الأسطورة والتاريخ

(1 من 2)  

الجزء الثاني

  فراس السوَّاح

 

الأسطورة حكاية مقدسة، يؤمن أهل الثقافة التي أنتجتها بصحة وصدق أحداثها. فهي، والحالة هذه، سجلٌّ لما حدث في الماضي وأدَّى إلى الأوضاع الحالية والشروط الراهنة. وهذا ما يعقد صلة قوية بين الميثولوجيا والتاريخ، باعتبارهما ناتجان ثقافيان ينشآن عن النوازع والتوجُّهات ذاتها، رغم ما بينهما من اختلافات تجعلهما يبدوان وكأنهما نظامان مستقلان لا يربط بينهما رابط. فالأسطورة والتاريخ ينشآن عن التوق إلى معرفة أصل الحاضر، ولكنهما يفترقان في القيمة التي نسبغها على ذلك الأصل. فهو أصل قدسي عند الأسطورة، وأصل دنيوي مفرغ من الأسْطَرَة عند التاريخ. بتعبير آخر فإن الأسطورة تنظر إلى التاريخ باعتباره تجلياً للمشيئة الإلهية. أما التاريخ فينظر إلى موضوعه باعتباره تجلياً للإرادة الإنسانية في جدليَّتها مع قوانين فاعلة في حياة الإنسان الاجتماعية. وهذا يعني أننا أمام نوعين من التاريخ: تاريخ مقدس وتاريخ دنيوي.

يقتصر التاريخ المقدس على سرد كيفية تجلِّي "الإلهي" في الزمان والمكان الدنيويين، والكشف عن فعاليات الكائنات الماورائية في الأزمان الميثولوجية الأولى، وما نشأ عنها في عالم الإنسان. إن كل فعل من أفعال الإنسان بالنسبة للفكر الأسطوري، أو أية ظاهرة من ظواهر الطبيعة، لا تتمتع بقيمة ذاتية، بل إن قيمتها وحقيقيَّتها تنبع من حقيقة تقع خارج الملموس والمحسوس، من بوادر أولى متجذِّرة في زمن الأصول. فالجنس البشري محكوم عليه بالكدِّ والمشقة لأن الآلهة قد خلقته ليحمل عبء الكدح عنها (على ما نعرفه من نصوص رافدية عديدة)؛ والمؤسسات الاجتماعية، مثل الملكية الوراثية والكهنوت وما إليها، قائمة وتتمتع بقوة ونفوذ لأنها نزلت من السماء (على ما نعرفه من أسطورة آدابا وأسطورة إيتانا والنسر)؛ والمرض قد حلَّ في جسم الإنسان بسبب خطيئة الإله إنكي (على ما نعرفه من أسطورة إنكي وننخرساج)؛ وصار الموت مصيراً لكل إنسان حيٍّ بسبب خطيئة ارتكبها الإنسان الأول (على ما نعرفه من أسطورة آدابا البابلية وأسطورة خلق الإنسان التوراتية)؛ والشرُّ موجود في نسيج العالم بسبب تمرد ملاك في السماء وتحوله إلى شيطان يحكم مملكة الظلام (على ما نعرفه من المعتقدات المسيحية والإسلامية)؛ إلى آخر ما هنالك من أفعال وأحداث قادت إلى تكوين الصورة الحالية لعالم الإنسان.

هذا التوق إلى معرفة أصول وجذور الشرط الراهن هو الذي يكمن وراء هوس المجتمعات الحديثة بالتاريخ. فتاريخ الكون، الذي صار موضوعاً لعلم خاص، يرجع بنا القهقرى إلى نقطة البدء الأولى، إلى لحظة الانفجار الأعظم الذي تولدت عنه المجرَّات وما زالت تفرُّ في كل اتجاه بسرعات خيالية؛ وتاريخ كوكب الأرض يرجع إلى أربعة مليارات ونصف من الأعوام، عندما دخل كوكبنا في مداره حول الشمس؛ وتاريخ الحياة يرجع إلى ثلاثة مليارات ونصف من الأعوام، عندما ظهرت الخلية الأولى في مياه المحيط المالح؛ وتاريخ الإنسان، ككائن طبيعاني، يرجع إلى أربعة ملايين من الأعوام عندما كانت إحدى فصائل الرئيسات تستقل لتسير في خط تطوري بلغ ذروته في هيئة الإنسان العاقل؛ وتاريخ الإنسان، ككائن ثقافي، يرجع إلى ابتكار الأدوات واستخدامها من أجل التكيف مع البيئة، ثم يسير بعد ذلك عبر عدد من العصور الموسومة بنوعية تقنياتها، وصولاً إلى عصر المعلوماتية الذي نعيشه الآن.

وباختصار فإن الماضي يُبعَث بكامله وبكلِّيته من خلال أعظم عملية لاستنهاض التاريخ عرفتها البشرية. كل ذلك لأن الإنسان يحاول الآن، أكثر من أي وقت مضى، فهم نفسه.

إن كلاً من الأسطورة والتاريخ هو وسيلة يفهم الإنسان من خلالها نفسه ويعي شرطه. وإن توقنا الآن لقراءة التاريخ وفهمه ينشأ عن الموقف القديم ذاته الذي كان يدفع أسلافنا لتلاوة الأساطير والاستماع إليها. ولكن ما يميز هذين النظامين بعضهما عن بعض، بشكل أساسي، هو أن الفكر الحديث قد أحلَّ أفعال الإنسان وقوانين التطور، كمحرك للتاريخ، محلَّ مشيئة الآلهة وأفعالها. وبما أن موضوعنا الأساسي في هذا البحث هو الأسطورة باعتبارها تاريخاً مقدساً فإننا سنلفت، فيما يلي، إلى اكتناه "منهجية" هذا التاريخ والمواقف الفكرية والعاطفية التي يقوم عليها.

يمكننا تمييز ثلاث مراحل في التاريخ الذي تكشف عنه الأسطورة:

1.    السرمدية السابقة على فعالية الألوهة

2.    الزمن الكوسموغوني، أي زمن الخلق والتكوين

3.    زمن الأصول والتنظيم

لا تعلن الألوهة عن نفسها إلا عند دخولها في الزمن وفي تاريخ الكون والإنسان، وذلك مع قيامها بفعل الخلق الأولي الذي مدَّ المكان، وأطلق الزمان، وقاد إلى ظهور الكون من رحم العماء. إن فعل التكوين الذي منح العالم وجوده هو الذي يقفز بالألوهة، في الوقت نفسه، من حالة الكمون في السرمدية الساكنة إلى حالة الوجود أيضاً. والألوهة، بإظهارها لما عداها، قد أظهرت نفسها في مقابله. ذلك أن الإله الأزلي القابع فيما وراء الزمن الجاري هو إله نظري افتراضي؛ ومثل هذا الإله لا يباشِر وجوده الفعلي إلا عندما يبتدر الزمن ويعلن عن فعالياته الواضحة فيه، فيقوم أو يشارك في خلق الكون أو في النشاطات الخاصة بتنظيمه. فالميثولوجيا، كما يقول الفيلسوف المعاصر إرنست كازيرر، تقوم على مفهوم زماني لا مكاني.[i] والأسطورة الحق، تبعاً لذلك، لا تتشكل عندما يكوِّن الإنسان في ذهنه صوراً للآلهة، بل عندما يعزو لهذه الآلهة بداية محددة في الزمن، وعندما تباشر فعالياتها وتنبئ عن وجودها في سياق زمني – أي عندما يتحول الوعي الإنساني من فكرة الألوهة إلى تاريخها.

تقع الأحداث التي تقصُّها أساطير التكوين عند الحد الفاصل بين السرمدية والتاريخ، أي في الزمن الكوسموغوني، زمن الخلق الذي يُظهِر ما دون الخالق إلى الوجود. ومع الانتهاء من فعل الخلق نغادر هذا الزمن الكوسموغوني، ويدخل الإنسان وآلهته معاً في الزمن الخطِّي الذي يسير من الماضي إلى المستقبل عبر الحاضر، أي في الزمن التاريخي. وهنا يعقب فعل الخلق البدئي مجموعة أخرى من الفعاليات المبدعة للألوهة تنشط في الأزمان الميثولوجية الأولى الواقعة عند جذور الزمن التاريخي، أي أزمان الأصول والتنظيم. وهذه الفعاليات تسجِّلها لنا الزمرة التي نطلق عليها عادة اسم "أساطير الأصول"، التي تعمل على تأسيس وتأصيل كل ما هو قائم، سواء على المستوى الطبيعاني أم على المستوى الثقافي.

تقدم لنا معتقدات وأساطير الشرق القديم أمثلة واضحة عن هذه المراحل الثلاثة للتاريخ المقدس. لنعد إلى الإينوما إيليش، ونبدأ بها، لأن مطلعها يعطينا وصفاً بالغ الحيوية والتأثير للمرحلة الأولى من التاريخ المقدس ومرحلة كمون الألوهة:

عندما في الأعالي لم يكن هناك سماء

وفي الأسفل لم يكن هنالك أرض

لم يكن [من الآلهة] سوى آبسو، أبوهم

وممو، وتعامة التي حملت بهم جميعاً

يمزجون أمواههم معاً.

لقد أفلح هذا المقطع، إلى حدٍّ غير مسبوق حتى الآن، في نقل انطباع ميثولوجي شديد التأثير على السامع أو القارئ، ووضعه، بسيكولوجياً، في لب "مفهوم" السرمدية الساكنة المنكفئة على نفسها، المكتفية بذاتها. وهو، باختياره للماء جوهراً لهذه "الكيانات" الأزلية الثلاثة، قد أكد على حالة الهيولى السابقة لكل شكل، لأن الماء هو أكثر العناصر من حولنا تمثيلاً لما لا شكل له ولا قوام ولا أبعاد. إنه "اللاشكل" و"اللانظام" بكل امتياز. كما أن اختتام الإيقاعات الأربعة الأولى لهذا المقطع الاستهلالي بالإيقاع الخامس ("يمزجون أمواههم معاً") يؤكد على أن هذه الكيانات المؤلفة من الأب الأزلي والأم الأزلية والابن الأزلي هي كيانات غير مستقلة، بل متمازجة متداخلة، دون حدود تفصل بينها. أي بالمفاهيم اللاهوتية المركَّبة: ثلاثة في واحد. لأنه لا معنى لقيام ثلاثة كيانات مائية مستقلة، بينما هي، في الآن ذاته، في حالة تمازج واختلاط أزليين.

ينتقل النص بعد ذلك إلى المرحلة الثانية من التاريخ المقدس، مرحلة الزمن الكوسموغوني الذي يصدر فيه الكون عن الهيولى، والزمن عن السرمدية، ويصف عتبة ذلك الزمن. فقد أخذت هذه الكتلة الهيولية الأولى بالتمايز تدريجياً عن طريق التناسل، وصدر عنها الجيل الثاني من الآلهة. ومع ظهور هذا الجيل تبدأ إرهاصات الزمن ونقترب من البرزخ الكوسموغوني. ويعبِّر النص عن إرهاصات الزمن بالضجيج الذي يصدر عن الآلهة الشابة الجديدة، في مقابل ذلك الصمت المطلق الذي كان سمة للأزلية الساكنة. ففي أعماق الماء، المتمازج في صمت وسكون، أخذ هؤلاء بالصخب والحركة جيئة وذهاباً، فهزُّوا جوف تعامة وسبَّبوا لها الأذى كما سبَّبوا الأرق لآبسو وممو. لقد حدث شرخ في الحالة السكونية لا سبيل لرأبه:

وتجمَّع الصحب المؤلَّهون

أزعجوا بحركتهم تعامة.

نعم، لقد هزُّوا جوف تعامة

يروحون ويجيئون في مسكنهم المقدس.

فتوجَّه آبسو بالقول إلى تعامة:

لقد غدا سلوكهم مؤلماً لي.

في النهار لا أستطيع راحة ولا في الليل رقاداً.

لأدمرنَّهم وأضع حداً لفعالهم،

فيخيم الصمت، ونخلد بعدها إلى النوم.

ولكن هيهات. فالكون يستعد للقفز من رحم الهيولى ولا سبيل إلى النوم، لأن الحركة قد انطلقت وما من وسيلة لإيقافها. وهكذا اصطدم الصمت والسكون بالضجيج والحركة، ونشأت معركتان قادتا إلى ابتدار التاريخ. قاد المعركة الأولى الإله إيا (=إنكي) ضد آبسو وممو، فقتل الأول وأسر الثاني. وقاد المعركة الثانية الفاصلة الإله مردوخ، بكر الإله إيا، فقتل تعامة وشطرها نصفين، رفع واحدهما سماء وأرسى الثاني أرضاً. فنشأ الشكل عن الهيولى، والنظام عن الفوضى المائية، وانطلق الزمن. والنص واضح هنا كل الوضوح في إظهار ترافق التكوين مع ظهور الزمن. ففي نهاية اللوح الرابع من الإينوما إيليش ينتهي مردوخ من رفع السماء وبسط الأرض، وفي بداية اللوح الخامس ينتظم الزمن:

خلق محطات لكبار الآلهة:

أوجد لكلٍّ مثيله من النجوم؛ علامات خط السمت.

وحدد السنة وقسَّم أجزاءها.

ولكلٍّ من الإثني عشر شهراً أوجد ثلاثة أبراج [كوكبات].

وبعد أن حدد بالأبراج أيام السنة،

خلق كوكب المشتري ليرقُبَ واجباتها [أي الأيام].

فلا يقصِّر أحدها أو يتماهل...

إلخ...

ثم أخرج القمر فسطع بنوره، وأوكل إليه الليل

وجعله حلية له وزينة، وليعين الأيام:

أن اطلع كل شهر دون انقطاع مزيَّناً بتاج...

إلخ...[ii]

وبعد أن يطمئن مردوخ إلى انتظام سير الزمن يلتفت إلى نشاطات التنظيم والأصول؛ ونغادر المرحلة الثانية الكوسموغونية إلى المرحلة الثالثة:

بعد أن أوكل بالأيام إلى شمش [=إله الشمس]،

أخذ من لعاب تعامة وخلق منه [... ...]

خلق منه الغيوم وحمَّلها بالمطر.

دفع الرياح وأنزل الغيث.

وخلق من لعابها أيضاً ضباباً.

ثم عمد إلى رأسها فصنع منه تلالها،

وفجَّر في أعماقها مياهاً،

وفجَّر منها عيوناً وأحيا آبارا.

وتنتهي هذه النشاطات ببنائه لمدينة بابل ولمعبدها الكبير المدعو إيزاجيلا المخصص لعبادة الإله مردوخ. ولا يبقى سوى خلق الإنسان الذي سيكون خليفة مردوخ على الأرض ووكيل سلطانه فيها:

توجَّه الآلهة بالسؤال لبكرهم مردوخ:

بعد كل ما صنعت يداك،

لمن ستَكِل سلطانك؟

وفوق الأرض التي ابتدعتها يداك

لمن ستَكِل حكمك؟

يخلق مردوخ الإنسان من دم الإله كينغو، قائد جيش تعامة والمحرض الرئيسي على القتال ضد الآلهة الشابة، ويفرض عليه السعي في مناكب الأرض ليعمل فيها ويحصِّل قوته وقوت الآلهة التي حرَّرها مردوخ من العمل. كما يرسي له أسس الطقوس والعبادات ويعلِّمه خشية الآلهة. ثم يُتبِع ذلك بعدد من النشاطات التنظيمية التي ترسِّخ أسس التحضُّر الإنساني، حيث نقرأ في المقاطع الأخيرة من النص التي تعدد أسماءه الخمسين وتقرن بكل اسم عملاً جليلاً من أعماله:

إينبيلولو، واهب الخيرات هو.

الجليل الذي منح لكلٍّ اسمه.

نظَّم المرعى وموارد الماء.

فجَّر الأرض عيوناً، وأجرى المياه أنهاراً.

ليمجَّد ثانياً على أنه إيبادون، الذي يروي الحقول.

الذي نظَّم السدود والقنوات، ورسم خطوط المحراث.

ربُّ الظلال الوفيرة والمحاصيل الكثيرة.

واهب الثروة الذي أغنى المساكين.

مانح الذرة ومُنبِت الشعير، يتولَّى أمور الأهراء.

يحفظ تماسك العائلة، مصدر كلِّ أمر حسن...

إلخ...

وفي نص بابلي آخر عن التكوين والأصول، مؤلف من أربعين سطراً، نقرأ في الأسطر الأخيرة من الفعاليات التنظيمية للإله مردوخ التي أعقبت فعاليات الخلق والتكوين ما يلي:

صنع قالب الآجر، وأنتج مكعباته.

بنى البيت وبنى المدينة

بنى المدينة وأسكن فيها البشر.

بنى مدينة نيبور، وبنى فيها معبد الإيكور.

بنى مدينة أوروك وبنى فيها معبد إينانا.

إلخ...[iii]

وفي الميثولوجيا السومرية الأقدم لا نجد اهتماماً بمسألة الخلق والتكوين بقدر الاهتمام بمسائل الأصول والتنظيم. فبينما تتم الإشارة بشكل عابر إلى بعض تفاصيل فعاليات الآلهة في صنع العالم فإن الميثولوجيا السومرية تتوقف بشكل مطوَّل عند فعاليات الآلهة في مطالع التاريخ، في الأزمان الميثولوجية التي تلت الزمن الكوسموغوني، وقيامها بتنظيم شؤون العالم والمجتمع الإنساني. فأسطورة إنكي وننخرساج [راجع: معابر، "الأسطورة والمعنى"، الإصداران الخامس والسادس] تقع ضمن هذا النوع من الفعاليات التاريخية للألوهة. ومثلها في ذلك أسطورة إنكي وننماخ التي تحكي عن قيام إنكي بخلق الإنسان بمعونة الإلهة ننماخ (وهو اسم آخر لننخرساج)، وتخلص من ذلك في النهاية إلى التأصيل للشيخوخة والموت. وفيما يلي ملخص لهذه الأسطورة:

بعد الانتهاء من خلق العالم، جاء الآلهة إلى إنكي طالبين منه أن يخلق لهم من يحمل عنهم عبء العمل ويقوم على خدمتهم، فيقوم إنكي بخلق الإنسان، تساعده في ذلك أمه نمو، المياه الأولى، وننماخ الأرض–الأم. تغرف نمو قبضة من طين مياه الأعماق، ثم تعجن الطين وتشكِّله تحت إشراف إنكي، بالتعاون مع ننماخ. وبعد الانتهاء من صنع نموذج الإنسان الأول تقوم ننماخ بإعطائه صورة الآلهة. وعلى حد تعبير النص: "إن علقت عليه صورة الآلهة." احتفالاً بهذه المناسبة أقام إنكي وليمة عامرة دعا إليها بقية الآلهة. وبعد أن شرب إنكي وننماخ الكثير من الخمر، قامت ننماخ بصنع ستة نماذج بشرية من الطين نفسه، ولكنها تحمل عاهات مختلفة، وتحدَّت إنكي أن يجد لها عملاً مناسباً ومكاناً في المجتمع. ففعل إنكي ذلك على أكمل وجه. ثم إن إنكي قام من جهته بصنع نموذج لبشري واهن لا يستطيع حتى تحريك ذراعه، واسمه بالسومرية يعني "أيامي موغلة في البعد" (يوحي لنا هذا الاسم بأن إنكي قد خلق الشيخوخة وأرذل العمر). تحدى إنكي ننماخ أن تجد لمخلوقه هذا وظيفة ومكاناً في المجتمع، ففشلت وثار غضبها عليه، فلعنته لعنة عظيمة غاصت به إلى أعماق الأرض. أما بقية النص فغير واضحة للقراءة.[iv] ورغم ذلك فإن رسالته واضحة وتتعلق بتفسير أصل الشيخوخة، مثلما تعلقت رسالة أسطورة إنكي وننخرساج بأصل المرض. فإذا كان الإنسان قادراً على التعامل مع عاهاته وتشوهاته فإنه يبقى عاجزاً عن فعل أي شيء تجاه الشيخوخة التي لم تستطع الإلهة–الأم فعل شيء إزاءها بعد أن أظهرها إنكي إلى الوجود.

ويبدو أن الإله إنكي كان أكثر الآلهة فعالية في أزمان التأصيل. فلدينا أكثر من نص يصف نشاطاته في التأصيل والتأسيس، وأهمها النص المعروف لدى الباحثين بعنوان إنكي ينظِّم العالم. في هذا النص نجد إنكي يطوف أرجاء العالم ويقرر لكل قطر مصائره وينشر فيه التقاليد الحضارية، مظهِراً إلى الوجود كل ما هو نافع ومفيد لحياة الإنسان. عند الجزء الواضح للقراءة من اللوح الفخاري يصل إنكي إلى بلاد سومر فيعلي من شأنها فوق جميع الأقطار؛ ثم يقف عند مدينة أور (التي كانت عاصمة سومر خلال فترة تدوين هذا النص) فيقرر لها مصيرها ويجعل منها دُرَّة البلدان؛ ثم يتابع إلى بلاد ملوحا فيباركها، وإلى نهري دجلة والفرات فيملؤهما ماءً نقياً ويخلق فيهما السمك، وعلى الشطآن ينثر القصب ويَكِله إلى الإله إينبيلولو؛ ثم يلتفت إلى البحر فينظِّم شؤونه ويَكِله إلى الإلهة سيرارا؛ ثم إلى الرياح فيوجهها في مساراتها ويَكِلها إلى الإله إشكور، صاحب القفل الفضي الذي يضبط بواسطته هطول الأمطار؛ ثم إلى شؤون الزراعة وما يتصل بها من أدوات، فيخلق المحراث والنير، ويَكِل إلى الإله إنكمدو القنوات والسواقي؛ وفي المدن يهتم بالعمران فيقيم للآجرِّ إلهاً خاصاً، ويحفر الأساسات ويرفع الجدران، ويعين الإله شداما للإشراف على أعمال البناء؛ ثم يملأ السهول بالعشب والمرعى، وينثر فيها قطعان الماشية، ويعيِّن لشؤونها الإله سوموقان؛ ثم يملأ الحظائر باللبن والزبدة ويعيِّن عليها الإله الراعي دوموزي. وعند هذه النقطة يتشوَّه النص ويغدو غير قابل للقراءة.[v] غير أن هذا الجزء الواضح من النص يكشف عن هوية أسطورتنا باعتبارها تاريخاً مقدساً متكاملاً للحضارة الإنسانية، ولمنطقة سومر على وجه التحديد. وهذا التاريخ الحضاري لا يقوده الإنسان، بل الفعالية الإلهية التي توجِّه التاريخ. فالإله إنكي هو الذي ابتدر الزراعة، وهو الذي صنع أدواتها الأولى، وهو الذي حفر قنوات الري، وهو الذي صنع الآجر وأشاد البيوت والمدن، إلخ. أما الإنسان فليس إلا عنصراً منفعلاً في هذا العالم، لا يمارس إلا الدور الذي ترسمه له الآلهة.

وفي الميثولوجيا المصرية نستطيع متابعة مراحل التاريخ المقدس نفسها، أي من السرمدية إلى الزمن الكوسموغوني إلى زمن الأصول والتنظيم في مطالع التاريخ. تتمثل السرمدية في الأوقيانوس المائي البدئي نون، الذي يعادل الأمواه الثلاثة المتمازجة في الإينوما إيليش. فوق هذه المياه البدئية كانت تحوِّم روح لا شكل لها ولا هوية؛ ثم تركَّزت في داخل هذه الروح تدريجياً كل أشكال الوجود، وصار اسمها أتوم. والاسم، باللغة المصرية، يعني العدم، ويعني في الوقت نفسه الاكتمال. وفي لحظة معينة انبثق آتوم من هذه الهيولى الأولى وتجلَّى تحت اسم رع ومعه ابتدأ الزمن الكوسموغوني. فقد أنجب رع توأمان هما: الهواء شو والرطوبة تفنوت. وأنجب هذان الزوجان بدورهما السماء نوت والأرض جِبْ. ومن زواج السماء والأرض ولد أوزيريس وإيزيس وسيت.[vi]

مع الانتهاء من الزمن الكوسموغوني ندخل زمن الأصول الذي يلعب فيه الإله أوزيريس الدور الرئيسي. كان أوزيريس أول ملك في الأرض، وقد كرَّس نفسه، منذ البداية، لتنظيم شؤون العالم، مبتدئاً مهمته بمصر، حيث أبطل العادات الهمجية السائدة، وعلَّم الناس كيفية صناعة الأدوات الزراعية واستخدامها في استنبات القمح والشعير، كما علَّمهم أكل الخبز وشرب النبيذ والجعة وبناء البيوت والموسيقى، وأسَّس للديانة الأولى وعلَّم البشر عبادة الآلهة. وبعد أن أرسى التقاليد الحضارية في مصر أوكل إلى زوجته إيزيس حكم البلاد وسافر إلى آسيا وبقية أرجاء المعمورة ليعلِّم البشر في كل مكان ما علَّمه للمصريين، مستميلاً إليه الناس باللين والمحبة، ناشراً تعاليمه بواسطة الأغاني والموسيقى. ثم قفل عائداً إلى مصر وحكمها بالعدل والقسط.[vii] عند هذه النقطة ينتهي الطور الأول من حياة أوزيريس ويبدأ الطور الثاني. ذلك أن هذه اليوتوبيا التي صنعها هذا الإله ما كانت لتدوم طويلاً. لقد دخل الشرُّ المسرحَ الكوني ممثلاً بالإله سيت، الأخ التوأم لأوزيريس. كان سيت يُكِنُّ لأخيه حسداً وضغينة منذ البداية، ويعمل خفية على تخريب كل ما يبنيه. وفي السنة الثامنة والعشرين من حكم أوزيريس، دبَّر سيت له مكيدة فقتله غيلة ووضع جثمانه في صندوق خشبي ألقاه في النيل الذي حمله إلى البحر. فتقوم زوجه إيزيس بالبحث عن الصندوق في كل مكان، وتجده أخيراً في مدينة جبيل الكنعانية، و\فتعود به إلى مصر، حيث تخبئه مؤقتاً في مستنقعات الدلتا. يعرف سيت بعودة الصندوق فيبحث عنه ويجده، ثم يمزِّق جثة أوزيريس إلى أربعة عشرة قطعة يوزِّعها في طول البلاد وعرضها. ولكن إيزيس تهب ثانية للبحث عن أجزاء زوجها، فتجدها وتجمعها بعضها إلى بعض، ثم تنفخ فيها الحياة. يُبعَث أوزيريس من الموت، لكنه لا يفضل البقاء في عالم دبَّ فيه الفساد، ويهبط مختاراً إلى العالم الأسفل ليغدو حاكماً هناك وقاضياً يحاكم الموتى في دنياهم الثانية، بينما يتابع ابنه حورس مقارعة عمه سيت، ويستمر الصراع بين القوتين الكونيتين: قوة النور والخير وقوة الظلام والشر.

في هذه الأسطورة المصرية نقف، مرة أخرى، أمام رؤية الإنسان القديم للتاريخ باعتباره تجلياً لفعاليات الآلهة في الزمن، وللوضع الراهن للإنسان، باعتباره نتاجاً لما باشرتْه القوى الإلهية في الأزمنة الميثولوجية التي تلت الخلق والتكوين. غير أن الميثولوجيا المصرية تضيف إلى هذه الرؤية للتاريخ عنصراً جديداً لم نألفه في الميثولوجيا المشرقية قاطبة قبل ظهور الزردشتية. فالإنسان محكوم بصراع كوني بين قوة الخير وقوة الشر، انطلق عقب الخلق والتكوين وابتداء تاريخ الإنسان والآلهة. وعلى الفرد أن يختار الوقوف إلى جانب إحدى هاتين القوتين ويعبِّر من خلال سلوكه في الحياة عن خياره وموقفه. وبما أن الإله الذي استهلَّ تاريخ الإنسان ووضع الملامح العامة لأصول التحضُّر البشري هو عينه الإله الذي استحال حاكماً في العالم الأسفل وقاضياً يحاسب الموتى على ما قدَّمت أيديهم في الحياة الدنيا، ويقرر مصيرهم بين النعيم والجحيم، فإن التاريخ بأكمله يغدو مجالاً لامتحان البشر في عالم الصراع الكوني هذا. ويغدو الخلق والتكوين وصيرورة الزمن مجرد مقدمة للوقفة الأخيرة التي يقفها الميت أمام الميزان المنصوب في قاعة أوزيريس المدعوة بقاعة العدالة، قاعة معاة.

هذه الفكرة المصرية عن معنى التاريخ وغاياته سوف تظهر بأشكال شتى في المعتقدات المشرقية، ابتداءً من الزردشتية في القرن السابع قيل الميلاد، وما تلاها من الديانات المعروفة تاريخياً باسم الديانات السماوية. فههنا لا يتوقف التاريخ المقدس عند زمن الأصول وما يعقبه من تداخلات عرضية للمشيئة الإلهية في حياة المجتمعات الإنسانية (الطوفان السومري, هلاك مدينة أور، إلخ.)، بل ينسحب هذا التاريخ على صيرورة الزمن كاملة، بدءاً من التكوين وانتهاءً بالقيامة الأخيرة التي تؤشر لنهاية الزمن وعودة الحياة إلى السرمدية التي نشأت عنها.

ترسم الميثولوجيا التوراتية صورة للسرمدية السابقة على التكوين أشبه بالصورة التي رسمتْها الميثولوجيا المصرية عندما كانت روح بلا هوية أو شكل تحوِّم فوق المياه الأزلية. ففي البدء لم يكن سوى لُجَّة ماء وظلمة وروح الربِّ يرفُّ فوق سطح الغمر (التكوين 1: 1-2). ثم تقرر الألوهة الخروج من حالة الكمون هذه، فتُظهِر نفسَها من خلال خلق مظاهر الكون الذي يكتمل في خمسة أيام. وفي اليوم السادس يقوم الإله، الذي وعى نفسه الآن من خلال الكون الذي صدر عنه، بخلق الإنسان. ذلك أن فعل الخلق نفسه، وظهور الكون عن الخالق، لا يكفي في حدِّ ذاته لكي يستكمل الإله الخالق إظهار نفسه. فلقد صار الآن ذاتاً واعية، وهو في حاجة إلى ذات واعية مثله، لأن الكون، بكل عظمته، يبقى، بدون مثل تلك الذات، خلقاً أصماً ليس بمقدوره أن يعكس عظمة الخالق وحضوره في الزمن. أما الإنسان فإنه المخلوق الوحيد الذي يتمتع بالوعي والذي بمقدوره أن يحس بذلك الحضور الفائق للإله ويتملَّى عظمته. وهكذا ظهر الإنسان، وكان خلقه بمثابة آخِر الفعاليات المبدعة للألوهة في الزمن الكوسموغوني. وقد استراح الخالق في اليوم السابع الذي يقع على الحد الفاصل بين الزمن الكوسموغوني والزمن التاريخي.

بعد ذلك تبدأ فعاليات الألوهة في زمن الأصول وبدايات التاريخ. نقرأ في الإصحاح 2 من سفر التكوين: "كل شجر البرية لم يكن بعد في الأرض، وكل عشب البرية لم ينبت بعد، لأن الربَّ الإله لم يكن قد أمطر على الأرض، ولا كان إنسان ليعمل على الأرض. ثم كان ضباب يطلع ويسقي كل وجه الأرض [...][viii] وغرس الرب الإله جنَّة في عدن شرقاً ووضع هناك آدم الذي جبله. وأنبت الرب الإله من كل شجرة شهية للنظر وجيدة للأكل، وشجرة الحياة في وسط الجنة وشجرة معرفة الخير والشر." تلي ذلك قصة خلق المرأة الأولى من ضلع آدم، ووصيَّته لهما أن يأكلا من كل شجر الجنة، إلا شجرة معرفة الخير والشر. يليها قصة إغواء الحية لحواء بالأكل من ثمار الشجرة، وكيف أعطت آدم ليأكل منها أيضاً، وما تبع ذلك من خسرانهما للجنَّة وطردهما إلى الأرض ليعملا فيها وذرِّيتهما.

من قراءة قصة الأصول هذه نلاحظ كيف تم القفز فوق معظم تفاصيل الأصول التي ركزت عليها الميثولوجيا المشرقية السابقة، في مقابل التركيز على أصل واحد هو: أصل الخطيئة

لأن التاريخ، من وجهة نظر التوراة، هو تاريخ للخطيئة بامتياز. ويسير عبر النمط المتكرر التالي:

خطيئة ? عقاب جماعي رادع ? توبة ? خطيئة ? إلخ...

إن كل ما يتلو خروج آدم وحواء من الجنة والدخول في زمن الأرض ليس إلا إبانة عن المشيئة الإلهية في التاريخ. فمن قابيل وهابيل، إلى تكاثر الناس وتجمُّعهم في بابل ثم تشتيتهم في بقاع الأرض، إلى الطوفان العظيم، إلى اختيار الإله لشعبه الخاص، ومسيرة هذا الشعب عبر كل المصائب والمحن التي أحاقت به بسبب خطاياه، وصولاً إلى دمار الهيكل الأول، وما تلاه من سبي، فعودة، فدمار ثانٍ، جميعها فصول في ميثولوجيا توراتية تفصح عن مقاصد الإله في حياة الناس، ويتخذ كل حدث فيها معناه ومغزاه من هذه الصلة التي لا تنفصم مع الإرادة الإلهية. من هنا فإن ميثولوجيا الأصول هنا ليست وقفاً على الإصحاحات الأولى من سفر التكوين، بل تنسحب على جميع فصول الكتاب الذي يمكن اعتباره بحق كتاباً في ميثولوجيا الأصول ومثالاً على التاريخ المقدس بامتياز. إن قارئ التوراة المطلع على تاريخ منطقة الشرق القديم يلاحظ بسهولة تامة كيف تجاهل محرِّرو الأسفار التوراتية تاريخ هذه المنطقة برمَّته، ولم يركزوا إلا على تلك السلسلة من الأحداث التي قادت إلى تشكيل مملكة داود وسليمان (التي نعرف الآن بشكل مؤكد أنها لم توجد في يوم من الأيام[ix])، ثم إلى انهيارها، فإلى قيام مملكتي إسرائيل ويهوذا، فالسبي الآشوري والبابلي، فالعودة من أجل انتظار المسيح، ملك اليهود الأرضي الذي سيمهِّد الطريق لحلول مملكة الربِّ التي يديرها الإله بشكل مباشر. هذه السلسلة من الأحداث لا تتخذ معناها من خلال السياقات الحقيقية لتاريخ المنطقة، ولا من خلال علاقة النتائج بأسبابها الفعلية، بل من خلال سلسلة من السياقات الميثولوجية القائمة على تداخل المشيئة العُلوية في التاريخ. إن ما يُدعى بـ"التاريخ التوراتي" ليس، في حقيقة الأمر، إلا مجموعة فصول في ميثولوجيا توراتية، تبدأ بالتكوين وخطيئة الإنسان الأولى، وتنتهي بقيام ملكوت الربِّ على الأرض.

وفي المعتقدات الإسلامية نستطيع تتبُّع مراحل التاريخ المقدس في كتاب الله وسُنَّة رسوله. لدينا، بهذا الصدد، حديث شريف يعبِّر أبلغ تعبير عن حالة الكمون التي كانت عليها الألوهة قبل أن تتجلَّى من خلال فعل الخلق. فقد سئل رسول الله (ص): "أين كان الله قبل أن يخلق خلقه؟" فأجاب: "كان في عماء. ما فوقه هواء وما تحته هواء، وخلق عرشه على الماء."[x] ("العماء"، في اللغة، هو الغيم الرقيق الأبيض.)

هذه الألوهة المتسربلة بالسرمدية قد أعلنت عن نفسها وتجلَّت من خلال فعل التكوين الذي جعلها حاضرة ومعروفة في وعي المخلوق. نقرأ في حديث قدسي: "كنت كنزاً مخفياً لا أُعرف، فخلقت الخلق، فبه عرفوني."[xi]

ولدينا آية كريمة تشرح الأحوال الثلاثة المتعاقبة للألوهة، من السرمدية، إلى الزمن الكوسموغوني، إلى التاريخ. نقرأ في سورة هود 7: "وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيُّكم أحسن عملاً." فمنذ الأزل، لم يكن سوى الذات الإلهية والماء المخلوق. ثم خلق الله السماوات والأرض في ستة أيام. وبعد الخلق يبدأ التاريخ، وهدفُه زجُّ الإنسان في الامتحان الكبير بين الخير والشرِّ ("ليبلوكم أيُّكم أحسن عملاً")، بانتظار نهاية الزمن يوم القيامة الذي يشهد تدمير الكون وحشر الناس جميعاً إلى ربِّهم من أجل الحساب. لقد خلق الله الإنسان ووهبه الحرية في الاختيار بين الخير والشرِّ اللذين تمايزا بعد عصيان إبليس وخطيئة آدم: "ونفسٍ وما سوَّاها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكَّاها وقد خاب من دسَّاها" (الشمس 7-10). من هنا فإن حركة التاريخ تدور حول محور قوامه: الرحمن والإنسان والشيطان. فكلما طغى الشيطان قوماً، فزاغت قلوبهم عن معرفة الله وعبادته، جاءهم نذير من عند ربِّهم يردُّهم إلى جادة الصواب. ويتتابع تاريخ الإنسان بكامله وفق نمط متكرر:

هداية ? غواية ? رسالة سماوية ? هداية ? إلخ...

وقد يتبع الرسالة السماوية، في حال استمرار العصيان، قصاص سماوي عاجل: "وما كنا معذِّبين حتى نبعث رسولاً" (الإسراء 10)؛ "وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسُنا بياتاً أو هم قائلون" (الأعراف 4)؛ "ما أهلكنا من قرية إلا كان لها منذرون" (الشعراء 208)؛ "وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمَهلِكِهم موعدا" (الكهف 59).

ورغم أن القرآن الكريم قد سرد أحداث الماضي، منذ الخليقة إلى البعثة المحمدية، دون أن يضعها في سياق كرونولوجي، حيث بقي القصص القرآني معلقاً في فضاء تاريخي وجغرافي تام،[xii] إلا أن وجهة النظر القرآنية في التاريخ واضحة كل الوضوح. إنه صيرورة تدفعها رحمة الخالق الذي جعل الإنسان حراً في اختيار مصيره، ولكنه بقي في الوقت ذاته حريصاً على هدايته وحسن آخرته: "يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون" (يس 30). "الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيُّكم أحسن عملاً وهو العزيز الغفور" (لملك 2). تعطف هذه الآية الكريمة الأخيرة على سابقتها التي تقول: "وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام. وكان عرشه على الماء. ليبلوكم أيُّكم أحسن عملاً". فالتاريخ، الذي ابتدأ بالخلق والتكوين وظهور الموت وتمايز الخير والشر، يسير في اتجاه خطِّي حثيث نحو نهايته في يوم القيامة والحساب؛ وهدفه اختبار الإنسان ومعرفة مدى التزامه بالمهمة الموكلة إليه على الأرض كخليفة للخالق. وليس الحساب إلا إعادة للتوازن الذي أخلَّ به البشر عبر التاريخ من خلال أفعال الإنسان الخبيثة. غير أن ما يميِّز هذا التاريخ المقدس، الذي يشفُّ عن المشيئة الإلهية في عالم البشر، عن مثله في المعتقد التوراتي هو أن مسرح المشيئة الإلهية لم يعد مقتصراً على شعب مختار واحد، وإنما اتَّسع ليشمل الإنسانية جمعاء. ومعرفة هذا التاريخ هو نوع من العبرة تساعد الأفراد والجماعات على التوافق مع أهدافه وغاياته.

وفي المسيحية تتخذ واقعة التجسُّد – تجسِّد الألوهة في التاريخ – من خلال يسوع ابن الإنسان مكان البؤرة في تاريخ الكون وتاريخ البشرية. وانطلاقاً من هذه الواقعة تجري قراءة التاريخ صعوداً نحو الخلق والتكوين وهبوطاً نحو نهاية العالم. وسوف أقدِّم فيما يلي لمحة موجزة عن هذا التاريخ المقدس، كما رسمه آباء الكنيسة في العصور الوسطى، اعتماداً على الإشارات المتفرقة في الأناجيل وفي كتابات الرسل. إن من يقرأ أعمال أولئك الآباء المؤسِّسين، من أمثال القديس أوغسطينوس وتوما الإكويني وديونيسوس، يلاحظ إلى أيِّ حد كان الفكر المسيحي في العصور الوسطى يتجاهل (أو لعله لم يكن يعرف) كل ما يقع خارج هذا التاريخ المقدس من أحداث العالم.

"في البدء كان الكلمة. والكلمة كان عند الله. والله كان الكلمة. به كان كل شيء، وبغيره لم يكن شيء مما كان" – على ما نقرأ في مطلع إنجيل يوحنا. في غياهب السرمدية كانت الألوهة منكفئة على ذاتها، ومنضوية على ثلاثة كيانات إلهية، هي الآب والابن والروح القدس. وبقدر ما كانت هذه الكيانات مستقلة بعضها عن بعض كانت متَّحدة في الجوهر، مشكِّلة كلاً لا ينفصم، هو الإله السرمدي الواحد. ومنذ الأزل كان الابن يتولَّد على الدوام من الآب، والروح القدس يصدر عن كليهما. وكان الابن موضع محبة الأب، والروح القدس هو المحبة التي تسري بين القطبين، مغلِقة دارة الألوهة المكتملة المكتفية.[xiii] ورغم أن الله، في تناغمه السرمدي هذا، كان في غنى عن خلق كل ما سواه، إلا أن دارة المحبة المنكفئة على نفسها قد فاضت، حتى جاء وقت قرر فيه الله أن يُظهِر إلى الوجود أول أشكال خلقه. فصدر أمر الكلمة. ونشأ عن أمر الكلمة صنف من المخلوقات الخالدة هم الملائكة. توضعت هذه المخلوقات في أفلاك حول الذات الإلهية، كنقاط ضوء تعكس أشكالاً لا حصر لها من ذلك الإشعاع المركزي الذي وهبها الحياة.[xiv] ومنذ البداية، أُوكلت لهؤلاء الملائكة مهمة مزدوجة: الأولى هي التنعُّم بمجد الخالق، والثانية هي التوسُّط بينه وبين الكون المخلوق الذي سيظهر بعدهم إلى الوجود.[xv]

ولقد جاء الملائكة إلى الوجود ككائنات حرة الإرادة، لأنه بدون الحرية لم يكن لهؤلاء أن ينجزوا مهمتهم التي خُلِقوا لها، وهي القدرة على المحبة. فالمحبة التي هي جوهر الألوهة لا معنى لها إذا لم توهب عن حرية وعن اختيار. وقد كان الله على علم أكيد بكل ما تنضوي عليه هذه الحرية من مخاطر، لأن الكائن الحرَّ في أن يحبَّ حرٌّ أيضاً في أن يكره، وما من شيء يضمن الكيفية التي سيستخدم بها حريَّته. وأكثر من ذلك، كان الله على علم أيضاً بأن نعمة الحرية هذه سوف يستغلها بعضهم في العصيان وفي مخالفة المشيئة الإلهية. ولكن الغاية الأخيرة المزروعة في صلب مخطَّط الخلق كانت على درجة من الروعة تجعل مثل هذه المخاطر مبرَّرة. وهكذا كان. فمن بين الملائكة المقربين في الفلك الأول، ظهر ملاك استخدم حريته في التمرد والعصيان، وأحدث شرخاً في ذلك الكمال البدئي.

كان اسم ذلك الملاك لوسيفر. والاسم يعني "ناشر الضياء". وكان الأكثر جمالاً وبهاءً بين رهط الملائكة وذروة من كمال صنعة الخالق. أمعن لوسيفر النظر إلى قلب الثالوث الأقدس, وأخذ يشارك الألوهة معرفتها للمستقبل، ثم رأى ما أدهشه وسبَّب له صدمة كبيرة: رأى أن الله كان يُعِدُّ مكاناً أعلى منزلة لمخلوق جديد مصنوع من جسد مادي، وأن هذا المخلوق سوف يفوقه في سلَّم المراتب السماوية. وأكثر من ذلك، أن امرأة ستغدو ملكة عليه وعلى بقية الملائكة (أي السيدة مريم بعد صعودها إلى السماء)، وأن الإله الابن سوف يحلُّ في جسد بشري من جنس هذا المخلوق الجديد. عندئذٍ، وبدافع من حريته الكاملة، قرر تفضيل مجده الملائكي على الغاية الإلهية، والعصيان على تقديم الطاعة لمن هو أدنى منه مرتبة؛ وذلك رغم علمه بما سيجرُّه عليه هذا العصيان من لعنة أبدية. أعلن لوسيفر تمرُّده، ووقفت إلى جانبه آلاف مؤلفة من الملائكة الآخرين، بعد أن نقل إليهم ما عرف من أمور المستقبل.[xvi] وتبع الجميع لوسيفر مديرين وجوههم عن بؤرة النور الأعظم، فقادهم إلى تخوم الظلمة التحتية التي تترامى فوق العدم، حيث تحوَّل لوسيفر إلى إبليس وأتباعه من الملائكة الساقطين إلى شياطين. ثم رسم إبليس له ولهم مهمتهم المقبلة، وهي معاكسة عمل الخالق وتخريب ما هو صالح، وعلى وجه الخصوص إفساد الذي كان عليهم في الأصل إجلاله وتقديره.

بعد ذلك تستمر خطة الخلق انطلاقاً من الماء، وهو أول ظهور مادي غير متمايز. فمن الماء صنع الله السماء والأرض وبقية مظاهر الكون والطبيعة في ستة أيام انتهت بخلق الإنسان.[xvii] أخذ الخالق حفنة من تراب الأرض وصنع منها آدم على صورته، ثم نفخ في أنفه نسمة الحياة، فجاء نموذجاً للإنسان الكامل الذي أراده خالقه. وقد وهبه الله حرية الإرادة، مثلما وهبها للملائكة من قبله، وجعله سيداً على الأرض وعلى جميع مخلوقاتها. وجاء إليه بكل ما يدبُّ على الأرض أو يطير في السماء أو يسبح في الماء، فعرضهم أمامه صنفاً صنفاً، فأعطى آدم لكل صنف اسمه.[xviii] وبما أن آدم كان خليفة الله على الأرض، فقد غرس من أجله في الأرض جنة تُناظِر الجنة السماوية، وفجَّر فيها نهراً ينقسم إلى أربعة فروع، وأنبت في وسطها شجرة الحياة وشجرة معرفة الخير والشر. ثم خلق الله المرأة من ضلع آدم لتكون له رفيقاً، وأمرهما أن يأكلا من جميع شجر الجنة، ولا يقربا شجرة المعرفة، لأنهما إن أكلا منها سيلحقهما الموت عاجلاً أم آجلاً. ولكن الإنسان يستعمل حريته في معصية خالقه، مثلما فعل لوسيفر والملائكة الساقطون من قبله، ويأكل من الشجرة المحرمة بتحريض من إبليس الذي تسلل إلى الجنة في هيئة حية. فكان عقابه الطرد من الجنة إلى الأرض القاحلة ليعمل فيها ويكدُّ من أجل لقمته. ومنذ ذلك الوقت ظهر الألم والمرض ودخل الموت في نسيج الحياة بسبب خطيئة الإنسان الأصلية.

لقد كان الله على علم، منذ البداية، بأن الحرية التي مُنِحت للوسيفر وللإنسان سوف تُستخدَم في المعصية التي تزرع بذرة الفساد في صميم الخلق. من هنا فقد أضمر الله، منذ البداية أيضاً، خطة لتصحيح ذلك كلِّه من شأنها تقديم الخلاص للإنسان وللعالم. لقد قرر أن يتجسَّد في الوقت المناسب في العالم المادي كأحد مخلوقاته، ويدخل في دورة الحياة والموت التي صنعها بنفسه، لكي يقدِّم للعالم خلاصاً ويحرِّره من اللعنة القديمة. وهكذا تجسَّدت الألوهة في زمن الناس، وهبط الإله الابن من السماء، فعاش على الأرض ردحاً في جسد يسوع الناصري المولود من السيدة العذراء، وكابَدَ شقاء البشر وتعرَّض للعذاب الذي انتهى بالموت على الصليب. وبذلك افتدتْ الذبيحة الإلهية – وهي القربان الكامل – الإنسانَ، وفتحت أمامه باب الخلاص والدخول في الأبدية. من هنا كانت واقعة التجسُّد مركز التاريخ – تاريخ الكون وتاريخ الإنسان.

خلال الفترة التي جرى خلالها تشكيل اللاهوت المسيحي وبَلْوَرَتُه على يد آباء الكنيسة، وخصوصاً فيما بين القرنين الثامن والرابع عشر للميلاد، كانت قراءة التاريخ بالنسبة للفكر الغربي تعني فقط التأمل في رمزية هذه الرواية المقدسة. انطلاقاً من هذا الموقف الفكري جرت قراءة كتاب التوراة (الذي صار الآن يُدعى بـ"العهد القديم") بشكل معكوس، أي ابتداءً من قدوم المسيح، واعتُبِرت كل أحداثه بمثابة صور مسبقة ونبوءات لما تلاها. فقصة الخلق وسقوط الإنسان لم تُقرأ في ضوء مضامينها الميثولوجية، بل على ضوء اللاهوت المتطور لعقيدة التثليث، ولمبادئ الخلق والتكوين التي رسمها كبار اللاهوتيين. أما بقية المفاصل الرئيسية في الرواية التوراتية فقد وُضِعت في تقابل وتناظر مع أحداث العهد الجديد، باعتبارها ممهِّدة ومفسِّرة لها: شجرة المعرفة تقف في تقابل مع شجرة الصليب؛ ويسوع هو آدم الثاني الذي به يحيا الجميع، في مقابل آدم الأول الذي به مات الجميع؛ ومريم العذراء هي حواء الثانية التي حملت بثمرة البقاء، مقابل حواء الأولى التي حملت بثمرة الفناء؛ وحادثة الخروج من مصر التي حملت خلاصاً أرضياً لشعب إسرائيل، تقابل حادثة بعث المسيح الذي حمل خلاصاً روحياً للإنسانية؛ وتضحية إبراهيم بابنه إسحاق وقبول هذا لها، تقابل تضحية الإله الآب بابنه وقبول هذا لها؛ ومملكة داود وسليمان التي تشكل ذروة الرواية التوراتية، تقابل ملكوت الربِّ المقبل الذي سيحققه السيد المسيح في نهاية الأزمان، إلخ.

انطلاقاً من هذه الرؤية إلى التاريخ لم يكن الفكر الغربي المسيحي يرى إلى الأحداث السابقة على المسيحية إلا باعتبارها فترة مظلمة لم يعرف الناس خلالها الله إلا من خلال ظلال قاتمة لا تعكس مجده الحقيقي، بما في ذلك المدة التي تغطيها أحداث العهد القديم بأكملها. فالتاريخ يبدأ بآدم، ثم يبدأ بداية أخرى جديدة بالمسيح؛ وليس الزمن الفاصل بين هاتين البدايتين إلا شكلاً من أشكال "الجاهلية" الإنسانية، حيث كانت البشرية تنتظر المخلِّص. لقد عكس قدوم المخلِّص مبدأ السبب والنتيجة في الصيرورة التاريخية. فبدلاً من أن يُقرأ الحاضر في ضوء الماضي باعتباره نتيجة منطقية له صار الحاضر (أي تجسُّد المسيح) سبباً لكل الأحداث الماضية التي صارت تُفهم على ضوئه.

***

 

الجزء الثاني

 

[i] Ernest Cassirer, The Philosophy of Symbolic Forms, Yale, New Haven, 1977, vol. 2, pp. 104-105.

[ii] انظر النص الكامل ومراجعه في مؤلفي مغامرة العقل الأولى.

[iii] Alexander Heidel, The Babylonian Genesis, Phoenix Books, Chicago, 1970, p. 63.

[iv] من أجل هذا الملخص انظر مساهمة كريمر بفصله عن الميثولوجيا السومرية في الكتاب الذي أشرف على تحريره وساهم فيه عدد من الاختصاصيين:

S. N. Kramer, ed., Mythologies of the Ancient World, Anchor, New York.

وانظر أيضاً مساهمة جاكوبسن بفصله عن الميثولوجيا الرافدية في كتاب:

H. Frankfort, ed., Before Philosophy, Pelican, London, 1964.

[v] S. N. Kramer, Sumerian Mythology, Harper, New York, 1961, pp. 59-61.

[vi] J. Viaud, “Egyptian Mythology,” in Larousse Encyclopedia of Mythology, Hamlyn, London, 1977. p. 11.

[vii] من أجل المادة المعلوماتية عن دورة حياة أوزيريس انظر المرجع السابق، ص 16-18.

[viii] أقفز هنا فوق قصة خلق الإنسان لأنها مكررة, وقد وردت في الإصحاح الأول.

[ix] حول الدلائل العلمية القاطعة على عدم وجود مملكة داود وسليمان، بل حتى على استحالة أن تكون قد وُجِدت، راجع: فراس االسوَّاح، آرام دمشق وإسرائيل: في التاريخ والتاريخ التوراتي، دار علاء الدين، دمشق، 1995.

[x] أخرجه الترمذي في جامعه في التفسير، 8/270 برقم 3108، عن ابن رزين.

[xi] يتكرر هذا الحديث في كلام الصوفية. قال السخاوي في كشف الخفاء: "قال القاري أن معناه صحيح ومستفاد من قوله تعالى: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون،" أي "ليعرفون"، على رأي ابن عباس.

[xii] أي أن القرآن الكريم لم يحدد زمان ومكان وقوع أحداث القصص القرآني. فنحن لا ندري فعلاً أين تقع "عاد إرم ذات العماد"، أو "ثمود الذين جابوا الصخر بالواد"، ولا الزمن الذي تم فيه تدمير هاتين المدينتين، استناداً إلى النص القرآني وحده. كما أننا لا نستطيع، مهما دققنا في نصوص القصص القرآني، أن نعرف الفترة الزمنية الفاصلة، مثلاً، بين بعثة النبي موسى وبعثة عيسى. فهذه الفترة قد تكون مائة سنة وقد تكون ألفاً.

[xiii] قارن مع مطلع الإينوما إيليش: "عندما في الأعالي لم يكن هناك سماء، وفي الأسفل لم يكن هنالك أرض. لم يكن [من الآلهة] سوى آبسو أبوهم، وممو، وتعامة التي حملت لهم جميعاً. يمزجون أمواههم معاً." والمقارنة هنا لا تهدف إلى إظهار تأثُّر التصورات اللاهوتية المسيحية بالتصورات الرافدية، بل التنويه إلى وحدة الفكر الإنساني وتشابه آليات التفكير عند الإنسان، بصرف النظر عن الزمان واختلاف البيئة والمكان.

[xiv] قارن أيضاً مع ما يلي مطلع الإينوما إيليش: "في ذلك الزمان خلق الآلهة في أعماقهم لخمو ولخامو وأطلقوا عليهما اسميهما. وقبل أن يكبر لخمو ولخامو جاء إلى الوجود انشار وكيشار. ثم أنجب إلخ...".

[xv] الملخص الذي أقدمه هنا يعتمد على العرض المفصل للاهوت المسيحي في كتاب:

Allan Watts, Myth and Ritual in Christianity, Thames and Hudson, London, 1987.

[xvi] قارن مع تمرُّد الجيل الثاني من الآلهة على الثالوث البدئي في الإينوما إيليش.

[xvii] قارن مع الإينوما إيليش في فصل المياه البدئية إلى سماء وأرض، وما تلا من خلق مظاهر الطبيعة والحياة، انتهاءً بالإنسان.

[xviii] إن قيام آدم بتسمية جميع المخلوقات عملية ذات دلالتين: الأولى أن آدم قد ابتكر اللغة؛ والثانية أن آدم، بتسميته للمخلوقات، قد اكتسب السيطرة عليها، لأن معرفة اسم كائن ما هي مفتاح التحكم به في المعتقدات القديمة (هذه نقطة سنتحدث عنها في حينها).

 

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود