إن
الوَقْع الثقافي الأكبر للثورة الكوانتية
يكمن بالتأكيد في التشكيك بالعقيدة الفلسفية
المعاصرة القائلة بوجود مستوى واحد للواقع.
فلنعطِ
كلمة "واقع" معناها البراغماتي
والأنطولوجي في آن معاً.
أقصد
بالواقع réalité،
أولاً، ما يقاوم تجاربنا وتمثيلاتنا
وتوصيفاتنا وصورنا أو تصويراتنا الرياضية.
لقد جعلتْنا الفيزياء الكوانتية نكتشف أن
التجريد ليس مجرَّد وسيط بيننا وبين الطبيعة،
أو أداة لتوصيف الواقع، بل بالحري واحد من
الأجزاء المكوِّنة للطبيعة. في الفيزياء
الكوانتية لا تنفصل الصورية formalisme
الرياضية عن التجربة. إنها، بطريقتها الخاصة،
تقاوم، في آن معاً، بحرصها على التماسك
الباطن وبحاجتها إلى استدماج المعطيات
الاختبارية بدون تدمير هذا التماسك الذاتي auto-consistance.
جُبِلَ
الإنسان من طينة نادرة حقاً؛ أو فلنقلْ إنه
عُجِنَ بخميرة نادرة، هي طاقة الوعي والمعرفة!
غير أن هذا العجين لمَّا يختمر بعد، وهذه
الطاقة لمَّا تتفتح، ولمَّا تتحقق بكمالها
كلِّه. ويُعَدُّ بحثُنا عن شكل نهائي للمعرفة
دليلاً واضحاً على أننا لا نزال أطفالاً
نحبو، وعلى أننا لمَّا نستطع بعدُ الوقوفَ
على أرجلنا والمشي بثبات على أرض الحقيقة.
******************** |