|
مفتاح
الثيوصوفيا
هيلينا
ب. بلافاتسكي
الباب
الثالث منهاج
عمل الجمعية الثيوصوفية1 _____ أهداف الجمعية
السائل:
ما
هي أهداف "الجمعية الثيوصوفية"؟ الثيوصوفي:
إنها
ثلاثة، ولقد كانت كذلك منذ البداية: (1) تشكيل
نواة للأخوة العالمية للإنسانية بدون تمييز
بين عرق أو لون أو معتقَد؛ (2) تشجيع دراسة
الكتب المقدسة الآرية وغيرها، وديانات
العالم وعلومه، وإبراز أهمية الأدب الآسيوي
القديم، ولاسيما أدب الفلسفات البرهمانية
والبوذية والزردشتية؛ (3) استقصاء أسرار
الطبيعة الخفية من كافة الجوانب الممكنة،
والقدرات النفسانية والروحية الكامنة في
الإنسان بخاصة. تلكم هي الأهداف الرئيسية
الثلاثة للجمعية الثيوصوفية في خطوطها
العريضة. السائل:
هل
بوسعك أن تعطيني معلومات أكثر تفصيلاً عنها؟ الثيوصوفي:
يمكننا
تقسيم كل من هذه الأهداف الثلاثة إلى بنود
تفسيرية كثيرة بمقدار ما نجد ذلك ضرورياً. السائل:
لنبدأ
إذن بالهدف الأول. فما الوسيلة التي سوف
تلجأون إليها لإيقاظ شعور كهذا بالأخوة بين
أجناس معروفة بالاختلاف فيما بينها من حيث
الأديان والعادات والمعتقدات وأنماط التفكير
اختلافاً عظيماً؟ الثيوصوفي:
اسمح
لي بإضافة ما يبدو لي أنك غير راغب في الإعراب
عنه. نحن نعلم بالطبع أنه باستثناء بقيَّتين
من جنسين – ألا وهما الفرس واليهود – فكل أمة
منقسمة، ليس ضد الأمم الأخرى جميعاً وحسب، بل
وحتى ضد نفسها. وهذا نجده بوضوح كبير بين
الأمم المتمدِّنة المسيحية المزعومة. من هنا
دهشتك، والسبب الذي يجعل هدفنا الأول يبدو لك
يوطوبيا. أليس كذلك؟ السائل:
بلى؛
ولكن ما هو قولكم في ذلك؟ الثيوصوفي:
لاشيء
ضد الواقعة؛ إنما الكثير حول ضرورة إزالة
الأسباب التي تجعل الأخوة العالمية يوطوبيا
في الوقت الحاضر. السائل:
وما
هي هذه الأسباب بنظركم؟ الثيوصوفي:
أولاً، وبالأخص، الأثرة الطبيعية للطبيعة
البشرية. فهذه الأثرة، بدلاً من أن تُستأصَل،
تتقوَّى وتتحرض يومياً حتى تصبح إحساساً
شرساً لايقاوَم بالتربية الدينية الحالية
التي لا تنزع إلى تشجيعها وحسب، بل وإلى
تسويغها صراحة. فأفكار الناس عن الحق والباطل
حُرِّفت بالكلِّية بالقبول الحرفي للكتاب
اليهودي. بذا أصبح كل إيثار تعاليم يسوع
الغيرية مجرد موضوع نظري للخطب المنبرية،
فيما أصبحت وصايا الأثرة العملية التي
يعلِّمها الكتاب الموسوي والتي وعظ المسيح
ضدها بلا جدوى مبذورة في دخيلة حياة الأمم
الغربية. وأصبح "العين بالعين والسن بالسن"
السنة الأولى في قانونكم. ألا فإني أصرِّح
علناً وبدون وجل أن الثيوصوفيا وحدها تستطيع
اجتثاث انحراف هذه العقيدة وعقائد أخرى كثيرة. الأصل
المشترك للإنسان
السائل:
وكيف
ذلك؟ الثيوصوفي:
ببساطة
شديدة، بالبرهان على أسس منطقية وفلسفية
