english arabic

 أثرٌ شبحيٌّ عن بعد

 بيتر سبوتس

 

تقوم واحدة من أشهر سنُّوريات القرن العشرين ببطء بفتح الباب لاكتشافات من شأنها أن تثوِّر الاتصالات والكمبيوترات – وتتفتق عن اختبارات أشد فأشد صرامة لأسس الفيزياء نفسها.

القطة هي البطلة التراجيدية بالقوَّة في مفارقة للفيزياء الكوانتية وضعها الفيزيائي النمساوي إرفِن شرودنغر عام 1935. تجد القطة نفسها محبوسة في علبة مع ذرة، وعندما تتحلل الذرة تموت القطة.

في الفيزياء الكوانتية، توجد القطة والذرة في كلتا الحالتين – حيَّتين وميتتين، متحللتين وغير متحللتين – حتى يفتح أحدهم العلبة ويتأكد من الأمر. وبصرف النظر عما يراه الراصد داخل العلبة ترتبط حالتا القطة والذرة ارتباطاً لا تنفصم عراه.

من المفاهيم التي حاول شرودنغر إضاءتها بمفارقته خصيصةٌ أطلق عليها اسم "الاشتباك". فالواقع أن حالة القطة "تعرف" حالة الذرة – حتى عن بُعْد. بذلك إذا اتفق لمختبِر أن يقيس حالة أحدهما، سيعرف حالة الآخر بدون الحاجة إلى القيام بالقياس الإضافي – إذ إن العلاقة بين حالتيهما تبقى ثابتة.

يشكل الاشتباك قاعدة العناصر الرائسة في الحقل المزهر للكَمْبتَرة والاتصال الكوانتيين. وتبقى مسألة بناء الكمبيوترات الكوانتية أصلاً مسألة مفتوحة، على حدِّ قول بعض الباحثين. لكنما إذا بُنِيَت كمبيوترات كهذه فإن تحقيق الاشتباك والحفاظ عليه سيشكِّل حرجاً على كل شيء، من معالجة المعطيات إلى إرسالها.

من هنا اللغط حول تقرير صَدَرَ هذا الأسبوع مفاده أن فيزيائيين في الدانمارك قد شبكوا عنقودين كبيرين من الذرات في حاويتين متجاورتين. والواقعة تمثل، على حد ما قال الفريق، أول إثبات للاشتباك بين عنقودين كبيرين مفصولين، في حرارة الغرفة، ولفترات طويلة نسبياً من الزمن.

ليس جهد الفريق الدانماركي هو المرة الأولى التي شبك فيها العلماءُ الذرات، كما أشار أويْغِن بولتسِك الذي قاد الفريق في جامعة آهروس في الدانمارك.

ففي العام الماضي، على سبيل المثال، بلَّغ باحثون في المعهد القومي للمقاييس والتكنولوجيا في بولدر، كولورادو، أنهم حققوا حالات اشتباك بأربع ذرات. وقد بيَّنت الذرات المشتبكة في اختبار المعهد المذكور علاقاتها عبر تفاعلات عن كثب.

نقطة علام للكمبترة الكوانتية

وقد قال الدكتور بولتسِك إن "تلك كانت نقطة علام للكمبترة الكوانتية. لكنها ليست بالجودة المطلوبة من أجل الاتصالات الكوانتية التي تحتاج إلى إيجاد قسيمات مشتبكة تبعد أميالاً بعضها عن بعض."

مضى فريقه بهذا التوقُّع قُدُماً باستخدام ليزر لشَبْك الذرات في حاويتين بينهما مسافة بضعة ميليمترات. وقد جمع فريقه ذرات سيزيوم واحتجزها في حاويتين زجاجيتين حَوَتْ كل واحدة منهما ترليون ذرة.

عالج الباحثون كل عيِّنة بليزر لإعطاء "اللفِّ" المغناطيسي الإجمالي لكل عنقود اتجاهَه. ثم أرسل الفريق شعاع ليزر مفرد عبر العيِّنتين لشَبْك السحابتين المتباينتين. ولقد بيَّنت طلقة ليزر مماثلة متأخرة عن الأولى بنصف مليثانية أنه بينما انتقل اتجاه لفُّ كل سحابة بعض الشيء فإن العلاقة الأصلية بين اتجاهي السحابتين بقيت على حالها.

"هذه خطوة حقيقية إلى الأمام"، عى حدِّ قول وليم فوتِّرز، الفيزيائي في وليمس كولدج في وليمس، ماساتشوستس، الذي يدرس التفاعلات الكوانتية ولم يشترك في الاختبار.

يَعِد استخدامُ الفريق للِّيزر لشَبْك سُحُب الذرات المنفصلة بإجراء اتصالات كوانتية أبعد مسافة، الأمر الذي يتطلب جملة من القسيمات المشتبكة عند كل نهاية من نهايتي "الصلة" الكوانتية.

يخطط الفريق، مثله كمثل أطفال في مسابقة لرمي البيض، لمواصلة توسيع الشقة بين العيِّنتين للتوصل إلى المسافة القصوى الفاصلة بين السحابتين التي تجيز تحريض الاشتباك.

"للاشتباك تاريخ عريق في الفيزياء،" على حدِّ قول الدكتور فوترز. فبالعودة إلى الفترة التي كان السيد شرودنغر يكتب فيها عن زجِّ القطط والذرات في علب، نجده يعتقد أن الاشتباك هو السمة المفردة للنظرية الكوانتية التي تميِّزها عن الفيزياء "الكلاسية" التي يمكن فيها تمييز السبب عن النتيجة ويتعذَّر فيها على عنصر أن يؤثر في عنصر آخر على مبعدة عنه تأثيراً آنياً.

بالمقابل، بوسع مختبِر، بحسب الميكانيكا الكوانتية، أن يشبِك زوجين من القسيمات، ويباعِد فيما بينهما مسافات شاسعة، ثم يغيِّر حالة أحدهما آنياً بتغيير حالة الآخر – حتى على مسافات تُقدَّر بملايين السنين الضوئية.

سيبقى هذا "التأثير الشبحي عن بعد"، بحسب ألبرت أينشتاين وزميلين له [هما بودولسكي وروزِن]، نتيجة مباشرة من نتائج الميكانيكا الكوانتية إذا لم يُعثَر له على سند أكثر كلاسية. لقد كان من التحدي للحسِّ المشترك بحيث إنهم رفضوا أن يأخذوا بالميكانيكا الكوانتية كتعليل تام لكيفية عمل الفيزياء حقاً على المستوى الصغائري.

ولقد بقي الجدال في عالم "الاختبارات الفكرية" مستمراً حتى عام 1964 عندما وصف الفيزيائي الإرلندي جون بِلْ، العامل في المركز الأوروبي لفيزيائي الطاقات العليا في جنيف، طريقة لوضع الفكرة على محكِّ الاختبار. علاوة على ذلك فقد خَلُص إلى أن اتِّباع المرء لتفاصيل محاجَجَة أينشتاين حتى نهايتها المنطقية لا يجعل الميكانيكا الكوانتية ناقصة وحسب، بل يجعلها خاطئة. من هنا فقد أطلق موجة من الاختبارات أثبتت الاشتباك في السبعينيات والثمانينيات.

في عام 1997 قام فريق في جامعة جنيف بإثبات استثنائي الدراميَّة بشَبْك صُرَر من الضوء تدعى فوتونات، ومن بعدُ بإرسالها في اتجاهات متعاكسة عبر خطوط من الألياف البصرية حتى كاشفات تبعد عنها ما يقرب من سبعة أميال.

عندما قاسوا خصائص فوتون واحد كان لهذا أثرٌ آني على الآخر. فلو أن التفاعل سلك سلوكاً كلاسياً لكان مقدارٌ من الزمن قابلٌ للقياس انقضى بين قياس الأول والأثر على الثاني.

يركَب فريق بولسِك ما يدعوه الدكتور فوتِّرز "موجة جديدة" لاختبارات الاشتباك، لم تنبثق إلا في أواسط التسعينيات، يحدوها الدافع إلى تصميم وبناء كومبيوترات كوانتية.

يعود الفضل إلى الفيزيائي في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا ريتشارد فاينمان في كونه أول مَن اقترح استعمال الكمبترة الكوانتية، ولاسيما من أجل دراسة الظواهر الكوانتية.

السرعة، المزيد من السرعة

لكن الفكرة حصلت على أكبر الدفع عام 1993، كما يقول الباحثون، عندما بيَّن بيتر شور في مختبرات إي تي أند تي في فلورهام، نيو جيرسي، أن بوسع كومبيوتر كوانتي أن يحلَّ عدة أنماط من المسائل حلاً أسرع مما يمكن لكومبيوتر اتباعي أن يفعل. تتراوح مسائل كهذه من تحليل أعداد أولية كبيرة إلى عواملها (المفتاح لفك كودات التدوين السري للمعطيات) إلى مسألة "البائع الجوَّال" التي تحاول إيجاد أنجع طريق يتخذه الناس فيما لو احتاجوا إلى زيارة عدة زبائن في مقدار معطى من الزمن.

تتطلب الكومبيوترات الكوانتية، كما يلحظ فوتِّرز، تجميعات كبيرة من القسيمات المشتبكة لتحقيق قدرة ضغط المعطيات المطلوبة لحلِّ هذه المسائل. والاشتباك ينطوي كذلك على مفتاح الاتصال الكوانتي والنقل الكوانتي عن بعد كطريقتين لنقل المعلومات الكوانتية ضمن وبين الكومبيوترات الكوانتية.

طرح الباحث في آي بي إم تشارلز بِنِّت وزملاؤه إمكانية النقل الكوانتي عن بعد للمرة الأولى عام 1993.

"النقل عن بعد هو مصطلح غير موفَّق حقاً"، على حد قول الفيزيائي في جامعة ميتشغان كريستوفر مونرو. "إنه يفترض نقل الناس من النقطة أ إلى النقطة ب"، في حين أنه يشير في الواقع إلى "إيجاد حالة كوانتية في مكان ما سبق لها أن وُجِدَت في مكان آخر" بدون تدخل أي رابط.

فمن أجل نقل هذه الحالات آنياً عن بعد، يتابع مونرو، على المرسِل والمستقبِل أن يشتركا في مصادر مشتبكة، من نحو سحب بولتسِك الذرية.

ففيما دعاه الدكتور مونرو ألفَتَ اختبار للنقل عن بعد جرى حتى الآن، قام فريق من الباحثين من معهد كالْ تِكْ في باسادينا قبل ثلاثة سنين باستعمال النقل الكوانتي عن بعد لنقل فوتونات مسافة ثلاثة أقدام. فعلى غير الاختبارات التي دمَّرت الفوتونات المنقولة كجزء من السيرورة التي تؤكد وصولها، ابتكرت مجموعة كالْ تِكْ جهازاً للتحقق من وصول الفوتونات بدون تدميرها.

الخطوة المقبلة، يواصل مونرو، ستكون نقل حالات ذرات أو قسيمات مادية أخرى عن بعد – وهو إنجاز مازال بعيداً بعشرين سنة على حدِّ تقديره.

*** *** ***

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

Editorial

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود