ب

أمانة العاصمة

 

طائر الليل: وتغني القصيدة، لكن بصوت منخفض:

Qui donc a rendu, leurs couleurs perdues,

من أعاد، يا ترى، الألوان الضائعة

Aux jours, aux semaines ?

للأيام وللأسابيع؟

Sa réalité, à l’immense été

وأعاد حقيقتَه للصيف الواسع

Des choses humaines ?

للأشياء الإنسانية؟

Louis Aragon

لويس أراغون

وأستعيد اليوم، من خلال ما تبقى من صور فوتوغرافية، ذكريات حفل زفافي، فأتذكر أنه كان جميلاً ومتواضعًا. كان الحضور محصورًا جدًّا، حيث شارك، من طرفي، كلٌّ من أبي (1605) وأمِّي (1606) وإكرام (1607)، التي جاءت خصِّيصًا من فرنسا لحضور المناسبة، وكذلك ريما (1608) وسمير (1609) وعمِّي جورج (1610). كما شارك، من طرف منى (1611)، والدها (1612) ووالدتها (1613)، وشقيقها إدمون (1614) وزوجته وأطفاله، وشقيقها وديع (1615)، وشقيقتها فيوليت (1616) وطفلتاها، وشقيقتاها لوريس (1617) وهيلدا (1618) وزوجاهما وأطفالهما – أي الأقرباء المباشرين. كما حضر أصدقائي المقرَّبين من الطبقة، وبعض صديقات منى.

"... وقضيتم ليلة زفافكما الأولى لدى جمعة (1619) الذي أعاركما منزله...

"... والذي أيقظكما، في الساعة الثانية بعد منتصف الليل، ليدعوكما إلى التنزه في شوارع حلب النائمة...

"... ثم غادرتما حلب إلى دمشق في مساء اليوم التالي...".

وكان الأهل قد خصَّصوا لنا هناك غرفة نوم، أصبحت حينئذٍ غرفتنا الأولى، التي وضعنا فيها ما قُدِّم لنا من هدايا الأهل والأقارب والأصدقاء.

- لأنه لم يكن بوسعي، بسبب ظروفي الجديدة، التنطُّح لاستئجار منزل خاص. فقد بات أول ما يجب عليَّ فعله هو إيجاد عملٍ لي، وربما لزوجتي، التي كان عليها أيضًا التقدُّم بشهادتها الثانوية خلال العام الدراسي القادم. لذلك، وبسبب ضيق الحال المادية، اقتصرت إجازتُنا الزوجية على "أسبوع عسل" قضيناه في بيروت...

"... التي كانت تتابع، أكثر من غيرها من العواصم العربية، ما كان يجري في المنطقة، وخاصةً أنباء عمَّان المفجعة...".

ففي 30 و31 آب 1970 وقعتْ صِدامات دامية بين المنظمات الفلسطينية والسلطات الأردنية؛ تلاها وقف قصير لإطلاق النار. ثم كانت، في الأول من أيلول، محاولة فاشلة لاغتيال العاهل الأردني حسين وتجدُّد للاشتباكات...

وكانت محاولات فاشلة لوقف الاقتتال عن طريق الجامعة العربية، التي اجتمعت ما بين الخامس والسادس من أيلول 1970؛ ثم وقف جديد لإطلاق النار...

ثم كان قيام "الجبهة الشعبية" لجورج حبش (1620)، كتعبير عن الاحتجاج على مشروع روجرز (1621) الذي وافق عليه جمال عبد الناصر (1622)، بخطف خمس طائرات مدنية تابعة للخطوط الجوية السويسرية والبريطانية والألمانية الغربية، واحتجاز ركابها الـ600، بعد تحويلها إلى مطار الزرقاء في الأردن؛ تلاه إطلاق سراح الرهائن نتيجة للتدخلات العربية والضغوط الأمريكية...

ثم نُسِفَتْ الطائرات المخطوفة على أرض المطار. وفي ليلة 14-15 أيلول 1970 كان بدء الهجوم النهائي للقوات الأردنية على مواقع الفدائيين. وكانت أيضًا محاولات عربية لم تنجح لوقف القتال...

وكانت، خاصةً، محاولة تدخُّل مدرَّع سوري في الرمثا لصالح الفدائيين، أفْشَلَها الجيش الأردني بمساعدة لوجستية إسرائيلية...

وكانت إحدى النتائج غير المباشرة لهذا التدخُّل ضربة قاصمة لآخر مواقع جماعة صلاح جديد (1623) في الجيش السوري. فركيزتهم الأولى كانت ذلك اللواء "السبعين" المتمركز في قطنا، جنوب دمشق، وقائده عزَّت جديد (1624)...

