|
ثلاثة نصوص
من هي فيمَلا تْهَكَر؟ في وسعنا القولُ في فيمَلا تهكَر إنها نذرتْ نفسها، منذ ولادتها تقريبًا، لرحلة بحث روحية نهضتْ لها بلا هوادة، مزدريةً في سبيلها كلَّ طموح دنيوي، بصلابة وعزم فريدين ينتزعان الاحترام والإعجاب. منذ أن كانت في الخامسة من عمرها، كان "المفهوم الموروث عن إله شخصي" قد صار في نظرها "واقعًا حيًّا"؛ ولدى بلوغها الثانية عشرة كانت قد قرأت سِيَرَ غالبية أولياء الهند وقديسيها البارزين. اختبرتْ فيمَلا أشد الشروط الاجتماعية تبايُنًّا: فبعد أن كانت تعيش، بحُكْم كونها حفيدة أمير (راجا)، ناعمةً ببذخ القصر، اضطرتْ فيما بعد إلى مكابدة البؤس والجوع، حين سُجِنَ والداها بسبب مشايعتهما لغاندي. وفي جامعة ناغبور، التي حصلتْ منها على إجازة في الفلسفة، حضرتْ دروسًا في المنطق والأخلاق وعلم النفس والميتافيزياء؛ الأمر الذي سمح لها بأن تضيف إلى معرفتها بالتعاليم الروحية للهند معرفةَ فكر الفلاسفة الغربيين: أفلاطون، أرسطو، كانط، هيغل، وآخرين. فضلاً عن ذلك، فقد درست التصوف والبوذية والمسيحية. وقد جعلتْها إقامةٌ وجيزة في الولايات المتحدة وإنكلترا "تعي وَقْعَ التقدم العلمي والتقني على الذهن البشري". حين أطلق [أتشاريا] فينوبا [بهافِه، أحدُ تلامذة غاندي] حركةَ بهودان ["وَهْب الأرض"]، قدَّمتْ للحركة معونتَها الحماسية – معونةً قُيِّض لها أن تدوم ثماني سنوات وتتيح لها الاطلاع على مختلف منظومات الفكر السياسي. وعن هذا العمل قالت: "جعلني أزور عمليًّا ولايات الهند كافة. طُفتُ البلادَ من أعلاها إلى أسفلها، متكلِّمةً في الاجتماعات، منظِّمةً معسكراتِ تدريبٍ للعمال، جامعةً الأراضي وموزعةً إياها على فلاحين يَعدَمونها. كانت مواجهة الهند الحية خبرة ما بعدها خبرة." وَسَمَ لقاؤها مع كريشنامورتي ذلك الطورَ من بحثها الروحي الممتد بين عامي 1957 و1961 بميسمه على نحوٍ لا يُمحى. فهذا اللقاء، الذي أعقب لقاءاتٍ مع آخرين لعبتْ دورًا هامًّا في قصة حياتها الداخلية – هذا اللقاء الذي اتخذ وجوهًا عديدة – هو أصل تحوُّلٍ حاسم في كيانها الروحي وتوجُّهٍ جديد في نشاطاتها. وإذ نورد ما جاء في الرسالة الإخبارية رقم 5 من رسائل "مؤسَّسة فيمَلا تهكَر"، المنشورة في العام 1975، نقول إن فيمَلا، منذ العام 1962، "سافرتْ كثيرًا، مخاطبةً في سائر أنحاء العالم أساتذةَ وطلبةَ الجامعات، كما ومجموعات ضيقة أو موسَّعة من العلمانيين. وهي تتكلَّم على الضرورة الملحَّة لبلوغ معرفة الذات وتجاوُزِها بوساطة مقترَب كلِّي، غير تجزيئي، للوعي".[1]
إن حيوية فيمَلا وطاقتها التي لا يُكبَح جماحُها – تشهد لهما، علاوة على ذلك، حياتُها الشديدة النشاط والمسؤولية حيال الجمهور الهندي إبان كلَّ هذا العدد من السنين – لمما يثير العَجَب. فقوة شكيمتها المذهلة وعزيمتها التي لا تلين لا يمنعانها من أن تكون محدِّثةً منفتحة فاتنة ومخلوقةً مرحِّبة، شهدتْ في بلادها من الفقر وواجهتْ منه ما يجعلها منيعةً على كلِّ ما يثبط العزيمة أو يحول دونها ودخول أكثر البيوت تواضعًا وأشدها بؤسًا، منيرةً إياها بضياء ابتسامتها. فلا يستطيع المرءُ إلا أن ينحني أمام حياةٍ بهذه الشجاعة والاستحقاق – حياةِ كائن ذي حساسية مرهفة ونُبل وتميز رفيعين. رونيه فويريه
التأمُّل إذا كنتُ واعيًا[2] لطبيعة ردَّات فعلي، ولحركة ردَّات فعلي، فإن ذلك الوعي سوف يؤدي، في صورة طبيعية، إلى التحرر من ردة الفعل. ليس في مكنتي أن أوقف ردة الفعل، لأن ردَّات الفعل قد تجذرَّت في ما تحت الوعي، في اللاوعي. ليس في مكنتي أن أتَّقيها، ولا أن أنبذها، ولا أن أضبطها. أما إذا كنتُ واعيًا، في آنٍ معًا، للتحدي الموضوعي ولردَّات الفعل الذاتية ولأسباب ردَّات الفعل تلك – إذ ذاك فإن هذا يؤدي إلى الحرية. إذ ذاك فإن زخم ردة الفعل لن يجرفني معه، بل سوف أستبق ردَّات الفعل؛ لن أكون ضحية لردَّات فعلي، بل سوف أراها كما أرى التحدي الموضوعي. ذلكم في نظري هو التأمل: انتباهٌ شامل في أثناء التحرك في الحياة. فالتأمل لا ينطوي على أيِّ نشاط ذهني على الإطلاق. من الصمت في العمل
الحساسية والألم الحياة تتطلب طاقة وجسارة؛ لكننا ننشأ وسط سباق بشري متصيِّد للَّذة؛ والألم شيء لا بدَّ من التخوف منه، لا بدَّ من طرده تمامًا، من اتِّقائه. لكن الألم واللذة – الثنوية – معًا هما اللذان يكوِّنان الكل، كلِّية الحياة. كلما كنت أكثر حساسية ازددت استمدادًا للحياة من عُمق كيانك، وقلَّتْ مناعتُك على الحياة. كلما كنت أكثر حساسية ازدادتْ مقدرتُك على محبة البشر، وازداد تعرُّضك للأذى: ثمة المزيد من التَّرح، المزيد من الألم. الإصابات النفسانية والألم والتَّرح تصاحب الحساسية والفطنة والمحبة. المحبة والتَّرح يتصاحبان. لذا، إنْ وُجِدَ الألمُ الجسماني أو النفساني، لا بدَّ لك من أن تعايشه – لا يأسًا، ولا إشفاقًا على نفسك، ولا ضعفًا من أيِّ نوع. لا بدَّ لك من معايشته لأنه جزء من الحياة، لأنه تعبير عن الحياة.
الصَّمت والفراغ في بُعد الصمت، تتواصل حركةُ الفكر من دون أن تخلق وَهْمَ وجود مفكِّر. استقبال الإحساس وتفسير الموضوعات المحيطة بك يحدث من دون المفسِّر. حركة الفكر تتواصل من دون المفكِّر. ليس هناك مركزٌ ليقول: "أحب هذا وأمقت ذاك، أفضِّل هذا وأكره ذاك." بذا يكون هناك نشاط مخِّي لاإرادي من دون التسجيل أو التدوين النفساني. حركة الفكر، حركة المعرفة، تتواصل في الجسم كما تتواصل حركة النَّفَس، حركة الدم. الصمت ينطوي على وجود ماضي الإنسانية كلِّه ضمنك، في داخلك. وهو كذلك ينطوي على حركة المعرفة، والفكر، إلخ، لكن من دون العارف، من دون المفكِّر. غياب العارف، المفكِّر، المختبِر، المركز، هو الجزء الجوهري مما نسمِّيه الصمت. وبما أنه ما من مركز ثمة، ما من عارف، ما من مختبِر، فأنت تسمِّيه فراغًا. *** *** *** ترجمة ديمتري أفييرينوس تحية إلى فرانسين فويريه شكر خاص إلى سمير كوسا [1] ومن الستينات حتى الثمانينات، أشرفت على خلوات لتعليم التأمل في 35 بلدًا. ثم وضعت عصا الترحال خارج الهند اعتبارًا من العام 1991؛ وهي الآن مقيمة في جبل آبو (راجستان)، حيث تلتقي بالناس يأتونها من أنحاء العالم قاطبة. (المحرِّر) [2] تعمَّد المترجم التذكير لأن فيمَلا لا تتكلم هاهنا عن نفسها وحسب، بل عن كلِّ مَن يُعمِل وعيه لمعرفة نفسه. (المحرِّر) |
|
|