english arabic

هَيْدِغِّر ودور الجسم في الفضيلة البيئية*

 

سايمون ب. جيمس**

 

أريد في هذه المقالة أن أستند إلى أعمال هَيْدِغِّر المتأخرة (أي بعد العام 1930) لكي أحاجِج بأن الاستدامة*** sustainability ربما تنشأ إذا ما عزَّزنا نوعًا خاصًّا من الانتباه نحو أحوال ينبغي النظر إليها ليس كبِنْية ذهنية حصرًا، بل أيضًا كسلوك جسماني، أو لِنَقُلْ كـ«بِنْية جسمانية». سأبدأ بتلخيص نظرات هَيْدِغِّر حول المجتمع «التكنولوجي»، قبل أن أنتقل لدراسة وصفه للفهم غير التكنولوجي للعالَم، الذي يتأسَّس على نمط من الكينونة يدعوه «الانعتاق نحو الأشياء» releasement toward things. وسألفتُ الانتباه إلى السلوك الحسِّي، الجسماني، نحو الطبيعة المتضمَّن في الوصف الهَيْدِغِّري، قبل أن أختتم بالتفكُّر حول كيفية بَسْط هذا النمط من الكينونة في سياق تربوي.

1

يعلن الكثير من المفكِّرين البيئيين الجذريين أننا على مفترق حاسم في فهمنا التاريخي للطبيعة. فلكي نجتاز عصر أزمتنا البيئية الحالية، على ما تجري قصَّتُهم، ينبغي أن نهجر التصورات المفتقِرة عن الطبيعة التي أورثنا إياها التراث الغربي، وننتقل إلى صياغة أغنى، وأكثر إرواءً من الوجهة الروحية، للعالَم الطبيعي ولمكانتنا فيه. ولا ريب أن هَيْدِغِّر كان سيوافق على هذا المشروع العام. فهو يقول، من جهة, بأن الاجتياح الحديث للطبيعة هو نتيجة لسيطرة الفهم «التكنولوجي» الحديث للعالَم،[1] الذي، بدوره، يرى فيه ذروة التراث الميتافيزيقي الغربي. وهو، من جهة أخرى، يقدِّم في كتاباته اللاحقة عن «الإقامة» dwelling وصفًا لفهم حكيم «غير تكنولوجي» للعالَم.

فلنورِد باختصار[2] تفسير هَيْدِغِّر للتكنولوجيا: نجد في العالَم الحديث أن الأشياء, بمقدار ما تكشف عن ذاتها كأشياء بالمطلق، تكشف عن ذاتها «تكنولوجيًّا»، أي تكشف عن ذاتها باعتبارها موارد للأغراض البشرية، أو بتعبير هَيْدِغِّر، كـ«رصيد دائم» standing-reserve.[3] هكذا, بتكشُّفها تكنولوجيًّا, تصير الهندباء البرية عشبًا ضارًّا, والغابات المعمِّرة أخشابًا للبناء والنجارة, والوادي البرِّي الحراجي محطةً للسياحة, وامتداد المروج موقعًا ملائمًا لطريق التفافي حول المدينة, وهلم جرا. ويتفجَّع هَيْدِغِّر على كون الأشياء، في قلب هذا المذهب الأداتي الكاسح, تكشف عن ذاتها، على نحو متزايد، ليس كأشياء جديرة بالانتباه في حدِّ ذاتها, بل فقط، وإلى حدٍّ بعيد, كمزوِّد بالوسائل من أجل هدف ما. الإنسان التكنولوجي، كما تقول الصيغة المبتذلة، لا يقيم وزنًا للرحلة التي يقطعها يوميًّا نحو عمله؛ فالطريق موجود فقط كي ينقله من النقطة A إلى النقطة B. ولوحة المفاتيح في الحاسوب ليست كقلم الحبر النفيس؛ إذ ليست لها قيمة في حدِّ ذاتها, بل هي مجرد سطح بَيْنيٍّ interface, أي وسيلة يستخدمها لإدخال المعلومات.[4] و العالَم التكنولوجي، بنظر هَيْدِغِّر, عالَمٌ لا تعود الأشياء فيه تفصح عن ذاتها كأشياء, بل عالَم تتبخر فيه إلى حاوية متبدِّلة باستمرار، لا أساس لها، من العلاقات الأداتية.

 

مارتِن هَيْدِغِّر (1889-1976)

إن الغاية telos المسيطرة في العالَم التكنولوجي هي دافع نحو ترتيب متزايد الفعالية أبدًا للرصيد الدائم. بذلك تصير الممارساتُ مفضَّلةً بمقدار ما تؤدِّيه تبعًا لبعض معايير الفعالية، وبمقدار ما يصير فيه من شأن الاحتكام إلى الفعالية، في حالات كثيرة، أن يزوِّد بالمعيار المطلق تقريبًا لتقرير مسار العمل (عادة ما يُصاغ ذلك في الألفاظ الدارجة في مجال الإدارة). وفي كثير من الحالات, يكون المعيار المعيَّن المحتكَم إليه قابلاً للتكميم quantifiable, وربما يكون النسبة المئوية لمرضى العيادات في مشفى, أو قياسًا لقدرة المعالجة في حاسوب. لذلك يربط هَيْدِغِّر التكنولوجيا بنوع مميَّز من الفكر, وأقصد الفكر الحسابي, الذي «يحسب أبدًا الممكنات الاقتصادية الأجدَّ والأوْعَد، وفي الوقت نفسه، الأكثر مردودية».[5] وأكثر من ذلك, لمجاراة السديمية القصوى الحاصلة في الاحتكام للفعالية, فإن «العُمْلات» الأكثر ملاءمة لتبادُل الرصيد الدائم ستكون تلك التي تثبت بأنها الأكثر طواعية والأكثر قابلية للتبادُل. لهذا السبب، ربما، يقدِّم هَيْدِغِّر تفسيره للتكنولوجيا بلغة استخراج الطاقة: «إن أسلوب الكشف الذي يحكم التكنولوجيا الحديثة هو تحدٍّ يرهق الطبيعة بطلب تقديم الطاقة التي يمكن أن تُستخرَج وتُراكَم بما هي كذلك.»[6] بهذا الأسلوب, يربط هَيْدِغِّر بين تعليله للتكنولوجيا واجتياح الطبيعة. أن نرى العالم الطبيعي كرصيد لا ينضب يعني أن نراه كشيء يمكن تحدِّيه والتكالب عليه, أو باختصار, استغلاله.

عل الرغم من أن هَيْدِغِّر لا يستخدم لغة الاستدامة,**** فإنني أقترح بأن ثمة الكثير في تشخيصه لمأزقنا الحديث مما يوافق عليه مؤيِّدو الاستدامة. وهذا يعني أن العالَم التكنولوجي الذي وصفه هَيْدِغِّر، والذي تُستغَل فيه الطبيعة بلا حدود، يمكن التفكير فيه باعتباره الأساس الميتافيزيقي للمجتمع غير المُسْتَدام بمعنى ما.

يؤكد هَيْدِغِّر أن سيطرة الفهم التكنولوجي للعالَم تتجلَّى كاغتراب عن العالَم، كمعنى وجودي للتشرُّد بلا مأوى homelessness. يُصوَّر الإنسان التكنولوجي, المكتسَح بالتيارات العمياء للموضة وأسواق السيولة المالية والتكيف مع الشغل, بوصفه لم يعد يلامس "أرضية" earthiness الأشياء. إنه عالَم بشري محض, عالَم من البلاستيك المُقَوْلَب والإسفلت والمكاتب المكيَّفة الهواء، حيث لا معنى للـ«أرض» the earth. أكثر من ذلك, منشغلاً بالهواتف النقالة والتلفزيونات والإنترنت, يكون انتباهُه منشغلاً باستمرار في مكان آخر. لقد فقد الإنسانُ التكنولوجي ارتباطَه بالأرض تحت قدميه؛ ويزعم هَيْدِغِّر أنه قد فقد انغراسه في العالَم.

2

يؤكد هَيْدِغِّر أنه، لكي نتحرَّر من التأثير المُسْتَلِب للتكنولوجيا ولكي نستعيد انغراسنا في العالم ينبغي علينا، أن نعزِّز نمطًا من الكينونة يدعوه «الانعتاق نحو الأشياء».[7] و«الانعتاق» نحو شيء يعني أن نوليه عنايتَنا باعتباره ذلك الشيء المعيَّن الذي هو إيَّاه, وليس كمحلٍّ لشيء آخر ما من شأنه أن يؤدي الوظيفة نفسها. الانعتاق نحو مطرقة – إذا ما استخدمنا مثالاً هَيْدِغِّريًّا ريفيًّا بامتياز – يعني أن نعاملها بعناية، وأن نحرص على عدم كسرها على الحجر أو المعدن, وأن نتكفل بأنها في آخر النهار سوف تعود إلى مكانها الصحيح في المستودع، وهلم جرا. الانعتاق نحو امتداد معيَّن من طريق يعني أن نولي عنايتنا لما هو في حدِّ ذاته, وأن نقدِّر الرحلة حقَّ قدرها, لا أن نكتفي بمجرد العبور فوقه بلامبالاة متجهِّمة ونحن في طريقنا إلى العمل.

الأشياء، عندما «تُترَك وشأنها» بهذا الأسلوب, يكتب هَيْدِغِّر أنها سوف «تَستحضِر عالمًا».[8] ومناط الفكرة هنا أن وضع الشيء موضع عناية يمكن أن يضيء عالمًا: عالمًا مفهومًا ليس كموضوع (كوكب الأرض، مثلاً), بل كميدان تتكشَّف ضمنه الأشياءُ كأشياء ذات مغزى في المقام الأول. بمعنى ما, هذه الفكرة أقل استعصاءً مما تبدو عليه. لنفكِّر، مثلاً، بظاهرة الحنين nostalgia، تلك اللحظات حينما تنتقل صورةٌ قديمة أو حقيبةٌ مدرسية بالمرء إلى عالَمٍ طال نسيانُه من النزهات العائلية أو أصباح ثلاثاء بعد حصَّتَيْ رياضيات. لكن من الضروري أن ندرك أنه، بحسب الفهم الذي يقدِّمه هَيْدِغِّر, لا تتضمَّن ظاهرةُ الشيء الذي يستحضِر عالَمًا مجرَّد تذكُّر مكانٍ ناءٍ في الزمن, بل يمكن حتى أن تتضمن الظاهرةَ الأكثر لفتًا للنظر للـ«حنين» إلى المكان الذي يقيم فيه الشخص حاليًّا, ظاهرة ما يحدث للمرء عندما ينظر, في لحظة صفاء, نحو كاتدرائية بلدته كما لو أنه يراها للمرة الأولى، و يمتلئ، من ثمَّ، بمعنى الانتماء. يؤكد هَيْدِغِّر أننا، بفعلنا على هذا النحو, نكون قد قمنا بـ«الوثبة الغريبة فوق التراب التي نقف عليه حقًّا»،[9] ونَأَيْنا عن الفهم المُسْتَلِب للتكنولوجيا.

3

إذن هذا هو المخطَّط العام للتشخيص والدواء الهَيْدِغِّري. ففي وجه الفهم التكنولوجي الشامل للعالَم والتشرُّد الوجودي التي يُحدِثه, نفعل حسنًا إذا أعتقنا أنفسنا نحو الأشياء, وعُدْنا بذلك إلى تقدير عالمنا، أو بالأحرى عوالمنا الخصوصية، حقَّ قدرها من جديد.

ولكن هل الانعتاق نحو الأشياء «بِنْية ذهنية»؟ لا أعتقد ذلك. لكي يصف هَيْدِغِّر ما قد يتضمَّنه الانعتاق, يورد أمثلة عن ممارسات محددة – سكب دورق خمر أو زراعة المحاصيل وهلم جرا – يمكن التفكير فيها, كما يقول, كمقوِّمات أسلوب في العيش يسميه «الإقامة».[10] على هذا, لا يمثِّل للانعتاق الفلاسفةُ البيئيون الذين يتفكَّرون بهدوء في إمكانات إيقاظ احترامنا للأشياء من جديد, بل الحِرَفيون المهرة الذين يتناغمون مع المواد التي يشتغلون عليها – مثلاً, «جواب» و«استجابة» «النجار لأنواع الخشب المختلفة والأشكال الغافية ضمن الخشب».[11] من الواضح أنه عندما يعمل الفرد المنعتق، عندما يعمل ضمن بِنْية ذهنية محددة, قد يكون منتبهًا أو مقدِّرًا أو ما شابه, لكن الانعتاق، في حدِّ ذاته، لا يبدو أنه أمر إدراكي حصرًا, بل يبدو كسلوك جسماني بقدر ما هو سلوك ذهني.[12]

عندما أقول بأن الانعتاق ليس بِنْية ذهنية لست مجرد متحذلق؛ فقد يكون أن الكلام فقط بلغة الأُطُر الذهنية الفاضلة (أو المعيبة) بيئيًّا ربما يحجب الأسلوبَ الذي ينخرط فيه الجسمُ في علاقتنا مع العالَم الطبيعي. فعلى سبيل المثال، لفتتْ جين هيوارث الانتباهَ إلى حقيقة أن الكثير من ممارساتنا غير المُسْتَدامة (عدم إطفاء نور المطبخ, رمي علب الصفيح الفارغة في حاويات القمامة بدلاً من أخذها إلى خدمة تدوير النفايات، وهلم جرا) أمست اعتيادية.[13] وهي تُحاجِج، بالاستناد إلى أعمال مِرلو بونتي Merleau-Ponty، بأن أفعالنا الاعتيادية ليست نتائج «حركة جسمانية موجِّهة للوعي»، بل هي بالأصح تجلٍّ لنوع ضمني من الفطنة الجسمانية.[14] ففي مثل هذه الحالات يعرف جسمُ المرء ما ينبغي فعله، حتى في غياب موقف ذهني معيِّن. وبالتأكيد, لكي نتبيَّن حقيقة هذه الممارسات ينبغي أن نتفكَّر فيها؛ ولكنْ تبقى حقيقة أن هذه الممارسات الاعتيادية هي سلوكيات جسمانية بقدر ما هي أُطُر ذهنية. ومن الجدير بالذكر، بهذه المثابة, أن آداب الأخلاق البيئية الجذرية تعجُّ بتعليلات (كاريكاتورية غالبًا) للجهاز الذهني «الغربي الحديث» المسيطر: الإيمان بسلطان العقل, الاعتقاد بقيمة التقدم, حس الانفصال عن الطبيعة, وهلم جرا. هل يمكن للمرء أن يتحدث أيضًا عن سلوك جسماني «تكنولوجي» مميَّز؟ في النهاية، ليست حياتنا الذهنية وحدها محكومةً بالتكنولوجيا. مثلاً, ربما يكون الإنسان التكنولوجي قد نسي المتعة الحسية الملازمة للطعام، وهو يستهلك لكي يعيش وحسب. إنه يقبض، في طريقه إلى العمل، قضيبًا من الشوكولا [الغنية بالحريرات] كناية عن الفطور, ويزدرد حصَّته من الفاكهة والخضار كي يبقى معافى. إنه طاعم فعَّال. فماذا عن بقية حياته الجسمانية؟ كيف يتحرك الإنسان التكنولوجي؟ هل له وضعية محددة؟ كيف يتنفس؟

تقترح هذه الخواطر سؤالاً إضافيًّا: إذا كانت الممارسات غير المُسْتَدامة جسمانية، إضافة إلى كونها ذهنية, فهل يكون السلوك المؤدي إلى الاستدامة, إلى حدٍّ ما, سلوكًا جسمانيًّا، ليس حصرًا مجرَّد فهم ذهني للعالَم, بل طريقة للمرء في السلوك ككائن متجسِّم؟

قد يمكن الاعتراض بأن السلوك الجسماني للمرء هو نتيجة لموقفه الذهني ليس غير. من الواضح أن الشخص الذي يتبنَّى موقف الاحترام تجاه الأشياء سوف ينقاد إلى الفعل بطريقة محترمة. ولكن هل العكس صحيح؟ هل يصحُّ أنه، كما يمكن المرء التفكير في الحالات الذهنية – الأمزجة, المواقف، الخ باعتبارها تتسبب في أنواع متميِّزة من الفعل, يمكنه أيضًا تصوُّر مواقف ذهنية محددة تنبع من أنواع محددة من السلوك الجسماني؟ ربما ما نحتاج إلى تعلُّمه ليس فقط الموقف الذهني حيال العالَم الطبيعي الذي يجد تعبيرًا عنه في الفعل المُسْتَدام, بل أيضًا طريقة في الفعل تتيح انبثاق موقف ذهني يقود إلى الاستدامة.[15]

بهذه التأملات، نتوغل في إقليم من المفاهيم غريب عمومًا عن التقاليد الفلسفية الغربية, وأعني المشهد الذي تسيَّد عليه مفكِّرو شرق آسيا.[16] هنا سوف ألاحظ فحسب, وباختصار, أن تصوُّر هَيْدِغِّر عن الانعتاق نحو الأشياء يشترك، من جانبه، في الكثير مع الفكرة التاوية عن الـwu-wei ("اللافعل"), أو الفعل العفوي التلقائي non-deliberative الذي يعبِّر عن اتحاد المرء مع التاو Tao.[17] ففي بؤرة كليهما نجد فكرة أن المرء يستطيع أن يحقِّق الانتماء إلى العالم بالتناغم العملي مع الأشياء. فبينما يورد هَيْدِغِّر مثال النجار الذي «يتجاوب» و«يستجيب» لـ«أنواع الخشب المختلفة», يعبِّر الحكيم التاوي خوانغ تْسُه عن فكرة الـwu-wei بتمثيلها بالسبَّاح الذي يسبح مع التيار أو الجزَّار الذي تتبع سكينُه المفاصل الطبيعية للَّحم.[18] لا يبدو من الصواب، إذن، أن ندعو ما تنقلُه هذه الأوصافُ من تناغم بين الإنسان والشيء بِنْية ذهنية. وبالفعل, قد يكون أن تركيزنا على إمكان الاستدامة باعتبارها بِنْيةً ذهنية يغفل عما تنطوي عليه هذه الطرق العملية في الوجود من مضامين لعلاقتنا مع العالَم الطبيعي.

4

هل الانعتاق نحو الأشياء قابل للتعلُّم؟ ربما يمكن للكثير جدًّا أن يُلقَّن عبر الكتب والمحاضرات. إن تقديرًا متجددًا لدور الجسم في العلاقة مع الأشياء يمكن، في الواقع، أن يساعد في التصدي للانطباع، الشائع – والمسألة فيها نظر – في أوساط طلبة الأخلاق البيئية، والقائل بأن تقدير الطبيعة يجب أن يتضمَّن نوعًا من الفهم العقلي الرفيع للعلم الإيكولوجي أو الميتافيزيقا. ربما ما نحتاج إلى رعايته وتعزيزه هو بالأصح نوع من الحميمية حيال العالَم الطبيعي، يتأسَّس على تقدير جسماني وحسِّي للأشياء.[19] ولكنْ كيف لنا أن ننجز ذلك؟ يستحق هذا السؤال تفكيرًا أكثر مما أستطيع تقديمه في هذا المقام. ربما يمكن تطوير هذه الحميمية عبر الاتصال المباشر مع الطبيعة في الفنِّ والبيولوجيا ودروس الدراما, مثلاً، أو حتى عبر التربية البدنية التي ليس من الضروري، في النهاية، أن تقتصر على الرياضة. ولكن، أيًّا ما كان السياق الذي يُعلَّم الانعتاقُ فيه، سوف يتطلَّب معلِّمين قادرين بأنفسهم على تقدير الوجود الحسِّي الكثيف للأشياء أمامنا وعلى نَقْلِه. ولهذا ربما ينبغي علينا، أولاً، أن ننصرف إلى مهمة تربية أنفسنا في هذا المجال.

*** *** ***

ترجمة : معين رومية

 

المراجع

-          Cooper, David E. 1994. “Is Daoism ‘Green’?” Asian Philosophy. Vol. 4, No. 2.

-          Dreyfus, Hubert L. 1993. “Heidegger on the connection between nihilism, art, technology, and politics” in Charles B. Guignon, ed. The Cambridge Companion to Heidegger. Cambridge: Cambridge University Press, pp. 289–316.

-          Foltz, Bruce. 1995. Inhabiting the Earth: Heidegger, Environmental Ethics, and the Metaphysics of Nature. New Jersey: Humanities Press.

-          Haar, Michel, The Song of the Earth: Heidegger and the Grounds of the History of Being, tr. Reginald Lilly (Bloomington, Indiana University Press, 1987).

-          Heidegger, Martin. 1959. An Introduction to Metaphysics. Ralph Mannheim, trans. New Haven: Yale University Press.

-          ———. 1966a. Being and Time, J. Macquarrie and E. Robinson, trans. Oxford: Blackwell.

-          ———. 1966b. Basic Writings, David Farrell Krell, ed. London: Routledge.

-          ———. 1966c. Discourse on Thinking, John M. Anderson and E. Hans Freund, trans. New York: Harper & Row.

-          ———. 1968. What is called Thinking?, tr. J. Glenn Gray, trans. New York: Harper & Row.

-          ———. 1971. Poetry, Language, Thought, Albert Hofstadter, trans. New York: Harper & Row.

-          ———. 1977. The Question Concerning Technology and other Essays. William Lovitt, trans. New York: Harper & Row.

-          May, Reinhard. 1989. Heidegger’s Hidden Sources, Graham Parkes, trans. London: Routledge.

-          Merleau-Ponty, Maurice. 1996. Phenomenology of Perception. Colin Smith, trans. London: Routledge.

-          Passmore, John. 1980. Man’s Responsibility for Nature: Ecological Problems and Western Traditions. London: Duckworth.

-          Pratt, Vernon. 2000. Environment and Philosophy. London: Routledge.

-          Suzuki, Shunryu. 2000. Zen Mind, Beginner’s Mind. Trudy Dixon, ed. New York: Weatherhill.


* The Trumpeter, Vol.18, No.1, 2002.

** زميل باحث في الفلسفة في جامعة Durham في إنكلترا. تشمل بحوثُه فلسفةَ مارتن هَيْدِغِّر والفكر البوذي المهاياني والأخلاق البيئية. يعمل حاليًّا على دراسة العلاقة بين بوذية زِنْ والأخلاق البيئية.

*** أضحت «الاستدامة» هي المفهوم الأساسي في الحركة الإيكولوجية؛ وهي تتعامل مع التأثير البشري على البيئة. فالتنمية «المُسْتَدامة» هي التي تلبِّي حاجات الحاضر، دون الإقلال من فرص الأجيال المستقبلية. والمشكلات البيئية الحالية هي، إلى حدٍّ كبير، نتيجة للاستهلاك غير المُسْتَدام لموارد الطبيعة. ويرى العديد من الفلاسفة والمفكِّرين أن الوصول إلى المجتمع المُسْتَدام يتطلَّب تغييرًا جذريًّا في بيئة الأفكار التي يعيش الإنسان الحديث في سياقها، وليس فقط تغييرًا في السياسات الاجتماعية والاقتصادية. (المترجم)

[1] قد يوحي مصطلح «الفهم» understanding بالفكرة الخاطئة عن كون التكنولوجيا، عند هَيْدِغِّر، هي منظور إلى العالَم يمتلكه ببساطة الكثير من الناس. لكن، بالنسبة إلى هَيْدِغِّر، ليست التكنولوجيا مجرَّد طريقة يرى البشر فيها العالَم. للمزيد حول هذه المسألة الصعبة، انظر:

Heidegger 1966: 312, 323–4, and “The Age of the World Picture” (in Heidegger 1977: 115–54).

[2] Foltz 1995; Haar 1987; Dreyfus 1993.

[3] Heidegger 1966b: 322.

[4] من المغري تأويل هَيْدِغِّر بالقول إننا فقدنا رؤية القيمة الجوهرية للأشياء، وبتنا نراها تمتلك قيمة أداتية وحسب. لكن، لأسباب تخرج عن نطاق تفسيرات هذه المقالة، فإن هَيْدِغِّر يقاوم وضعَ موقفه بلغة القيمة. انظر:

Heidegger 1959: 196–9.

[5] Heidegger 1966: 46.

[6] Heidegger 1966b: 320. See also Haar 1987: 83.

**** لأن مفهوم الاستدامة لم يكن قد نشأ بعد. (المترجم)

[7] Heidegger 1966: 54.

[8] See Heidegger 1971: 174, 199; Heidegger 1996: 355.

[9] Heidegger 1968: 41.

[10] إن أصول الفكرة التي تقول بأن الانعتاق نحو الأشياء يتضمن انخراطًا عمليًّا فيها يمكن أن نجدها في كتاب الكينونة والزمان في قول هَيْدِغِّر إن الـDasein [الموجود–هناك، الإنسان] يدع الأشياء تكون في وضع جهوزيَّتها عندما يدعها مشمولة ضمن كلِّية مرجعية. انظر:

Heidegger 1966a: 405.

[11] Heidegger 1966b: 379.

[12] On Heidegger’s treatment of the body, see Haar 1987, Chapter Three.

[13] In Pratt 2000: 71.

[14] Ibid: 70.

يُنسَبُ الفضلُ عادة إلى مِرلو بونتي في استخلاصه المضامين لفهمنا الحالي لدور الجسم من التحليل الهَيْدِغِّري للكائن الإنساني في الكينونة والزمن. انظر:

Merleau-Ponty 1996.

[15] أو قد تكون مفردات لاإثنينية non-dualistic، كتلك التي اقترحها مِرلو بونتي، مناسِبة هنا.

[16] لننظر، مثلاً، في دور الجسم في تأمل [بوذية] زِنْ. يوضح Suzuki الأمر كما يلي: في جلسة تأمل زِنْ سوتو ليست وضعية التأمل الصحيحة "وسيلة للوصول إلى سَداد الحالة الذهنية، بل الهدف من رياضتنا هو الوضعية في حدِّ ذاتها. حين تتوصل إلى هذه الوضعية، تكون في الحالة الذهنية السديدة."

[17] لن يدهشنا هذا الارتباط؛ إذ يبيِّن May في كتابه مصادر هَيْدِغِّر الخفية (1989) أن هَيْدِغِّر كان متأثرًا جدًّا بكُتَّاب شرق آسيا.

[18] See Cooper 1994: 124.

[19] يحاجِج Passmore بأن الفكر الغربي كان عمومًا ذا نزعة أفلاطونية طُهْرانية أضعفتْ إمكانيةَ الاعتبار الأخلاقي للطبيعة: "فقط عندما يتعلَّم الناس، من البداية، النظر حسيًّا إلى العالم سوف ينتهون إلى الحرص عليه. لا يعني هذا أن ننظر إليه وحسب، بل أن نلمسه ونشمُّه ونتذوَّقه." انظر:

Passmore (1980) p. 189.

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود