|
إبستمولوجيا
على الرغم من بعض الإخفاقات في البداية بدأ المصادم الكبير للهادرونات LHC المبني قرب جنيف في مراكمة المعطيات في درجات عالية جدًا من الطاقة لم يسبق الوصول إليها. والهدف من ذلك هو ملاحظة ورصد بوزون هيغز. كان هيغز قد تخيل وجود هذا الجسيم عام 1964، وسرعان ما أصبح له مكانة مركزية في فهمنا لبنية المادة. مع ذلك، وفي الوقت الذي بدا فيه أن الفيزيائيين بدأوا يلامسون هدفهم، راح بعضهم يشكك بالمسألة برمتها، فماذا لو لم تكن بوزونات هيغز سوى محض خيال؟ لا شك أن ذلك سيؤدي إلى انهيار عدد كبير من النظريات المعاصرة. وفي المقابل، فإن ذلك سيفتح أمام العلماء حقلاً لم يسبق له مثيل من إعادة بناء التصورات والأفكار، ولعل ذلك هو الأكثر تحفيزًا وحماسة.
مكانة الفينومينولوجيا كمنهج بحث وفلسفة صارمة: تشغل الظاهراتية أو الفينومينولوجيا La phénoménologie حيزًا مهمًا في الفلسفة المعاصرة من حيث أنها منهج بحث، فهي ليست فكرًا مدرسيًا scolastique كما كان سائدًا في أوروبا فترة العصور الوسطى، كما أنها ليست كالفلسفات الحديثة (الوضعية المنطقية Positivisme logique والماركسية مثلاً) فلم تقدم على ما يبدو هذه الفلسفات إلا فكرًا مدرسيًا. وأكثر ما يميز الفلسفة المدرسية هو وجود مبادئ عامة تحدد آراء المنتمين لهذه الفلسفة حيث أنَّ أي تراجع عن أي مبدأ من هذه المبادئ يعتبر تنازلاً عن العقيدة الأساسية. أما الظاهراتية فهي تشكل تيارًا فلسفيًا قام بقطيعة إبستمولوجية عن الفكر السائد في القرن التاسع عشر، أضف إلى ذلك أنَّ الظاهراتية، باعتبارها منهجًا لوصف ما هو معطى، تبتعد عن عمل أي تقييم محاولة الوصول بذلك إلى أكبر قدر ممكن من الموضوعية.
لقد بيَّن التحليل العميق لعملية المراقبة في الفيزياء النووية أنْ لا معنى للجسيمات تحت الذرِّية ككيانات منعزلة، لكنه من الممكن فهمها من خلال العلاقات التي تربط بين التحضير للتجربة وبين ما يلحقها من قياس. وهكذا بيَّنت النظرية الكوانتية الوحدانية الأساسية للكون. ففيما يتعلق بإطارها الرياضي، خضعت النظرية الكوانتية لعدد لا يحصى من التجارب وأصبحت اليوم مقبولة عالميًا، وتقدم شرحًا دقيقًا ومتماسكًا للظاهرة الذرِّية ككل. لكن، من جانب آخر، ما زال تفسيرها اللفظي، أو لنقل ميتافيزياء النظرية الكوانتية، يستند على أرضية أقل صلابة بكثير. وفي الحقيقة، لم يتمكن ما يزيد عن أربعين سنة من الفيزياء من تقديم نموذج ميتافيزيائي واضح. (كابرا، 1975) لكن ميتافيزياء الفضاء والحركة والهيكلية الموجية للمادة تقدِّم الآن هذا "النموذج الفيزيائي" الواضح؛ ففهم الجزيء وما نجم عنه من مفارقة بين "الجزيء وبين الموجة" شكَّل مشكلة كبيرة. وقد ولَّدت هذه المشاكل، خلال السبعين سنةً الماضية، ارباكًا كبيرًا في الفيزياء الحديثة، كما بيَّن كلٌّ من هايزنبرغ وديفيز وكابرا. حيث أنه...
مستمرة... |
|
|