|
جِدُّو
كريشنامورتي
(1895-1986)
أصرَّ كريشنامورتي
طوال عمره على أنه لا يريد أتباعاً وقال: "أياً
كان هذا الشخص فإن اتباع الآخر أساساً أمر سيئ."
ولذلك لم يؤسَّس أية منظمة أو يُحِط نفسه
بجماعة من المؤمنين به أو الأتباع، ولم
يصرِّح لأحد بعينه بأن يخلفه أو يفسِّر
تعاليمه أو يشرحها، إنما اكتفى بأن يطلب من
الذين يشاركونه اهتماماته أن يحافظوا، بعد
موته، على سجلٍّ أصلي لأحاديثه وكتاباته
للأجيال القادمة، بما يجعلها متوفرة للجمهور
على نطاق واسع. ما انفك جِدُّو كريشنامورتي
مسافراً حول العالم لأكثر من ستين عاماً،
ملقياً العديد من الأحاديث والمطارحات
العامة ومجرياً لقاءات وحوارات خاصة مع
ملايين الناس من كل الأعمار والخلفيات –
قائلاً دائماً إنه فقط "من خلال تغيير كامل
في قلوب الأفراد وعقولهم يمكن أن يحدث تغيُّر
في المجتمع وسلام في العالم". ولد كريشنامورتي في جنوب
الهند في 12 مايو/أيار 1895، وتوفي في 17 فبراير/شباط
1986 في أوجاي، كاليفورنيا، عن تسعين سنة.
أحاديثه وحواراته ورسائله ويومياته محفوظة
في سبعين كتاباً وفي مئات التسجيلات الصوتية
والمرئية. شهد القرن الذي عاش فيه
كريشنامورتي حربين عالميتين، وعنفاً عرقياً
وطائفياً وسياسياً مستمراً، ومجازر جماعية
لم يسبق لها مثيل، وتطوراً وتكاثراً في أسلحة
الدمار الشامل، بالإضافة للتضخم السكاني،
لانهيار البيئة الطبيعية، ولتفتت المؤسَّسات
الاجتماعية. كل هذه الكوارث زرع الخوف في قلوب
البشر واليأس في مقدرة الإنسان على حلِّ
مشكلاته. خصَّ كريشنامورتي هذه
الأزمة العالمية باهتمام كبير في أحاديثه
كلِّها، داعياً المستمعين إليه إلى أن يولوا
انتباههم الجدِّي للبنى والاستعدادات
النفسية التي تولد العنف والألم في حياتهم. يوسف
أباجي
جوهر
تعاليم كريشنامورتي
يتلخص
في النص التالي الذي كتبه في 21 أكتوبر/تشرين
الأول 1980 ÿÿÿ الحقيقة
أرض بلا دروب. ليس بمقدور الإنسان أن يدنو
منها عبر أي تنظيم، عبر أي معتقد، عبر أية
عقيدة أو كاهن أو طقس، ولا عبر أية معرفة
فلسفية أو رياضة نفسانية. عليه أن يجدها عبر
مرآة العلاقة، عبر فهم محتويات ذهنه هو، عبر
الرصد، وليس عبر التحليل الفكري أو العقلاني
أو التشريح الاستبطاني. لقد
بنى الإنسان تصورات عديدة في خياله سياجَ
أمان طوَّق به نفسه – من صور دينية، وشخصية،
وسياسية. تظهر هذه الصور على هيئة رموز
وأفكار ومعتقدات، ويسيطر عبؤها على تفكير
الإنسان وعلاقاته وحياته اليومية. وهذه
الصور هي سبب مشكلاتنا حيث تفرق بين إنسان
وآخر. إدراك المرء للحياة مقولب على
المفاهيم التي رسخت مسبقاً في ذهنه. ومحتوى
وعيه هو كل وجوده، وهو يشترك في هذا المحتوى
مع البشرية جمعاء. الفردية هي مجرد الاسم
والشكل والثقافة السطحية المكتسبة من
التقاليد والبيئة التي نشأ فيها. إن فرادة
الإنسان ليست في السطحية، بل في التحرر
التام من محتوى وعيه الذي هو الشيء المشترك
بينه وبين سائر البشرية. لذا فهو ليس فردياً. الحرية
ليست ردَّة فعل، ولا هي الاختيار. إنه لمن
زعم الإنسان وحسب أن حرية الاختيار هي
الحرية حقاً. الحرية هي الرصد الصافي بدون
جهة، بدون خوف من العقاب والثواب. الحرية
مجردة من أي حافز. الحرية ليست عند نهاية
تطور الإنسان، بل هي تكمن في الخطوة الأولى
من وجوده. بالرصد نبدأ اكتشاف انعدام حريتنا.
توجد الحرية في إدراكنا المتواصل، المتحرر
من الاختيار، لوجودنا ونشاطنا اليوميين. الفكر
هو الزمن. الفكر وليد التجربة والمعرفة
الملازمين للزمن والماضي. الزمن هو العدو
النفسي للإنسان. فأفعالنا كلها متكئة إلى
المعرفة، وبالتالي على الزمن؛ لذا فإن
الإنسان دائماً عبد للماضي. الفكر – أياً
كان – محدود دائماً، ولذلك نعيش في صراع
ومكابدة دائمين. ليس هناك تطور نفسي. عندما
يصبح الإنسان واعياً لحركة أفكاره يرى
ويكتشف أن هذا الانقسام بين المفكر والفكر،
بين الراصد والمرصود، بين المختبر والخبرة،
ما هو إلا وهم، عندئذٍ فقط يوجد الرصد الصافي
الذي هو بصيرة بدون أي ظل أو شوائب من الماضي
أو الزمن. تجلب هذه البصيرة اللازمنية
تحولاً جذرياً وعميقاً في الذهن. النفي
المطلق هو جوهر الإيجاب. عندما يكون هناك
إنكار ونفي تام لكل تلك الأشياء التي أتى بها
الفكر على نحو نفسي، عندئذٍ تكون هناك محبة،
هي رحمة وفطنة. ÿÿÿ يسمح
بنسخ واستعمال هذا النص بمجمله، ولا يجوز
تغييره أو اقتباس مقتطفات منه
All Rights Reserved
Copyright ©1980 Krishnamurti Foundation of AmericaTM
P. O. Box 1560, Ojai,
California 93024-1560, USA
|
|
|