|
ليكنْ...
(أمكنة)
معن
عبد السلام
هل
قالت أعودُ؟ خلتُ
صوتَها قادماً يطرقُ أصابعَ الليل خلتُ
ربيعاً راحَ يزهرُ على سياجِ حديدْ هل
قالت شيئاً؟ سمعتُ
اسمَها معلَّقاً على أطرافِ الشَّجَرْ رأيتُ
دمعةً تنزلُ مطرْ. * سيلاً
يحكي عمودُ النورِ يروي
مطراً يروي
ذهباً يضحكُ
الرصيفُ، يضحكُ، ويضحكْ حتى
تنفرج بلاطاتُه عن عشبٍ ندي. * ذهبَ
الجميعُ، الرجالُ، النساءْ الأطفالُ
بأفراحهم، والشتاءُ بمطره عادَ
الرصيفُ رمادياً مرقطاً بالأبيضِ والأسودْ عادَ
يحكي قصصَه المُخبَّأة للسماءْ. * لم
يَرَ الصبحَ الشمسَ
لم يَرَها لم
يَرَ الشجرَ القمرَ
لم يَرَه غارقٌ
حتى مَفْرِقِ شعرِه تحت
الحشراتِ المعدنيةْ. * يدَهُ
يمدُّ لعلَّه
يطالُ الكرةَ الهاربةَ لعلَّه
يُفرِحُ الصبيَّ يتزحلقُ يقعُ
أرضاً يستطيلُ
ويستطيلْ يصيرُ
رصيفاً بلا نهايةْ يصيرُ
توقاً طويلا. * هل
كنتُ أضحكُ هل
كنتُ أبكي لم
أعدْ أذكرُ إلا
أنني طرقتُ وجهَ الرصيفْ إلا
أن دماً راحَ يفيضْ. * يصيحُ
الديكُ المشاعرُ
تَئِزُّ، تحتارْ يختلجُ
الصدرُ، تنتبهُ الرؤيا هواءٌ
يعبرُ تأوُّه
يطفو. * جاءَ
ليلعبَ الغُمَّيْضة دخلَ
الحارةَ وقتَ العصرِ – وكنا
ثلاثة – عملنا
رتلاً، عملنا دائرةً ثلاثةُ
أطفالٍ وهواءْ ندورُ
نغمزُ الشمسَ لا تغيبْ نهتفُ
الضحكةَ لا تضيعْ. * ناعمٌ
على تساريحِ الماءِ المرتعشِ يغفو
لحظة يستيقظ
حاملاً النغمةَ البيضاءَ حاملاً
الصباحَ على كتفيهِ الشفيفين. * بعد
مساءين تصلُ يدُك حائطاً ترسمُ
حرفاً مستديراً ترسمُ
حرفاً آخرَ ترسمُ
جيلاً من الحروف جيلاً
من الأسماءِ، والغاباتِ، والثمارِ الملتمعة ترسمُ
شمساً واحدة فقط
شمساً واحدةً لا تغيبْ. * مسائي
الخوفُ لا يأتي وحدةٌ
لا تجتذبني كأني
خلاصُ الزَّمنِ من نَوَسَانِه كأني
صبحٌ خَفَّ إلى حيٍّ عتيقْ. * في
المدنِ الزرقاءِ بَشَرٌ لا أفواهَ لهم في
المدنِ الزرقاءِ ذاتِ الأشجارِ الطويلة أفواهٌ
حُمْرٌ تبني أعشاشاً لكلماتٍ سرِّية لأغنياتٍ
حزينة. ***
انكساركِ
خيبتي
أقلُّ
من الكثيرِ لا ينمو الفزعُ اغربي اشرقي لقائُك
غريبٌ، وجودُك غريبْ إلى
أعوادِ النَّرجسِ يَربُطُ الغيمَ يطلَعُ،
مثل الخنجرِ يدخلُ الشمسَ رواقاً هائلاً
يذرفُ حقولَ القلبِ زبداً
أخضرَ نرجساً
أبيضَ شَبَهٌ
غامضٌ لزورقِ الماءِ يرتفعُ عن
الموجِ للولادةِ
القصوى تميلُ غدراناً للخفوتِ للنزولِ انكسارُكِ
مشيئتي أم خيبتي تطلعينَ
مثلَ الدمعِ الساقطِ
بالدهشة رنينِ
الندى قبل الفجرِ ُكفِّي غطَّى
جروحَهُ يركضُ في الجدارِ الصلبِ القلبُ ُكفِّي يخرُمُ
الأذنَ الضوءُ يعلِّقُ
ألواناً ِشمالاً نحلاً
يترنَّح حولَ النار انتقلي مؤلمٌ
صعودُكِ، تنفَّسي موجعٌ
صريرُ العَتْم على
الجبين. ***
ليكنْ...
ليكنْ
اسماً ليكنْ
هامشاً ليكن
صندوقَ سيارةٍ لا يُفتَح زهرةً
قربَ حائطٍ مشروخْ لتكنْ
فتاةً تسيرُ إلى بيتٍ مهجورْ إصبعَ
طفلٍ تداعبُ شفتينِ متورِّدتين ليكنْ
هامشاً كبيراً – ليس واسعاً – لصمتٍ
يمدُّ أذْرُعَه فوقَ الرَّماد والخدودِ
الفاتحة هامشاً
مُضيئاً لزنبقةٍ تولدُ مرةً واحدةً في السنة وتذوي
عندما تحتدُّ ألسنةُ الهواءِ الثقيل انزلاقَ
الرطوبةِ التي لا تأتي. اسماً
ما شيئاً
ما سحابةً،
ربما، أو نظرةَ تلك الفتاة شيئاً
ما يستحيل غياباً يختلفُ
مع ضفيرتين حارقتين خريفاً
ما شتاءً
ما سياجاً
خلفَ رصيفٍ دافئ أو
نداءً نداءً باردا. *** بين
صمتكِ وإبريقِ الشايِ تمرُّ نعامتان يجنحُ
الليلُ لا يُخبِرُ عن مسارِهِ، لا ينتظرُ
فهرساً لا
ينتظرُ رماداً خلَّفَه ونعامتين
حديدُهما فستقٌ مزهرٌ تلمسان ذهابَكِ
الأسمرْ وحدتَكِ
المسماةَ قشعريرة. * ثلجٌ
على الأغصانْ ثلجٌ
على الحديدْ ثلجٌ
على المغيبْ أحببتُ
صمتَكِ حتى
الشتاءْ. *** أدينُ
منها
أدينُ
منها الرمالَ، نقرَ الهواءِ
على بابها – ولا
يفتحُ بابُها – أدينُ غمرَ
الموجِ لقدميها يعودُ زبداً،
لا يتحولُ ماساً لا
يكونُ خَرَزاً يُعلَّق
خِلخالاً يرنُّ للمساءِ لنجيماتِ
المساءِ، تنزلُ الواحدةُ خلفَ
الأخرى تنسالُ
مع جَعْدةِ شعرِها،
تبرقُ لأجنحةٍ تواري أجنحةْ لوصالِ
الرملِ يغزوهُ الماءُ، يرتعدُ، تغزوهُ
الحِنَّةُ السمراءُ، يبكيْ. * الأمكنةُ
المغطاةُ حلماً الأحجياتُ
الحزينةُ تحتَ اللسانْ تلكَ
الأراضي القبعةُ لا
يغيبُ الشفقُ عن حدودِها، قمرُها نحلةٌ
تطنُّ على أكتافِ النساءِ الحوامل. الفارعةُ
الطولِ، الأمكنةُ، الجالسةُ في حضنِ صبيٍّ
يرقُّ العجينَ،
يخبزُ أحلاماً وطيوراً بحجم الشبابيك
المفتوحة. ***
*** *** |
|
|