|
منقولات روحيّةيتمايز
الوعي والطاقة أكثر فأكثر كلما أوغل التجلِّي
في الإفصاح عن ذاته، بنزوله من المستويات
العليا إلى المستويات الدنيا. فالطاقة energy
تنشئ المادة التي تشكل نسيج الكون أو النظام
الشمسي تحت تأثير الوعي consciousness
الذي هو الباعث والمحرض على التعيُّن
والتمايز والتنوع في الكون بأسره. فالطاقة
الإلهية، في اهتزازاتها الأولية، تبدأ
بالتمايز من الأعلى، وصولاً إلى المادة
الفيزيقية التي تكون هي أيضاً مشبعة بالوعي
الإلهي الكامن؛ إذ إنه لا توجد في الكون مادة
ميتة، حيث يقول لنا العلم نفسه إنه توجد في
حبة رمل صغيرة طاقة ووعي كامنان ينزعان
للإفصاح عن ذاتهما. يعد
التصوف والعرفان من الحقول المهمة في المعرفة
الإنسانية، بشكل عام، والمعرفة الإسلامية،
بشكل خاص. فقد توغل أهل العرفان والتصوف في
جميع مجالات الحياة والفكر، وتعمقوا في
مفردات الدين ورموزه وحقائقه، وأنتجوا لنا
نصوصاً تحمل إبداعات مختلفة على صعيد اللغة
والأدب والحكمة المتعالية، وفتحوا في مجال
العلوم علوماً خاصة، كعلم الحروف والأرقام،
وعلم الحكمة، وعلم المقامات، وعلم الأحوال،
وعلم المنازل والدرجات، وعلم الكشوفات، وعلم
الولاية، وعلم النبوة والإمامة والأقطاب،
وعلم الوجود والمعرفة، وعلوم الذات
والأسرار، وعلم الآخر والكيانات. وكذلك
أسَّسوا الفهم الوجودي لكيان الدين واحتوائه
مفردات الوجود، ورسموا اتجاهات معرفية
متعددة في إدراك الإنسان وأسراره وشبكة
اتصالاته بالذات وبالآخر، وكذلك في معرفة
مكنون النصوص الدينية المقدسة والأمثال
العليا والقيم الأخلاقية والاجتماعية
والسياسية. وكان نتائج بحثهم صياغةٌ حية
متكاملة لذات متكاملة، منداحة من عوالم الغيب
إلى عوالم الشهادة، ولحركة الإنسان في الحياة
الدنيا، التي دخلوا كل زواياها ومسالكها، حتى
صاغوا سلوكاً إنسانياً صافياً يحمل كل حيثيات
الإنسانية وتفاصيل ظهورها وتكاملها. ومازال
هذا التراث العرفاني والصوفي يدهشنا
ويثيرنا، كما يحمل في دواخله حضوراً متواصلاً.
والعلة في ذلك ترجع إلى تحطيمه كل القيود
والأسلاك والأنظمة التقليدية التي تتسلَّط
على الحقائق وتُضمِر وجودها وتعيق حضورها
وحركتها الزمانية والمكانية. فأهل هذا العلم
الإلهي يتجوَّلون في مدارات الوجود والمعرفة
والحياة والفكر بشكل حرٍّ وثابت؛ فهم الأحرار
حقاً في كل زمان ومكان، وفي كل دوائر الحياة
اليومية، وعلى صعيد التاريخ الإنساني. *********
|
|
|