحية خطرة لوالدي (1505) الذي نُقِلَ ذات مساء إلى المستشفى الفرنسي وهو في حالة إسعاف، بعد أن انفجرت لديه القرحة التي كان يعاني منها في الإثني عشري. كما أُجرِيَتْ عملية أخرى لعمِّي جورج (1506) الذي وجدتُ نفسي وحدي القادر على الاعتناء به. وقد أثَّرتْ بي تلك الأحوال إلى حدِّ كبير، لأني فهمت، من خلال ما كان يعانيه عمِّي في تلك الفترة، مأساة أن يبقى المرء وحيدًا بلا رفيق، وخاصةً حين تتداركُه الشيخوخة. كما اكتشفت فجأة، بين ليلة وضحاها، ومن خلال والدي، مدى ضعف الإنسان، من جهة، ومدى هشاشة وضعنا العائلي، من جهة أخرى؛ ما وضعني أمام مسؤوليتي تجاه نفسي وتجاه من أحبُّ أولاً وأخيرًا. فأبي وعمِّي جورج ليسا مخلَّدين؛ والعائلة باتت بحاجة ملحَّة إلى دخل إضافي. وأفكر أن هذا كان ما فرَّقني، منذ ذلك الحين، عن شقيقتي التي اختارت المغادرة، بينما لم أستطع من ناحيتي سوى البقاء. صحيح أنني كنت يومئذٍ مغادرًا للعمل في الطبقة؛ ولكن ارتباطي بالأهل وشعوري بالمسؤولية تجاههم كان قد ازداد تجذُّرًا. ولكن...

لم أكن أعي تمامًا عمق هذا الارتباط حينئذٍ. فالشعور الذي تملَّكني كان شعورًا بالوحدة القاتلة، وما يرافقها عادة من يأس. وأفكر أني ربما كنت في حاجة إلى من يقف إلى جانبي؛ أو لنقل، كنت في حاجة إلى من أحب ويحبني، خاصةً وأني لم أكن عشت سوى قصة حبٍّ واحدة – وكانت فاشلة جدًّا ومؤلمة جدًّا. وكل ما عرفته، حتى تلك اللحظة، كان مجرد مغامرات عابرة.

كنت متجهًا إذًا بالكرنك إلى حلب. وشركة الكرنك كانت حينئذٍ الشركة الوحيدة المحترمة للنقل الداخلي. وبين يدي كان آخر ديوان شعر لأراغون، أرسلتْه لي إكرام (1507) فور وصولها إلى فرنسا. كان يدعى القصيدة غير المنتهية Le Poème inachevé. والأبيات التي كنت أقرأ، ووجدتها تعبِّر عن حالتي النفسية وبعض ما كان يخالجني، كانت عبثيةً وحزينةً تقول:

Dans le quartier Hohenzolerne

في حيِّ هوهنزوليرني

Entre la Sarre et les casernes

ما بين السَّار والثكنات

Fleurissaient les seins de Lola

أزْهَرَ نهدا لولا

Je venais m’allonger près d’elle

التي كنتُ آتي لأتمدَّد قربها

Sur le canapé du bordel

على أريكة الماخور

Dans les hoquets du pianola

وسط حشرجات البيانولا

كنت متجهًا إلى "سدِّ الفرات". وسبب اختياري هذا الموقع البعيد للعمل كان قناعةً سياسية، من جهة، وأفضلية شروط العمل، نسبيًّا ومقارنةً، من جهة أخرى. لأن قناعتي (الشيوعية) كانت حينئذٍ أن هذا المشروع الحيوي الذي اتُّفِقَ على بنائه مع "الاتحاد السوفييتي العظيم" سوف يغيِّر وجه سوريا، وأنِّي سأكون أحد الذين سيساهمون في ذلك من خلال عملهم.

ثم إن الرواتب كانت أعلى على ضفاف الفرات منها لدى دوائر الدولة في دمشق: فالمهندس المتخرِّج حديثًا كان يتقاضى لدى وزارة الإسكان والمرافق، مثلاً، حوالى 500 ليرة سورية (أي ما كان يعادل 150 دولارًا أمريكيًّا)، بينما كان الراتب الصافي للمهندس الجديد في الطبقة 800 ليرة سوريا (أي حوالى الـ250 دولارًا أمريكيًّا)، إضافة إلى تسهيلات السكن، وخاصة للمتزوجين الذين كان يُقدَّم لهم منزلٌ صغير بأجر زهيد. وكانت الـ500 ليرة سورية أجرًا كافيًا لإعالة عائلة صغيرة متوسطة الحال في دمشق.

وكنتُ تواعدتُ على اللقاء في الطبقة مع بعض أفراد شلَّتي في الصف (خالد (1508) ورضوان (1509) وهيثم (1510)...) الذين اختاروا أيضًا العمل هناك. ولكن كان عليَّ التوقف بعض الوقت في حلب التي اتصل والدي فيها، قبل أن أغادر، بابن عمِّه وليم (1511) الذي أصرَّ يومئذٍ على استضافتي – العم وليم الذي لم أرَه منذ أيام الوحدة، حين جاء لزيارتنا مع زوجته الشابة التي كانت تدعى فيوليت هلال (1512). وأحاول تذكُّر ذلك الإنسان ذا القامة الطويلة والابتسامة الطيبة والوجه الجميل – هذا الذي كانت إطلالته كـ"أباطرة الرومان"، على حدِّ وصف الكاهن الذي نعاه حين وفاته.

"... ولم يكن الكاهن مخطئًا في وصفه: فلوليم (1513)(رحمه الله)، من خلال والدته إستير (1514)، جذور إيطالية مباشرة...".

وأحاول لثوانٍ استرجاع صورة العمَّة إستير (1515)، فأتذكر بشكل ضبابي وجهها الجميل البشوش، وكيف كان جدِّي لطف الله (1516) يداعبها حين كانت تأتي مع ابنها إلى دمشق لزيارتنا:

-       يا إستير، ماذا ستقولين لسائق العربة كي يوصلك إلى منزلنا؟

وتجيبه إستير:

-       سأقول له: أوصلني إلى الـ"بخـرا"، يا لـوتفي...

فيضحك جدِّي من أعماقه ويقول لها:

-       قولي له إلى البحـرة... البحـرة [أي إلى ساحة السبع بحرات في دمشق]، يا إستير، وليس إلى "البخـرا"!

وتضحك إستير معه وتجيبه:

-       نعم، نعم، يا لـوتفي، سأقول له: أوصلني إلى "البخـرا"...

وإستير (1517) اليوم لم تعد موجودة، كما لم يعد موجودًا جدِّي لطف الله (1518) ولا شقيقه كريم (1519). فهذه سُنَّة الحياة التي قَضَتْ أن تنقطع علاقتُنا حينئذٍ بمن تبقى لنا من أقارب في حلب، كالمهندس جودت (1520) الذي قالوا إنه تزوج فتاةً من أسرة مارونية غنية، فأصبح مارونيًّا وغنيًّا ومتعجرفًا. فقط بقي لنا مَن نحبُّ من أقاربنا هناك، ذلك الذي ظلَّ فقيرًا وطيب القلب، وليم (1521) الذي وجدتُه، كما تخيَّلتُه تمامًا، ينتظرني أمام محطة الكرنك التي كانت تقع خلف "شارع بارون". وأتذكر أنِّي ذهبت معه إلى المنزل حيث استقبلتْنا زوجتُه التي قدمتْ لنا طعام الغذاء. أما بعد الظهر فقد تعرفت إلى حماة وليم، أنطوانيت (1522)، وإلى ابنتها الصغرى ذات العينين الجميلتين والطالبة في الصف الحادي عشر، منى (1523)، التي سرعان ما تبرعتْ بتعريفي إلى مدينة حلب – تلك التي غادرتُها في صبيحة اليوم التالي إلى الطبقة، حيث بقيت يومًا واحدًا، وقَّعْتُ فيه على عقد عملي، وعُدْتُ بعده مباشرة إلى دمشق لاستكمال بعض الأوراق الثبوتية وأداء القسم كمهندس متدرِّب.

أدَّيت القسم في مقر النقابة الذي كان يقع في شارع العابد، في الطرف المقابل للبرلمان. وأتذكر أنه كان حاضرًا، وأشرف على أدائنا إياه، نقيب المهندسين شكيب العمري (1524)، ومعاونه، أمين سرِّ النقابة، المهندس هشام الساطي (1525)، ممَّن (كما أخبرني الرفاق) كانوا يمثلون، بالنسبة لنا، ذلك "اليمين العَفِن" المسيطر على نقابة المهندسين. وأتذكر كيف تصديتُ لهما، بلا مبرِّر، فور انتهاء طقوس القسم، معترضًا على عبارة وَرَدَتْ في نصه تؤكِّد على ضرورة الحفاظ على "سرِّ المهنة"!

"... لأنك كنتَ تعتقد، من منظورك المسطَّح والشعبوي لتلك الأيام، أن ما يدعونه "سرَّ المهنة" إنما هو مفهوم "بورجوازي" يهدف إلى حصر المعرفة في أوساط الطبقات العليا ومنع وصولها إلى الكادحين...".

-       يومذاك لم أكن أدرك بعدُ أن لكلِّ مهنة، وخاصةً منها مهنة "البنَّاء"، قدسيَّتها، وأن هذا – تحديدًا – ما كان يعنيه القسم.

ثم غادرت دمشق من جديد عائدًا إلى الطبقة. لكني تعمَّدتُ، من تلقاء نفسي هذه المرة، التوقف في حلب، حيث تناولت طعام الغذاء عند قريبنا. فقد كنت أبغي اللقاء مجددًا بشقيقة زوجه – تلك الفتاة الجميلة ذات العينين الساحرتين، منى (1526)، التي قضيت في رفقتها، في أثناء بعد الظهر ذلك اليوم، ساعات ممتعة، عرَّفتْني في أثنائها على بعض معالم مدينتها، وعدنا بعدها معًا إلى منزل قريبي وشقيقتها.

وكانت المفاجأة المؤلمة، وغير المتوقعة، أن نجد، لدى عودتنا، العمَّ وليم (1527) ملقى على الأرض في أسفل درج بناء منزله، وحوله الجيران وزوجته يصيحون ويبكون. لقد فارق الحياة لتوِّه نتيجة جلطة قلبية مفاجئة وصاعقة. كانت ساعات حزينة جدًّا، سارعت خلالها إلى الاتصال مباشرة بالأهل لإخبارهم النبأ المحزن: أن قريبنا توفي، تاركًا وراءه، بلا معيل، زوجةً شابة وطفلتين.

وأتذكر أني قضيت تلك الليلة الحزينة وحيدًا في الفندق، وأني انتظرت حتى ظهر اليوم التالي لاستقبال عمِّي جورج (1528)، الذي سارع إلى الحضور بمفرده، لأن والدي كان مريضًا ولم يستطع الحضور معه، وأننا توجَّهنا معًا إلى منزل المرحوم، حيث شاركنا في الجنازة. ثم حين حلَّ المساء، ودَّعتُ صديقتي الجديدة (التي وعدتُها بمعاودة الزيارة والمراسلة)، كما ودَّعتُ عمِّي جورج قبل أن أتوجَّه في صبيحة اليوم التالي إلى مقرِّ عملي.

وهناك كان خالد (1529) قد أمَّن لشلتنا منزلاً صغيرًا من ثلاث غرف.

"... لم نكن نرغب أن نفترق كشلَّة، ولا أن نشارك سكننا مع أشخاص لا نعرفهم...".

وأصبح المهندس (الحمصي) أكرم غراب (1530)، الذي كان منزل عائلته مجاورًا لمنزل جدِّي في حمص، وكان أهله من معارف أهلي، شريكًا لي في الغرفة؛ بينما تقاسم خالد (1531)الغرفة الثانية مع رضوان (1532)؛ وبقيت الغرفة الثالثة لهيثم (1533) ولراجح (1534). أما فرزي في العمل فكان إلى "الدائرة الفنية" التي كان على رأسها من الجانب السوري آنذاك المهندس (البعثي والعلوي) معين عمران(1535).

قلت من الجانب السوري، نعم؛ فالمسؤولية الفنية الحقيقية هناك كان 99% منها مسؤولية ذلك (الآخر) السوفييتي؛ وجل ما كان يطلب من المحلِّي هو... التعلُّم (إن رغب) والمساعدة في التنفيذ (قدر المستطاع).

"... وكان قرار إنشاء هذا السد الضخم في موقعه المقرَّر، وبحجمه المقرَّر، سياسيًّا بالدرجة الأولى؛ قرار فرضتْه الحكومةُ (اليسارية) في سوريا آنذاك على السوفييت الذين كان لهم، على ما يبدو، رأيٌ آخر حول الموضوع، لأنه..."

يقال أنه كانت هناك دراسات فنِّية واقتصادية أولية سابقة لسدِّ الفرات ولموقعه. وكان أهم تلك الدراسات تلك التي قامت بها الشركة الهندسية الاستشارية البريطانية "ألكسندر جيب"، التي اقترحت إقامة عدة سدود للري وتوليد الطاقة وسدود تنظيمية صغيرة ومتوسطة على مجرى النهر، أهمها: سد في موقع يوسف باشا، عوضًا عن الموقع الحالي. وكان الروس من أنصار الرأي "الإنكليزي" الذي عادت الحكومة السورية لتتبنَّاه مجددًا اليوم، أي بعد حوالى ثلاثين سنة من تاريخه!

وكان بناء مدينة الطبقة، التي وصلتُها في تشرين الأول 1969، قد استُكمِل تقريبًا؛ كما كانت أعمال إنشاء السدِّ قد بوشرت. كانت المدينة عبارة عن معسكر ضخم للفنيين، الروس والسوريين، العاملين في المشروع: أبنية متكررة ومتشابهة (وقميئة) من أربعة طوابق، إلى جانب بعض "الفِلَل" الأرقى للمدراء. وكان هناك أيضًا، سوق مركزي ومطعم مركزي ونادٍ مركزي للعاملين في المشروع وللنشاطات الفنية والسياسية، ومبنى للإدارة العامة، كان يضم أيضًا تلك الإدارة الفنية حيث كنت أعمل. أما العمال من أبناء المنطقة ومن مختلف أنحاء البلد فكان المحظوظون منهم يسكن في أبنية أكثر تواضعًا، بينما كان يسكن الباقون، في ذلك التوسع، "الحزام" العشوائي البائس الذي أضحى يحيط بهذه المدينة، كما أحاط بمعظم مدننا السورية.

وكان المدير العام للمشروع هو النقيب (السابق) للمهندسين، الشخصية الفنية والإدارية المحترمة، السيد صبحي كحَّالة (1536)، الذي كان أبرز نُوَّابه للشؤون الفنية المهندس زهير فرح (1537)؛ بينما كان نائبه (البعثي والأمني) للشؤون الإدارية هو الحقوقي فايز بكفلاوي (1538).

"... قبل كحَّالة، كان المدير العام للسدِّ هو (رفيقنا)، ضابط الجيش المسرَّح أيام عبد الناصر (1539)، المهندس إبراهيم فرهود (1540). كما كان المدير العام للشركة العامة للإسكان التي بَنَتْ المدينة السكنية ومَرافقها هو (رفيقنا الآخر) المهندس نبيل الخاني (1541). ثم أُبْعِدَ الاثنان...

"... لأن البعث الحاكم، الذي لم يكن غافلاً عن أهمية المشروع، تنبَّه بسرعة لخطورة أن يهيمن الشيوعيون على هذا المركز العمَّالي الضخم. فأُبْعِدَ إبراهيم فرهود (1542) بعد صدامه كما يقال مع رئيس الوزراء في حينه أو ربما مع نائبه (البعثي) الذي كان يومئذٍ الأستاذ محمود الأيوبي (1543)؛ كما أُبْعِدَ نبيل الخاني (1544) بسبب ما ادُّعِيَ حول سوء إدارته وسكره الدائم."

وانتقل تنظيمي الحزبي من دمشق إلى الطبقة. وكانت تلك الحقبة بالنسبة لي، رغم قصرها، غنيةً ومثيرة. كان تنظيم الحزب الشيوعي في موقع سدِّ الفرات قويًّا جدًّا، مقارنةً بتنظيم الحزب أو أي حزب آخر في أي موقع آخر في سوريا، لا يفوقه، ربما، إلا تنظيم الإخوان المسلمين الذين كانوا يعملون في الخفاء. وكان على رأس هذا التنظيم مجموعة متميِّزة من الرفاق المهندسين الذين سرعان ما أضحوا يترأسون بعض قطاعات العمل الرئيسية، كالمهندس الكهربائي رأفت الكردي (1545)(خريج تشيكوسلوفاكيا) من دمشق، الذي كان يترأس مديرية الطاقة؛ والمهندس المدني رضوان مارتيني (1546)(أيضًا خريج تشيكوسلوفاكيا) من إدلب، الذي كان مديرًا للمنشآت المعدنية؛ والمهندس الطبوغرافي صريح البنِّي (1547)(أيضًا خريج تشيكوسلوفاكيا) من حمص، الذي كان يترأس قسم المساحة؛ والمهندس المدني مروان قولي (1548)(خريج حلب) من دمشق، وكان نائبًا لمدير الإدارة الفنية؛ والمهندس جورج مدني (1549)(خريج الجامعة الأمريكية في اسطنبول)، وكان لوائي الأصول من حلب، ويترأس المخبر؛ وكثيرون غيرهم. وكان المسؤول عن المنظمة من قِبَل قيادة الحزب هو عضو المكتب السياسي من حلب، عمر قشاش (1550).

وأصبحت عضوًا في إحدى اللجان الحزبية ومسؤولاً عن فرقتين: كانت الفرقة الأولى التي استلمتُها من المهندسين الجُدُد؛ أما الثانية فكانت عمَّالية. وأصبحتْ تربطني ببعض هؤلاء الرفاق، وخاصةً منهم جورج (1551) ومروان (1552) وصريح (1553) ورأفت (1554)، علاقات متميِّزة. ولكن كان وسطي الرئيسي هناك هو شلَّتي التي توسَّعتْ، فأضحت تضم عددًا آخر ممَّن كان يعمل معنا من المهندسين التقدميين.

-       كانت مهمة الإدارة الفنية، حيث كنت أعمل، هو حلُّ المشاكل التنفيذية ووضع المخططات التفصيلية للتنفيذ. وقد شاركت يومئذٍ، تحت إشراف خبير روسي لطيف يدعى إيغور، بقسطي المتواضع من هذا العمل.

كنَّا نعمل من السابعة صباحًا إلى الثالثة بعد الظهر؛ ثم نلتقي في المطعم المركزي لتناول طعام الغذاء؛ ثم نعود إلى منازلنا للاستراحة. وبعد قيلولة قصيرة، كنَّا نشرب القهوة على شرفة شقتنا...

"... ونتأمل، يوميًّا تقريبًا، في تمام الساعة الرابعة والنصف بعد الظهر، الروسية الفاتنة لاريسَّا وهي في طريقها إلى السوق لتتبضَّع...".

"... إلهي كم كانت جميلةً ومغريةً، وهي تسير ببطء، متبخترةً بكلِّ أُبَّهة، من دون أن تنظر إلى أحد. كانت متيقنة من أنوثتها، وتعلم أن الجميع كان يتابعها بنظراته المعجبة...".

"... وكنَّا نقضي بعد الظهر في القراءة أو في الزيارات...".

"... فقط أنت، يا أكرم (1555)، كنت تختلق الأعذار أحيانًا، لتغادرنا إلى أحد اجتماعاتك...".

وكذلك كنَّا نقضي السهرات، ونحن نتناقش حول الأوضاع السياسية في المنطقة وفي البلد، حيث...

كان الصراع البعثي–البعثي على السلطة يتفاقم في سوريا. وفي المنطقة، كان الضجيج يتصاعد حول الوجود الفلسطيني المسلَّح؛ ذلك الذي كانت الدول العربية الأقوى تدعم نشاطه لدى جيرانها العربية الأضعف، بهدف خلخلة استقرارها الداخلي...

ووقعتْ، خلال شهري تشرين الأول وتشرين الثاني 1969، صداماتٌ دامية في لبنان بين الجيش والفدائيين، أدت إلى ما سمِّيَ بـ"اتفاق القاهرة"...

وكان تصعيدٌ على الجبهة المصرية، وغارات للطيران الإسرائيلي على مواقع الجيش المصري حول القاهرة...

أما في مطلع العام فجَرَتْ صداماتٌ عنيفة في عمَّان، بين الجيش الأردني وبين الفدائيين، الذين تحوَّلوا إلى شبه سلطة موازية. وقد أسفرت تلك الصدامات عن اتفاق 22 شباط 1970 الذي كان محاولة أخيرة (ربما) لوضع ضوابط للنشاط "الفدائي" الفلسطيني انطلاقًا من الأردن...

وكان في الـ3 من آذار بيان مشترك للأحزاب الشيوعية في سوريا ولبنان والأردن والعراق يعلن عن تشكيل منظمة فدائية جديدة تدعى "قوات الأنصار"...

"... لم تنجح المحاولة الهادفة إلى خلق منظمة فدائية شيوعية لأنها كانت مفتعلة...".

"هذا من جهة – ولأن الساحة حينئذٍ كانت أُشبِعَتْ بالمنظمات الفدائية، من جهة أخرى...".

"... لقد جاءت هذه المنظمة تلبيةً لضغط العناصر "القومية–الماركسية"، داخل الأحزاب الشيوعية العربية وخارجها. فالمشاركة المحدودة جدًّا للأحزاب الشيوعية في العمل الفدائي [من أجل إزالة آثار العدوان و(ربما) تحرير فلسطين] كانت تتم من خلال بعض المنظمات الفدائية "اليسارية" القائمة، كالجبهة الشعبية للسيد جورج حبش (1556)، والجبهة الشعبية الديموقراطية للسيد نايف حواتمة (1557). وهذا كان ينعكس دعايةً لهؤلاء على حساب الأحزاب الشيوعية في البلدان العربية...".

-       وكان بعض أصدقائي من الرفاق الجامعيين قد تطوَّع في العمل الفدائي. وأخص منهم ندرة (1558) وعطيَّة (1559)، الذي التقيت به ذات يوم في دمشق بعد أن ترك العمل الفدائي، حيث لم يبقَ سوى شهرين. وكان رأيُه الذي وجدته مقنعًا:

"... إن 90 % مما ينشره الإعلامُ العربي حول هذا العمل وحول العمليات الفدائية مجرد دعاية ولا صحَّة له. لقد أصبحت قناعتي، يا أكرم (1560)، أنه ما لم يجرِ شيء من الداخل فلا جدوى من كلِّ هذا العمل الذي ضررُه أكثر من نفعه...".

فقد كنت أتابع عن بعد، ومن موقع عملي في الطبقة، نشاط رفاقي ومنظمتي السابقة في الجامعة، وفي كلِّية الهندسة تحديدًا، حيث حصل هذا العام، خلال الحفل السنوي للكلِّية، تفجير إرهابي صغير أسفر عن عدد من الجرحى...".

ومن الملفت للنظر أنه، لم يُذَعْ شيء حول هذا التفجير، الذي قيل إنه كان من صنع بعض "الإسلاميين المتطرفين" في حينه، وأدى في النتيجة إلى تزايد التواجد الأمني في الجامعة، من جهة، وإلى مزيد من التقليص لما تبقى فيها من فتات ديموقراطية، من جهة أخرى.

وأخيرًا، كان الأهم بالنسبة لي حينئذٍ أني كنتُ أعيش علاقة جديدة مع منى (1561)، التي أصبحتُ أراسلها مراسلةً منتظمة، وأراها أيضًا بانتظام بعد ظهر كلِّ خميس وصباح جمعة، حين أذهب إلى حلب خصِّيصًا لهذا الغرض، فنقضي الوقت معًا، أو برفقة صديقنا ورفيقنا (الكردي) من الجامعة، أستاذ اللغة العربية ذي الروح المرحة، جمعة عبد القادر (1562)، وزوجته اللطيفة غاده (1563). ففي حينه كانت منى قد تعرَّفت على معظم أصدقائي ورفاقي؛ كما عرَّفتْني هي على بعض صديقاتها، وخاصةً منهن ماري روز كاتشو (1564)، الماردينية الأصل، ذات الشخصية المتميِّزة، والجميلة جدًّا.

"... لكنك لم تكن الوحيد الذي يعيش علاقة آنذاك. فشريكك في الغرفة، أكرم [الآخر] (1565)، كان يتابع قصة حبه الجامعية [التي لم تكتمل] مع برناديت؛ وكان خالد (1566) يعيش أيضًا قصة حبٍّ جميلة مع زميلته المسيحية من حلب ماريا [التي تزوجها فيما بعد]؛ وكذلك كان هيثم (1567) قد تقدَّم لخطبة زميلتنا هيام، شقيقة رفيقنا مروان قولي (1568)، التي كانت تعمل معنا في المشروع؛ وكان جورج (1569) بدأ يغازل ليزا؛ كما كان رضوان (1570) يغازل لمعة...".

"... والجميع كان يعتقد أن قصته هي الأطرف...".

-       وربما أنا أيضًا، حيث سرعان ما تقدَّمتُ لخطبة منى (1571)، بعد أن أخبرتُ أهلي الذين رحَّبوا بالأمر هذه المرة.

"... لأن الفتاة بنت عائلة محترمة، ومن معارفنا...".

وأتذكر أن خطبتنا كانت خارجة على المألوف بعض الشيء. فقد اشترينا الخاتمين بمفردنا، وخطبنا بمفردنا، ثم أخبرنا الأهل بما فعلنا...

وفي ذلك اليوم المشمس، في تلك الزيارة الجميلة، جاءت برفقة والدتها وشقيقها وديع (1572) وشقيقتها (الأرملة) فيوليت (1573)؛ كما جاءت معهم أيضًا شقيقتها هيلدا (1574) وزوج هذه الأخيرة مدحت قنواتي (1575). وأتذكر الحفاوة التي استقبلهم بها الشباب في منزلنا، وكيف هيأ لهم رضوان (1576) المقلوبة (مطبوخة "على حبتها")، وقدَّم ما كان مخزونًا لديه من نبيذ "محرداوي". وأتذكر أني أخذت إجازة في ذلك اليوم للبقاء مع خطيبتي وأهلها، وأن كلَّ الشباب في المنزل تركوا أعمالهم للاحتفال معي بهذه المناسبة.

"... وتتذكر خاصةً كيف قامت هيلدا (1577)[شقيقة منى]، بتهيئة النرجيلة لزوجها...".

-       وكيف كان هذا الأخير (رحمه الله) متربِّعًا كالسلطان التركي يدخن نرجيلته. يومئذٍ، همس أحد الشباب في أذني قائلاً وهو يضحك: "هيك "الرجال" يا أكرم (1578)، وليس كأمثالنا!" ولكن حين ذهبت يوم الجمعة التالي برفقة منى (1579) لزيارة شقيقتها، وقرعت الباب ففتح زوج شقيقتها مدحت (1580) الباب وهو شبه متعرٍّ، في يده المكنسة ويشطف المنزل، انفجرت ضاحكًا، لأني لم أتمالك نفسي أمام مشهد رؤيته بهذه الحال. فقلت له: "أهكذا إذن يا مدحت؟! أهذا هو ثمن النرجيلة؟!" وأضحت هذه الحادثة، من بعدُ، موضوع تندُّر فيما بيننا.

لقد كان كلُّ شيء يبدو وكأنه مثالي. وكنت بدأت أهيئ نفسي للزواج من خلال السعي لتأمين منزل في الطبقة. ولكن الأمور كانت تتفاعل في البلد؛ وكان لبعض هذه التفاعلات انعكاساتها السلبية وغير المتوقعة...

فبسبب هذه التفاعلات، وخاصةً منها الصراع المستعر في قلب حزب البعث الحاكم بين أنصار صلاح جديد (1581) وأنصار حافظ الأسد (1582)، وبسبب الحماس العلني المبالَغ به لقسم من الشيوعين وعامة الحزب لأحد الأطراف (وتحديدًا لطرف جماعة صلاح جديد)، كانت اعتقالات محدودة لبعض الرفاق في بعض المحافظات. وقد تعرَّض بعض هؤلاء للتعذيب خلال التحقيق معهم، كعبد الجليل بحبوح (1583) (أبو فياض) عضو منطقية دمشق، الموظف في وكالة سانا للأنباء، وزوج زينب نبوة (1584)(أم فياض طبعًا)، وخاصةً الرفيق مصطفى الزعبي (1585)، الذي توفي نتيجة للتعذيب...

وكان أيضًا، وخاصةً، ذلك التفجُّر المتجدِّد لخلاف قديم مستعر في قلب الطائفة الأرثوذكسية بين من سُمُّوا يومئذٍ بالمطارنة "التقدميين" ومن نُعِتوا بالمطارنة "الرجعيين"...

ولم يؤدِّ اغتيال (الرفيق) مصطفى الزعبي (1586) إلى تفجير للوضع بين البعث وحلفائه الشيوعيين، الذين سرعان ما سارعوا إلى لفلفة الموضوع وضبط عناصرهم. وكذلك كان الأمر بالنسبة للصراع الأرثوذكسي–الأرثوذكسي...

"... الذي كان له، بالنسبة لك، بعض الذيول السلبية وغير المتوقَّعة...".

فحين بلغ الصراع ذروته بين البطريرك الياس الرابع (معوض) (1587) ومؤيِّديه في السينودس، الذين كان يدعمهم بعض البعث (من جماعة حافظ الأسد (1588) ومصطفى طلاس (1589))، وبين المطارنة "التقدميين" الستة، الذين كانت تؤيِّدهم آنذاك المجالس الملِّية للطائفة في كلٍّ من دمشق وحمص واللاذقية، ويؤيِّدهم، على مستوى الشارع، الشيوعيون والبعث الآخر (جماعة صلاح جديد (1590))، انفجرت الأوضاع بين الأرثوذكس في حمص حين "عُيِّن" ألكسي عبد الكريم (1591) مطرانًا على المدينة، بينما رشَّح المجلس الملِّي للطائفة المطران فضُّول (1592) لهذا المنصب، فصعَّد المجلس الذي كان يسيطر عليه الشيوعيون (من عائلتي أبو خاطر وعطيَّة وغيرهما) الموقف، واستنفروا الرفاق، الذين احتلوا مبنى المطرانية كي يمنعوا المطران "المعيَّن" من استلام مهامه. وتدخلتْ قوى الأمن التي قمعتْ بعنف حوادث الشغب هذه. وكانت من النتائج المؤسفة لتلك الأحداث وفاة المأسوف على شبابه رفيقنا الطالب، ابن الثمانية عشر ربيعًا، نمير شاليش (1593) الذي أصيب يومئذٍ برصاصة طائشة.

وكنت أعرف نميرًا (رحمه الله) بحكم كونه الشقيق الأصغر لصديقي سمير (1594). لذلك، توليتُ مهمة التوقيع، بين صفوف المهندسين، على عريضة تستنكر الحادث، وتحمِّل مسؤوليتَه للسلطات وقوى الأمن، وتتضامن مع العائلة المنكوبة. وأرسلت نصَّ هذه العريضة، التي وقَّعها معظم المهندسين (في الطبقة)، برقيةً مهتوفةً وموقعةً من قبلي، إلى عائلة الفقيد.

"... ولم تلبث ردة الفعل على هذه العريضة–البرقية أن انعكست قرارًا أمنيًّا يقضي بتسريحك من العمل في سدِّ الفرات...".

وفي دمشق العربية، التي كانت على موعد مع "الذكرى المئوية لميلاد لينين"، كان الرفيق رياض (1595) الترك، عضو المكتب السياسي (الذي أضحى من أهمِّ الشخصيات في الحزب)، يلقي، إلى جانب بكداش (1596)، كلمة يؤكِّد فيها على الدور الكبير للحركة الفدائية بالنسبة لحركة التحرر الوطني العربية.

وفي الأردن، كان تصاعدٌ جديدٌ في المناوشات بين الجيش والفدائيين.

وكان قبول الرئيس عبد الناصر (1597) في تموز 1970 لمشروع وزير الخارجية الأمريكي روجرز (1598)، القاضي بمبدأ التسوية بين البلدان العربية وإسرائيل على أساس قرار مجلس الأمن 242، يلقى التأييد من الأردن وإسرائيل، والرفض العنيف من سوريا والمنظمات الفدائية. وكانت مظاهرات فلسطينية في الأردن وسوريا وغيرها ضد عبد الناصر، أدَّتْ إلى إغلاق مصر حينئذٍ للإذاعات الفلسطينية على أراضيها، وإلى قبول مصر، في مطلع آب، بوقف لإطلاق النار على جبهتها لمدة ثلاث أشهر.

وفشلت محاولات الرفاق، عن طريق المدير العام للسدِّ، السيد صبحي كحَّالة (1599)، لإلغاء القرار الأمني بتسريحي من العمل في سدِّ الفرات – ذلك المكان الذي أحببتُه وغادرته مكرهًا في أواسط آب 1970.

وكان موعد زواجي قد تقرَّر يوم الـ27 من آب 1970. وكانت بطاقات الدعوة للعرس قد طُبِعَتْ ووُزِّعَتْ.

-       فكَّرت للحظات أن أؤجِّل موعد الزفاف، لأني كنت أصبحت عاطلاً عن العمل. فحدَّثتُ منى (1600) والأهل بذلك، ولكنهم اعترضوا بشدَّة.

"وفي السابع والعشرين من شهر آب 1970 تمَّ (بالرفاه والبنين) في منزل السيد جوزيف هلال (1601)، وعلى يد الخوري قسطنطين أنطاكي (1602)، زفاف ابننا أكرم (1603) على ابنتنا منى (1604)...".

***  

الفصل الثامن - بدايات عملية متعثرة: ب - أمانة العاصمة الفصل السابع: الجامعة والرفاق والآخرون 4 - ب
 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود