|
المرأة إن انتهاك الرجال حقوقَ
المرأة هو قطعًا أحد أعمال العنف الأكثر
انتشارًا ومأساويةً عِبْرَ العالم. فسلوكُ
الرجلِ العنيفُ حيال المرأة يفرض نفسَه كواحد
من أبرز خصائص ثقافة العنف التي تسود
مجتمعاتِنا. فعلى مرِّ القرون، سواء في
الحياة المنزلية أم في الحياة السياسية، قام
الرجالُ بالحطِّ من قيمة النساء وإبعادهن
والسيطرة عليهن واضطهادهن، كما خضعت أولئك
لهم في أغلب الأحيان. لقد شهد القرنُ العشرون
ظهور "حركة نسائية" أتاحت للنساء، إلى حدٍّ
ما، التأكيد على هويتهن الخاصة ونيل الاعتراف
بها. مع ذلك، لا يجوز لنا ادِّعاء زوال كلِّ
شكل من أشكال التمييز أو الإقصاء في حقِّهن –
بل هيهات! بحسب الإيديولوجيا السائدة،
فإن الشمائل الحربية التي تصنع الأبطال تخص
الرجال، وليس للنساء منها نصيب، على ما يبدو،
– كأنهن لا يتحلَّين بالمزايا المطلوبة
لشَهْر السيف ومقارعة الموت في ساح الوغى،
وكأنهن غير أهل لمشاطرة الرجال مجدَ
المحاربين، بل عليهن أن يختصصن براحتهم
والتسلية عنهم[1].
لقد كانت أهمية الحرب في حياة المجتمعات
قطعًا أحد أسباب التفوق الذكوري. فالحرب هي
"شأن الرجال"[2].
لكن هذا لا يعني أن النساء غير معنيَّات
بالحرب، بل هي، على العكس، تعنيهن مباشرةً؛
لكنهن وقفن وراء الحرب أو، بتعبير أدق، كان
يُحتفَظ بهن خلف الحرب، محتجباتٍ عن الأنظار
في أغلب الأحيان، تمامًا كما احتُفِظَ بهن
خلف الرجال. لقد عانت النساء الأمرَّين من
ويلات الحرب، إلا أن آلامهن ودموعهن كانت
مستكينةً، صامتةً، كحياتهن. وحتى عندما لعنَّ
الحرب، لم يحتججن عليها عمومًا. فكما قبلن
قوانين الرجال، قبلن قوانين الحرب. ألم
تمجِّد النساءُ أنفسُهن الحربَ في أغلب
الأحيان بإعجابهن بالأبطال المحاربين[3]؟
ألم تكن لهن أنفسهن اليد الطولى في المساهمة
في صنع المكانة المنتحَلة للِّباس العسكري
وفي الحفاظ عليه؟ وهن، إذ يُرِدْن اليوم أن
يأخذن مكانهن في المجتمع كاملاً، رافضاتٍ
الخضوعَ لسلطة الرجال، ألن يصل بهن الأمرُ
إلى محاكاة عنف الرجال؟ لا شيء أسوأ من
مطالبتهن، باسم المساواة، بمكان لهن في الحرب! بما أن النساء "يهبن
الحياة" للكائنات البشرية، ألا يشعرن
بنفور "طبيعي" من وَهْبِهم الموت؟
فبحُكم وضعهن البيولوجي، أليس لديهن استعدادٌ
"طبيعي" لرفض العنف وتفضيل اللاعنف؟
النساء، في الواقع، قادرات هن أيضًا على أن
يأتين أسوأ أنواع العنف؛ لذا لا بدَّ قطعًا من
التخلي عن أسطورة المرأة الوديعة، الرقيقة،
المسالمة بطبعها[4].
كذلك، فإن العنف ليس كيفية التعبير الطبيعية
والبيولوجية التي تميِّز الكائن الذكر. يجب
إعادة تحديد موضع السلوك العنيف للرجل ضمن
بيئته الثقافية، وقبل كلِّ شيء، في سياق
سيرورة التكيف الاجتماعي التي تكوِّنها
التربية. ألا تهيب التربيةُ بالرجل أن يكبت
حساسيته التي يحب أن يعتبرها من قبيل الضعف؟! لا يمكن للاختلاف الجنسي أن
يلتبس بأفكار اجتماعية مقولَبة جامدة. ولعله
ينبغي الكف عن تفكير يفترض سلفًا أن العنف
مذكر أساسًا واللاعنف مؤنث أساسًا، بل
يُستحسَن أن نقول بأن اللاعنف مذكر ومؤنث
أساسًا. كل كائن إنساني هو ثنوي الجنس: ففي كلِّ
فرد هناك قطب مؤنث وقطب مذكر؛ وله، إذن، أن
يتولَّى ذكورته وأنوثته في آن معًا. لهذا
حصرًا، فإن طلب المساواة والعدل بين الرجال
والنساء لا يجوز أن يقوم على اللاتمايز وعلى
تشابُه الهويتين المؤنثة والمذكرة. لا مناص
للمرأة، إذن، من أن تحرِّر العنصر المذكر
الكامن فيها وأن تمتلك، بذلك، قوة ممارسة
سلطانها هي. كما ينبغي على الرجل، في الوقت
نفسه، أن يستدمج العنصرَ المؤنث الذي هو
أيضًا مكوِّن أساسي من مكونات كينونته؛ وبهذا،
يمكن له السيطرة سيطرةً أفضل على خشونته التي
غالبًا ما يتباهى بها عند اشتداد رجولته.
وعندما تصبح المزايا الأنثوية والذكورية قيمًا،
لا تعود هذه المزايا خصوصياتِ جنس دون الجنس
آخر. لا نتكلم هنا على نفي الاختلاف أو
تجاوُزه، بل على تجسيد إنسانية الإنسان
تجسيدًا مختلفًا. فهل يتمكن الرجل والمرأة
عندئذٍ – وكل منهما يحافظ على هويته الخاصة،
لكنْ مغتنيةً بهوية الآخر – من الإسهام معًا
في ابتكار ثقافة لاعنفية؟ ترجمة:
محمد علي عبد الجليل [1]
تروي
كتبُ السيرة النبوية عن دور النساء في
الغزوات: "قال ابن إسحاق: حدَّثني سليمان
بن سحيم عن أمية بن أبي الصلت، عن امرأة
من بني غفار قد سمَّاها لي، قالت: "أتيت
رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في نسوة
من بني غفار، فقلنا: يا رسول الله، قد أردنا
أن نخرج معك إلى وجهك هذا – وهو يسير إلى
خيبر – فنداوي الجرحى، ونعين المسلمين بما
استطعنا. فقال: على بركة الله. قالت: فخرجنا
معه..." (سيرة ابن هشام، ج 2، ص 342).
وجاء في صحيح مسلم (ج 3، ص 1447، كتاب "الجهاد
والسير"، باب "النساء الغازيات يرضخ
لهن ولا يسهم"، أي يُعطى لهن قليلاً من
الغنيمة، وليس سهمًا أي نصيبًا محددًا): "عن
أمِّ عطية – رضي الله عنها – قالت: غزوت مع
رسول الله – صلى الله عليه وسلم – سبع
غزوات، أخلفهم في رحالهم، فأصنع لهم الطعام،
وأداوي الجرحى، وأقوم على المرضى." (المترجم) [2]
جاء في كتاب الأغاني لأبي
الفرج الأصفهاني (ج 3، ص 26) قول عمر بن أبي
ربيعة: "كُتِبَ القتلُ والقتالُ علينا
وعلى الغانيات جرُّ الذيول". كما يروي
كتاب الأغاني (ج 5، ص 100) أن أبا محجن
الثقفي، لما انصرف (من المعركة) ليعود إلى
سجنه، رأتْه امرأة، فظنَّتْه فارًّا
منهزمًا، فأنشأت تعيِّره بفراره: "مَن
فارس كَرِهَ الطِّعانَ يُعِيرني رمحًا إذا
نزلوا بمرج الصَّفَرِ". فردَّ عليها أبو
محجن: "إن الكرام على الجياد مبيتهم فدعي
الرِّماحَ لأهلها وتعطَّري". (المترجم) [3]
من أشهر الشواهد في التراث
العربي قصة الخنساء (تماضر بنت عمرو بن
الشريد). فالألم الذي اعتصرها من جراء مقتل
أخيها صخر (الذي أصيب بجرح في غزوة ومات بعد
مرض طويل) لم يدفعها إلى إدانة الحرب أو
لعنها، بل كانت، على العكس، تمتدح شجاعته
القتالية، ولم تزل تبكيه حتى عميت. ومما
رُوِيَ عنها قولُها: وإن
صخرًا لوالينا وسيدنا
وإن صخرًا، إذا نشتو، لنحَّار وإن
صخرًا لمقدام إذا ركبوا
وإن صخرًا، إذا جاعوا، لعقَّار جَلِدٌ
جميلُ المحيا كاملٌ ورع
وللحروب، غداة الرَّوع، مسعار حمَّـالُ
ألوية، هبَّـاطُ أودية
شهَّـادُ أنديـة، للجيش جرَّار وقالت: "يذكِّرني طلوعُ الشمس صخرًا وأذكره بكلِّ مغيب شمس" و"لولا كثرة الباكين حولي على إخوانهم لقتلت نفسي". ومما يروى أن الخنساء (بعد الإسلام) قالت: "كنت أبكي لصخر من القتل، فأنا أبكيه اليوم من النار." وكان جوابها لعمر بن الخطاب عندما نصحها في أثناء طوافها [بالكعبة]: "فكيف أتحمل فراق فارسين فقدتهما؟" وتروي كتب التراث الإسلامي أنها كانت تذكِّي حميةَ أولادها الأربعة وتثبتهم في المعركة، ومما كانت تقول لهم: "فإذا رأيتم الحرب قد شمَّرتْ عن ساقها فيمِّموا وطيسها، تظفروا بالغنم والكرامة في دار الخلد والمقامة." وعندما بلغها خبرُ مقتلهم جميعًا قالت: "الحمد لله الذي شرَّفني بقتلهم، وأرجو من ربِّي أن يجمعني بهم في مستقر الرحمة." [!] [4]
يحفل التاريخ العربي والإسلامي
بأسماء النساء اللواتي ساهمن مساهمةً
فعالة في القتل، مثل: أسماء بنت يزيد بن
السكن (التي شاركت في معركة اليرموك، فقتلت
بعمود خيمتها تسعةً من الروم)، وأم حرام بنت
ملحان (خالة أنس بن مالك)، وخولة بنت الأزور،
وشجرة الدر، ونسيبة بنت كعب المازنية (أم
عمارة). وقديمًا كانت هناك الملكة زنوبيا،
"الفارسة المحاربة"، إلخ. (المترجم)
|
|
|