|
علم نفس الأعماق
إيجاد
تعريف بالعنف ليس بالأمر السهل، كما قد يبدو
للوهلة الأولى. العنف، لغةً، ضد الرفق. يقال:
عَنُفَ به وعليه عنفًا وتعنيفًا، لم يرفق به،
فهو عنيف (عبد الله البستاني، الوافي).
فالقوة غير المكظومة، الفالتة من عقالها (= من
"عقلها")، التي تتكلَّم عليها
التعريفاتُ الشائعة، تتبدى في مختلف مواقف
الحياة، بدءًا من الأسنان التي تخترق لثة
الرضيع فتعذِّبه، حتى فرخ الطائر الذي يكسر
قشرة بيضته لكي يبرز إلى جوٍّ يستطيع التنفس
فيه، مرورًا بالحَمَل الذي يرعى منتزعًا من
غير رحمة العشبَ من التربة التي كان ينمو فيها. إذا
أردنا أن نتكلم على حياة زيغموند فرويد
وأعماله، قد لا يكفي لذلك العديد من المجلدات.
وإذا أردنا الاختزال، نقول: "ولد ثم عاش ثم
مات"! ولكن إذا ألقينا نظرة على تأثير أفكار
الرجل في القرن العشرين، لا يختلف المفكرون
والأطباء على أنه كان من كبار رجال العصر، إذ
أعمل تفكيرَه في عمق البنية النفسية للإنسان
وكَشَفَ النقاب عن الكثير من الألغاز التي
كانت تقيد انطلاقة الفكر؛ بل إنه استطاع أن
يحرِّره من الموروث الخرافي ومن القيود
الاجتماعية التي كانت تكبِّله. ناهيك أن
خلاصة الأعمال هو ما استطاع أن يستمر، على
الرغم من تغير الأزمان والأجيال.
فئة السن:
الآباء مع الآباء، الأبناء مع الأبناء يأمل الأزواجُ المتأزِّمون في أنْ يلحَم مجيءُ طفل صلتَهما، أو بالحري بأن يعوِّض عن تفككها. والواقع أن الطفل "كاشف": إذا كان الزوجان يجتازان صحراء قاحلة، ستبقى الحياةُ الأسرية صحراء – ولأيٍّ من الزوجين أن ينحو باللائمة على هذا "المعكِّر"! ليس هو، بطرس أو حنَّة، – شخصُه بوصفه فاعلاً، – هو المسبِّبَ للخلاف؛ فالأمر كان سيبقى على حاله مع بولس أو لورا أو أيِّ شخص ثالث مكانه. لكن القوم لا ينفكون يقنعونه بذلك حتى يصدِّقه، ويدعونه إلى لعب دور المستفزِّ المتاح دومًا، الأمر الذي لا يستطيع إلا أن يفعله. إن الطفل، على حدِّ قول الوالدين، هو الذي يفرِّق بينهما، يفصل بينهما، يتَّكئ على أحدهما ضد الآخر، ويبدو فارضًا للقانون. ردة الفعل: يتشبث الواحدُ بالآخر أكثر بدعوى أن الزواج سوف ينجح بعد أن يغادر الولد أو يعدِّل موقفَه حيال الوالدَين عندما يبلغ المراهقة. لكن هذه ضلالة، لأنه بالدقة ما إن يغادر الولد، أو يكف عن التلاعب بخيوط والديه الدميتين، فتكون له حياتُه الخاصة خارج الأسرة، يجد الأبُ والأم نفسيهما الواحدَ أمام الآخر، فيعاود الخواءُ الظهورَ غير مسبور الغور. وفي أغلب الأحيان، ينجم هذا الإسنادُ إلى الولد، الذي يُنتظَر كمسيح ثم يُصلَب، عن كون الراشدَين لم يستمرا في مصادقة أشخاص من فئة عمرهم نفسها، من أجل التعاضُد وأوقات الفراغ ومشاركتهم اهتماماتِ سنِّهم. لقد أوغلا في اختزال نفسيهما إلى حياتهما كزوجين، مبتعدَين عن أصدقائهما ونشاطاتهما وهما عازبان، وانكفآ على حياة الأسرة المزعومة، أي على أولادهما والبيت، وفقدا أصدقاءهما وعلاقات الشباب، كما يفقدان أيضًا سُبُل الاندماج الاجتماعي غير الذي توفِّره لهما مهنتُهما في الساعات المخصصة للعمل.
|
|
|