|
استراتيجية غصن
الزيتون
لكسر
دائرة العنف
الأب
رائد عوض أبو ساحلية
لقد
قلنا مراراً وتكراراً: "إن الشعب الفلسطيني، لأنه يملك قوة الحقيقة والشرعية
الدولية، فهو أقوى بالحجارة من السلاح، وأقوى
بكثير بأغصان الزيتون من الحجارة". ولكن لم
يسمع أحد هذا النداء، فاستمرت دائرة العنف
المبنية على المبدأ الطردي: "لكل فعل ردُّ
فعل معاكس له في الاتجاه ومضاعف له في القوة."
ومن هنا فإن "العنف يولد العنف والدم ينادي
الدم". لذلك لا بد من كسر دائرة العنف
المتصاعدة والتحلِّي بالشجاعة التاريخية
ورمي السلاح والحجارة ورفع غصن الزيتون من
جديد، ذلك الغصن الذي رفعه بيمينه السيد
الرئيس أبو عمار في خطابه الشهير في الأمم
المتحدة عام 1974 حيث قال: "إني قادم وأحمل
غصن زيتون بيد وبندقية بالأخرى، فلا تدعوا
غصن الزيتون يسقط من يدي." ومنذ
ذلك الوقت استخدمنا كل الوسائل وما زلنا
نراوح مكاننا. لذا لا بدَّ من نهج آخر يتلاءم
مع المستجدَّات على الساحة الدولية. وألخِّص
هذا النهج باستراتيجية غصن الزيتون، ولدي ما
يبرر ذلك: 1.
لا أخلط بين المقاومة
والعنف: فالمقاومة حق مشروع لكل شعب يقع تحت
الظلم والاحتلال، بينما العنف والإرهاب
اعتداء على حرية الآخرين في مالهم وحريتهم
وأرضهم، وخاصة الأبرياء منهم. 2.
هناك وسائل كثيرة للمقاومة
المشروعة، العسكرية منها والسلمية، السياسية
والإعلامية. وقد جربنا كل هذه الوسائل ونجحنا
في إبراز القضية على أعلى المستويات العالمية. 3.
وفي نطاق التطورات الأخيرة
في العالم وموجات الإرهاب وحرب مقاومة
الإرهاب، صار من الصعب التفريق بين المسموح
والممنوع والممكن والمحرَّم، نظراً لحساسية
الأوضاع. فكان قرار وقف إطلاق النار، ولو من
جانب واحد، قراراً حكيماً والتحول إلى الحلبة
السياسية مطلوباً لجني ثمار المرحلة السابقة
من المقاومة. 4.
إن هذا الخيار الاستراتيجي
ليس ضعفاً ولا عجزاً، بل حنكة سياسية تتطلب
دعماً جماهيرياً من ناحية الالتزام بوقف
إطلاق النار من جهة، وخوفاً من أن يكون الأمر
سلبياً فقط، يتطلب تحركاً شعبياً على مستوى
القاعدة لاستمرار انتفاضة سلمية حتى تحقيق
الأهداف المرجوة بالنصر والاستقلال والحرية. 5.
وهذا ما أسميه باستراتيجية
غصن الزيتون التي تقوم على تحريك الشارع
الفلسطيني والعربي والإسلامي والدولي باتجاه
السلام بمبادرات إبداعية لاعنفية بحتة تطالب
بانتهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي
الفلسطينية من جهة، ولكن أيضاً، لكي تكتسب
بعداً عالمياً، تدعو إلى إنهاء كل أشكال
العنف والإرهاب، بما فيها الحرب على
أفغانستان. 6.
إن هذا النهج سيُكسِب الشعبَ الفلسطيني
دعماً محلياً ودولياً
ويجعل منه رائداً لحركة سلام عالمية تساهم في
وضع حدٍّ لهذه الفوضى التي قد تؤدي إلى كارثة
عالمية تفاقِم الأمور وتعقدها بدلاً من
تهدئتها وحلحلتها. 7.
إن ما يشجع على هذا النهج
أيضاً الفرص التي سنحت في الأفق على لسان جورج
بوش الابن وتوني بلير وغيرهما من زعماء
العالم الذين اقتنعوا أخيراً بضرورة إقامة
دولة فلسطينية قابلة للحياة إلى جانب دولة
إسرائيل. فيجب عدم تفويت هذه الفرصة بل
اغتنامها. 8.
وبسبب "الخربطة"
الأخيرة باغتيال الوزير رحبعام زئيفي، يجب
تجاوز المأزق الحالي، وقطع الطريق على
استغلاله ذريعة لتوسيع دائرة العنف، وذلك
بالإسراع في طرح مبادرة سياسية ضمن منطق جديد
وشجاع يضع الكرة في ملعب إسرائيل، من جهة،
ويخدم مصلحة الطرفين، من جهة أخرى. 9.
تقوم هذه المبادرة على تحدي
الجانب الإسرائيلي بنبذ كل أنواع العنف علنياً أمام العالم وتعهد الشعب
الفلسطيني،
بجميع فصائله، بالالتزام بذلك مهما كان الأمر، ثم دعوة إسرائيل لسلام سريع وشامل
وعادل يقوم على مبدأ "الأرض مقابل الأمن
والسلام" تطبيقاً لقرارات الشرعية الدولية
بحذافيرها. 10.
تقوم الأمم المتحدة ودول
العالم بفرض حلٍّ ملزِم على الطرفين بدعوة كل
من السيد ياسر عرفات وأرئيل شارون للتوقيع
على مثل هذا الاتفاق ووضع الجدول الزمني
والآليات العملية لتنفيذه بالسرعة الممكنة
والإعلان عن نهاية الصراع مرة واحدة وللأبد. بعد
هذا العرض لضرورة اتباع استراتيجية غص
الزيتون نأتي على ذكر بعض التفاصيل العملية
خوفاً من البقاء في عالم الأفكار الطوباوية: 1.
تبنِّي النهج اللاعنفي
السلمي للمقاومة بشكل قطعي وشامل على مستوى
القيادة والقاعدة وذلك بالدعوة إلى ذلك علنياً. 2.
البدء بتربية سريعة على
النضال اللاعنفي في المدارس والجامعات
والمؤسَّسات الوطنية لكي يكون العمل منظماً
وفعالاً. 3.
وضع برنامج مبادرات
وفعاليات لاعنفية يومية على مستوى الوطن
والخارج ذات أبعاد رمزية مؤثرة تنقل صورة
جديدة حضارية للعالم عبر وسائل الإعلام. وعلى
سبيل المثال، لا الحصر، أعرض اقتراحاً عملياً
استنبطته من جملة قرأتها مؤخراً عن
الكاردينال مارتيني الذي يقول فيها: "إن
حمامة نوح ما زالت تقف على غصن زيتونتنا"
وأضيف إلى هذا الجملة: "إن حمامة نوح رجعت
بغصن زيتون مبشِّرة بنهاية الطوفان." من
هنا، لماذا لا تبدأ الحملة اللاعنفية بخمسة
ملايين غصن زيتون يحملها خمسة ملايين فلسطيني، في الوطن
والشتات، ويقدمها لخمسة
ملايين إسرائيلي علامة على رغبة جماعية
وحقيقية في السلام؟! يمكن أن تطبَّق هذه
الفكرة باجتياح لاعنفي محضَّر جيداً لكل
المناطق الإسرائيلية، بحيث يعطي كل فلسطيني
غصن زيتون لإسرائيلي: الطفل الفلسطيني لطفل
إسرائيلي، والشيخ الفلسطيني لشيخ إسرائيلي،
والمقاتل الفلسطيني لجندي إسرائيلي، ورجل
الدين الفلسطيني المسيحي والمسلم لرجل دين
يهودي. ولتكن هذه الحركة الرمزية المعبِّرة
هدية سلام وعلامة تحدٍّ في وجه العالم، وأنا
متأكد أنها ستعطي ثماراً أفضل وأوفر من كل
الحجارة والرصاص والصواريخ التي تحصد
الأرواح ولا تزرع إلا الدمار. ستكون
هذه نقطة الانطلاق لمبادرات عديدة خلاقة أخرى
نستطيع أن نبتكرها من مخيِّلتنا الفلسطينية
المبدعة. لقد استعملنا عبقريتنا في النضال
والقتال فلنستعملها في فن صنع السلام. عندها
فقط سيغيب عنا غراب الحرب والخراب وستعود
إلينا حمامة السلام وفي فمها غصن زيتون أخضر،
ويظهر من جديد في سماء بلادنا قوس القزح "علامة
العهد الذي يقطعه الربُّ بينه وبيننا وبين كل
ذي نفس حيَّة على الأرض مدى الأجيال للأبد"،
فلا يكون بعد اليوم طوفان الحرب بين الإنسان
بل سلام الله بين الأنام. *** *** *** عن
القدس، الأحد21/10/2001 |
|
|