اللاعنف في الشرق الأوسط

آرون غاندي

 

الجهل العام وسوء الفهم اللذين يطوِّقان فلسفةَ اللاعنف – التأويلَ الغانديَّ لها على الأقل – سببُهما عدم ملاءمة اللغة الإنكليزية. فاللاعنف، مأخوذاً على محمل الحرف، يعني عدم استعمالنا العنف المادي، في حين نتجاهل العنف غير المادي الذي نرتكبه نحن كل يوم، فردياً وجماعياً. وهذا العنف غير المادي أو العنف السلبي هو الأشد مكراً لأنه يولِّد الغضب، الذي يؤدي إلى عنف مادي. لذلك، ما لم نعترف بعنفنا "السلبي" ونعالجه، لا نستطيع أن ننهي العنف "المادي".

إن اللاعنف على طريقة غاندي يشدِّد على الحاجة إلى بناء علاقات بينشخصية ودولية على أساس مبادئ الاحترام، والتفاهم، والقبول، والتقدير الإيجابية، وليس على مبادئ الأنانية والمصلحة الذاتية السلبية، كما نفعل حالياً. وهذا يتطلب احتراماً لمختلف الديانات، والثقافات، والقوميات، وغيرها من الخصائص المادية والاجتماعية. فإذا أصبح الاحترام هو الأساس في العلاقات فيما بيننا عَسُرت ممارسة العنف. ثم إن اللاعنف على طريقة غاندي يتأسَّس بقوة على المحبة والعطف على جميع المخلوقات. وهكذا، عندما يشكك الناس في ضرورة اللاعنف فإنهم يشككون في ضرورة الاحترام والمحبة والعطف.

اللاعنف على طريقة غاندي ليس استراتيجية لحلِّ النزاع، ولا هو سلاح يُستخدَم عند الحاجة ويُطرَح جانباً في غيابها. إنه طريقة حياة، وموقف، ونظرة. على المرء أن يحياه، ويمارسه، ويفكِّره. اللاعنف يشدد على الحاجة إلى الاعتراف بالخير في كل فرد وجعل ذلك الخير يزدهر لكي يكون بالإمكان كبح "الشر" (الغضب والعنف). لقد علَّمني غاندي وأنا بعدُ في سن الثانية عشرة أن الغضب نافع وقوي كالكهرباء، لكنْ فقط إذا استخدمناه بفطنة. علينا أن نتعلم احترام الغضب كما نحترم الكهرباء.

العنف في الشرق الأوسط، كالعنف في أي مكان آخر، يتجلَّى في الكراهية، والإجحاف، والأنانية الموجودة فينا جميعاً. وروحانيَّتنا تعيِّنُها المواقفُ السلبية عينُها التي تعيِّن علاقاتنا. والتنافسية التي حَقَنَّاها في ديانتنا تشتمل على بذور العنف الذي يدمِّر اليوم نسيج مجتمعنا. فهل يمكن تغييرها؟ غاندي قال إنه لا يوجد شيء في هذا العالم متعذر التحقيق إذا كانت لدينا الإرادة لأن نفعل ذلك.

تاريخياً، ارتكبنا أخطاء كثيرة، كان أكثرها تدميراً الانقسام الديني لدول كإيرلندا، والهند، وفلسطين/إسرائيل. وقد ولَّدت هذه الانقسامات كراهية، وإجحافاً، وعنفاً على نطاق هائل، مع مضاعفات هي من الضخامة بحيث تكاد تتحدَّى الاستنتاجات المنطقية.

قبيل اغتياله في 30 كانون الثاني/يناير، عام 1948، سئل غاندي: "ما هو الحل للمشكلة الفلسطينية؟" فأجاب: "لقد أصبحت مشكلة تبدو عصية على الحل تقريباً. ولو كنت يهودياً لقلت لهم: ’’لا تكونوا من السخف بحيث تلجؤون إلى الإرهاب…‘‘ على اليهود أن يلتقوا مع العرب، وأن يصادقوهم، لا أن يعتمدوا على معونة، بريطانية أو أميركية، سوى ما يأتي من يهوه."

وإذا كان الحل صعباً عام 1948، فهو حتى أكثر صعوبة الآن، وإن كان غير متعذر. والسؤال في الشرق الأوسط، كما في الهند وإيرلندا، هو: ما الهدف بنظر كل جانب؟ لقد حاول الفلسطينيون والإسرائيليون أن يقمعوا، إن لم نقل يبيدوا، بعضهم بعضاً عن طريق العنف، وهو أمر غير عملي وغير إنساني.

الحل الأمثل سيكون أن تتخذ الأطراف المعنية مقتَرَباً أكثر إنسانية و، كما قال غاندي، تتصادق فيما بينها، وتضع حلاً مُرضياً لكلا الطرفين، ثم تتعايش في صداقة. ولما كانت الشعوب قد تباعدت تلك المدة الطويلة فإن إعادة تقريبها بعضها من بعض سيكون أمراً متعذَّراً عملياً. كثيراً ما استُخدِمت إعادة توحيد ألمانيا كمثال، إلا أن تقسيمها إلى شرق وغرب كان تقسيماً إيديولوجياً وليس دينياً. فعندما حُلَّت الخلافات الإيديولوجية بين الجانبين، أصبح الاندماج سهلاً.

أما الاختلافات الدينية فلا يمكن التقريب بينها بتلك السهولة: إنها يمكن أن تُحترَم فقط. ونتيجة لذلك، فإن التقاء مجموعتين دينيتين متباينتين تمزقتا إرباً إرباً يصبح أشد صعوبة. ولن يكون من الممكن إيجادُ حلٍّ منصف إلا عندما يقرر الشعب في البلدين المتنازعين ألا يصيرا بيدقين في سياسة القوة الدولية.

ما دامت الدول الغربية، وخصوصاً الولايات المتحدة، تتلاعب بدول أصغر منها من أجل أغراضها الخاصة، وما دام الشعب في البلدين المتنازعين يسمح لنفسه بأن يُتلاعَب به، فإن الحل سيكون متعذراً. إن الولايات المتحدة تريد أن يكون إسرائيل شريكاً قوياً يُعوَّل عليه لحراسة إمدادات النفط، وكما اتضح من الإجراء الأخير ضد أفغانستان، فهي (أي الولايات المتحدة) مستعدة لشراء ولاء باكستان لاحتواء الإرهابيين.

قال غاندي إن السياسة بلا مبادئ خطيئة مميتة تساهم في العنف. وما لم نسمح لأنفسنا بأن نُحكَم بالأخلاق وبالقيم، بالاحترام وبالعطف، فإن العنف سيستمر في استنزاف حياتنا.

قرأت مؤخراً لُصاقة على دارئة سيارة تعبِّر عن الحقيقة بإيجاز: "عندما تتولَّى الشعوب القيادة، سيتبعُها القادة لا محالة."

*** *** ***

آرون غاندي هو مؤسِّس ومدير معهد م. ك. غاندي للاعنف في ممفيس، تينيسي، الولايات المتحدة.

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

Editorial

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود