|
البوذا
(536-456 ق م) والبوذية
هو
سِدْهرتا غَوْتاما Siddharta
Gautama،
الملقَّب بالبوذا Buddha
("المتنوِّر")، مؤسِّس البوذية، وواحد من
أعظم الحكماء في كلِّ الأزمنة والبلدان.
البوذية،
ككلِّ عقيدة باطنية، لا تندرج في إطار أيٍّ من
التصانيف الغربية للفكر الفلسفي المدرسي. فهي
ليست دينًا ولا فلسفة بالمعنى الغربي لهذين
المصطلحين، إنما بالأحرى مسلك باطني ("طريقة"
بالمصطلح الصوفي) يستهدف تحقيق "الهوية
المطلقة" فيما يُعرَف بالـنرفانا. وهي
تقوم على عقيدة رحبة ومُحكمة التماسُك في
بسطها ومنطقيَّتها. كلمة
"بوذية" مشتقة من لقب بوذا – وهو
مصطلح لا يشير إلى شخص معيَّن بقدر ما يشير
إلى التحقق بدرجة عليا من الوعي: البوذا هو المتنوِّر،
هو الكائن المتحقِّق بأسمى درجات الإشراق
الروحي. أما الإنسان الذي كان تجسيدًا
رفيعًا لهذه الدرجة فهو الأمير الهندي سدهرتا
غوتاما.[1]
وتخبرنا السِيَر الشريفة أن سدهرتا غوتاما
ولد سليلاً لطائفة المحاربين النبلاء (كشَتْريا
kshatriya)
بالقرب من كَبيلافَسْتو حوالى سنة 563 ق م. وقد
أضفت الأسطورة زخارف كثيرة على سيرة حياته
التي لا يُعرَف عنها نسبيًّا إلا القليل. عاش
سدهرتا في مستهلِّ حياته عيش الأمراء في قصر
والده. وفي السادسة عشرة اقترن بياسودهارا Yasudhara
التي أنجبتْ ابنهما راهولا Rahula.
وتذكر السِّيَر أيضًا أن والده أبقاه في
القصر وأحاطه بالشبان وبالشابات فقط، لكي
يمنع عنه رؤية البؤس البشري – إلى أن أصرَّ
ذات مرة على الخروج وصادف في طريقه، على
التوالي، شيخًا مسنًّا ومريضًا وميتًا ثم
ناسكًا متوحِّدًا. نبَّهه الثلاثة الأُوَل
إلى الألم الذي يكتنف الوجود البشري،
فيما أبصر في رابعهم إشارة إلى رسالته في
الحياة. على
أثر هذه الرؤيا التي زلزلتْ كيانه، غادر
الأمير قصره المنيف، هاجرًا زوجه وابنه،
متخليًا عن أملاكه، عازفًا عن حياة الترف
واللهو، طالبًا المعرفة. وإذ تنسَّك، شرع في
صحبة نسَّاك (سامنا sāmana)
آخرين يفتش عن علاج جذري للألم الشامل. وعندما
أخذ عنهم كلَّ ما كان بوسعهم أن يعلِّموه
غادرهم، مواصلاً طريقه بمفرده. وقد فرض في
البداية على نفسه تقشفات وإماتات بدنية
ونفسية، سرعان ما هددتْ حياته بخطر الموت.
لكنه، إذ أدرك الغرور المقنَّع الذي ينطوي
عليه الإفراط في الزهد، أقلع عنه، مكتشفًا
"طريقًا وسطًا"، "يقع بين الحدَّين
المتطرِّفين ويتخطَّاهما معًا"، على حدِّ
تعبير الفيلسوف البوذي كرستمس همفريز. ثم
اقتعد موضعًا تحت شجرة (عُرِفت منذئذٍ بشجرة بودهي
Bodhi
– "الحكمة") قرب غايا Gaya،
مستغرقًا في تأمل عميق موصول. وقد ارتقى بوعيه
مراتب الوجود مرتبة مرتبة، واتسعتْ رؤياه،
حتى إذا حلَّ الهزيع السابع من الليل ولج،
فجأةً، عالم النور الخالص، واجِدًا ضالَّته
التي طالما فتش عنها، مكتشفًا المغزى الأسمى
من الكون والحياة، ودخل حيًّا في الـنرفانا:
صار جيفَن موكتا jivan-mukta،
أي "منعتقًا في الحياة"، بالمصطلح
الهندوسي. إنه التنوُّر! لقد صار سدهرتا الأمس
"بوذا"، "المتنوِّر"، أو بالأحرى
"تحقَّق" بطبيعته الأصلية. أدرك
البوذا، إذن، بملء وعيه، أن الحياة تنطوي
على الألم، وأن الألم بالمرصاد لكلِّ مَن
لا يزال أسير عجلة سمسارا samsāra،
عجلة الولادات والميتات؛ أدرك أن ما من شيء
دائم في هذه الدنيا، وأن كلَّ شيء فيها إلى
زوال. فالإنسان غير المتحرِّر داخليًّا "لاذات"
(أنـَتـْما anatma)
غير مطمئن، يعود شقاؤه إلى جهله وتعلُّقاته
الناجمة عن رغبته التي لا ترتوي. الرغبة هي
علَّة الألم، ولا زوال للألم إلا بإخماد
نارها المستعرة. وقد صاغ البوذا هذه
العلَّة فيما دعاه بـ"الحقائق النبيلة
الأربع" في الألم، ألا وهي:
أ.
الفهم
السليم:
رؤية الحياة كما هي عليه، بالانسجام مع
خصائصها الثلاث، الألم والتغيُّر
واللاذاتية، والأخذ بالحقائق النبيلة الأربع
(وجود الألم وعلَّته والتغلُّب عليه والطريق
إلى ذلك بالسير على "الطريق الوسط"). ب.
التفكير
السليم:
تجرُّد التفكير من الغلاظة والتعصُّب تجاه
البشر وكلِّ أشكال الحياة. ت.
الكلام
السليم:
الكلام اللطيف وقول الحق وسرد الأحداث
الجارية بدقة وبأمانة. ث.
العمل
السليم:
السلوك بحذاقة وبرأفة، واجتناب المجهود
العنيف أو العقيم. ج.
العيش
السليم:
على مسلك المرء في العيش ألا يتسبب في إلحاق
الأذى بالنفس أو بأيٍّ من الكائنات، وأن
يُعِدَّ المرءَ لميتة كريمة، لائقة
بإنسانيته. ح.
الاجتهاد
السليم:
تحقيق الكمال بنبذ الصفات الوضيعة الذميمة
والتخلُّق بالخصال الرفيعة الحميدة. خ.
النظر
السليم:
تنمية الانتباه الداخلي ومراقبته، وكذلك
العطف والرحمة، الناتجين عن الاتكال على
النفس والحِلْم. د.
التركيز
السليم:
التأمُّل حتى بلوغ ذروة الكشف العقلي –
الحكمة. وإذ
امتلأ البوذا الجديد بالرحمة على العالم، عزم
على نقل النور والخلاص الذي انكشف له الطريقُ
إليه إلى بني الإنسان. لقد كان في الخامسة
والثلاثين من عمره عندما شرع في تعليم
عقيدته، الـدهرما Dharma،
وثابر على ذلك طوال ما تبقى من حياته، مثالاً
حيًّا على الحكمة المطمئنَّة والطيبة
اللامتناهية، إلى أن وافاه الأجل في الثمانين. لقد
أوصى البوذا، من أجل بلوغ غاية الحياة،
باتِّباع شريعة أخلاقية رفيعة، هي انعكاس
مباشر للناموس الأخلاقي المدوَّن في سريرة
الإنسان. إن منهجه يقوم، بدون أن يُلمِع إلى
وجود أيِّ إله،[2] على التأمل
والرياضة العقلية أكثر منه على الزهد. وإننا
لنقع في العقيدة البوذية على عناصر هندوسية
عديدة، الأمر الذي يؤكد على عدم التعارض بين
ظاهر الهندوسية والبوذية إلا بمقدار ما يختلف
ظاهر منقول عن باطنه. ولم يكتفِ البوذا بتعليم
العقيدة وحسب، بل أسَّس "رهبنة" الـسَنْغها
sangha
التي أوْكَلَ إلى أفرادها (الـبهِكشو bhikshu)
مهمة نَشْرِ البشارة البوذية في العالم.[3]
ولقد لاقت البشارة نجاحًا عظيمًا، وانتشرت
البوذية في الهند بعد قرنين من موت غوتاما
ورهبانه الأوائل في عهد آشوكا Ashoka،
ذلك الملك العظيم الذي راعتْه الفظائعُ التي
ارتكبتْها جيوشُه الغازية، فتحوَّل، وهو في
أوج فتوحاته وانتصاراته، إلى البوذية،
معتنقًا إياها ومتعمِّقًا فيها، وصار من أنبل
الوجوه الإنسانية التي مثَّلتْ لها عبر
التاريخ. وظلت البوذية مزدهرة في الهند حتى
بعد مرور 1500 سنة على دخول مؤسِّسها في الـبَرينـِرفانا
parinirvāna
("الانطفاء
التام"). البوذية
في نقائها الأصلي، بما هي طريقة باطنية
تأملية، عقيدة مُحْكَمة، تقوم على منطق عملي
لا يفسح للعاطفة إلا مجالاً ضيقًا للغاية.
وبما أن الشعب الهندي يتميَّز بشفافية الشعور
وبعاطفة ثرَّة، وكان ذا ميل فطري إلى
الإلهيَّات والمُدارَسة النفسية، فقد شقَّ
تيارٌ جديدٌ طريقَه وسط العالم البوذي في
القرن الأول الميلادي، حتى توطَّد أخيرًا
منهجان اثنان: منهج الجنوب (ويدعى كذلك هينيانا
Hinayāna،
"المركبة الصغرى"، أو تهِرَفادا Theravada)،
الذي اعتبر نفسه – وما يزال – حاميَ العقيدة
في صورتها الخام؛ ومنهج الشمال (مهايانا Mahāyāna،
"المركبة الكبرى")، الذي تلوَّنتْ
البوذية بتأثيره بلون جديد، أدرج فيها بُعدًا
"بهكتيًّا"، تعبُّديًّا، وأبْرَزَ
أهمية التأملات الميتافيزيائية. ومع
الانتشار الجغرافي للبوذية، تفرَّعتْ عن
هذين المنهجين أغصانٌ عديدة متنوعة. ففي
القرن الثالث ق م دخلت البوذية الصين، ومنها
امتدت إلى كوريا (372 م)، ثم إلى اليابان (552 م)؛
كما تسرَّبتْ بعضُ المؤلفات البوذية إلى
التيبت في حوالى القرن الخامس الميلادي. ومن
سيلان (شري لنكا)، التي ما تزال منذ أكثر من
اثنين وعشرين قرنًا معقِل منهج الجنوب،
اكتسحتْ البوذية بورما (450 م)، ثم كمبودجيا.
وفي القرن السابع بلغت سيام (تايلاند)، حيث
أصبحت دين الدولة الرسمي. واليوم، ما تزال
البوذية حية، رغم أن عمرها "التاريخي"
تخطَّى القرون الخمسة والعشرين. وإن تسرُّبها
إلى الغرب، الذي ناسبتْه عقلانيَّتُها
الرصينة، في ازدياد مطَّرد. يتركز
مجهود البوذية برمَّته في قدرة الإنسان على
الانعتاق من عجلة الولادات والميتات التي
تلقي به في هوة الألم. ولأنه ما من إله شدَّه
إلى هذه العجلة (سمسارا) فليس خلاصُه
منوطًا بأحد سواه. لا مكان في البوذية للصلوات
وللقرابين التي يعتقد أهل الظاهر أن
بالإمكان، من خلالها، استنزال رأفة إله غاضب
أو شفقته. وبذلك تعود إلى الإنسان كرامتُه
ومنزلتُه اللائقتان به ككائن فاعل في هذا
الوجود. و"كهنة" البوذية مدرِّسون للـدهرما
وليسوا أبدًا "وسطاء" بين الإنسان والحق.
ولأن البوذية لا تقدِّم نفسها بوصفها "وحيًا
مُنزَلاً" فإنها لا تفرض أية عقيدة بعينها،
إنما، بالأحرى، تقترح "تعليلاً"
منطقيًّا وموضوعيًّا للإوالية المسؤولة عن
ألم الإنسان وعبوديته. كل
علَّة فهي تحتِّم معلولاً،ً يصير بدوره علَّة
لمعلولات متلاحقة
(ناموس كرما karma)، وما من تدخُّل، أيًّا كان
مصدرُه، يمكن أن يجعل الواقع على غير ما هو
عليه. لا شيء في البوذية يدعى "خطيئة" أو
"إثمًا"، بمعنى إساءة تثير سخط "رب"
أو "إله"؛ لكن كلَّ فعل خاطئ، أي في غير
محلِّه، يقود إلى الألم. لقد أصاب كرستمس
همفريز، إذ قال:
"المرء يعاقَب بـخطاياه،
وليس عليها." لئن كانت البوذية تمنح الإنسان
قدرة مذهلة، وتلقي على عاتقه المسؤولية
التامة عن مصيره وخلاصه،[4]
إلا أنها، في الوقت نفسه، تنفيه كشخص أو "أنا"[5]
بالمفهوم العطالي للمصطلح. فالأنيَّة ego،
من وجهة النظر البوذية، ما هي إلا ملتقى طرق
لمؤثِّرات خاضعة للتحول الدائم. وربما رأى
بعضهم في هذه الفكرة، للوهلة الأولى، تناقضًا
أساسيًّا في الديالكتيكا البوذية. غير أن
الأنيَّة بنظر البوذي (كما بنظر أيِّ صوفي
مشرقي) ليس لها وجود في ذاتها، شأنها في ذلك
شأن العالم. فمع أنهما موجودان في الواقع على
صعيدهما الخاص فإنهما، في المطلق، وَهْم، لأن
وحدَه المطلق موجود بذاته. لذا على المرء،
كي يكون "حقيقيًّا"، أي يحيا في الحق
وبالحق، ألا يكون محدودًا بشيء، مقيَّدًا به،
وألا يتَّكل على أيِّ كائن آخر أو ظرف خارجي –
وبعبارة أخرى، عليه أن يكون كلِّيًّا.
وهذا قطعًا ينفي عنه الشكلانية والاسمية. إن
كلَّ ما نصادفه أو نكتشفه في أنفسنا، وفي كلِّ
ما تقع عليه حواسُنا من العالم، مقيَّد
وزائل، وبالتالي "غير حقيقي" بالمعنى
البوذي للكلمة. ما
تزال البوذية، حتى الساعة، تبدو لنا مجرَّد
منهج ماديٍّ، خلو من أيِّ مضمون روحي؛ لكنها
ليست كذلك في الواقع، من حيث إن المرء، متى أخمد
في نفسه لهيب الرغبة الذي يستمد وقوده من تماس
الحواس مع الأشياء، وأطلق أنيَّته من تقوقعها
على نفسها، وتملَّص بذلك من الدوران مع
عجلة الولادات، عاش "حالة" النرفانا. إن وعي
فراغ الأنيَّة الزائفة وفراغ الأشكال من أية
ماهية دائمة هو السبيل إلى تحقيق الانعتاق.