"... كان هذا، باختصار، ما أسموه بـ"أيلول الأسود"، الذي أنهى الوجود الفلسطيني المسلَّح في الأردن، وحوَّله إلى لبنان...".

"... والذي كلَّف العرب من الضحايا، على أيدي العرب، أكثر مما كلَّفتْهم كلُّ الحروب العربية–الإسرائيلية حتى تاريخه...".

وانتهت معارك الأردن في 27 أيلول 1970 نتيجة قمة عربية محدودة، رعاها عبد الناصر (1625) في القاهرة، وحضرها الملك حسين (1626) وياسر عرفات (1627)...

أما في 28 أيلول 1970 فكانت وفاة (المغفور له) الرئيس جمال عبد الناصر (1628)...

وكنتيجة مباشرة للمأساة الأردنية، تفاقم الصراع على السلطة في سوريا. وكان الـ16 من تشرين الثاني 1970 و"الحركة التصحيحية"...

في ذلك اليوم، غادرتُ المنزل باكرًا برفقة سمير (1629) الذي جاء يصطحبني. تجوَّلنا في شوارع دمشق الرئيسية ونحن في طريقنا إلى منزله. لم يكن هناك منع للتجول، ولا مدرعات في الشوارع. ما شهدناه أمام البنك المركزي وقرب أمانة العاصمة كان فقط بعض المظاهرات المعارِضة الهزيلة التي فرَّقتْها "سرايا الدفاع" بسهولة.

"... انتشر "سرايا الدفاع" يومئذٍ في دمشق، وهم يلبسون الثياب المدنية ويحملون العصي الغليظة. وكانوا يهاجمون المتظاهرين وهم يلوِّحون بعصيهم صائحين: "جيش وشعب وشعب وجيش!" فتفرَّقتْ أمامهم المظاهرات المعادية للانقلاب، التي كان معظمها طلابيًّا...".

"... ثم ذهبنا بعدئذٍ إلى بيت سمير (1630) لحضور اجتماع اللجنة الفرعية للجامعة الذي دُعيتُ إليه، وحَضَرَه عضو اللجنة المنطقية الرفيق عبد الوهاب رشواني (1631) الذي كان يومئذٍ مسؤولاً عن الفرعية...".

"وهناك، أخبرنا [الرفيق أبو سعيد (1632)] قرار قيادة الحزب بالتعاون مع الأوضاع "البعثية" الجديدة...".

وكان البيان الصادر عن اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوري، القاضي بتأييد "الحركة التصحيحية" والاشتراك في حكومة الفريق حافظ الأسد (1633) بحجة إعلانها، بين أمور أخرى، الموافقة على إقامة "جبهة وطنية تقدمية"، ملفتًا للنظر، لأنه، من خلال إعلانه موافقة اللجنة المركزية على هذا القرار بالأكثرية، إنما كان يلفت انتباه من يهمهم الأمر إلى وجود أقلية تعارض هذه المشاركة. وكان هذا جديدًا فعلاً.

وكانت هذه المشاركة، بشخصَيْ السيدين الوزيرين "... الرفيق يوسف فيصل (1634)، عضو المكتب السياسي وأمين الحزب، والرفيق عمر السباعي (1635)، عضو اللجنة المركزية ورئيس لجنة المراقبة..."، دلالة أن وضع الحزب الشيوعي في السلطة السورية قد تطوَّر نوعيًّا... وأضحت قضايا الخلاف في الحزب الشيوعي علنية...

"... لكن هذا لم يكن مهمًّا إلا بالنسبة للشيوعيين من جماعتك. فالأهم كان أن حافظ الأسد (1636) عرف كيف يحجِّم يسارييه وقومييه ضمن إطار سلطته التي بدا واضحًا، منذ اليوم الأول، أنها كانت سلطة حقيقية وليست سلطة صورية...".

-       ماذا تقصد حين تقول إن هذا كان "واضحًا منذ اليوم الأول"؟

"تأمَّل معي في مغزى أن يتساوى في تلك الوزارة الأولى كلٌّ من رفاقكم "الكبار" فيصل (1637) والسباعي (1638) مع هؤلاء   الآخرين  أولئك الذين كان أبرز مَن عُيِّنَ منهم يومئذٍ وزيرًا للدفاع...".

"فعلاً، كان أطرف وزير ضمَّتْه الحكومة الأولى للعهد الجديد، التي ترأَّسها الفريق حافظ الأسد (1639) شخصيًّا، هو وزير الدفاع، زميلنا متعب شنان (1640)، رئيس الاتحاد الوطني لطلبة سوريا..."

"... ومتعب، الذي لم يكن أدَّى بعد خدمته الإلزامية، والذي لم يكن يفقه شيئًا في شؤون الدفاع، كان مجرد شخصية صورية..."

"... كذلك كان أيضًا ذلك الذي عيَّنوه رئيسًا مؤقتًا للدولة، الأستاذ أحمد الخطيب (1641)، الذي يقال إن جلَّ طموحه كان أن يصبح مديرًا لمدرسة اللاييك، ما قد يتيح له الاحتكاك بالأوساط الدمشقية الراقية...".

"... وكانت تلك المظاهر، التي لم يتوقف عندها أحدٌ حينئذٍ، دلالةً على مدى انهيار المجتمع المدني في سوريا – ذلك المجتمع الذي ما فتئ يتدهور منذ الانقلاب الأول، وبشكل متسارع جدًّا، منذ الوحدة والثامن من آذار..."

"... ثم، ألم تلاحظ أن أحدًا تقريبًا لم يدافع يومئذٍ عن عهد صلاح جديد (1642) وجماعته الذين كانوا قطعًا مخلصين لقناعاتهم العقائدية؟!"

"... لأن الناس في البلد، وخاصةً منهم تجَّار المدن، كانوا سئموا من تطرُّفهم ويساريَّتهم المفرطة...".

"... من هذه الناحية، كان هناك تقبُّل عام للعهد الجديد [برئاسة حافظ الأسد (1643)]، الذي بدا أكثر اعتدالاً وانفتاحًا من سابقيه...".

وأتذكر جيدًا كيف أشاد خالد بكداش (1644)، الذي ذهبنا يومئذٍ لزيارته، بذكاء ووطنية قائد هذا العهد.

وكنت ما زلت "شبه" عاطل عن العمل... فقط زوجتي منى كانت وجدتْ لنفسها عملاً كسكرتيرة لدى أحد المكاتب التجارية. أما أنا فكنت، بتوجيه من الرفاق، أداوم في مكتب رفيقنا، عضو لجنة المراقبة، المهندس مراد القوتلي (1645)(أبو راشد)، الذي كان (ذكره الله بالخير) يساعدني من خلال تكليفي ببعض الأعمال الهندسية الصغيرة، كتدقيق هذه الرخصة أو تلك. وهناك، تعرفت إلى شريكيه في المكتب، المهندس بسام مراد (1646)، وخاصةً إلى المهندس هاشم العبيسي (1647)، الذي كان عُيِّنَ مديرًا عامًّا لشركة قطاع عام محدثة اسمها "شركة الأعمال الإنشائية".

وتعرفتُ أيضًا إلى معظم قيادات الحزب، وخاصةً منهم على وزير المواصلات الجديد عمر السباعي (1648)(أبو محمد). ولكن علاقتي الأساسية كانت بأبي راشد (1649)، الذي جاءني ذات يوم، وكنَّا نحضر معًا اجتماعًا لإحدى فرق المهندسين، ليسألني:

"ما رأيك، يا أكرم (1650)، بالعمل في مكتب مراقبة البناء لدى أمانة العاصمة؟"

ولما وافقته، مع بعض التحفظ حول إمكانية أن يرفض "الأمن" تعيني، أجاب:

"هذا أمر من الممكن تدبيره. ثم لا تنسَ أن أمين العاصمة الجديد هو صديقنا وزميلك في الجامعة. إنه الدكتور ياسين الأسطة (1651). هل تتذكره؟"

وأتذكَّر شاردًا وجه طالب الطب، ذلك الدمشقي الخجول من حيِّ الميدان، صديق شاكر عرقسوسي (1652)، الذي كان ينتمي يومئذٍ إلى البعث اليساري، ومدى حماسته حين اشتركنا معًا في تلك المظاهرة الشهيرة المعادية لبورقيبة. ثم انقطعت أخبارُه وأخبار شاكر عنِّي منذ ذلك الحين. وأعلِّق ببلاهة:

-       إذن، أصبح ياسين الأسطة (1653) من جماعة حافظ الأسد (1654)!

"وكذلك أيضًا أصبح الكثيرون غيره، كعبد القادر قدورة (1655) الذي كان، حتى الأمس، من جماعة عفلق (1656)، فأصبح اليوم من أهم شخصيات العهد الجديد...".

وكان في الخامس عشر من كانون الأول 1970 صدورُ قرار وزاري بتعييني مهندسًا لدى قسم مراقبة البناء في أمانة العاصمة.

وباشرت في مطلع العام 1971 الدوام في موقع عملي الجديد، هناك حيث كان يعمل رفيقُنا وصديق طفولتي شارل ....... (1657) ، بينما كانت زوجتُه ليلى (1658) تداوم في نفس البناء، لكن في قسم الدراسات.

