|
التطور
النفسي للإنسان
حُسْنُ
الحال
إريش
فروم
يمكن
لأول مقاربة لتعريف حُسْن الحال well-being
أن تُصاغ على هذا النحو: إن حسن الحال هو الكينونة
وفقاً لطبيعة الإنسان. فإذا تخطينا هذه
الصياغة الشكلية برز السؤال: ما هو حسن الحال
وفقاً لشروط الوجود الإنساني؟ وما هذه الشروط؟ إن
الوجود الإنساني يطرح مسألة. فالإنسان يُلقى
به في هذه الدنيا من دون إرادته، ويُقصى عنها
دون إرادته كذلك. وخلافاً للحيوان، الذي له في
غرائزه آلية للتكيُّف مع بيئته هي جزء منه،
ويعيش داخل الطبيعة كلياً، يفتقر الإنسان إلى
هذه الآلية الغريزية. إن عليه أن يحيا حياته؛
فليست حياته هي التي تحياه. وهو في الطبيعة،
ومع ذلك يتجاوز الطبيعة؛ ولديه إدراك لذاته،
وهذا الإدراك لذاته بوصفها وجوداً منفصلاً
يجعله يشعر بأنه وحيد وضائع وعاجز على نحو لا
يطاق. وحقيقة ولادته هي بعينها تثير مشكلة.
فالحياة في لحظة الولادة تسأل الإنسان سؤالاً، وعليه أن يجيب عن هذا
السؤال، عليه أن
يجيب عنه في كل لحظة؛ ليس ذهنه، ليس جسمه، بل
"هو"، الشخص الذي يفكر، ويحلم، الذي ينام
ويأكل ويضحك – الإنسان الكلِّي – هو من يجب
أن يجيب عنه. ما هذا السؤال الذي تطرحه الحياة؟ إن السؤال هو: كيف نستطيع أن نتغلب
على ما تُحدِثه تجربة الانفصال من الألم
والسجن والخجل؛ كيف يمكن لنا أن نجد اتحاداً
داخل أنفسنا، ومع مثيلنا الإنسان، ومع
الطبيعة؟ على الإنسان أن يجيب عن هذا السؤال
بطريقة ما؛ فحتى في الجنون يُقدَّم الجواب
بدفعنا الواقع عن أنفسنا، لنعيش كلياً داخل
صدفة ذواتنا، ونتغلب بذلك على هول الانفصال. إن
السؤال هو هو على الدوام؛ ولكن هناك إجابات
متعددة، أو هناك أساساً إجابتان فقط: إحداهما
هي التغلب على الانفصال والعثور على الوحدة
بالنكوص إلى حالة الوحدة التي كانت موجودة
قبل أن ينشأ الإدراك في وقت ما، أي قبل أن يولد
الإنسان. والأخرى هي أن يكون المرء مولوداً
تماماً، لتنمية إدراكه، وذهنه، وقدرته على
الحب، إلى ذلك الحد الذي يتجاوز استغراقه
المتمركز حول الأنا، ويصل إلى انسجام جديد،
إلى وحدة جديدة مع العالم. وعندما
نتحدث عن الولادة نشير عادةً إلى فعل الولادة
الفسيولوجي الذي يحدث للطفل البشري بعد زهاء
تسعة أشهر من الحمل. ولكن في كثير من النواحي
تجري المبالغة في تقدير أهمية هذه الولادة.
ففي جوانب مهمة تكون حياة الطفل بعد أسبوع
واحد من الولادة أشبه بالوجود ضمن الرحم منها
بوجود الرجل البالغ أو المرأة البالغة. ومهما
يكن من أمر، فثمة جانب فريد للولادة: إن حبل
السرة مقطوع، والطفل يبدأ نشاطه الأول:
التنفس. وأي قطع للروابط الأولية، من الآن
فصاعداً، ليس ممكناً إلا إلى المدى الذي يكون
فيه هذا القطع مصحوباً بنشاط حقيقي. وليست
الولادة فعلاً واحداً؛ إنها سيرورة.
وليست غاية الحياة إلا أن نكون مولودين تماماً، مع أن مأساتها أن يموت معظمنا قبل أن
نكون مولودين هكذا. والحياة هي الولادة في
كل لحظة. والموت يحدث عندما تتوقف الولادة.
وفسيولوجياً، فإن نظامنا الخلوي هو عملية
ولادة مستمرة؛ أما بسيكولوجياً، فيكفُّ
معظمنا عن الولادة عند حدود مرحلة معينة. وبعض
الناس مولودون ميتين بكل معنى الكلمة؛
ويستمرون في الحياة فسيولوجياً على حين أنهم
يتوقفون ذهنياً بالعودة إلى الرحم، إلى الأرض، إلى
الظلمة، إلى الموت؛ وهم مجانين،
أو مجانين تقريباً. وكثيرون غيرهم يسيرون
مسافة أبعد في طريق الحياة. ومع ذلك لا
يستطيعون أن يقطعوا الحبل السري قطعاً كاملاً، إن جاز
التعبير؛ ويظلون مرتبطين تواكلياً بالأم،
بالأب، بالأسرة، بالدولة، بالمنزلة، بالمال،
بالآلهة، وما إلى ذلك؛ وهم
لا يظهرون تماماً كما هم، ولذلك لا يصبحون
مولودين تماماً. والمحاولة
النكوصية للإجابة عن مشكلة الوجود يمكن أن
تتخذ أشكالاً مختلفة؛ والمشترك فيها جميعاً
هو أنها بالضرورة تخفق وتؤدي إلى الألم. فما
إن يُنتزَع الإنسان من وحدته الفردوسية ما
قبل البشرية مع الطبيعة حتى يصير غير قادر على
العودة إلى حيث جاء؛ فهناك صنارتان لهما
سيفان متقدان تعترضان سبيل عودته. ولا يمكن
إلا في الموت أو في الجنون أن تتم العودة – لا
في الحياة وسلامة العقل. ويستطيع
الإنسان أن يكافح للعثور على هذه الوحدة
النكوصية على مستويات عدة، هي في الوقت نفسه
مستويات عدة من البحث عن المرض وعدم العاقلية.
فيمكن أن تتملَّكه عاطفة العودة إلى الرحم،
إلى الأرض الأم، إلى الموت. فإذا كان هذا
الهدف كلِّي الاستغراق وغير مكبوح، فالنتيجة
هي الانتحار أو الجنون. والشكل الأقل خطورةً
ومرضية من أشكال البحث عن الوحدة النكوصية هو
الهدف إلى الإبقاء على ارتباط بثدي الأم، أو
بيد الأم، أو بأمر الأب. والاختلافات بين هذه
الأهداف المتنوعة تشير إلى الاختلافات بين
الأنواع المتعددة من الشخصيات. فالشخص الذي
يظل على صدر أمه هو الرضيع التابع الأبدي،
الذي ينتابه شعور بالهناء عندما يكون محبوباً، ومعتنى
به، ومحمياً، وموضع إعجاب،
ويكون ممتلئاً بالقلق الذي لا يطاق عندما
يهدَّد بالانفصال عن الأم كلِّية المحبة.
والشخص الذي يظل مرتبطاً بأمر الأب قد يُظهِر
قدراً كبيراً من روح المبادرة والنشاط، ولكن
ذلك يتوقف دائماً على شرط وجود سلطة تعطي
الأوامر، وتثيب وتعاقب. ويكمن الشكل الآخر
للتوجُّه النكوصي في التدميرية بهدف التغلب
على الانفصال بالشغف في تدمير كل شيء وكل شخص.
وقد يبحث عنه المرء في الرغبة في الالتهام
ودمج كل شيء مع كل شخص، أي في أن يعيش العالم
وكل شيء فيه بوصفه طعاماً، أو في التدمير
الكامل لكل شيء باستثناء شيء واحد – هو نفسه.
ومع ذلك فإن شكلاً آخر لمحاولة البرء من ألم
الانفصال يكمن في بناء المرء أناه بوصفه "شيئاً"
منفصلاً، محصَّناً، غير قابل للهدم. وعندئذٍ
يعيش المرء نفسه بوصفها ملكيَّته، وقوته،
ومقامه، وعقله. وخروج
الفرد من الوحدة النكوصية يصحبه التغلب
التدريجي على النرجسية. فالطفل بعد الولادة
لا يكون لديه حتى إدراك للواقع الموجود خارجه، بمعنى الإدراك
المعنوي؛ فما يزال هو
وحلمة الأم وصدر الأم كياناً واحداً؛ وهو يجد
نفسه في حالة ما قبل حدوث أي تفريق بين الذات
والموضوع. وبعد مدة، تظهر القدرة على التفريق
بين الذات والموضوع في كل طفل – ولكنها لا
تظهر إلا بالمعنى الواضح لإدراك الاختلاف بين
"أنا" و"ليس أنا". إلا أنها بالمعنى
العاطفي تقتضي النضج الكامل للتغلب على
الموقف النرجسي للعلم بكل شيء والقدرة على كل
شيء، شريطة أن تكون هذه المرحلة قد تمَّ
بلوغها في وقتٍ مضى. ونحن نلاحظ هذا الموقف
النرجسي بوضوح في سلوك الأطفال والأشخاص
العصابيين، باستثناء أنها، في المألوف، تكون
عند الأطفال موعيَّة، وعند العصابيين غير
موعيَّة. والطفل لا يقبل الواقع كما هو، بل
كما يريده أن يكون. فهو يعيش في رغباته،
ورؤيته الواقع في ما يريده أن يكون، وإذا لم
تتحقق رغبته استولى عليه الغضب، ووظيفة غضبه
هي إرغام العالم (عبر وسيط الأب أو الأم) على
الانسجام مع رغبته. وفي النمو الطبيعي للطفل،
يتحول هذا الموقف ببطء إلى الموقف الناضج
لإدراك الواقع وقبوله، قبول قوانينه، ومن ثم
ضرورته. وفي الشخص العصابي نجد على نحو ثابت
أنه لم يصل إلى هذه المرحلة، ولم يتخلَّ عن
تفسيره النرجسي للواقع. وهو يصرُّ على أن
الواقع يجب أن يتطابق مع أفكاره. وعندما يدرك
أن الأمر ليس كذلك، يستجيب إما بالدافع إلى
قسر الواقع على التوافق مع رغباته (أي أن يصنع
المستحيل)، وإما بالشعور بالعجز لأنه لا
يستطيع أن يحقق هذا المستحيل. وفكرة الحرية
التي لدى هذا الشخص هي، سواء أكان واعياً لها
أم لا، هي الفكرة النرجسية عن القدرة على كل
شيء، على حين أن فكرة الحرية عند الشخص
الكامل النمو هي فكرة إدراك الواقع وقوانينه
والعمل ضمن قوانين الضرورة بربط فهمه العالم
بقدراته الفكرية والعاطفية. إن
هذه الغايات المختلفة والطرق للوصول إليها
ليست في المقام الأول منظومات فكرية مختلفة.
إنها سبل مختلفة للكينونة being،
وإجابات مختلفة من كلِّية الإنسان عن السؤال
الذي سألتْه إياه الحياة. وهي بعينها
الإجابات التي قُدِّمت في المنظومات الدينية
المتباينة التي تؤلف تاريخ الدين. فمن مذهب
أكل لحم البشر البدائي إلى بوذية الزِنْ، لم
يقدِّم الجنس البشري إلا إجابات قليلة عن
سؤال الوجود، وكل إنسان يقدِّم في حياته
إجابة من هذه الإجابات، ولو أنه في العادة غير
واعٍ الإجابة التي يقدمها. وفي ثقافتنا
الغربية يعتقد كل امرئ أنه يقدم إجابة
الديانة المسيحية أو اليهودية، أو إجابة
الإلحاد المتنوِّر. ومع ذلك فلو استطعنا أن
نلتقط صورة ذهنية بالأشعة السينية لكل شخص
لوجدنا الكثير جداً من عبادات الأوثان من
مختلف الأنواع، والقليل من المسيحيين
واليهود والبوذيين والطاويين. والدين هو
الإجابة المفصلة ذات الشكل لوجود الإنسان،
وما دام من الممكن المشاركة فيها مع الآخرين
في الوعي وبالطقس، فإنه حتى أدنى ديانة
تُحدِث، بالصلة الحميمة مع الآخرين، الشعور
بالمعقولية وبالأمن. وعندما لا تتم المشاركة،
وعندما تكون الرغبات النكوصية على خلاف الوعي
ومطالب الثقافة القائمة، عندئذٍ يكون "الدين"
السري الفردي هو "العصاب". والمرء
من أجل أن يفهم الفرد المريض – أو أي كائن
بشري – عليه أن يعرف ما هي إجابته عن سؤال
الوجود، أو – ولنقل ذلك بطريقة مختلفة – ما
هو دينه السري الفردي، الذي تكرَّس له كل
جهوده وعواطفه. وجلَّ ما يحسبه المرء "مشكلات
بسيكولوجية" إنما هو نتائج ثانوية لـ"إجابته"
الأساسية، ومن ثم فإنه من عدم الجدوى إلى حدٍّ
ما محاولة "الشفاء" منها قبل أن تُفهَم
هذه الإجابة الأساسية، التي هي ديانته السرية
الشخصية. ولنعد
الآن إلى مسألة حسن الحال. كيف نعتزم تعريفها
في ضوء ما قيل حتى هذه النقطة؟ إن
حسن الحال هو حالة الوصول إلى النمو الكامل
للذهن: الذهن لا بمعنى مجرد الحكم الفردي،
بل بمعنى فهم الحقيقة بـ"ترك الأشياء تكون
كما هي" (باستخدام مصطلح هيدغر). وليس حسن
الحال ممكناً إلا إلى الحدِّ الذي يكون فيه
المرء قد تغلب على نرجسيته؛ إلى الحد الذي
يكون فيه منفتحاً، ومستجيباً، وحساساً،
ومتيقظاً، وخالياً (بمعنى الخلو في الزِنْ).
وحسن الحال يعني الارتباط الكامل بالإنسان
والطبيعة على المستوى العاطفي، للتغلب على
الانفصال والاغتراب، والتوصل إلى خبرة
الوحدة مع كل ما يوجد – ومع ذلك أن أعيش نفسي
في الوقت ذاته بوصفي الكيان المنفصل "أنا"،
بوصفي الفرد. وحسن الحال يعني أن يكون المرء
مولوداً تماماً، وأن يصبح الكائن الموجود
بالقوة. إنه يعني أن يكون لديه كامل القدرة
على الفرح والحزن، أو بصياغة مختلفة تماماً،
أن يستيقظ من حالة الوسن التي يحيا فيها
الإنسان العادي، وأن يكون مستيقظاً تماماً.
وإذا كان يعني كل ذلك، فهو يعني كذلك أن يكون
المرء إبداعياً؛ أي أن يكون رد فعلي
واستجابتي بوصفي "أنا" الإنسان الحقيقي
الكلِّي نحو واقع أي شخص أو أي شيء كما هو. وفي
فعل الاستجابة الحقيقي هذا يكمن مجال
الإبداع، مجال رؤية العالم كما هو وعيشه
بوصفه عالمي. فالعالم يبدعه ويحوِّله فهمي
الإبداعي له، وبذلك لا يبقى العالم غريباً بل
يصبح عالمي. وأخيراً، يعني حسن الحال أن
يقلِّص المرء "الأنا"، ويتخلى عن الجشع،
وأن يكفَّ عن الركض خلف المحافظة على "الأنا"
وتعظيمه، وأن يكون المرء ذاته ويعيشها في فعل
الكينونة، لا في التملُّك، والاحتفاظ،
واشتهاء ملك الآخرين، والاستعمال. قلت
إن الإنسان تسأله حقيقة وجوده الصحيحة
سؤالاً، وإن هذا السؤال يثيره التناقض الذي
في داخله – وهو أنه في الطبيعة وفي الوقت نفسه
متجاوز للطبيعة في كونه حياة مدركة ذاتَها.
وإن أي إنسان يصغي إلى هذا السؤال المطروح
عليه، ويجعل من الإجابة عن هذا السؤال –
الإجابة عنه بوصفه إنساناً كلِّياً، لا
بأفكاره فقط – مسألة تستحق "أقصى الاهتمام"
هو إنسان "ديني"؛ وكل المنظومات التي
تحاول أن تقدم هذه الأجوبة وتعلِّمها وتنقلها
هي أنظمة "دينية". ومن ناحية أخرى، إن أي
إنسان يحاول أن يصمَّ أذنيه عن السؤال
الوجودي هو غير ديني؛ ويصدق الأمر على أية
ثقافة. وليس هناك مثال على الأناس الصم عن
السؤال الذي يطرحه الوجود أفضل منا نحن الذين
نعيش في القرن العشرين. إننا نحاول التهرب من
السؤال بالانشغال بالملكية والمقام والسلطة
والنتاج واللهو، وأساساً بمحاولتنا نسيان
أننا موجودون – أو أنني موجود. ومهما أكثر
المرء من التفكير في الله، والذهاب إلى
الكنيسة، ومهما آمن بالأفكار الدينية، إذا
كان أصم عن سؤال الوجود، إذا لم يكن لديه جواب
عنه، فإنه يظل في مكانه لا يتقدَّم، ويعيش
ويموت كشيء من مليون شيء ينتجه. إنه يفكر
في الله، بدلاً من أن يعيش خبرة وجود الله. على
أنه لأمر خادع أن نحسب كأن للأديان،
بالضرورة، شيئاً مشتركاً يتجاوز الاهتمام
بتقديم جواب عن سؤال الوجود. وبمقدار ما يتعلق
الأمر بمضمون الدين، فليست هناك وحدة البتة؛
بل على العكس هناك إجابتان متعارضتان
جوهرياً، هما اللتان ذُكِرتا أعلاه منذ قليل
فيما يتعلق بالفرد: إحدى الإجابتين هي العودة
إلى الوجود ما قبل البشري، ما قبل الوعي،
وإلغاء الذهن، والتحول إلى حيوان، وبذلك يصبح
المرء واحداً مع الطبيعة من جديد. والأشكال
التي يعبَّر فيها عن ذلك متعددة. وفي أحد
القطبين ظواهر كالتي نجدها في الجمعيات
السرية لـ"البرسركيين" Berserkers
(والكلمة تعني حرفياً "قمصان الدببة" bearshirts)
الذين يتقمصون الدب، وفيها على الشاب، في
أثناء انتسابه إلى الجمعية، أن "يتحول عن
بشريَّته بنوعٍ من العنف العدواني الشديد
المروِّع، متشبهاً بحيوان مفترس هائج." أما
أن هذا النزوع إلى العودة إلى الوحدة ما قبل
الإنسانية مع الطبيعة لا يقتصر إطلاقاً على
المجتمعات البدائية، فيصبح واضحاً إذا أقمنا
الارتباط بين "قمصان الدببة" و "القمصان
البنية" عند هتلر. فبينما كان قطاع كبير من
الموالين لـ"الحزب القومي الاشتراكي"
متألفاً من السياسيين غير الدينيين
الانتهازيين القساة الباحثين عن القوة،
وملاك الأراضي، والجنرالات، ورجال الأعمال،
والبيروقراطيين، فإن نواته، المتمثلة
بالثلاثي هتلر وهملر وغوبلز كان لا يختلف
جوهرياً عن "قمصان الدببة" الذين يدفعهم
عنف شديد "مقدس"، والغاية هي التدمير
بوصفه التحقيق الأقصى لرؤيتهم الدينية. و"قمصان
الدببة" هؤلاء في القرن العشرين، الذين
أحيوا خرافة "جريمة القتل الطقسية
المتعلقة باليهود فعلياً، في قيامهم بها، قد
أبرزوا رغبةً من أعمق رغباتهم هي: جريمة القتل
الطقسية"، فارتكبوا جريمة القتل الطقسية
أولاً مع اليهود، ثم السكان الأجانب، ثم
الألمان أنفسهم، وأخيراً قتلوا نساءهم
وأطفالهم وأنفسهم في الطقس الختامي للتدمير
الكامل. وهناك الكثير من الأشكال الدينية
الأقل قدماً للكفاح من أجل الوحدة ما قبل
الإنسانية مع الطبيعة. وهي موجودة في
العبادات حيث تكون القبيلة متواحدة مع حيوان
طوطمي، وفي الأنظمة الدينية المكرسة لعبادة
الأشجار، والبحيرات، والكهوف، وما إلى ذلك من
العبادات ذات الشعائر العربيدة التي تجعل
هدفها الانعتاق من الوعي والذهن والضمير. وفي
كل هذه الديانات يكون المقدس هو ما يناسب رؤية
تحوِّل الإنسان إلى جزء غير إنساني من
الطبيعة؛ و"الإنسان المقدس" كالشَّمَن shaman
مثلاً هو الشخص الذي مضى في ذلك إلى أبعد مدى. ويتمثل
القطب الآخر للدين، بكل تلك الأديان التي
تسعى إلى الجواب عن سؤال الوجود الإنساني،
بالخروج تماماً من الوجود ما قبل الإنساني،
وبتنمية إمكانية الإنسان للعقل والحب، وكذلك
بإيجاد انسجام جديد بين الإنسان والطبيعة –
وبين الإنسان والإنسان. *** *** *** ترجمة:
محمود منقذ الهاشمي
|
|
|