وميتافيزيائية وحتى علمية أن: (أ) للبشر
جميعاً الأصل الروحي والجسماني نفسه، وهو
التعليم الجوهري للثيوصوفيا؛ (ب) وبما أن
البشر من الجوهر الواحد نفسه من حيث الأساس،
وذلك الجوهر واحد – لانهائي وغير مخلوق وأزلي
– أأسميناه الله أو الطبيعة –، لاشيء
بالتالي يصيب أمة أو إنساناً دون أن يؤثر في
الوقت نفسه على الأمم الأخرى كافة وعلى البشر
الآخرين أجمعين. ومثل هذا في تأكيده ووضوحه
كمثل الحجر المرمي في بركة يحرك، عاجلاً أم
آجلاً، كل نقاط الماء فيها. السائل:
لكن
هذا ليس تعليم المسيح، بل هو بالحري مفهوم
حلولي. الثيوصوفي:
ههنا
مكمن خطئكم. فهو مفهوم مسيحي صرف، وإن لم يكن
يهودياً؛ ولهذا، ربما، تفضِّل أممكم
الكتابية تجاهله. السائل:
هذا
الاتهام اعتباطي وغير صحيح. فهات براهينك على
مثل هذا التصريح. الثيوصوفي:
إن
براهيني جاهزة في متناول يدي. يُنسَب إلى
المسيح قوله: "أحبوا بعضكم بعضاً"، و"أحبوا
أعداءكم [...] فإنكم إن أحببتم من يحبكم فأي أجر
لكم؟ أوليس العشارون2
أنفسهم يفعلون ذلك؟ وإن لم تسلِّموا إلا على
إخوانكم،
أوليس الأمم يفعلون ذلك؟"3
هذه كلمات المسيح. ولكن جاء في سفر التكوين:
"ملعون كنعان عبداً يكون لعبيد إخوته" (تكوين
25: 9) لذا فإن الشعب المسيحي، بل التوراتي،
يفضل شريعة موسى على شريعة محبة المسيح. وهم
يؤسسون على العهد القديم الذي يلبِّي كل
أهوائهم وشرائعهم في الغزو وضم الأراضي
والاستبداد على الأجناس التي يدعونها
أجناساً دنيا. والجرائم التي اقتُرِفت
استناداً إلى هذا النص الجهنمي من سفر
التكوين (إذا أُخذ على محمل الحرف الميت)
وحده التاريخ يعطينا فكرة عنها، وإنْ ناقصة.4 السائل:
سمعتك
تقول إن وحدة أصلنا الجسماني قد برهن عليها
العلم وأن وحدة أصلنا الروحي قد برهن عليها
دين الحكمة. ومع ذلك فإننا لا نجد الدارونيين
يبدون مودة أخوية عظيمة. الثيوصوفي:
بالصواب
نطقت. وهذا ما يُظهِر قصور المناهج المادية
ويبرهن على أننا نحن الثيوصوفيين على حق. إن
وحدة أصلنا الجسماني لا تستنهض مشاعرنا
الأسمى والأعمق. فالمادة، محرومةً من نفسها
وروحها، أو جوهرها الإلهي، ليس في مكنتها
مخاطبة القلب الإنساني. إنما وحدة النفس
والروح للإنسان الحقيقي الخالد، كما
تعلِّمنا الثيوصوفيا، متى بُرهِن عليها
وتأصَّلت جذورها في قلوبنا، تقودنا قدماً على
طريق المحبة الحقيقية والنيَّة الأخوية
الطيبة. السائل:
ولكن
كيف تفسر الثيوصوفيا الأصل المشترك للإنسان؟ الثيوصوفي:
بتعليمها
أن جذر الطبيعة كلها، موضوعية وذاتية،
وكل شيء آخر في الكون، مرئياً كان أو غير
مرئي، كائن و كان و سيكون أبداً
جوهراً أوحد مطلقاً، يفيض منه كل شيء ويعود
إليه. وتلكم هي الفلسفة الآرية التي لم تنبسط
كاملة إلا في المنهج الفيدنتي وفي البوذية.
فإذا وضعنا هذا الأمر نصب أعيننا فمن واجب
الثيوصوفيين جميعاً أن يشجعوا، بكافة
الوسائل العملية، وفي جميع البلدان، نشر
تربية لامذهبية. السائل:
ولكن،
بم تنصح أنظمة جمعيتكم المكتوبة لأعضائها أن
يفعلوا غير هذه؟ وأعني على الصعيد المادي؟ الثيوصوفي:
من
أجل إيقاظ الشعور الأخوي بين الأمم، علينا أن
نسهم في التبادل الدولي للفنون والنتاجات
المفيدة، وفي تقديم النصح والمعلومات، وفي
التعاون مع الأفراد والمؤسسات الحَرِية
بالتقدير (إنما "بدون أن يتم اقتطاع أي مكسب
أو نسبة مئوية للجمعية أو "الأعضاء" لقاء
خدماتها أو خدماتهم في إطارها"، كما تضيف
الأنظمة) . دونك على سبيل المثال توضيح عملي:
إن تنظيم المجتمع كما يصفه اِدوِرد بِلَّمي
في مؤلفه البديع النظر إلى الوراء5
ليمثِّل تمثيلاً رائعاً للفكرة الثيوصوفية
حول ما يجب أن تكونه الخطوة الكبيرة الأولى
نحو كمال تحقيق الأخوة العالمية. إن حالة
الأشياء التي يصفها تقصِّر دون الكمال لأن
الأثرة
ماتزال موجودة وفاعلة في
قلوب البشر. ولكن على وجه العموم تم التغلب
على الأثرة والفردية بشعور التضامن
والأخوَّة المتبادلة؛ ونجد أن نمط الحياة
الموصوف فيه يقلِّص إلى أدنى حد العلل التي
تنزع لخلق الأثرة ولتغذيتها. السائل:
إذن
فأنت كثيوصوفي لابد مشارك في الجهد المبذول
لتحقيق مثال كهذا؟ الثيوصوفي:
بالتأكيد؛
وقد أثبتنا ذلك بالعمل. أولم تسمع بالأندية
والحزب "الأممية"6
التي ظهرت في أمريكا منذ نشر كتاب بِلَّمي؟
إنها في طريقها إلى الصدارة، وهي فاعلة ذلك
أكثر فأكثر بمرور الزمن. والحق فإن هذه
الأندية وذانك الحزب قد أسَّسها أول ما أسسها
ثيوصوفيون. ورئيس أحد أوائل هذه الأندية،
نادي بوسطن ماساتشوستس الأممي، وأمينه
ثيوصوفيان، وغالبية أعضاء مكتبه التنفيذي
أعضاء في ج. ث. وفي منتدياتهم كافة، وفي الحزب
الذي يشكلونه يظهر تأثير الثيوصوفيا جلياً،
ذلك أنها اتخذت أساساً لها، ومبدأ أولياً
أساسياً، الأخوة الإنسانية كما تعلِّمها
الثيوصوفيا. ولقد جاء في إعلان مبادئهم: "إن
مبدأ أخوة الإنسانية هو إحدى الحقائق الأزلية
التي تحكم تقدُّم العالم على أسس تميِّز
الطبيعة الإنسانية من الطبيعة البهيمية".
فهل من شيء أكثر ثيوصوفية من هذا؟ لكن هذا غير
كافٍ. فالحاجة أيضاً ماسة إلى بث في الناس
فكرة أنه إذا كان أصل الإنسانية واحداً يجب أن
توجد أيضاً حقيقة واحدة تجد تعبيرها في
الأديان المتنوعة كافة، باستثناء الدين
اليهودي؛ إذ إنها غير معبَّر عنها حتى في
القباله.7 السائل:
هذا
يشير إلى الأصل المشترك للأديان، ولعلك محق
في ذلك. ولكن كيف لهذا أن ينطبق على الأخوّة
العملية على الصعيد الجسماني؟ الثيوصوفي:
أولاً
لأن ما هو حقيقي على الصعيد الميتافيزيائي
يجب أن يكون حقيقياً على الصعيد الفيزيائي.
وثانياً لأنه ليس ثمة أخصب من الخلافات
الدينية مصدراً للكره والنزاع. فعندما يعتقد
هذا الفريق أو ذاك أنه وحده مالك الحقيقة
المطلقة فمن الطبيعي تماماً أن يعتقد أن جاره
واقع في براثن الضلال أو إبليس. ولكن حسبك أن
يجعل إنساناً يرى أن ما من واحد منهم يملك
الحقيقة كلها، بل إنها تتكامل، وأن
الحقيقة الكاملة لا توجد إلا في الجمع بين
وجهات نظر الجميع بعد أن يكون أزيل ما كان
زائفاً من كل منها – إذ ذاك فإن الأخوَّة
الحقيقية في الدين سوف تتوطد. والأمر نفسه
ينطبق على العالم الجسماني. السائل:
امضِ
في الشرح أرجوك. الثيوصوفي:
دونك
النبتة على سبيل المثال: تتألف هذه من جذر ومن
ساق ومن عدد كبير من البراعم والأوراق. وكما
أن الإنسانية ككل هي الساق التي تنمو من الجذر
الروحي كذلك الساق هي وحدة النبتة. صِبْ الساق
فتتأذى البراعم والأوراق كافة من جراء ذلك
لامحالة. كذلك الأمر مع الإنسانية. السائل:
نعم،
ولكن إذا أصبت ورقة أو برعماً فإنك لا تنزل
أذى بالنبتة كلها. الثيوصوفي:
لذا
تعتقد أنت أنك بإيذاء إنسان واحد لا تؤذي
الإنسانية جمعاء. أنَّى لك أن تعرف أو تعي
أن العلم المادي نفسه يعلِّم أن أية إصابة،
مهما كانت طفيفة، لابد أن تؤثر في مسار نموها
وتفتُّحها المستقبلي كله؟ أنت مخطئ إذن
والمقايسة تامة.8
على أنك إذا تغاضيت عن جرح في الإصبع كثيراً
ما يجعل الجسم برمته يتوجع ويؤثر في الجهاز
العصبي كله، يجدر بي من باب أولى تذكيرك أنه
من الممكن جداً وجود قوانين روحية أخرى تفعل
في النبات وفي الحيوان كما تفعل في البشرية،
وإنْ كنتم ربما تنفون وجودها، بما أنكم لا
تقرُّون بفعلها في النبات وفي الحيوان. السائل:
أية
قوانين تقصد؟ الثيوصوفي:
نحن
ندعوها القوانين الكَرْمية، لكنكم لن تفهموا
المعنى الكامل للمصطلح إلا بدراسة علم الغيب.
بيد أن حجتي لم تقم على فرضية هذه القوانين،
بل على مقايسة النبتة حقاً. توسَّعْ في هذه
الفكرة وطبِّقْها عالمياً، وسرعان ما ستجد أن
لكل فعل مادي بحسب الفلسفة الحقيقية نتيجته
الأخلاقية الدائمة. لعلك إذا أسأت إلى إنسان
بإلحاق أذى جسماني به معتقدٌ أن وجعه
ومعاناته لا يمكن أن يمتدا بأية وسيلة إلى
جيرانه، فكيف بالحري إلى البشر في الأمم
الأخرى؟ أما نحن فنؤكد أنهم سيفعلان،
إنما في الوقت المناسب. لذا نقول إن
المشاعر الأخوية كالتي بشَّر بها جميع
المصلحين الكبار، ولاسيما بوذا والمسيح، لن
تكون ممكنة على الأرض إلا عندما يبلغ كل إنسان
إلى فهم أننا بظلمنا إنساناً لا نظلم أنفسنا
وحسب بل البشرية جمعاء على المدى البعيد وإلى
قبول ذلك كحقيقة مسلَّم بها. هدفانا
الآخران
السائل:
هل
لك أن تشرح لي الآن ما هي الطرق التي
تقترحونها لتحقيق هدفكم الثاني؟ الثيوصوفي:
أن
نجمع لإغناء مكتبة مقرِّنا العام في أديار،
مَدْراس (والأعضاء في فروعه لإغناء مكتباتهم
المحلية) كل ما نستطيع العثور عليه من
المؤلفات الجيدة في ديانات العالم. تدوين
معلومات حول مختلف فلسفات الماضي ومنقولاته
وأساطيره، ونشرها نشراً واسعاً بوسائل ممكنة
الاستعمال، كترجمة ونشر مؤلفات أصلية
قيِّمة، أو مقبوسات منها وشروح عليها، أو
التعليمات الشفهية لأشخاص متمكِّنين في
مجالاتهم الخاصة. السائل:
وماذا
عن الهدف الثالث: تنمية القدرات الروحية أو
النفسانية الكامنة في الإنسان؟ الثيوصوفي:
وهذا
أيضاً ينبغي إنجازه بواسطة المنشورات في
الأماكن التي يتعذَّر فيها إعطاء محاضرات أو
تعاليم شخصية. واجبنا هو أن نبقي الحدوس
الروحية حيَّة في الإنسان وأن نقاوم التعصُّب
ونردَّ عليه بعد تقصِّيه الضروري وتقديم
البراهين على طبيعته اللاعقلانية، أياً كان
شكله، دينياً أم علمياً أم اجتماعياً، وأن
نجابه خاصة كل طائفية دينية أو اعتقاد
بالمعجزات أو أي شيء خارق للطبيعة. إن ما يجب
علينا هو السعي للحصول على معرفة جميع
قوانين الطبيعة وعلى نشرها، وتشجيع دراسة هذه
القوانين التي قلما يفهمها الإنسان الحديث،
تحت ما ندعوه اليوم بعلوم الغيب، القائمة على
المعرفة الحقيقية بالطبيعة، بدلاً من
المعتقدات الخرافية القائمة على الإيمان
وعلى السلطة الأعميين في الوقت الحاضر.
فالأعراف والتقاليد الشعبية، مهما بلغت من
السطحية، تقود في بعض الحالات، إذا تم
التدقيق فيها، إلى اكتشاف أسرار بائدة من
أسرار الطبيعة لكنها هامة. كذا فإن الجمعية
ترمي إلى متابعة هذا الخط من التقصِّي على أمل
توسيع حقل الرصد العلمي والفلسفي. حول
قدسية الميثاق
السائل:
هل
لديكم نظام مناقبي خاص تطبقونه في الجمعية؟ الثيوصوفي:
المناقب
جاهزة وواضحة لكل من أراد اتباعها. وهي تشكل
جوهر وصفوة الأخلاق العالمية التي جُمِعت من
تعاليم جميع المصلحين العالميين الكبار.
ستجدون ممثَّلين فيها كونفوشيوس وزردشت،
لاوتسه والبهغفدغيتا، وصايا غوتاما
البوذا ويسوع الناصري، أخلاق هِلِّل
ومدرسته، كما وتعاليم فيثاغوراس وسقراط
وأفلاطون ومدارسهم. السائل:
ولكن
هل يتبع أعضاء جمعيتكم هذه الأخلاق؟ لقد سمعت
أنه نشبت بينهم فتن ونزاعات خطيرة. الثيوصوفي:
هذا
طبيعي جداً بما أنه على الرغم من أن الإصلاح (في
وضعه الحالي) قد يدعى جديداً فللرجال والنساء
المزمع إصلاحهم الطبيعة البشرية الخطَّاءة
ذاتها التي كانت لهم في الماضي. وكما سبق لنا
القول فإن الأعضاء العاملين قلة. لكن عدد
الأشخاص المخلصين الحسني الأهلية ممن يعملون
ما بوسعهم للارتقاء بحياتهم إلى مثالهم ومثال
الجمعية لهو عدد كبير. ومن واجبنا أن نشجع
ونساعد كل عضو فرد على تحسين نفسه فكرياً
وأخلاقياً وروحياً، لا أن نلوم أو ندين الذين
يخفقون في ذلك. إذ ليس من حقنا، إذا توخينا
الدقة في الكلام، أن نرفض الانتساب لأي كان،
ولاسيما في الفرع الباطني للجمعية الذي "داخِلُه
كمن يولد من جديد". ولكن إذا اختار أحد
الأعضاء، على الرغم من مواثيقه المقدسة
على كلمة شرفه، وعلى ذاتــه الخالدة،
الاستمرار بعد هذه "الولادة الجديدة"،
ومع الإنسان الجديد، في مثالب أو معايب حياته
القديمة والإغراق فيها وهو مايزال في
الجمعية، عندئذٍ يُطلَب منه على الأرجح أن
يستقيل وأن ينسحب؛ أو، في حال رفضه، لابد من
طرده. ولدينا لمثل هذه الحالات الطارئة قواعد
في منتهى الصرامة. السائل:
هل
بالوسع ذكر بعضها؟ الثيوصوفي:
نعم.
بداية، ليس لأي عضو في الجمعية، الظاهرية أو
الباطنية، الحق بفرض آرائه الشخصية على أي
عضو آخر. "ولا يجوز لأي ممثل رسمي للجمعية
الأم أن يعبر علانية، بالكلام أو بالفعل،
عن عداء أو عن تفضيل لأي قِسم،9
ديني أو فلسفي، على آخر. إن للجميع حقاً
متساوياً من جهة المميزات الجوهرية لمعتقدهم
الديني المطروحة على منبر عالم منصِف، وليس
لأي ممثل رسمي للجمعية، خلال ممارسته
لوظائفه، الحق في التبشير بنظراته ومعتقداته
المذهبية الخاصة أمام أعضاء مجتمعين، إلا
عندما يتألف الحضور من أناس مشتركين في الدين.
وبعد التنبيه المناسب، يعاقَب خرق هذه
القاعدة بتعليق العضوية أو الطرد." وهذه
إحدى الإساءات في الجمعية جملة. أما فيما
يتعلق بالفرع الداخلي الذي ندعوه اليوم
بالباطني، فهاكم القواعد التي وُضِعت
واعتُمِدت
منذ عام 1880: " ليس لأي عضو
أن يستخدم استخداماً أنانياً أية معرفة أطلعه
عليها أي عضو من الفرع الأول (الذي يسمى الآن
"درجة" أعلى)؛ وأي خرق لهذه القاعدة
يعاقَب بالطرد." على أنه قبل نقل أية معرفة
كهذه، على الطالب أن يلتزم رسمياً بالقَسَم
بعدم استخدامها لأغراض أنانية وبعدم إفشاء
شيء قيل له من غير إذن.
السائل:
ولكن
هل للمطرود أو المستقيل من الفرع حرية إفشاء
ما قد تعلمه؟ أو خرق أي من بنود الميثاق الذي
التزم به؟ الثيوصوفي:
طبعاً
لا. فلئن أحلَّه فصله أو استقالته من الالتزام
بالطاعة للمعلِّم والمشاركة بدور فعال في
الجمعية، لا يُحِلانه قطعاً من ميثاقه المقدس
بصون السر. السائل:
ولكن
هل هذا منطقي وعادل؟ الثيوصوفي:
بكل
تأكيد. فميثاق بصون السر يتعهد به بـكلمة
شرفــه، ومن باب أولى بذاته العليا – الإله
في الداخل –، أي رجل أو امرأة يتحلَّيان
بالحد الأدنى من الإحساس بالشرف – ميثاق كهذا
ملزِم حتى الموت. ومع أنه قد يترك الفرع
والجمعية، لن يجرؤ أي رجل أو امرأة شريفان على
مهاجمة أو إيذاء تنظيم كانا التزما نحوه
بميثاق. السائل:
ولكن
أليس في هذا بعض الشطط؟ الثيوصوفي:
ربما
كان كذلك بحسب المعيار المتدني للوقت الحاضر
وأخلاقياته. ولكن ما نفع قَسَم لا يُلزِم إلى
هذا الحد؟ وكيف لأيٍّ كان أن يتوقع تعلُّم
معرفة سرية إذا كان يحل له، كلما حلا له ذلك،
التحرر من كل الالتزامات التي تعهَّد بها؟ أي
أمان وأية ثقة وأي ضمان له أن يوجد بين البشر
يوماً إذا لم تكن لمواثيق كهذه في الحقيقة أية
قوة مُلزِمة؟ صدِّقني، إن قانون الجزاء (كرما)
سرعان ما سينال ممَّن ينكث بميثاقه، وربما
بالسرعة التي ينال منه بها احتقار كل امرئ
شريف، حتى على الصعيد الجسماني. فكما تحسن
التعبير عن ذلك مجلة الصراط10
الصادرة في نيويورك التي ذكرناها لتوِّنا
بهذا الصدد: "كل ميثاق يُعقد فهو
ملزِم المرء أبداً، في عالمي الغيب والأخلاق
كليهما. فإذا نكثنا به وعوقبنا على ذلك لا
يبرر لنا هذا النكث به
ثانية، ومادمنا نفعل ذلك فإن ميزان قانون
كرما القدير لابد مرتد علينا." *** *** ***
1
اُنظر (في نهاية الكتاب)
القواعد الرسمية لـ ج. ث.، الملحق الأول.
ملحوظة: "ج. ث." اختصار لـ"الجمعية
الثيوصوفية". 2
كان العشارون يُعتبرون آنذاك لصوصاً
ونشالين. وكان اسم العشار ومهنته يمثلان في
نظر اليهود أبشع ما في الدنيا إطلاقاً. فكان
يحرَّم عليهم دخول الهيكل؛ ويتكلم متى (18: 17)
على "الوثني" و"العشار" بوصفهما
شيئاً واحداً. بيد أن هؤلاء ما كانوا غير
جباة الضرائب الرومان الذين يشغلون عين
المنصب الذي يشغله الموظفون الإنكليز في
الهند وغيرها من البلدان المستعمرة. 3
إنجيل متى 3: 44-47. (م) 4
"مع حلول نهاية العصر الوسيط كان الرق،
راضخاً لسلطان القوى الأخلاقية، قد اختفى
عملياً من أوروبا؛ لكن حدثين بالغي الشأن
وقعا تغلَّبا على سلطان هذه القوى الفاعلة
في المجتمع الأوروبي وأطلقا من عقالها
جمهرة من المصائب على الأرض قلما عرفت
البشرية مثلها. أحد هذين الحدثين كان أول
رحلة إلى ساحل مأهول بالهمج كان الاتجار
بالبشر فيه رائجاً؛ وكان الحدث الآخر
اكتشاف عالم جديد انفتحت فيه مناجم ثروة
طائلة، على أن تُستورَد اليد العاملة
لاستثمارها. أربعمئة سنة والرجال والنساء
والأطفال يُنتزعون من كل مَن يعرفون ويحبون
ليباعوا على ساحل أفريقيا لتجار أجانب؛
فكانوا يُسلسَلون في أجواف السفن – الموتى
مع الأحياء في أحيان كثيرة – في أثناء "العبور
الأوسط" المروِّع، حيث ألقي بمئتين
وخمسين ألفاً من أصل ثلاثة ملايين وربع
المليون منهم في البحر إبان هذا العبور
المميت، فيما كُتب على مَن تبقى منهم بؤس لا
يوصف في المناجم أو تحت السياط في حقول
القصب والرز. إن المسؤولية عن هذه الجريمة
النكراء تقع على عاتق الكنيسة المسيحية. ’باسم
الثالوث الأقدس‘ عقدت الحكومة الإسبانية (الكاثوليكية
الرومانية) أكثر من عشر معاهدات تجيز بيع
خمسمئة ألف إنسان؛ وفي عام 1562 أبحر السِر
جون هوكنز في جولته الشيطانية لشراء أرقاء
في أفريقيا وبيعهم في جزر الهند الغربية
على متن سفينة حملت اسم يسوع المقدس؛ بينما
كافأته أليصابات، الملكة البروتستنتية،
على النجاح الذي أصابه في مغامرته، وهي
الأولى من نوعها يقوم بها إنكليز في هذا
الاتجار غير الإنساني بأن أجازت له أن يلبس
شعاراً لنبالته ’نصف مغربي بلونه الأصلي،
مشدود الوثاق، أو، بعبارة أخرى، عبداً
زنجياً مسلسلاً‘." فتوحات الصليب (مقبوس
من الصحيفة اللاأدرية). 5
Edward Bellamy, Looking Backward, 2000-1887, U. S. 1887. New Edition,
New York, Inc., 1951. (م)
6
نسبة إلى "الأممية" Nationalism،
وهي حركة نشأت في الولايات المتحدة بعد
ظهور كتاب بلمي النظر إلى الوراء: 2000-1887.
غني عن القول إن هذه الحركة لا تمت بصلة إلى
"الأممية" الشيوعية لأنها كناية عن
حركة تناصر الإخاء بين البشر والمساواة
الاقتصادية والاجتماعية وتأميم بعض
المؤسسات؛ ومن هنا اسمها. ولقد أغرت
أهدافها عدداً من الثيوصوفيين الأمريكيين
بالانتساب إلى أندية أممية ففعلوا، حتى
اتخذت هذه مساراً سياسياً عام 1890 فاستقالوا
منها. (م) 7
يصعب فهم عبارة بلافاتسكي هذه بدون الخلفية
التي تقدّمها في إيزيس و العقيدة
السرية حول القباله ونشأة المسيحية.
فلقد أصبح يهوه – وهو ’إله قبلي‘ –
الإله الشخصي للمسيحية (والإسلام من بعدُ)؛
إن فروع "الشجرة الإبراهيمية" ثلاثتها
– إلا الوجه الباطن منها – تنكر الأخوة
الإنسانية سراً وعلانية، إلا إذا قُبل هذا
التصور للإله وفقاً لتفاسير مفسريها من أهل
الظاهر؛ الأمر الذي يجعل الإخاء محصوراً في
أبناء الدين الواحد فيما يُعرَف بـ"التآخي
في الدين". وبعبارة أخرى، فإن الأخوَّة،
بما هي وحدة الكل في الواحد، غير معبَّر
عنها في القباله اليهودية التي "إنْ
هي إلا اختزال للقباله الشرقية" (إيزيس 2،
ص 402). وتشير بلافاتسكي إلى وجود اختلافات
بين القباله الشرقية والقباله اليهودية لا
يفقهها إلا قلة من الربانيين الأوروبيين،
على حد قولها (إيزيس 1، ص 580، هامش). (م) 8
هذا مؤدى الآية الكريمة: "كتبنا على بني
إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد
في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن
أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً." (المائدة،
32) (م) 9
"فرع" أو
محفل مؤلف من أصحاب دين واحد، أو فرع بلا
وظيفة [in
pratibus]
كما تسمى الآن بشيء من الأبهة. 10
The Path,
Vol. IV, July 1889, p. 98-9. (م)
|
|
|