عن كتب كريشنامورتي

والكتابات عن فكره

سمير كوسا

"لقد صرنا مجرد فونوغرافات، تبث موسيقى جيدة أو موسيقى رديئة، لكننا لسنا الموسيقي أبدًا. لماذا؟"

ج. كريشنامورتي، 1948

تنبيه: لسنا نهدف من الأسطر التالية تقديم عرض لفكر كريشنامورتي، بل نود تقديم مادة تغطي أهم ما نُشِرَ لكريشنامورتي وعنه حتى أواخر الثمانينيات (على أن نحاول تغطية الفترة اللاحقة في مقال آخر)، بما يسمح للقارئ الذي قد يرغب في التعمق في هذا الفكر بأن يمضي قُدُمًا. لهذا يأمل كاتب هذه السطور من القارئ أن يكون قد قرأ المواد الأخرى لهذا الإصدار الخاص.

***

عرفتْ كتاباتُ كريشنامورتي مرحلتين: الأولى سبقت ما يمكن تسميته بـ"تجربته المحرِّرة" (حوالى العام 1926) والثانية بعدها. ومع أننا نجد في كتب المرحلة الأولى شيئًا من الشاعرية والأريج الذي عبقتْ به كتاباتُ كريشنامورتي اللاحقة، فإن شوائب جاءت لتحتجزها في بوتقة الماضي البالي. على الرغم من ذلك، فلهذه الكتابات أهمية تاريخية بنظر الباحثين وكتَّاب السِّيَر الذاتية، وبنظر الدارسين الذين يريدون معرفة تطور هذا الفكر، وبنظر كلِّ مَن يكبِّله البالي!

والواقع أن غالبية كتب هذه المرحلة قد نفدت، لكن طبع بعضها يُعاد باستمرار، ككتاب عند قدمي السيد، الذي نُشِرَ تحت لقب ألكيون، بتقديم آني بيزانت، والذي يعود إلى فترته "الثيوصوفية".[1] يمكن كذلك للمهتم أن يقرأ بعض الكتابات المجموعة في المجلد الأول من الكتابات الأولى.[2]

عند قدمي المعلِّم ونحو التلمذة في مجلد واحد

لننتقل الآن إلى المرحلة الثانية التي امتدت حتى وفاته في العام 1986. جرت العادة أن يزور كريشنامورتي دولاً عديدة، يحاضر فيها ويناقش مشكلات الإنسان، أسباب الألم، الخوف، الحرب، إلخ، والسبيل إلى التحرر منها. وكانت غالبية المطبوعات التي حملت اسم كريشنامورتي نشرًا لهذه الأحاديث العديدة على مدى السنوات. نذكر منها: الحرية الأولى والأخيرة[3]، في مواجهة الحياة[4]، التحرر من المعلوم[5]، أنتم العالم[6]، يقظة الفطنة[7]، إلخ. وقد صدرتْ هذه الكتب في طبعات كثيرة، منها كتب للجيب، وفي لغات عديدة. (تقوم معابر تباعًا بنشر فصول من القسم الثاني من الحرية الأولى والأخيرة، تتضمن إجابات كريشنامورتي عن أسئلة كانت تُطرَح عليه؛ كما ستصدر قريبًا مختارات تأملات المنشورة في هذا العدد الخاص.) وللمهتم، صدر كتابا جيب عن دار بنغوين[8]، اشتملا على مقتطفات هامة من هذه الكتب، وتمثل مقدمة جيدة لفكر كريشنامورتي.

إضافة إلى نشر هذه الأحاديث العامة، صدرتْ كتبٌ اشتملت على حوارات أكثر خصوصية، كتلك مع البروفسور د. بوهم، مثل: إنهاء الزمن[9] ومستقبل البشرية[10]. كما يمكن أن نذكر كذلك كتاب المنقول والثورة[11] مع مجموعة صغيرة من المناقشين (وهو أول كتاب لكريشنامورتي يصدر في الهند)، إلخ.

والملاحظ أن كريشنامورتي حاول، على مرِّ السنين، صياغة لغة يمكن لها تجسيد تجربته والتعبير عن قصده. وقد سعى كذلك إلى جعل هذه اللغة موضوعية لا علاقة لها بشخصه؛ حتى إنه يمكن إجراء المقارنة التالية: تشبه لغة كريشنامورتي لغة الرياضيات في استقلاليتها عن مبدعها وفي الإمكانية المفتوحة لكلِّ من أراد أن يتحقق منها بذاته (يمكن للقارئ المهتم بتطور لغة كريشنامورتي قراءة كتاب الباحث الفرنسي إيفون أشار لغة كريشنامورتي[12]، حيث يحلِّل تطور هذه اللغة حتى نهاية الستينيات).

لكن الأحاديث لا تشكِّل المصدر الوحيد لكتب كريشنامورتي. فقد تمتع الحكيم بحسٍّ مرهف، وشاعرية رقيقة، وتنبُّه يقظ لكلِّ ما يجري في سرِّه ومن حوله. لهذا يجد القارئ بعض المقطوعات الشعرية (تعود إلى العشرينيات)، وكذلك عددًا من النصوص يستهلها المؤلِّف بوصف لمنظر طبيعي وصفًا دقيقًا جميلاً موضوعيًّا، تعقبه – وكأنها استمرار لهذا الوصف – خواطر المؤلِّف عن الحياة البشرية عبر تأملاته ولقاءاته مع آخرين. وعندما اطَّلع ألدوس هكسلي على بعض من هذه الكتابات أُعجِبَ كثيرًا بهذا النوع من الكتابة الأدبية–الفكرية الجديدة، وألحَّ على كريشنامورتي أن يستمر في الكتابة والنشر. فليراجِع القارئ مثلاً: تعليقات على الحياة[13] (في ثلاث سلاسل)، والثورة الوحيدة[14]، إلخ. ويمكن كذلك تصنيف دفتر الملحوظات[15] واليوميات[16] ضمن هذه الفئة من الكتب، حيث يُشرِك كريشنامورتي قارئه في حالة وعيه المطلقة التي يستمد منها تعليمه مباشرة، كما يورد ملاحظاته وتأملاته على كلِّ ما يجري فيه ومن حوله.

إلى جانب هذه الكتب، نجد كتبًا رائعة عن التربية، مثل: التربية ومعنى الحياة[17]، رسائل إلى المدارس[18] (في جزأين)، إلخ.

التربية ومعنى الحياة

وفي ختام عرضنا لكتب كريشنامورتي، نود لفت الانتباه إلى أن غالبية الأحاديث المنشورة متوفرة على أشرطة تسجيل، والعديد منها متوفر كذلك على أشرطة فيديو وأقراص مدمجة؛ وهي تُظهِر بُعدًا عميقًا، عاطفيًّا، لا أثر له في الكلمة المطبوعة.

***

أود في هذا القسم الثاني أن أذكِّر ببعض الكتب التي عرضت لفكر كريشنامورتي. كثيرة هي الكتب التي تورِد اسم كريشنامورتي؛ لكن قلة هم المؤلِّفون الذين يعرفون فكره الثوري والمحرِّر في شيء من العمق. على الرغم من ذلك، يعود الفضل إلى هؤلاء القلائل في لفت النظر إلى وجوده، وفي محاولة مقارنة هذا الفكر مع التيارات الدينية والفلسفية والنفسية والعلمية العديدة. ركَّز كريشنامورتي اهتمامه على توعية الآخرين وتنبيههم إلى تناقضهم الداخلي، بما هو أصل مشكلات عالمنا كلِّها، ولم يهتم على الإطلاق بإيجاد بدعة فلسفية جديدة. ففي نظر كريشنامورتي، ليست الخارطة هي الأرض.

الدليل الأول لكلِّ باحث في هذا الميدان هو ببليوغرافيا حياة ج. كريشنامورتي وتعاليمه[19] وملحقها[20]، وفيهما حاول المؤلِّف سوسوناغا ويرابيروما جمع عناوين وتواريخ ومصادر كلِّ الدراسات (مقالات وكتب) التي صدرت حول كريشنامورتي وتعليمه (حتى العام 1982)؛ تضاف إلى ذلك عدة كتب للمؤلِّف ذاته عن هذا الموضوع، أذكر منها: الحياة والموت من لحظة إلى أخرى[21]، أرض بلا دروب[22]، وغيرهما، وتمثل مقدمة جيدة لهذا الفكر.

ولنذكر أيضًا كتاب كارلو سواريس كريشنامورتي والوحدة الإنسانية[23]، وهو كتاب ممتاز، نفد في لغته الفرنسية الأصلية وبقيت ترجمته الإنكليزية.[24] ولقد كان سواريس صديقًا لكريشنامورتي ومن أوائل الذين ترجموا كتبه إلى الفرنسية.

كريشنامورتي والوحدة الإنسانية (كارلو سواريس)

وعن حياة كريشنامورتي نجد ثلاثة مجلدات بقلم ماري لَـتْـيِـنْـز هي:[25]

-       كريشنامورتي: سنوات اليقظة

-       كريشنامورتي: سنوات التحقق

-       كريشنامورتي: الباب المفتوح

ويحتوي الجزء الأول على معلومات هامة عن طفولة كريشنامورتي وشبابه وكلِّ ما أحاط بهما. وعلى الرغم من أهمية هذا الكتاب فثمة، في اعتقادنا، خطر كامن في تحويل أنظار القارئ عن ذاته وفهمها إلى المفارقات والملابسات التي أحاطت بكريشنامورتي الشاب (على الرغم من أن هذه السيرة كُتِبَتْ بناءً على طلب كريشنامورتي ذاته).

التطور النفسي في الألفية الثالثة (روبير لنسن)

مؤلِّف آخر مشهور هو الكاتب روبير لنسن، الذي كتب وحاضر عن فكر كريشنامورتي منذ الثلاثينات. تتميز كتابات لنسن بوضوحها الكبير وبوفرة المراجع وبكثرة المقارنات مع الفلسفات الشرقية (بوذية، هندوسية...) ومع العلوم الحديثة. وقد ترجم الأستاذ ندره اليازجي أحد كتبه إلى العربية بعنوان التطور النفسي في الألف القادمة[26] وأصدره عن دار الغربال (دمشق)؛ وهو يشتمل على مقارنات هامة بين يونغ وكريشنامورتي. ولا يمكن لنا هنا ذكر كتابات المؤلِّف كلِّها (والكثير منها قد نفد)، بل سنكتفي ببعضها:

-       كريشنامورتي، عالِم نفس العصر الحديث[27]

-       كريشنامورتي رائد الألفية الثالثة[28]

-       التأمل الحقيقي[29]

وللمرحوم لنسن فضل كبير في تعريف جمهور كبير على أفكار كريشنامورتي.

***

أريد أن أختتم عرضي السريع بمؤلِّفين مفضَّلين عندي: أولاهما بوبول جاياكار، التي صدر لها في مطلع العام 1987 كتاب كريشنامورتي: سيرة[30]، وهو كتاب رائع بحق. يجد القارئ في هذا الكتاب سيرة كريشنامورتي بقلم شخص مقرب جدًّا منه. وتركز جاياكار على شخصية كريشنامورتي الفريدة، حتى إن القارئ قد يشعر أحيانًا بحضوره. وفي هذا الكتاب حوارات مع كريشنامورتي لم يسبق لها أن نُشِرَتْ من قبل ووثائق عن حياته. وأعتقد أن القارئ سيخرج ملمًّا بفكر كريشنامورتي، وليس فقط بسيرته. وكتاب جاياكار أفضل الكتب، في رأيي، عن "شخص" كريشنامورتي.

مؤلِّفنا الأخير هو رونيه فويريه. يصعب هنا وصف العناية الفائقة التي كان يبذلها هذا المؤلِّف في كتاباته العديدة. ويتميز فويريه عن غالبية المؤلِّفين الآخرين في أنه عندما يكتب يكون ما يكتبه معايشة داخلية؛ بعبارة أخرى، فإن فويريه لا يتحدث "عن" فكر كريشنامورتي كشيء خارج عنه. لهذا تستحق كتابات فويريه الدراسة كلَّها. أذكر منها: من الزمني إلى الأزلي: الذكاء التقني والوعي الشخصي[31]، في ثلاثة أجزاء (نفد)، حيث يدرس المؤلِّف ولادة الأنا وتطورها، ويبيِّن، على نحو منطقي، وجود مرحلة أخرى تتجاوز الأنا. ثم هناك ثورة الحق: كريشنامورتي[32]، وهو في رأيي خيرة الكتب عن فكر كريشنامورتي؛ وفيه نجد دراسات رائعة عن سيرورة الأنا، وعن فكر كريشنامورتي بالمقارنة مع التيارات الرئيسية في العالم (ماركسية، وجودية، بوذية...) في نظرتها إلى الإنسان. يمكن كذلك قراءة الكتاب الصغير بالإنكليزية كريشنامورتي: الرجل وتعليمه[33] للمؤلِّف نفسه، الذي يبدو أن كريشنامورتي نفسه وافق على مضمونه.

أتمنى أن يستفيد المهتم من هذه المادة، وأرحب بكلِّ تساؤل في هذا الخصوص.

*** *** ***