والسلوك في هذا السبيل ليس بالأمر السهل على
الإطلاق؛ إذ إنه يتطلب مجهودًا جبارًا،
ويقظة للوعي متواصلة، وسبرًا عميقًا للنفس،
يخترق الفكر الذي يُتخطَّى إلى الوعي الكلِّي. ولئن
صح أيضًا أن البوذية تعلِّم أخلاقية ما فهي في
مآل الأمر ليست بالمنهج الأخلاقي. فالأخلاق
فيها ليست غاية في حدِّ ذاتها، إنما هي موطئ
قدم مبدئي على "درب" النيرفانا وأول
خطوة؛ لكنها خطوة لا معنى لها إلا بمقدار ما
تمهِّد للغاية القصوى. إن النظرة البوذية
الثاقبة إلى الوجود لتثير الإعجاب حقًّا،
وعمقها في "التحليل النفسي" للدوافع
التي يلقي انحرافُها بالإنسان في هوة الجهل،
وإقصاؤها، ككلِّ طريقة باطنية مستقلة عن
الظاهر، كلَّ الفروق الاجتماعية والعرقية
والعقائدية – كلُّ ذلك يحملنا على الوقوف
طويلاً عند صرحها الشامخ متأمِّلين، خاشعين. أحاديث
بوذاوية هاكم
الآن بعض الأحاديث المأثورة عن البوذا،
استقيناها من مصادر مختلفة، غير مراعين في
ذلك أيَّ ترتيب أو تبويب: -
لا
تفتِّشْ عن ملجأ إلا في نفسك. -
حرِّر
نفسك من القيود كما تخرق السمكة شبكة الصياد. -
لا
في السماء، ولا في عَرض البحر، ولا في كهف
جبلي، ولا في أيِّ مكان من العالم، يستطيع
المرء أن يهرب من سيِّئ فِعالِه. -
كما
أن الشمعة التي أطفأتْها الريحُ لا تُعرَف
هويَّتُها، كذلك الحكيم المطمئن الذي تحرَّر
من الفكر والجسم لا تُعرَف هويَّتُه. -
الطريق
الوسط يجيء بالمعرفة والفهم، يجيء بالرؤيا
الداخلية، ويقود إلى الطمأنينة والحكمة، إلى
اليقظة، إلى النرفانا. -
الحكيم
المطمئن، الحرُّ من وجهات النظر المبنية على
أشياء رآها وسمعها، يتحرَّر من وزر حمله، فلا
يعود خاضعًا للزمن، وبذلك يتخطَّى الرغبة
والزهد معًا. -
متى
سيطر المرءُ على شيء ما، عليه ألا يقيس نفسه
إلى الآخرين، مادحًا أو قادحًا، بأيِّ وجه من
الوجوه. -
الإنسان
الكامل لا يهتم بكيفية نشوء العالم، فلا
يعتبر من الزمان إلا الحاضر، ولا يجعل من
الولادة في أيِّ عالم من العوالم همَّ قلبه. -
صالح،
طالح... انفعالات كهذه تنجم عن التداعيات
والانطباعات الفكرية. أما متى تمَّ تخطِّي
هذه التداعيات الفكرية لا يعود ثَمَّ تمييز
بين مفهومي مُلِذٍّ وغير مُلِذٍّ. -
بعض
المتديِّنين يجزم: "الحقيقة هي كيت وكيت؛
أعرف؛ أرى!"،
ظانًّا أن كلَّ شيء يتوقف على اعتناق الدين
الصحيح؛ لكن متى عرف الإنسان حقًّا لم يعد
بحاجة إلى دين. -
كما
النحلة تجمع الرحيق دون أن تؤذي الزهرة، كذا
يفعل الحكيم وهو بين الناس. -
لا
تتعلق بالمُلِذِّ ولا بالمؤلم؛ ففي فقدان
المُلِذِّ وفي اقتناء المؤلم ألم. -
الصراع
لا يُلطَّف بالكراهية؛ الصراع يتوقف بالمحبة
– هذا ناموس أزلي. -
لو
لم يكن ثمة ما لا يولَد، ما لا أصل له، ما لم
يُخلَق، ما لا شكل له، لما وُجِدت إمكانية
النجاة من عالم الولادة والخلق وذي الشكل. -
الأفكار
العقيمة مرض وقرحة وشوكة. ومتى تمَّ تخطِّي
الأفكار العقيمة كلِّها، حُقَّ للإنسان أن
يدعى "مفكرًا صامتًا"؛ والمفكر، الحكيم،
لا يخضع للصيرورة. لقد
تعرضت البوذية، مع تزايد انتشارها، إلى
مؤثِّرات عديدة عدَّلتْ قليلاً من منهجها.
ولكن، أليس من العجب أنها حافظت بعد خمسة
وعشرين قرنًا على حيوية روحية متميِّزة؟ أما
لقاؤها التاريخي مع العقلية والروحانية
الصينيتين فكان مصدرًا لتلاقُح روحيٍّ خصب،
أثمر عما سُمِّي ببوذية تشآن Tsh’an
(كلمة مشتقة من كلمة دهِيانا dhyāna
السنسكريتية التي تعني "التأمل") في
الصين وبوذية زِنْ Zen
في اليابان، اللتين تتميَّزان بجرأة وقوة
فريدتين وتعبِّران عن نضج روحي مذهل. فهذان
المنهجان يقترحان إمكان القيام بقفزة
مباشرة نحو النرفانا بتحدي المنطق الفكري
الصارم، وتحطيم طغيان الفكر والكلمات، بما
يفضي إلى يقظة مباغتة (ساتوري satori).
يبقى
أن نشير إلى الرقة والجمال الرائعين اللذين
يدين بهما الفنُّ والثقافة إجمالاً للبوذية،
سواء في الهند وآسيا خصوصًا، أو في الحضارة
الإنسانية جمعاء عمومًا. ديمتري أفييرينوس ***
بعض المراجع -
COOMARASWAMY, Ananda K., Hindouisme
et bouddhisme, coll. « Idées », Gallimard, Paris, 1949. -
GARRATT, G.T. (ed.), The Legacy of India,
Oxford University Press, 1938. -
HUMPHREYS, Christmas, Buddhism, 3rd
ed., Penguin Books, 1981. -
HUMPHREYS, Christmas, Exploring Buddhism,
A Mandala Book, Unwin Paperbacks, London, 1980. -
LANE SUZUKI, Beatrice, Mahayana Buddhism: A
Brief Outline, with an Introduction by D.T. Suzuki and a Forward by
Christmas Humphreys, George Allen & Unwin, London, 1959. -
LEGGETT, Trevor (compiled and translated by), A
First Zen Reader, Charles E. Tuttle Company, Rutland & Tokyo, 1960. -
RADHAKRISHNAN, S., Indian Philosophy, vol.
I, The Macmillan Company, New York, George Allen & Unwin, London, 1956. -
THOMAS, Edward J., The Life of the Buddha as
Legend and History, 3rd ed., Routledge & Kegan Paul, London,
1975. -
RAHULA, Walpola, L’enseignement
du Bouddha, d’après les textes les plus anciens, coll. « Points
Sagesses », Éditions du Seuil, Paris, 1978. [1]
عُرِف الأمير سِدهرتا أيضًا بلقب
شَكْياموني Sakya Muni،
أي "متوحِّد الساكيين"، لأن والده
شودودهانا Sudodhana
كان ملكًا على هذه القبيلة، عاصمته
كبيلافَسْتو Kapilavastu
في النيبال، على بعد حوالى مئة ميل شمال
مدينة بِنارِس (فارَنَسي Vāranasi)
عند سفوح الهملايا. [2]
الواقع أن البوذا يتجنب في تعاليمه الشفهية
أيَّ ذكر للألوهة. [3]
"التبشير" بالـدهرما البوذي سمة
مميِّزة للبوذية؛ وهو يتم بشرح العقيدة
بتسامح تام، بدون أيِّ فرض أو إكراه، وحتى
بدون رغبة ملحَّة في الإقناع. [4]
يقول البوذا: "ليس بإمكان أحد سواك أن
يساعدك." [5]
يعبَّر عن هذه العقيدة بقولهم: "لا
أنية" في البوذية. |
|
|