|
منقولات روحيّة
أيها المدعوون، أيتها الأخوات، أيها الإخوة، لا تبتغي هذه الكلمات البتة تقديم نظرية في علم النفس التحليلي، فهذا مضمار يعود لأشخاص مؤهلين للقيام بهذه المقاربة ولاختصاصيين في هذا العلم؛ لكننا نرغب ببساطة دراسة ما إذا كان لبعض المراجع الخيميائية لعلم النفس اليونغي علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالمقاربة الرمزية المعتمدة في الماسونية. ولا شك أن ما سنقوله في هذا المجال سيبقى ناقصًا وغير دقيق وغير كاف، وهذا طبيعي بالنسبة لأشخاص يبحثون، كما هي حالنا جميعًا. لذا نرى أنه من الأفضل أن نشير من بداية بحثنا إلى أن مرجعه الرئيسي هو مؤلَّف ج. ل. ماكسانس، الذي بعنوان يونغ هو مستقبل الماسونية.
هناك فرق بين المعرفة والتعرف. المعرفة هي معلومات وافية عن زمن مضى، بينما التعرف هو محاولة اكتساب معرفة جديدة؛ إنه عملية تحول تطوري. لذا، إذا كنَّا فعلاً راغبين في التعرف، علينا الاعتراف بأن كلَّ شيء قابل للتعرف والتحول. حتى اللغات التي نكتب بها اليوم أو نحكيها قطعت مراحل "تعرُّف" كثيرة حتى وصلت إلى ما هي عليه اليوم. ولهذا انقرضت لغات لأنها لم تتحول. فلا شيء في هذا الوجود ثابت؛ كل شيء في تحول دائم. لذا لا تقل "معرفة" بل "تعرف"، ولا تقل "الحب" بل "أنا محب ومحبوب في آن". المشكلة أننا تعوَّدنا على ترداد الأشياء كالببغاوات، فلا نزال نقول "النهر"، مع أنه جريان المياه وليس هو ذاته بين ثانية وأخرى. وكذلك الأشجار: مع أنها تنمو كلَّ لحظة وتتغير، تتساقط أوراقُها، ثم تعود فتورق من جديد. إذًا لا شيء ثابتًا في الوجود. أيها الإنسان، كن مع الحياة متحركًا ومتحولاً، ولا تكتفِ بالنظر إلى ما يجري دونما اهتمام، بل انظر بهدف التعرف إلى التحول الذي يصيب الأشياء. ولا تكتفِ بما عرفت، بل ثابرْ على اكتساب المعرفة؛ فهكذا ترى الأشياء واضحة.
ولد الشيخ الأكبر محيي الدين ابن عربي في 27/7/1165 م، في قرية صغيرة اسمها مرسية، إلى الشرق من بلاد الأندلس، من والد كان من المقربين من سلطان اشبيلية، Sevilla حاليًا، ووالدة تدعى نور. ورث التدين والتصوف عن عمه عبدالله بن محمد ابن عربي، الذي كان من أهل طريق الله، ويقول عنه: دخل عمي هذا الطريق في آخر عمره على يد صبي صغير، لم يدر ما هذا الطريق دخله وهو في الثمانين. وفي مقدمة كتابه الاسراء إلى مقام الأسرى يروي لنا الشيخ الأكبر عن رحلته الشخصية في هذا الكون، اخترنا منها أول ما جاء فيها لشدة جماليته، ولنستشف تأثر الشيخ مولانا الأكبر برحلة عمه؛ يقول في باب سفر القلب ص 172: قال السالك: خرجت من بلاد الأندلس أريد بيت المقدس وقد اتخذت الإسلام جوادًا، والمجاهدة مهادًا، والتوكل زادًا، وسرت على سواء الطريق أبحث عن أهل الوجود والتحقيق، فلقيت "فتى روحاني الذات"، رباني الصفات، يومئ إلي بالالتفات فقلت: ما وراءك يا عصام؟ قال: وجود ليس له انصرام. قلت له: هذه أرواح المعاني، وأنا ما أبصرت إلا الأواني. قال: أنت غمامة على شمسك فاعرف حقيقة نفسك، فإنه لا يفهم كلامي إلا من رقا مقامي. |
|
|