|
صوت الصمت - 1
مقتطفات مختارة من كتاب الحكم الذهبية
مهداة إلى العدد الأصغر
مقدمة هي صفحات مستقاة من كتاب الحكم الذهبية، وهو أحد الكتب التي يضعونها في الشرق بين أيدي طلاب الصوفية، وهو كتاب تعتبر معرفته إلزامية في المدرسة التي يقبل فيها عدد من الثيوصوفيين بتعاليمه. ولأني كنت أعرف، عن ظهر قلب، العديد من هذه الحكم فقد كان من السهل بالنسبة لي أن أترجمها. لأنه واقع معروف في الهند أن تختلف طرائق التطور النفسي حسب المعلّمين (بمعنى الغورو أو الأساتذة)، وهذا ليس فقط لأنهم ينتمون إلى مدارس فلسفية مختلفة - عدد هذه المدارس ستة - وإنما أيضًا، لأنه لكل غورو (أو معلم)، منهجه الخاص الذي يحافظ عادة، وبشكل كبير، على سرّيته. أمّا فيما وراء الهيمالايا، فلا يختلف منهج المدارس الباطنية، إلاّ في حال كان المعّلم مجرد لاما[1] بسيط لا يعرف أكثر من أولئك الذين يعلمهم. والعمل الذي أعتمده من أجل ترجمتي هو جزءٌ من تلك المجموعة التي أُخذت منها "سُوَر دزِيَن" Stanzas of Dzyan، التي تشكل أساس العقيدة السرّية. فـ كتاب الحكم الذهبية يدّعي نفس الأصل الذي يدّعيه المؤلف الصوفي الكبير المعروف بالبارامارتا Paramârtha، والذي كما تقول أسطورة الناجادجونا Nagardjuna، أعطي للآرهات Arhat الكبير من قبل الناجات Nâgas أو الأفاعي (اللقب القديم للمطلعين). مشيرين إلى أن هذه الأقوال المأثورة وهذه الأفكار، أيًا كانت أصالتها ونبلها، موجودة بأشكال مختلفة في المؤلفات السنسكريتية؛ حيث نجدها، على سبيل المثال، في الجنانيشواري Jnâneshwari، هذه الرسالة الصوفية الرائعة التي، من خلال تلاوينها البرّاقة، يصف فيها كريشنا لأروجنا حال يوغي كامل الإستنارة؛ كما نجدها أيضًا في بعض الأوبانيشاد. وهذا طبيعي جدًّا، لأن معظم الآرهات الكبار، الذين هم التلاميذ الأوائل للغوتاما بوذا، كانوا هنودًا وآريين، ولم يكونوا من المغول. أمّا الأعمال التي تركها آيانساغا وحده فكثيرة جدًا. والنسخ الأصلية من الحكم محفورة على صفائح رقيقة ومستطيلة الشكل، أمّا ما نسخ منها فغالبًا ما يحفظ على أسطوانات أو صفائح توضع على هياكل المعابد التي ترتبط بها المراكز المسماة بـ"التأملية" أو الماهايانا Mahâyâna (يوغاتشاريا Yogatchârya)، وقد كتبت بطرق مختلفة، غالبًا باللغة التيبيتية، وخاصةً على شكل كتابة تصويرية. ونشير إلى أنه من الممكن، وبالإضافة إلى اللغة الكهنوتية (السنزار) التي لها أبجديتها الخاصة، التعبير بعدة طرق كتابية مشفّرة تتخذ الأحرف فيها أشكالاً أقرب إلى التصويرية منها إلى المقطعية. كما أنه توجد أيضًا طرق أخرى (تدعى لوغ بالتيبتية)، ويتم فيها استخدام الأرقام والألوان، التي يتوافق كلٌّ منها مع حرف من أحرف الأبجدية التيبتية (المؤلفة من ثلاثين حرفًا بسيطًا و74 حرفًا مركبًا) والتي تشكل بمجموعها أبجديةً مشفّرة. كما أن هناك، عند استخدام الإشارات التصويرية، طريقة محددة لقراءة النص؛ وهي في هذه الحال، تتألف من الرموز والإشارات المستخدمة في علم التنجيم - بمعنى الحيوانات الإثني عشر الممثلة للأبراج والألوان البدئية السبعة، تلك التي لكل منها نسق ثلاثي يتدرج من الأفهى إلى البدئي فالأغمق، وهذه تُستَعمل في الأحرف الثلاث والثلاثون للأبجدية البسيطة، في الكلمات كما في الجمل. فوفق هذه الطريقة، تشكل الحيوانات الإثنى عشر، المكررة خمس مرات والمتزاوجة مع العناصر الخمسة والألوان السبعة، أبجديةً كاملةً تتألف من ستين حرفًا مقدسة وإثنتي عشرة إشارة. وحيث تدلّ إشارةٌ موضوعة في بداية النصّ القارىء إلى ما إذا كان يتوجب عليه التهجئة وفق الطريقة الهندوسية، حيث كل كلمة مجرد تكييف سنسكريتي، أو وفق المبدأ الصيني المعتمد لقراءة الإشارات التصويرية. وتبقى الطريقة الأسهل هي تلك التي تسمح للقارىء بعدم استخدام أية لغة، أو باستعمال اللغة التي يشاء، لأن الإشارات والرموز، كالأرقام أو الأحرف العربية، عالمية بالنسبة لجميع الصوفيين المطّلعين ومريديهم. ونفس هذه الخاصّية تمتاز بها إحدى طرائق الكتابة الصينية التي يمكن قراءتها بنفس السهولة. بمعنى أنه يمكن لياباني أن يقرأها بلغته بنفس البساطة التي يقرأها فيها صيني بلغته. يتضمن كتاب الحكم الذهبية - الذي تعود بعض نصوصه إلى المرحلة ما قبل البوذية، وبعضها الآخر إلى مرحلة تلتها - 90 بحثًا متميزًا. حفظت منها قبل بضع سنين، وعن ظهر قلب، 39 نصًا. لذلك، ولكي يكون من السهل ترجمة البقية الباقية من هذه النصوص، فإنه علي الرجوع إلى ملاحظات مبعثرة بين عدد كبير من الأوراق والمذكرات التي جمعتها خلال السنوات العشرين الأخيرة ولم يتح لي ترتيبها بعد. وأيضًا، فإنه من غير الممكن ترجمتها جميعها، ولا تقديمها لعالم ما زال مفرطًا في أنانيته ومتمسكًا بالأشياء الحسّية، الأمر الذي يجعله غير مهيءٍ لأن يتقبل بروح طيبة قيمًا بهذا السمو. لأن من لم يتابع، بجدٍّ، تعرّفه على ذاته لن يعير أذنًا صاغية لنصائح من هذا النوع. ونسجلّ، رغم هذا، أن مثل هذه القيم تملأ الكثير من كتب الأدب الشرقي، وخاصةً منها الأوبانيشاد. "أقتل كل رغبةٍ في الحياة" هذا ما قاله كريشنا لأردجونا. لأن هذه الرغبة كامنة فقط في الجسد الذي هو عربة الذات المجسدة، وليس الذات "الخالدة التي لا تفنى، تلك التي لا تَقتُل ولا تُقتَل" (أوبانيشاد كاتا). "أقتل الحاسّة" هذا ما بشّرت به السوتا نيباتا، و"أنظر بشكل متساوٍ إلى الرغبة والعذاب، إلى الربح والخسارة، إلى النصر والهزيمة". وأيضًا: "إبحث عن الملجأ عند الأزلي فقط" (نفس المصدر). "حطّم الإحساس بالتفرقة". هذا ما كان يردده كريشنا بأشكال مختلفة. لأن العقلي (الماناس) الذي يتبع الحواس الشاردة، يجعل النفس حائرة كالسفينة التي تتقاذفها الرياح[2] ونحن نعتقد أننا أحسنّا صنعًا حين قمنا بخيار ذكي لنصوص نعتقد أنها الأكثر ملائمةً لبعض الروحانيين الحقيقيين في الجمعية الثيوصوفية، نصوص نعتقد أنها الأكثر استجابةً لما يحتاجون إليه. فهؤلاء فقط هم من بوسعه تقدير كلمات كريشنا-المسيح، أو "الذات العليا". لا ينتحب الحكماء البتة من أجل الأجياء ولا من أجل الأموات. لأني لم أكن غير موجود يومًًا، ولا أنتم كذلك، ولا أولئك الذين يشرّعون للبشر، ولا أحد منّا سيكف عن التواجد في المستقبل[3]. في هذه الترجمة حاولت ما في وسعي للاحتفاظ بالجمالية الشعرية للغة، وبالأسلوب المصور الذي يميز النص الأصلي. وحده القارىء يستطيع أن يحكم إلى أي حدٍّ نجحت في جهودي. هـ. پ. ب. *** *** *** ترجمة: أكرم أنطاكي هذه الترجمة مهداة إلى الصديق الحبيب ديمتري أڤييرينوس
|
|
|