|
أسطورة
كلمة أولى وإهداء
أخذتُ
وقائع هذه الأساطير من النصوص الشعرية
للشعراء هسيود وهوميروس وأفيري. وقد تمَّ
التصرف بإسقاطها على أحداث القرن الحادي
والعشرين. لقد
أهدتْ الحضارةُ الأوروبيةُ العالمَ أعظم
كنوز العصر عندما قدَّمت له الثورة العلمية
والثورة الصناعية اللتين أسهمتا في تغيير وجه
التاريخ. لكن التاريخ يدين الحضارة الأوروبية
بسبب وباء روح نهم الاستهلاك المادي التي
بثَّتْها مقتضيات التجارة العالمية، مما
أدَّى إلى تشويه الإنسان، روحيًّا ونفسيًّا،
وأسهم في انحطاط قيمه ووجدانه. من
جهة أخرى، أهدتِ الحضارةُ الأوربيةُ
العالمَ، في الماضي، إكسيرًا روحيًّا
وفلسفيًّا ومعرفيًّا عظيمًا عندما قدَّمت
للبشرية الحضارة اليونانية–الرومانية.
لكن من المؤسف أن هذا الإكسير قد اختفى تحت
ردم الزمن وتحت أنقاض الصراعات العقائدية
عندما اعتُبِر ضربًا من ضروب المعتقد الوثني! مما
لا شك فيه أن هذا الإكسير يحتوي كنوزًا أهم
بكثير من الذهب والتحف التي استخرجها شليمن.
وربما كان يحتوي مبدأ الخلاص الذي طالما
استهلكت الإنسانيةُ ذاتها بحثًا عنه. إذا
كانت الأساطير تشير إلى أن عصر الخلاص يبدأ
عندما تشرق الشمس من الغرب فإن العالم يطالب
اليوم الحضارةَ الأوربية بإنتاج العشرات –
بل المئات – من أمثال شليمن، علَّهم يستخرجون
لنا الكنوز الحضارية الروحية والمعرفية
الدفينة. من
هذا المنطلق أهدي الإنسان الأوربي هذا العمل
المتواضع، مع كلِّ حبي وتقديري. *** قلنا في بحث وظيفة الأسطورة[1]
بأن الدين، في أسسه النفسية العميقة, هو اختبار
للقدسي من خلال حالة انفعالية سابقة على أي
تصور عقلاني، وبأن هذه التجربة الدينية
الداخلية ليست وقفاً على شخص دون آخر، ولا على
فئة دون أخرى, بل يتعرض لها الجميع، وإن
بدرجات متفاوتة من حيث الشدة والوضوح,
ويتعاملون معها بدرجات متفاوتة أيضاً من حيث
القبول والاعتراف. وعندما تصل الخبرة الدينية المباشرة هذه إلى حالة من الشدة لدى الإنسان فإنها تستدعي القيام بـسلوك ما، وذلك من أجل إعادة التوازن إلى النفس التي غيَّرتْ التجربةُ من حالتها الاعتيادية. هذا السلوك ندعوه بـالطقس. والطقس هو مجموعة من الإجراءات والحركات التي تأتي استجابة للتجربة الدينية الداخلية، وتهدف إلى عقد صلة مع العوالم القدسية...
لعلَّ
أصعب ما يلاقيه الفكرُ هو الفصل بين حقيقة
الوجود وأوهامه. غير أنَّ أكثر النَّاس لا
يفكِّرون، فلا يتردَّدون لحظة في إقامة
الحدود بين ما يدعونه حقيقة وما يروقهم أن
يدمغوه بدمغة الوهم أو الخرافة. هكذا فالغراب
في نظرهم حقيقة. أمَّا الفينكس فخرافة لا يؤمن
بها إلاَّ البسطاء والقدماء. ألا فليزجَّني من
شاء بين القدماء والبسطاء. لأنَّني أؤمن
بالفينكس. وأنا أؤمن به لأنَّني أؤمن بالخيال
الذي ابتدعه. أوَليس الخيال حقيقة؟ إذنْ كلُّ
ما يحبل به الخيال ويلده ويغذيه، أكان أجمل
الجميل أو أقبح القبيح، يشترك في حقيقة
الخيال. ونحن لو نظرنا في الخيال الذي يعمل
بغير انقطاع لوجدنا أنَّ ما دون النَّزْر من
أعماله يتَّخذ شكلاً محسوسًا. فلو رضينا بهذا
النزر وحده حقيقةً، ونبذنا ما تبَقَّى كما لو
كان وهمًا أو غير حقيقة، إذن لكان الخيال ذاته
خرافة، والإنسان نفسه أسطورة.
|
|
|