|
قيم خالدة
الحوار مصدرٌ للفعل حاور يحاور، يدلُّ على المشاركة أو المفاعلة كالنزال والصراع والعلاج، وهذا يعني أن الفعلَ لا يتحقَّقُ إلا باشتراكِ طرفين أو أكثر. ولئن كانت بعض هذه الأفعال تهدفُ إلى غَلبةِ طرفٍ على آخر كالنزال والصراع فإن بعضها الآخر يمثِّل حالةً من التواصل الإنساني، تهدفُ إلى جلاءِ حقيقةٍ أو تحقيقِ نفعٍ لأحد الطرفين أو كليهما، أو إلى بناءِ وضعٍ وصياغةِ علاقةٍ ترتاحُ لها الأطرافُ وتنسجمُ معها وتندمج فيها، لأن في اختلاف الآراء حكمة، وفي تواصلها نعمة. ولكي يسير الحوارُ في المنحى الصحيح والسليم، وحتى يحققَ الغاية المرجوة منه، لا بد أن يستند إلى أسسٍ محددة، وأن تتوفر له شروطٌ مُلزمة. منها أن تكون الأطرافُ الداخلة فيه على مستوىً من الثقافة عميقٍ ومتقارب ومتخصص، فالثقافة كالبحر، تشعر بالأمن والاستقرار في لُجَجهِ وأعماقه، وتحسُّ بالاضطراب والاهتزاز على شواطئه، فالمتعمق الممسك بخيوط الموضوع يسوق الشاهد والحُجَّة المناسبة ويتقنُ توظيفَها في المِفصَل المناسب، إذ غالبًا ما تعتمد العامةُ أمثلةً وحكاياتٍ لا تمت إلى الموضوع بصلةٍ لتدعمَ فكرةً معينةً أو تؤيدَ اتجاهًا معينًا.
في إنجيل العمل من أجل القوت اليومي خلق الله الإنسان لكي يعمل من أجل قوت يومه، وقال: الذين يأكلون ولا يعملون لصوص. (الهند الفتاة، 13-10-1921، ص 325) *** لقد علمت بالقانون القائل إنَّ على الإنسان أن يعمل لكي يأكل. وقد جاءتني أولاً من قراءة كتابات تولستوي حول الخبز والعمل. لكن، حتى قبل ذلك، بدأتُ بتقدير هذه الفكرة حين قرأت كتاب روسكين بمعزل عن الماضي. وكان أول من تناول هذا القانون الإلهي القائل بأن على الإنسان أن يحصل على خبزه بعمل يديه كان كاتبًا روسيًا يدعى بونداريف، الذي عرَّف به ودعى إليه تولستوي. من وجهة نظري، لقد تمَّ التعرُّض إلى نفس الموضوع في الفصل الثالث من الغيتا حيث نقل إلينا بأن الذي يأكل من دون تقديم أضحية إنما يأكل طعامًا مسروقًا. والأضحية هنا تعني الخبز الذي هو نتاج العمل.
النفس البشرية ميدان التوتر بين القيام والسقوط. هي في طريق القيام وفي طريق السقوط. ليس للخير وجه يساير وجه الشر. إنهما يتصادمان. هناك نزف لا نعرف كيف يتفجر وأنت مفطور على الخيرات ولا يسكنك إلا الله. ما من ذات أخرى تنثني فيك. هناك انبثاث إلهي يتسرب إليك وانبثاث إبليسي أو وساوس شيطان يومًا بعد يوم وتتشرب بثًا بعد بث حتى ساعة شفاء. ليست القضية قضية ميزان بين نوازع خير ونوازع شر في النفس. ليس ثمة كفة ترجح وما في الأمر حساب. السؤال هو ما في عمقك. سؤال ربك في الأخير هو: هل أنت معي؟. في اللحظة الأخيرة، في الدينونة السؤال هو: هل أنت معي في كثافة وجودك البادي أمامي؟. الإنسان لحظة، وجود أمام الوجود الإلهي. فليست المسألة أن يفحصك ربك في الوصايا العشر التي أعطاها الله موسى. هذه إشارات، جملة وتفصيلاً، إلى كونك صديق الله أو عدوه.
|
|
|