وأتذكر "أمانة العاصمة" في تلك الأيام، وموقعها المطلَّ على ساحة الشهداء في قلب دمشق الحديثة. لم يتغير إلى اليوم؛ فقط كان المبنى أصغر مما هو الآن، كما كانت دمشق أصغر. ولكن كانت دمشق حينئذٍ بدأت تكبر وتتسع، وكانت حركة البناء فيها مزدهرةً ونشطة. لذلك كان مكتبنا في الطابق الخامس، بحكم ما يمسه من مصالح الناس المباشرة ويتيحه من إمكانية إقامة علاقات (حميمة) مع تجار البناء والمكاتب الهندسية، من أهم مكاتب بلدية العاصمة – تلك العاصمة التي كانت، بالنسبة لنا، مقسَّمة إلى مناطق. والمسؤول عن كلِّ منطقة كان مهندسًا، يساعده مراقب فنِّي، وتحت تصرفه سيارة جيب وسائق.

"سيارة! خلال الدوام فقط؟!"

-       صح! ففي تلك الأيام كانت ما تزال سائدة تلك التقاليد [البورجوازية الحقيرة] القاضية بعدم استعمال سيارات الدولة لأغراض خاصة خارج أوقات الدوام!

وكان عملنا هو مراقبة البناء، كلٌّ في منطقته، وما يقتضيه هذا من حدٍّ للمخالفات، إن تعذَّر منعها. وكانت المخالفات تقسم إلى ما هو قابل للتسوية، فيستوجب التغريم، أو ما هو غير قابل للتسوية، فكان (نظريًّا) يستوجب الهدم. وكان بعضه أيضًا إعطاء "أذونٍ بالصب" للمباني المرخَّصة. ورئيس المكتب حينئذٍ كان مهندسًا قديمًا لم أعد أذكر اسمه.

-       لكن الطريف يومئذٍ أننا كنَّا ستة مهندسين في المكتب، وأن ثلاثة منَّا كانوا شيوعيين.

"تقصد أنت (1659)وشارل (1660)و..."

-       صادق ....... (1661)، خال خطيبتي السابقة، وخريج تشيكوسلوفاكيا.

وكان أول ما واجهناه (أقصد شارل وأنا) هو مخاطر انعكاسات طيبة قلب رفيقنا صادق على شخصه وعلى العمل. فقرَّرنا التعاون معًا ووحَّدنا مناطقنا؛ ما جعلنا نحن الثلاثة مسؤولين عن مناطق البرامكة والمزَّة والميدان. فقد كنَّا يومئذٍ في أوج عنفواننا ومثاليتنا. فرفضْنا كلَّ ما كان يمكن أن يجعلنا نستفيد (كالآخرين) من أهمية موقع عملنا.

"... ورفضتم، أولاً، قبول دعوات الغداء التي كانت تدعو إليها لجنة المكاتب العائدة للنقابة، وكان يقبلها عادة زملاؤكم الآخرون في المكتب؛ ما أفسد عليهم الأجواء...".

وكان هذا أبسط ما رفضنا. رفضنا الكثير مما كان يمكن أن يجعلنا أغنياء. وأفكر اليوم أنه، لو أتيحت لي إعادة الكرَّة في نفس المكان، لفعلت الشيء نفسه – ولكن، ربما، بمرونة أكثر؛ أقصد بدون تلك الحدَّة التي كانت تميِّزنا آنذاك، فتجعلنا نصطدم مباشرة بتلك المصالح المتفاوتة في صغرها و/أو في كبرها، التي هي دمشق التجارية – تلك المصالح التي غالبًا ما كانت تتجاوزنا. وأتوقف هنا قليلاً لأتذكر...

أني ذهبت ذات صباح لأتفقَّد الوضع وأوافق على صبِّ سقف الطابق الأرضي لبناء في المزَّة. وكان هذا البناء لوزير المالية آنذاك، السيد نور الله نور الله (1662)، الذي كان ينتظرني واقفًا على سطح بنائه، وسارع إلى تعريفي بنفسه؛ ما جعلني أفكر – والأمر لم يكن يستدعي وجود السيد الوزير – أنه يريد التأثير عليَّ لتمرير ما كان يريد تمريره. وما كان يريد تمريره كان واقعًا تنفيذيًّا لا علاقة له بالرخصة الممنوحة لبنائه. لذلك، ورغم أن القضية كانت ممكنة التسوية، رفضت إعطائه إذن الصبِّ، وطلبت منه، "بكل أبهة"، تعديل رخصته وغادرت المكان. ولكن حين عدت إلى مكتبي بعد إنهاء جولتي، فوجئت بأمين العاصمة ياسين الأسطة (1663) يتصل بي على الهاتف ويقول لي:

"هل رفضت يا أكرم (1664) إعطاء إذنًا بالصبِّ للسيد الوزير نور الله (1665)؟"

فأجبته بنعم، وبدأت أشرح له الموضوع. لكنه لم يدعني أكمل كلامي، حيث قاطعني قائلاً:

"ليس هناك أية مشكلة. لقد أعطيته أنا إذنًا بالصب!"

وأفكر أنه (شكرًا لله) مرَّتْ بخير هذه الحادثة التي كان يمكن أن تُلحِق بي بعض الضرر، ربما بسبب معرفتي السابقة بياسين الأسطة (1666)، لست أدري، ولكن...

تبقى العبرة هنا أن المخالفات في بلدنا هي حقٌّ للكبار فقط وأن عليك عدم التطاول حفاظًا على سلامتك...

وأتذكر أيضًا كيف جاءني شارل (1667) ذات يوم، في أواخر الدوام، فتفقَّد المعاملات التي كنت استلمتُها لتوِّي والتي كانت على مكتبي، ثم أخرج واحدة منها، وقال لي وهو يغادر المكتب ضاحكًا:

"انتبه من هذه المعاملة..."

التي تصفَّحتها في الحال، فلم أجد فيها، للوهلة الأولى، ما يستدعي الريبة. فهي كانت مجرد طلب عادي من مالك عقار لتسوية مخالفات العقار الواقع في الطابق الرابع من البناء الذي يملك. لكن، شارل، الذي أعرفه جيدًا، لا يلقي كلامه جزافًا. لذلك سارعت مباشرة إلى طلب إضبارة البناء المذكور، فوجدت أن رخصة هذا البناء هي لطابقين فقط!

"ابن الحرام" صاحب المعاملة كان يطالب بتسوية مخالفات الطابق الرابع! أي أنه كان يريد، من خلال تلك التسوية، تمرير بنائه للطابق الثالث، الذي تمَّ بلا رخصة، وللطابق الرابع. لذلك سارعت في صبيحة اليوم التالي إلى كتابة مطالعتي حول الموضوع، وتسجيله في الديوان مباشرة. لكن بقي التساؤل: كيف علم شارل (1668) بأمر هذه المعاملة؟!

وأجابني حين سألته عن ذلك:

"اتصل بي صاحبها – وهو من كبار قوَّادي البلد – عن طريق ذلك القوَّاد الآخر الرفيق غازي ....... ، ليسألني حول كيف يمكن "تطبيقك"...".

-       وماذا قلت له؟

"قلت له: حذارِ أن تقدم له المال؛ فهذا "لوح" لا يرتشي. ولكن، إن أردت إقناعه، فعليك بالنساء. فأجابني أنه موافق. وهذا ما أفسدتَه علينا الآن، يا أكرم (1669)...".

وانفجرنا كلانا بالضحك من أعماق قلبينا. فما فعلناه كان يرضي ضميرنا. وكان هذا هو الأهم، خاصة وأننا كنَّا نعلم أن...

المخالفة، حين تتعقد، يزداد سعرها بالنسبة لمن سيُكلَّف بحلِّها لاحقًا.

وقد اكتشفت هذه الحقيقة ذات يوم، حين ذهبت لتسوية مخالفات بناء منجز كان مهندسه (رفيقنا السابق) ياسين ....... ، الذي وجدتُه ينتظرني مع تاجر البناء ومالكه. وقد لفت انتباهي، منذ البداية، مدى الحفاوة التي استقبلاني بها والتي بدت لي مريبة، فسألتهم:

-       ما هي مخالفات بنائكم؟

فأجابني الاثنان مبتسمين:

"أنظر بنفسك، يا أستاذ... لا توجد في بنائنا أية مخالفات...".

وأفكر أن وراء الأكمة ما وراءها – وإلا لما انتظرني هذان الـ....... ، ولما استقبلاني بمثل هذه الحفاوة. وأتفقَّد البناء بدقة، والمخطَّطات المرخَّصة بين يديَّ، فلا أجد فعلاً أية مخالفة. ويضحك المهندس ياسين ومعه تاجر البناء...

"ألم نقل لك، يا أستاذ، أنه لا توجد مخالفات في بنائنا!"

وفجأة، بينما أنا على وشك مغادرة المكان، لفت انتباهي ضيق عرض الوجيبة المحيطة. فخفق قلبي وصحت في نفسي "وجدتها!" توقفت، وطلبتُ من المراقب الذي كان يرافقني قياس طول البناء وعرضه. فاكفهرَّ وجهُ المهندس ياسين، واكفهرَّ معه وجهُ التاجر. فقد اكتشفتُ أن المخالفة الرئيسية الوحيدة التي كانوا يحاولون تمريرها هي أن كامل البناء متجاوز على الوجيبة 1.5 متر طولاً و1.5 متر عرضًا. ثم غادرت المكان بسرعة وأنا أضحك للمنظر الكاريكاتوري الذي نجم، حيث كان تاجر البناء ومهندسه يلاحقانني قائلين:

"يا أستاذ... يا أستاذ... لِمَ لا نتفاهم؟"

وسارعت، كالعادة، إلى مكتبي لتدوين المخالفة وتسجيلها (كي لا أتعرض لأي ضغط) في الديوان مباشرة. لكن في المساء، حين كنت مع شارل (1670) في مكتب أبي راشد (1671)، وبعد أن قصصت على هذا الأخير ما حدث بيني وبين زميله ياسين، أجابني:

"لقد كان تصرفك سليمًا يا أكرم (1672). لكن يجب أن تعلم أن نتيجة ما فعلته ستكون أنه سيرتفع سعر هذه المخالفة التي ستسوَّى في النهاية...".

فالمشكلة في بلدنا قد تكون مشكلة تشريعات مهترئة، من جهة؛ ولكنها، حتمًا، مشكلة بشر كانوا وما زالوا أسرى مصالحهم المباشرة جدًّا، من جهة أخرى.

"لأنه هكذا كانت أحوال دمشق على مرِّ العصور. ألم تقرأ "مذكَّرات البديري الحلاق"؟"

ودمشق، ذلك المركز التجاري الأقدم في التاريخ، دمشق التي لم يحكمها يومًا (تقريبًا) أبناؤها، كانت تعيش حينئذٍ الأيام الأولى للـ"الحركة التصحيحية"...

والقيادة القطرية "المؤقتة" لحزب البعث كانت أقرَّتْ مبادئ الترشيح لمجلس الشعب الذي تقرَّر أن يضم 173 عضوًا، منهم 78 للبعث، و11 للاتحاد الاشتراكي، و8 للشيوعيين، إلخ. كما أقرَّتْ مشروع الدستور المؤقَّتْ، الذي لم يتضمَّن تحديد دين رئيس الدولة.

وكانت اضطرابات قادها الإخوان المسلمون في مختلف أنحاء البلاد، احتجاجًا على ذلك ومطالبةً أن يكون دين الدولة الإسلام؛ تلاه، تراجع السلطة وتعديل تلك الفقرة من الدستور، بحيث أصبح ينصُّ على أن يكون "الإسلام" دينًا لرئيس الدولة السورية.

"... وكان هذا، يا بني، عودة إلى الوراء بالنسبة لأيام البورجوازية، التي تقرُّ اليوم أنها كانت أكثر ثقافةً ووعيًا من "الثورجيين" الذين حلُّوا محلَّها...".

-       تقصد مقارنة بدستورَيْ 1947 و1950 اللذين لم يتضمَّنا أيَّ ذكر لدين الدولة ورئيسها؛ وبالتالي، كان من الممكن، نظريًّا على الأقل، أن يكون هذا الأخير مسيحيًّا.

"... أليس المسيحيون مواطنين كغيرهم؟ ألا يُفترَض أن تكون الكفاءة والإخلاص للوطن هما المقياس، وليس الانتماء المذهبي أو الطائفي؟!"

"هذا الحكي مثالي، يا أريس (1673)! ثم إن المشكلة، في حالنا، كانت تكمن في انتماء الحكام الجدد، في معظمهم، إلى أقلية مذهبية معينة. ولهذا السبب، تحديدًا، قدموا لغلاة "المسلمين السُّنَّة" تنازلات لم تكن واردة بالنسبة لمن سبقوهم، وكانوا من نفس الأكثرية السُّنِّية...".

"والأكثرية السُّنِّية في بلدنا لا تعتبر "هؤلاء" مسلمين...".

"تقصد العامة منهم. فبالنسبة للخاصة لا يشكِّل الانتماء المذهبي أية مشكلة. ثم إن المفتي العام للديار السورية – وكان حينئذٍ الشيخ أحمد كفتارو (1674) – كان حَسَمَ الموضوع، واعتبرهم مسلمين كغيرهم...".

وكان في الـ12 من آذار 1971 الاستفتاء على ترشيح السيد حافظ الأسد (1675) لرئاسة الجمهورية. وكانت نتيجة الاستفتاء نجاحه المنقطع النظير، وحصوله (كما جرت العادة بعدئذٍ) على 99.2 % من الأصوات...

وكان انشقاق في صفوف الحزب الشيوعي الأردني، يقوده الرفاق الأمميون برئاسة (المغفور له) فهمي السلفيتي (1676)...

وفي موسكو جرى في الـ30 من آذار 1971 انعقادُ المؤتمر الرابع والعشرين للحزب الشيوعي السوفييتي...

أما في الـ17 من نيسان 1971 فكان الإعلان عن قيام "اتحاد الجمهوريات العربية" بين مصر وسوريا وليبيا...

تلك الوحدة التي أيَّدها الحزب الشيوعي السوري فورًا؛ لأنه، بحسب آخر اجتهادات الرفاق القادة في تلك الأيام، فإن "أية وحدة عربية لن تكون إلا وحدة عربية متحررة".

"لكن، اليسار المصري من جماعة عبد الناصر (1677)– أقصد جماعة علي صبري (1678) وشعراوي جمعة (1679)، الذين أبعدهم يومئذٍ رئيس مصر الجديد السيد أنور السادات (1680)، والذين يفترض أن يكونوا أكثر قومية من جماعتكم، عارضوا تلك المحاولة...".

وكان هذا ما حصل ما بين 11 و15 مايو1970، حين تخلَّص السادات (1681) في مصر ممَّن دعاهم بمراكز القوى من أعوان عبد الناصر (1682) المخلصين (علي صبري (1683) وجماعته) الذين كانوا يشكِّلون الأغلبية المطلقة في اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي، وأعلن عن تسريح قائد الجيش، وحوَّل مجلس الأمة إلى مجلسٍ للشعب...

ثم وقَّع السادات (1684) معاهدة صداقة وتعاون مع الاتحاد السوفييتي...

حدث هذا لاحقًا. أما حينئذٍ فقد توجَّه وفدٌ كبير من حزبنا إلى الاتحاد السوفييتي وبلغاريا، ليناقش مع الرفاق "الكبار" و"الصغار" مشروع برنامجه السياسي وقضايا خلافه المستفحلة...

وكانت قضايا الخلاف في قلب الحزب الشيوعي السوري تدور حول: الموقف من السوفييت الذي أصبح مقياسًا للأممية؛ وحول فلسطين والعمل الفدائي؛ وحول الوحدة العربية والحزب الشيوعي العربي الموحَّد؛ وحول طريق التطور اللارأسمالي الذي يُفترَض أن يؤدي إلى الاشتراكية...

فحول الموقف من السوفييت، كان بكداش (1685) وجماعته يرون أن هذا هو مقياس الأممية الحقَّة، وأن سياسة أيِّ حزب شيوعي محلِّي يجب أن تنسجم، بالتالي، مع الاستراتيجية السوفييتية؛ بينما، كان الاتجاه الآخر أكثر تحفظًا. ولما كان الحزب الشيوعي السوري قد سبق وأيَّد (بخجل) الموقف السوفييتي من قرار تقسيم فلسطين لعام 1947 فقد كان رأي "القوميين" في الحزب أن هذا كان خطأً كبيرًا. وكلا الطرفين كان يؤيِّد العمل الفدائي؛ لكن درجة التأييد كانت تختلف بين جماعة رياض الترك (1686)، التي كانت تؤيِّده بلا تحفظ، وبكداش–فيصل (1687) (1688)اللذين كانا أقل حماسًا في تأييده. وكان القوميون يرون أن من الواجب تأييد وحدة 1958 حينئذٍ من دون تحفظ؛ بينما كان جماعة بكداش يخالفونهم في ذلك.

وكان ذلك الاتجاه "القومي"، الذي كاد أن يسيطر بعض الوقت على الحزب الشيوعي السوري، أقرب وأكثر تأثرًا بتلك الفئات القومية التي استولت على السلطة في عدد من الدول العربية؛ بينما كان الطرف الآخر أكثر ارتباطًا بالروس وما يمثلون...

وكان هذا الخلاف قد تفجَّر في المؤتمر الثالث للحزب؛ ففُرِزَ جناحان: الأول ذلك "الأممي" و"المبدئي" المفترَض (من وجهة نظرنا)، الذي كان يمثله خالد بكداش (1689) ويوسف فيصل (1690)؛ والثاني ذلك "القومي" و"اللامبدئي" (وفق تقويمنا)، الذي كان يمثِّله دانيال نعمة (1691) ورياض الترك (1692)...

" (1693)أليس رياض الترك هو زوج أسمى (1694)، شقيقة يوسف فيصل (1695)؟"

"رياض (1696) الذي كنت تلتقي به أحيانًا في مكتب أبي راشد (1697)، لكن الذي لم يجذبك، حيث كنت اخترتَ وشلَّتك حينئذٍ الوقوف إلى جانب الطرف "المبدئي" و"الأممي"...".

-       بالضبط. وأفسِّر هذا اليوم بأني لم أكن يومًا ميالاً إلى الفكر القومي، من جهة. (فلو كنت كذلك لكنتُ انتسبت إلى حزب البعث منذ البداية.) ومن جهة أخرى، لأن الممارسة الحزبية في السنوات الأخيرة للجامعة كانت أتاحت لي ولرفاقي الاحتكاك بمعظم هؤلاء "القادة" الذين أصبحوا قوميين، والتعرُّف إليهم بشكل أفضل...

وأتذكر تلك "الدورة الحزبية" التي تم تنظيمها للكادر الجامعي في أواسط صيف 1969 والتي حضرها محاضرًا معظم أولئك القادة من أعضاء "المكتب السياسي" و"اللجنة المركزية" للحزب. وأتذكر أن روحنا النقدية الحادة كانت أبرز ما يميِّزنا كفرعية وككادر جامعي آنذاك.

"... تلك الروح التي انعكست يومئذٍ على تقويماتنا القاسية لمعظم أولئك الرفاق "القادة"...".

فقد أُعجِبنا جميعنا يومئذٍ بالشخصية "القيادية" و"الجذابة" للرفيق يوسف فيصل (1698)، وأعُجِبنا بالمحاضرة التي قدَّمها حول المادية الجدلية. لكن، في المقابل، سخرنا جميعنا (تقريبًا) من المحاضرة التي ألقاها الرفيق إبراهيم بكري (1699) حول الحركة النقابية، ومن حقيبته التي كنَّا نتخيَّلها مليئة بالثقافة، فإذا بنا نجدها مليئة بالسندويش! وجميعنا (تقريبًا) أيضًا تحفَّظ على مضمون تلك المحاضرة التي ألقاها يومئذٍ الرفيق ظهير عبد الصمد (1700) والتي تطرَّقتْ إلى بعض جوانب الحركات الإسلامية، أو من تلك التي ألقاها رفيقنا رياض (1701) حول العمل الفدائي. ومعظمنا (أيضًا) تابع بمنتهى النعاس تلك المحاضرات الأخيرة التي قدَّمها لنا دانيال نعمة (1702) حول الحركة الفلاحية، أو تلك التي قدَّمها أبو سامي، مراد يوسف (1703) (الذي كنَّا جميعنا نحبه آنذاك)، حول حركة التحرر الوطني...".

"... أي أنكم كنتم بدأتم تكتشفون أن هؤلاء "القادة" هم، في النهاية، مجرَّد بشر كسواهم...".

-       بشر كسواهم قطعًا؛ ولكنهم ليسوا بمعظمهم "قادة"، كما كان يُفترَض، إنما ربما بمعظمهم مجرد أتباع. لهذا لم تسحرنا معظم تلك الشخصيات التي بدأنا نتلمَّسها عن قرب. ولكن أعود فأؤكد أن هذا لم يكن الأساس؛ إنما كان أهم ما حدَّد حينئذٍ مواقفَنا من قضايا الخلاف في الحزب عامةً هو رفض ذلك المنطق القومي المزاوِد والرافض لكلِّ تاريخ الحزب...

وكان الرفيق فايز جلاحج (أبو جورج) (1704) قد أطلعني على تفاصيل مضمون قضايا الخلاف، وعلى ما كان يرفضه الاتجاه المبدئي في مشروع البرنامج السياسي الذي كان مطروحًا للنقاش. فسارعتُ مباشرة، بالتعاون مع عطية (1705)، إلى نقل هذا "الخط" الذي بلَّغناه بشكل "غير رسمي" إلى الرفاق الذين كنَّا نعمل معهم...

وكان عملي الحزبي يومئذٍ مساعدًا لفرعية الجامعة، من جهة، ولكن في صفوف المهندسين الذين سرعان ما وجدت نفسي عضوًا في فرعية تنظميهم في دمشق، من جهة أخرى؛ وأخيرًا، مع اتحاد الشباب الديموقراطي الذي كان يترأَّسه يومئذٍ يعقوب (1706)، والذي كنت أصدر مع زوجتي جريدته المركزية.

ولكن رغم أن عملي الحزبي، وعملي في أمانة العاصمة، كان يأخذ جلَّ وقتي، إلا أني لم أكن راضيًا عن نفسي. فقد كان شعوري أن وضعي هذا ما هو إلا مؤقت، وأن استمراري في هذا الموقع من العمل سيقضي على طموحي الهندسي والإنساني. لذلك، حين جاء شهر حزيران، كان أول ما فعلت هو أن طلبت إيقاف خدمتي في البلدية من أجل الالتحاق بخدمة العلم...

تلك العسكرية التي التحقت بها في يوم 20 حزيران 1971.

*** *** ***  

الفصل الثامن - بدايات عملية متعثرة: آ - رح نبني سد الفرات...
 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود