|
أسطورة
البعد الميتافيزيقي لنرسيس تقول نبوءة العراف تيريسياس لنرسيس نفسه: "ستحيا لطالما أنك لا ترى نفسك"!! يا للعجب، يا للأسرار هذا الكون... ومعظمها يختفي تحت عباءة الأساطير اليونانية. الفكرة تدور حول فكرة "الشيطان"، معظمنا لا شك يعلم اسم الشيطان الحقيقي؟!! إنه كما نعلم يُدعى "لوسيفر"، ومعظمنا يعلم معنى الكلمة، وهي: "الفائق الجمال"، أي الأكثر جمالاً في الخليقة، وربما أفروديت إن هي إلا وجه من وجوه الألوهة، والجمال حسب المتصوفة هو وجه الألوهة. ومن هذا الجمال، ولنقل تجاوزًا أفروديت، أتى المخلوق الثاني بعد هذه الألوهة في الجمال وكان "لوسيفر"!! ولكن، ماذا حصل للوسيفر؟! إنها قصة نرسيس نفسها، أو كما يقولون بداية المصيبة الكونية. فعوضًا عن التمحور والتمركز حول مبدأ كل جمال وكل وجود وكل حياة تمحور لوسيفر وتمركز حول ذاته وأصبح مركز ذاته ومركز وجوده، ففقد مركزه الحقيقي، وهنا كان هلاكه. وهذه قصة كل إنسان فينا بشكل أو بآخر. ويدلو علم النفس بدلوه ليحدثنا بأبعاد لا حدود لها بما يسميه "النرجسية"!
تزدحم كافة أوجه حياتنا اليومية بالكثير من الرموز؛ بدءًا بالأحرف الأبجدية والأعداد والأسماء والشارات العامة والوطنية، وليس انتهاء بالطقوس والشعائر الدينية والدنيوية. ويبدو أن ثمة نزوع متأصل في الطبيعة البشرية إلى خلق هذه الرموز واستخدامها. فقد تم تدوين كل العلوم المقدسة في العصور القديمة على هيئة رموز تلخِّص بعضًا من تعاليمها الغامضة، مما شكَّل من هذه الرموز لغة مُلغزة. فمعظم الرموز تكثِّف عددًا من المعاني في معنى واحد يمكن تفسيره إما على صعيد كوني أو على صعيد بشري. فمفاتيح الرموز التي تكشف طبيعة الأشياء توفر لنا أجوبة ما على الأسئلة التي تعتمل في أذهاننا: ما هي الحياة؟ من أين جئنا، ومن أين انبثق هذا العالم؟ إلى أين سنمضي؟ ما هي بالفعل الطبيعة الحقيقية للأشياء؟ تتناول بعض الرموز الهندسية الموغلة في القدم قضايا كونية المنشأ. فقد تمثِّل الدائرة، على سبيل المثال، الفضاء – ليس فضاء خاليًا، بل فضاء أُشير إليه في سفر التكوين على أنه "مياه الفضاء". وما بعد هذا يكون اللاتناهي الذي لا يمكن التعبير عنه بأي شكل أو صورة. ويشير محيط الدائرة إلى اللاتناهي الذي لا تحدُّه بداية أو نهاية. وإذا وضعنا نقطة في منتصف دائرة الفضاء هذه، سيكون لدينا المحرك الأول للروح. وسوف يشير الفيثاغوريون إلى هذه النقطة بالـ "لوغوس" Logos.
سؤال: هل طرحت الشعوب كلها مسألة أصل العالم؟ فيليب ديسكولا: إطلاقًا، فعلى عكس مما هو شائع، المسألة ليست كونية. وفي كل الأحوال، يشكل سفر التكوين، ذلك التصور المسيحي-اليهودي القائل بفكرة خلق العالم انطلاقًا من العدم استثناء أكيدًا في تاريخ الحضارات. لا ينبغي النظر إلى فكرة الخلق عبر النظارات الغربية! تتميَّز فكرة الخلق هذه بمركزيتها البشرية إذ يلعب البشر دورًا كبيرًا في مسار الخلق هنا بينما هم مجموعة من بين مجموعات أخرى في أساطير مُؤسِّسة أخرى. الشيء نفسه بالنسبة للفكرة التوراتية القائلة بإله صانع ماهر وخالق، وهي الفكرة العزيزة على كل عالم البحر المتوسط، إذ هي أبعد من أن تكون فكرة تتقاسمها كل الشعوب التي تسكن الأرض أو التي سكنتها من قبل. من جهة ينظر إلى الخلق كأنه صنع، قولبة المادة حسب مخطط مسبق: وهي استعارة الخزاف صانع الفخار التي نجدها في العهد القديم كما في تيماوس أفلاطون. أما في جهات العالم الأخرى فغالبًا ما نجد فكرة التوالدات العارضة أو التطورات التلقائية.
|
|
|