تشكُّل العربية وحركات الإعراب
محمد علي عبد الجليل
ملخَّص:
إنَّ "العربية" كَـلِسانٍ مِعياريّ هي لُغةٌ وَضَعَ قواعدَها النُّحاةُ
الـمُؤسِّسون [لُغة مِـظَـلَّـة، لسان جامع، لغة مُشتَرَكة] اعتمادًا
على مَبدَأِ "الفصاحة"، أي: المفهومية والوضوح لأكبر عدد ممكن من
المتكلِّمين. فاستبعدوا أغلبَ الظواهر اللغوية المحلية أو الإقليمية
التمييزية في لَهَجات العرب، أي استبعدوا "اللُّـكْـناتِ" المحلّية
التي تُعيق صناعةَ لِسانٍ موحَّد. وقد استنَدوا إلى القُرآن والأدب
(الشعر الجاهلي وبعض كلام العرب) كمراجِعَ نحويةٍ ومُفرداتيةٍ. ثمَّ
أضافوا التشكيلَ [حركاتِ الإعراب] كزينةٍ وتسهيلٍ للنُّطق.
كلمات مفتاحية:
العربية - لُغة - تقعيد اللِّسان – حركات الإعراب.
علَّمونا في الـمَدارسِ أنَّ اللُّغةَ العربية كانت لغةً مُعرَبةً
[مزوَّدة بحركات إعرابية في أواخر كلماتها] وأنها كانت في أوج
تَطَوُّرِها عِندَ ظُهورِ الإسلام ثم بدأَت تَفسِد وتتدهور مع الزمن
فاقدةً حركاتِ الإعراب مع توسُّع الإسلام واحتكاك العرب المسلمين
بثقافات الأُمَـمِ الـمُجاورة. ولكنْ إلى أي مدىً هذه الفرضيةُ صحيحة؟
هل فعلاً كانت العربية إبّانَ ظُهورِ الإسلام لغةً معربة تمتلك في
أواخر كلماتها نظامًا إعرابيًا يشير إلى موقع الكلمة ووظيفتها في
الجملة؟ هل حركاتُ الإعراب (الرَّفع والنَّصب والـجَرِّ والـجَزم
والبِـناء) سَليقةٌ وأصيلةٌ فعلاً في العربية وجزء بنيوي من طبيعة
العربية؟ ثم ما هي العربية أصلاً؟
قبل أن نتطرَّق إلى حركات الإعراب، من المهم أن نوضح ما هي "العربية"
وما مكانتها بين لغات العرب.
لقد أشارَ أبو عَمْرٍو بْنِ العَلاءِ البَصريّ (689 – 770/774 م)، أحدُ
أوائلِ واضعي قَواعد العربيَّة كلغة مِعيارية، إلى كيفية وضع "العربية"
من خلال عملية غربلة وانتقاء: سُئلَ أبو عَمرٍو بن العلاء البَصْريّ
(689 – 770/774 م): "أَخْـبِــرْني عَمَّـا وَضَـعْـتَ مِـمَّا
سَـمَّيتَ «عَرَبيَّة»، أَيَدْخُلُ فيه كلامُ العرب كلُّه؟ فقال: "لا".
فقيل: "كيف تَصنع فيما خالفَـتْـك فيه العَربُ وهُمْ حُجَّة؟" قال:
"أَحمِلُ على الأكثرِ وأُسَمِّي ما خالفني «لُغاتٍ»". (السيوطي،
الـمُـزهِـر، ج1، ص 184 - 185).
يَـجْـدُرُ التَّنويهُ إلى أن "اللغة" كنظام لِسانيّ رسميّ موحَّد
جامِع مشترَك بين عدة مناطق معتمَد سياسيًا ومُستخدَم في التواصل
الكتابيِّ كان يُشار إليها بكلمة "لِسان"، بينما كان يُشار إلى
التنويعات المحلية الـمَحكيَّة لهذه اللغة الرسمية الوسيطة الـمِعيارية
بكلمة "لُغة". حاليًا، نستخدم كلمة "لغة" (بدلاً من "لِسان") للدلالة
على النظام اللغوي الـمِعياري الـمُستخدَم في الكتابة الرسمية،
ونَستخدِم كلمة "لَـهْجة" [و"لُـكْـنة"] (بدلاً من "لُغة") للدلالة على
التنويعات المحليَّة الـمَحكِيَّة غير الرسميَّة في اللُّغة الواحدة.
الجدير بالذِّكْرِ أنَّ عِلْمَ النقوش أَظْـهَرَ حَتَّى الآنِ أنَّ
مَـهْـدَ نُشوءِ "العربية" هو بلاد الشام وشَمال الـحِجاز. فأَقدَمُ
النقوشِ (كـ"نَـقشِ حَرّانِ اللَّجاةِ" [حوالَي 568 م] في جبل العرب
جَنوبَ سوريَّةَ و"نقشِ النَّمارةِ" [نقش امرئ القَيس، بالـخَطِّ
النَّـبَـطيّ] [حوالَي 328 م] قُرب جبل العرب)
كُتِبَت بِلُغة هي الأقرب إلى لُغة القُرآن. كما أشارت النقوشُ أيضًا
إلى أنَّ الـمَلِـك جُـنْـدُبو [جُـنْـدُب] الَّذي شاركَ في معركة
قَرقر (853 ق. م.) شَمالَ غَربِ سوريَّةَ ضِدَّ الدَّولة الآشورية هو
مَلِكٌ عَربيّ. وكانت مدينةُ أدوماتو [دومة الجَندل] شَمال َالجزيرة
العربية مركزًا سياسيًا عربيًا أساسيًا وعاصمةَ مملكة قَيدارَ العربية
(القرن الثامن قبل الميلاد). والأرجحُ أنَّ العربية الأولى الأُمّ
[الأقرب إلى لُغة القُرآن] كانت تُتَكَلَّم في مَـملكة الأنباط (169
ق.م – 106 ق. م، في صحراء النقب وسيناء والأُردنّ وشَمال شِبه الجزيرة
العربية)، كما أشار الباحث أحمد الـجَلاَّد
الذي أضافَ أنَّ لُغةَ الأنباطِ نَـجَت مِن الانقراضِ بَعدَ انقراضِ
مملكتِهم بسببِ كَونِها لُغةً تِـجاريةً حِياديةً في حين أنَّ الآرامية
بَـقِيَتْ أَسيرةَ الـمَعابد.
لِـوضْـعِ لُغةٍ مشترَكة وسيطة عابرة للَّـهَـجات [أيْ: لِسان يتجاوز
اللغاتِ المحلية]، اعتَمَدَ واضعو اللُّغةِ الـمِعيارية [الـمُشترَكة]
على مَبدَأِ الفصاحة، وهو المفهومية والوضوح لكل الناطقين باللغة
بِغَضِّ النَّظرِ عن مناطقهِم ولَـهَـجاتِهم. فالفصيح، لغةً، هو الصافي
الخالص من الشوائب [يُقالُ: "لَـبَـنٌ فَصيح": بِلا رَغْوة.
و"الفَصْح": خُلوصُ الشَّيءِ مِـمَّا يَشوبُه.]
واصطلاحًا: كلام العربِ الواضح كثير الاستعمال [على ألسنة الفُصحاء].
فالفَصاحةُ هي "أنْ يَكونَ اللفظُ على ألسنة الفُصحاء الموثوق بعربيتهم
أَدْوَرَ واستعمالُهم له أَكثرَ" (الـمُزهِر، ج1، ص. 187).
فمِعيارُ الفَصاحة هو كَثرةُ الاستعمال عند متكلِّمين محدَّدين
(سُمُّوا بـ"العرب الموثوقين" أو "الفُصحاء الموثوق بعربيتهم")، وعلى
الأرجح هُم النُّخبة النافذون في السلطة السياسية، فعلى سبيل المثال،
اعتُبِرَ النبي محمَّد أفصحَ العرب واعتُبِرَت قريش وتميم وثقيف ومُضَر
أفصحَ القبائل لأسباب سياسية واقتصادية فهي أقوى القبائل. قال أبو عمرو
بن العلاء: "أفصح العَرَب عُليا هوازن وسُفلى تميم"، ولَـمْ يَذْكُرْ
قُريشًا.
لصناعة اللسان العربي الموحَّد (الّذي سُمِّيَ "العربيَّة") انطلاقًا
مِن عِدَّة لَهَجاتٍ من لَهَجات العَرَب، استبعدَ النحاةُ المؤسِّسون
بادئ ذي بدء أغلبَ الظواهر اللغوية المناطقية [المحلية أو الإقليمية]
المميِّزة [التمييزية] في لَهَجات العرب (أي استبعدوا "اللُّـكْـناتِ"
المحلّية التي تُعيق توحيدَ اللِّسان وتقعيدَه) واعتبروها لغاتٍ رديئةً
مذمومة قبيحة؛ وهي لهَجات ما زالَ بعضُها مستخدَمًا حتى اليوم. ومن هذه
اللُّكْنات [أو اللَّهَجات] (بحسب الـمُزهِر للسيوطي، ج1، ص 221-222):
1.
الكَشكَشة [إبدال كاف المخاطَبة صوت "تْش"] (لُكْنة قبيلة أَسَد وربيعة
ومُضر وتميم) (مثال: "رأيتُـــكْشْ" [="رأيتـُـــكَ"])؛
2.
الكَسكَسة [قَلْب كاف المخاطَبة سينًا] (لُكْنة ربيعة ومضر) (مثال:
"عَلَيــكْـسْ" [="عليــــكَ"])؛
3.
العَنعَنة [قَلب الهمزة الأوّليّة عَينًا] (لُكْنة تَـميمٍ) (مثال:
"عَـــسلَم" [=أَسْـلَمَ"])، "عَـــنَّ" [="أَنَّ"])؛
4.
الفَحفَحة [قَلْب الحاءِ عينًا] (لُكنة هُذيل) (مثال: "عَـــــتَّى
عَـــــلَــتِ الــــعَـــــيــاة لِكُلِّ عَــــيٍّ" [="حَــــتَّــى
حَــــلَـتِ الــــحَـــــياةُ لِـكُـلِّ حَـــيٍّ"])؛
5.
العَجعَجة [قَلب الياء المشدَّدة جيمًا] (لُكْنة قُضاعة) (مثال:
"تَـميمِـــجّ" [=تَـمِـيـمِـــيّ"، بالعَشِـــــجّ [=بِالعشــــيّ])
(وهناك ظاهرة عكسية وهي تَـحَـوُّل الـجيم إلى ياء، في بعض الكلمات
(مثل: "أويّ" [="أوج"، أي القِمَّة) و"مَســــيِــــد"
[="مَســــجِـــد"]))؛
6.
الشَّنشَنة [قَلْبُ كافِ آخِرِ الكلمة شينًا] (لُكنة في اليمن) (مثال:
"لَبَّيـــشْ")؛
7.
الوَكْم [كَسْر كاف المخاطَب المسبوقة بياء أو كَسرة] (لُكْنة ربيعة)
(مثال: "عَلَيـــكِـــم")؛
8.
الوَهْم [كَسْر حتَّى ولو لم يكُنْ قبلَها كَسرة] (لُكنة كَلب) (مثال:
"عنـــهِـــم")؛
9.
والوَتْـم [قَلْبُ السِّينِ تاءً] (لُكنة في اليمن) (مثال: 1-يا
قَـــبَّــحَ اللهُ بَـنِي السِّعْلاتِ، * عَمْرِو بْـنِ يَــربُوعٍ
شِرارِ النَّاتِ [=النَّاسِ]. ٢- لَيْسُوا أَعِــفَّــاءَ ولا أَكياتِ
[=أكياسِ]."
[عَـلْــباءُ بنُ أَرقَـمَ])؛
10.
الـخَرم
[زيادة حرف في الكلام] (مثال: "ولا لَــلَـما بِهِمْ أبدًا دواءُ."
[زيادة اللام]؛ "وصالياتٍ كَـــكما يُــؤْثَــفَـــيْــن"
[زيادة الكاف])؛
11.
الاستنطاء [قلب العين الساكنة نونًا] (لُكنة هذيل وسعد بن بكر) (مثال:
"أَنْـــطى" [=أَعْــــطَـى"])؛
12.
اللَّخلَخانية [حَذف حَرفٍ أو دمجه في الذي يليه] (لُكنة الشِّحر
وعُمان) (مثال: "مَشالله" [="ما شاءَ الله"])؛
13.
الطُّـمْـطُـمانية
[إبدال "الـ" التعريف "أَمْ": "أَمْـــهواء" [=الـــهَواء"]] (لُكنة
حِـمْـيَر في اليمن) (مثال: "ليسَ مِنْ أَمْــــبِـرِّ أَمْـــصيامُ في
أَمْـــسَـفَـرِ" ["ليسَ مِن الْـــبِـرِّ الــــصِّيامُ في
الــــسَّــفَرِ"] (حديث نبويّ أخرجَه الطبراني والبيهقي)؛ وفي العامية
السورية: اِمــبارح/اِمـــبارحَة [الــــبارحة])؛
14.
العجرفية [الثِّـقَل في الكلام ولعلها طلب الغريب من الوحشي من الكلام]
(لُـكْـنَـتَا قَيسٍ وضَــبَّةَ) (لَمْ يُقدِّم النُّحاةُ أمثلةً
عليها)؛
15.
التَّـــلـتَــلة [كسر حرف المضارَعة في أول الفعل] (لُكْنة
بَــهْـراء) (مثال: "يِـــعرَف")؛
16.
لفظُ الكاف جيمًا ("الــجَــــعبة" "الــكَــعبة"]).
هذه اللَّـهَـجَـات [أو اللُّكْنات] استُبعِدَت من اللغة الموحَّدة
المِعيارية الرسمية العابرة لِلَّهَجات لأنها لَهَجات مَحَلِّية
مَناطقية قَبَلية تعدُّدية تُؤكّد الانتماءاتِ المتعدّدةَ والمحدودةَ
غَيرَ المحمودةِ للمناطق، وبالتالي تُخالِفُ رُوحَ توحيدِ اللغةِ
وتَبتعِدُ عن لُغة النُّخبة ولغةِ الحاكِمِ. والّذي يتكلّم بلهجته
المحلّية في الفضاء العام أو أمام الحاكِم يُصبِح مدعاةً للسُّخرية
(كما أكّدَت جورجين أيّوب في مقالها
« Le tout de la langue ou le malheur de l’infini : Une étude de la
Durrat al-ghawwaṣṣ de Ḥarīrī »
["كُلّيّة اللُّغة أو مُصيبة الـمُـطْلَق: دِراسة في دُرَّة الغوَّاص
للحريري"]). لقد ضَحِكَ عبدُ المَلكِ بنُ مَروان كثيرًا على
لَــيــلَـى الْأَخْــيَــلِــيَّــةَ عندما قالَــتْ لِلشَّعبيّ
بلَـهْـجة قبيلتها [التَّـلْـتَلة، كَسْر حُروفِ الـمُضارَعة]:
"وَيْــحَــكَ أَمَــا نِــــــــــكْـــتَـــنِـــيْ؟!" [بِكَسْرِ
نُونِ الـمُضارِعِ، بَدلاً مِنْ «نَــــــــــكْــتَــنِـــيْ» [أيْ:
نَـتَـكَـنَّـى]]، وَرَدَّ علَيها الشَّعبيُّ ساخِرًا مُـحَـمِّلاً
الفِعلَ مَعنى: "نَـكَـحْــتَــني": "لَــوْ فَــعَــلْـتُ
لَاغْــتَــسَــلْــتُ"؛ فخَـجِــلَـتْ هي من إظهارها لانتمائها
اللغويّ القَـبَــلِيّ.
فاستبعادُ اللَّهَجاتِ كان هدفُه صناعةَ اللِّسانِ الـمُوحَّـدِ
والـمُوَحِّــد، وقد أشار اللُّغويّ أحمد عَلَم الدين الجندي (1924 –
2015) إلى ذلك بقوله: "وربما كان من أسباب إهمال اللَّهَجات العربية
وعدم تسجيلِها «أنَّ المملكة العربية حينما اتَّسَعَت كان لا بدَّ
لضمان وحدتها والقضاء على عوامل التفرقة فيها ألاَّ تُعطى اللَّهَجاتُ
العربية من العِناية ما قد يزيد من عصبية القبائل ويُباعِد بينَها –
فأُهمِلَ أمرُها» [في اللهجات العربية، إبراهيم أنيس]." (الجندي،
اللهجات العربية في التراث، ص 117 - 118).
كما اعـتُــمِدَ لوضعِ "العربية" (تقعيد العربية كَـلِسانٍ مِعياري [codification,
koinéisation])
على الـمَصادِرِ التالية: القُرآن والأدب (الشعر الجاهلي وبعض كلام
العرب).
(1)- القُرآن:
يبدو أنَّ القرآن كان الإجراءَ السياسي واللغوي الرسمي الأهم وربما
الأول في سبيل صناعة لغة مِعيارية وسيطة بين القبائل، أي أنه كان
الخطوة الرسمية المكتوبة لتوحيد اللهَجات. القرآن لِسانٌ عربي، أيْ
وُضِعَ بِعِدَّةِ لَهَجات عربية. كان القُرآنُ الـمَرجِعَ الأساسيّ
لتقعيد اللِّسان المعياري. إذِ اعتَبَرَ واضعو "العربيةِ" [اللِّسانِ
العربيِّ المعياري] أنَّ كلَّ ما وَرَدَ في القرآن فصيح وإن خالفَ
القياسُ (كـالفِعل "اسْتَحْوَذَ").
(الـمُزهِر، ج1، ص 188). والأرجح أنَّ النص القرآني قد شُغِلَ
عليهِ ومَـرَّ بِـعِـدَّة مراحلَ وخضعَ لتعديلات وغَربلاتٍ وانتقاءات.
فقدْ وَرَدَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قولُه: "لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ:
قَدْ أَخَذْتُ القُرْآنَ كُلَّهُ، وما يُدْرِيهِ ما كُلَّهُ؟ قَدْ
ذَهَبَ مِنْهُ قُرْآنٌ كَثِيرٌ، ولكِنْ لِيَقُلْ: قَدْ أَخَذْتُ مِنْهُ
مَا ظَهْرَ مِنْهُ.". ويرى الـمُستعرِبُ الألماني كارل فولَّرس [Karl
Vollers]
(1857 – 1909 م) أن النص الأصلي للقرآن قد كُـتِبَ بإحدى اللهجات
الشعبية التي كانت سائدة في الحجاز، والتي لا يوجد فيها كما لا يوجد في
غيرها تلك النهايات الـمُسَمَّاة بِـ"الإعراب"، وأنه انتقلَ إلى هذا
النص فيما بعد؛ ويرى فولَّرس أن العربية الفصحى التي رواها لنا
النحويون العرب مصنوعةً ولَـمْ تَكُنْ حَـيَّـةً في مكَّةَ على عهد
النبي محمد. (نقلاً عن رمضان عبد التوَّاب، فصول في فقه العربية،
1999، ص 377 – 378، وصبحي الصالح، دراسات في فقه اللغة، 2009، ص
122). يُشير السيوطي (1445 - 1505 م) (في الإتقان، ص 286) إلى
جهود الانتقاء ومراعاة عِدَّة لهَجات؛ فيقول إنَّ القرآن نَزَلَ على
سَبعِ لُـغاتٍ [=لَهَجات] منها خمسٌ بلغة العَـجُـز من هوازِن [عُليا
هوازن] (سَعد بن بكر، جُشَم بن بكر، نصر بن معاوية، ثقيف)، وإنَّ
كَتَبة المَصاحفِ قد اِختيروا من أَفصح العرب (مُضَر وقُرَيش وثَقيف)
[قال ابن مسعود: "يُستَحَبُّ أنْ يكونَ الذين يكتبون المصاحفَ من
مُضَر"؛ وقال عُمَرُ: "لا يُـمْـلِــيَـنَّ في مصاحفِنا إلا غِلمانُ
قُريشٍ وثَقيف"]، وإنَّ في القُرآنِ مِن اللُّغاتِ خَمسيـن لُغةً
(لَـهْجةً ولُغةً [لِسانًا]). وقد استخدَمَ القُرآنُ ضِمن منظورٍ
توحيديّ عِدَّة لهَجات للإيفاء بالـمـعنى ولِغَرَض السَّجْع أيضًا
(مثال: "والـرَّيـحانُ" [سورة الرحمن، 12]
[والرَّيحان هو الرِّزق بلغة حِـمْـيَر أو همذان]). فقد أشار السيوطي (الـمُزهِر،
فصل "معرفة تداخُـل اللغات") إلى أنَّ العربي يمكنه أنْ يَستخدِمَ
للمعنى الواحد عدة كلمات مِن لَهَجاتٍ غَيرِ لَهْجتِه لَغَرضٍ موسيقيّ
(الشِّعر) أو للإيفاء بالمعنى. فلِلقائلِ الخِيارُ في القول: "رَغوةُ"
اللَّبَنِ، و"رُغوتُــ"ـــه، و"رِغاوَتُـــ"ــه، وله أن يختارَ بين هذه
اللَّـهَجات: "مِن عَلِ"، و"مِن عَلُ"، و"مِن عَلا"، و"مِن عُـلْو"،
و"مِن عِـلْو"، و"مِن عَـلْوُ"، و"مِن عَالٍ"، و"مِن مُعالٍ".
لقد قامت عمليةُ تقعيد "العربية" [صناعة اللِّسان العربي المعياري] على
غربلة التعدُّد اللُّغوي الهائل غيرِ الـمُنضبِط وعلى الحَصر
والاستبعاد والانتقاء، فاتَّجَهتْ هذه العمليةُ مِن الفَلَتانِ إلى
الانضباط ومن الفوضى إلى النظام ومن الكثير إلى القليل. فما سُـجِّـلَ
مِن لُغات العَرَب عِندَ وَضْعِ "العَرَبيَّةِ" كلِسان معياري مُشترَك
قليلٌ جِدًا. قال السيوطي (الـمُزْهِر، ج1، ص 249): "قال أبو
عَمْرٍو بْن العلاء: «ما انتهى إليكم مِـمَّا قالت العربُ إلاَّ
قُـلُّـه [أَقَلُّه]»." ومِـمَّا يُشير إلى التعدُّد غير المنضبط القصة
التي رواها الأصمعيُّ عن رَجُلَينِ اختلفا في لفظِ كلمةِ
"الـصَّــقْر"، فقال أحدُهما إنَّها تُلفَظُ بالصَّادِ
["الــصَّــقْر"]. بينما قالَ الثَّاني إنَّها تُلفَظُ بالسِّينِ
["الـسَّــقْر"]. فاتَّفقا على أنْ يَحتكِما إلى أوَّلِ امْرئٍ يَرِدُ
عليهِما. فجاءَ رَجُلٌ فسألاهُ: "هلِ "الـصَّــقْر" بالصَّادِ أَمْ
بالسِّين؟" فقال: "لا، بل بالزَّايِ ["الــزَّقْر"]."
فباستثناء الكلمات الـمُجـمَع عليها في القبائلِ المأخوذِ عنها اللسانَ
(التي لا اختلافَ فيها في بِناء ولا حركة، وهي الأكثر)، مثل:
"الـحَــمْد" و"الشُّـكر"، هناك كلمات لها طُرُق كثيرة جدًا في اللفظ
حسب اللهَجات. ما فعله صُنّاعُ العربية هو أنهم استبعدوا طُرُقًا في
النطق قليلة الانتشار في القبائل التي أخذوا عنها وأبقَوا على الطرق
اللفظية كثيرة الاستعمال. فمِن بَينِ الكلماتِ: "بغداد" و"بغداذ"
و"بغدان" قَبِلوا "بغداد" فقط. وِمن الفِعلَينِ الـمُستَخدَمينِ
"غَــوِيَ يَــغْـــوَى" و"غَــوَى يَــغْـــوِيْ" [بمعنى: ضَلَّ]
اختاروا الثاني بناءً على استخدام القُرآن ("وَمَا غَـــوَى" [النَّجم
2]) وبعضِ البَدوِ من العَرَبِ (الّذين يَستَخدِمون "غَـــوِيَ
يَغْــــوَى" بمعنى: سَئِمَ الرَّضاعَ أو مُنِعَ منه فهَزُلَ).
قال السيوطي (الـمُزْهِر، ج2، ص 225):"قال ابنُ دُرُسْتَوَيْهِ
في شرح الفَصيح: قولُ العامَّةِ "غَــوِيَ يَــغْـــوَى"
على وَزْنِ "جَـــهِـــلَ يَــجْــــهَـــلُ"، خَـطأٌ، أو لُغة رديئة".
وأمّا الكلمات التي أبقَوا على أكثر من طريقة نُطقية [لُغة] لها فَقَدْ
بَـقيَ منها مع الزمن طريقةٌ واحدة فقط. فمِن بينِ الكلمتَين
المعتمدَتين ("حَــــصاد" و"حِــــصاد") بقيت الكلمة الأولى المفتوحة.
ومِن بينِ اللغات الثلاث ("زُجاج" و"زَجاج" و"زِجاج") لم يبقَ إلاَّ
"زُجاج". ومِن بين اللغات الأربع ("صَــــداق" و"صِــــداق" و"صَدَقة"
و"صُدُقة") بقيت كلمة "صَدَقة". ومن بين اللغات الخمسُ ("شَمال"
و"شَمْــــل" و"شَمْأَل" و"شَيْمَــــل" و"شَمَــــــل") بقي لفظُ
"شَمال". وهناك كلمات استُبعِدَت من اللغة المعيارية الأُولى ولكنّها
تُستَخدَم في اللغة المعيارية المعاصِرة، مثل: "مــالِــح" [وفصيحُها:
"مِــلْح"]، و"زَوجَـــتـــي" [وفصيحُها: "زَوجِي"]، و"مِــــزْراب"
[وفصيحُها: "مِيزاب"]، و"وَتَـــد" [وفصيحُها: "وَتِـــــد"]،
و"وحـْـــل" [وفصيحُها: "وَحَـــل"]، و"نَـــمـــا يَـــنْــمُــــو"
[وفصيحُها: "نـَمَى يَـنْــمِــي"].
إنَّ الفكرة السائدة القائلة بأنَّ القُرآن نزل بلُغةِ قُريشٍ غيرُ
دقيقةٍ. وإذا قبِلْنا أنَّ القرآن قد وافقَ لَهْجةَ قُريشٍ بصورةٍ أكبر
فربَّما مَرَدُّ ذلك إلى أنَّ هذه اللهْجة قد أصبَحَت هجينةً مُركَّبةً
من عِدَّة لهَجاتٍ. قال السيوطي: "وقال أبو نصرٍ الفارابي في أوَّلِ
كِتابِه الـمُسَمَّى بِــ«الألفاظ والحروف»: "كانت قُريشٌ أَجوَدَ
العربِ انتقادًا [انتقاءً] للأفصح من الألفاظ وأسهلها على اللسان عند
النطق وأحسنها مسموعًا وأبيَنَها إبانةً عما في النفس". نلاحِظُ أنَّ
السيوطي (1445 - 1505 م) نقلَ ما فَهِمَه عن الفارابي (872 – 950 م) في
الألفاظ والحروف وأضاف قُريشًا مِن عِندِه. فالفارابي لم يَذْكُرْ
قُريشًا بل قال في مَعْرِض كلامِه عن "صِناعة عِلْمِ اللِّسان" [تقعيد
اللسان وصناعة لُغة مِعيارية]:
"وأَنتَ تتبـيَّـنُ ذلك متى تأمَّلْتَ أمْرَ العربِ في هذه الأشياء.
فإنَّ فيهم سُكَّانُ البراري وسكّانُ الأمصار. وأكثرُ ما تشاغلوا بذلك
مِن سَنَةِ تسعين إلى سنةِ مِئتَينِ [708 – 815 م]. وكان الّذي تولَّى
ذلك من بين أمصارهم أهلُ الكوفة والبَصرة مِن أرض العِراق. فتعلَّموا
لُغتَهم والفَصيحَ مِنها مِن سُكّان البراري منهم دُوْنَ أَهلِ
الحَضَرِ، ثمَّ مِن سكّان البراري مَن كان في أوسط بلادهم ومِن
أشدِّهِم توحُّشًا وجفاءً وأبعدَهم إذعانًا وانقيادًا، وهُمْ قيسٌ
وتميمٌ وأسَدٌ وطَيّءٌ ثمَّ هُذَيل، فإنَّ هؤلاءِ هُمْ مُعظَم مَن
نُقِلَ عنه لِسانُ العَرَبِ. والباقون فَلَمْ يؤْخَذْ عنهم شيءٌ". (الألفاظ
والحروف، ص 146-148)
وبحسب ابن عبد البر [ت. 1071] (في التمهيد): "نَزَلَ بلغة قُريش معناه
عندي: الأغلب؛ لأنَّ غَـيرَ لُغةِ قُـرَيشٍ موجودة في جميع القراءات،
من تحقيق الهمزة ونحوها، وقُرَيش لا تَـهمُـز". (الـمُزهر،
السيوطي، النوع 37، ص 287)
إذًا، كانت لَـهْجة قُرَيشٍ على ما يبدو لغةً هجينةً، لأنها كانت
تستقبل الحُجَّاج فــــتختارُ أحسنَ لغاتِهم، ولذلك أصبَحَتْ لُغة
مُهيمِنةً، وبالتالي رُبَّـما ساهَـمَتْ أكبرَ مساهمةٍ في صناعة لُـغة
مِعيارية (لغة مشترَكة، لغة وسيطة، لغة تعامُل، لغة شائعة، لغة تواصُل،
lingua franca،
langue véhiculaire،
koinè،
langue-toit).
وبالتالي فإنَّ لَـهْجة قُرَيشٍ لَـمْ تتحوَّلْ إلى لُغة رسيمة مشترَكة
(koinéisation)،
أيْ: لَمْ تَـتَفَصَّحْ، بل إنَّ اللغة الرسمية المشترَكة (الـمُسمَّاة
بِـ«العربيَّة» [الفُصحى]) هي تقاطُعُ عِدَّةِ لهَجاتٍ أهمُّها لهجاتُ
قَيسٍ وتَـميمٍ وأسَدٍ وطَيّءٍ، بحسب الفارابي. فـقُريشٌ، على ما يبدو،
وبحكم تواصُلها مع كلّ القبائل، استبعدَت الخصائصَ اللغوية المحلية
[الإقليمية] التمييزية. قال ابن جِـنِّـي: "ارتفعت قُريشٌ في الفصاحة
عن عنعنة تميم، وكشكشة ربيعة، وكسكسة هوازن، وتضجُّع قيس، وعجرفية ضبة،
وتلتلة بَهراء. (الخصائص، ج2، ص 13)
ويشير اللغوي المصري أحمد عَلَم الدين الجندي (1924 – 2015) إلى سبب
آخر غير الفصاحة جَعَلَ صُنَّاعَ العربية يفضِّلون لَهجة قُريشٍ فيقول:
"فلأنهم كانوا يحترمون لهجةَ قُريشٍ لمكان النبي صلّى الله عليه وسلّم
منها، جَمَعوا لهجتَها وتركوا ما سواها، فإنِ انحرفوا عن طريقتهم
وسجّلوا لَهجةً غيرَ قُرشيةٍ طالعَتكَ قوائمُ أوصافِهم لهذه اللَّهَجات
مِن مِثلِ قولِهم: «لُغة رديَّة أو لُغة شَنعاء» أو «هذلية شاذّة» أو
لُغة «ضعيفة ورديئة» أو قليلة أو «خبيثة».". (اللهجات العربية في
التراث، ص 117) فلَهْجةُ قُريشٍ هي لغة الحاكم ولُغة النُّخبة.
فمِن اللهجات غير القُرشية في القرآن، نَـجِدُ الـهَمْزَ (وهي لَـهجة
تَـميم، لِأَنَّ تَـميمًا أَهلُ نَــبْــرٍ [هَـــمْــز]، بينما قُريش
أهلُ لِـــيْـــنٍ وتسهيل للهمزة) وإدغامَ الـمَجزومِ (لَهجة تَـميم)
(مثال: "ومَن يُشاقِّ اللهَ" [الحشر، 4]؛ "مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن
دِينِهِ" [المائدة، 54]). ولكنْ كَثُرَ فكّ الإدغام (لغة الحجاز) في
القرآن: "ولْــيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ" [البقرة، 282]؛
"فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ" [آل عِمران، 31]؛ "إِن
تَصْبِرُواْ [...] يُـمْدِدْكُمْ رَبُّكُم" [آل عِمران، 125]؛ "اشْدُدْ
بِهِ أَزْرِي" [طه، 31]؛ "وَمَن يَـحْـلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي" [طه،
81]). كما نجِدُ كثيرًا من الـمُفرَداتِ مِن لَـهَجاتٍ غيرِ قُرَشية
(هوازِن وكِنانة وهُذيل وكِنْدة وجُرهُم وغيرِهم).
الـهَمز والإدغام هُـما لَهجة تَـميم، وهي لهجة شَرقية نَـجدية ولُغة
الشِّعر (لأنَّ تَـميمًا سَكَنَتْ شمالَ نَـجْـدٍ في شرق شِبهِ الجزيرة
العربية)؛ بينما لهجة قُريش هي لهجة غربية حِـجازية (لأن قُرَيشًا
سَكَنَتْ غَربَ الجزيرة العربية). والقرآنُ وافقَ لُغةَ تَـميم في
هاتين الناحيتَين. ولذلك قال كارل فولّرس [Karl
Vollers]
إن القرآن كُتِب أولاً بلَهجة قُرَيش [الـحِجازية (الغربية) التـي
تُـخَـفِّـف الـهَمزةَ] ثُـمَّ أُعيدَت صياغتُه بلغة الشِّعر [لهجة
تَـميم الشرقية التي تُثبِت الهمزةَ] (مع التحفُّظ على هذا التقسيم
للغات العرب إلى شرقية وغربية).
ولكنَّ عالِم اللسانيات العربية پيير لارشيه [Pierre
Larcher]
يشير إلى أنَّ عربية القرآن ليست العربية الكلاسيكية [المعيارية
الـمَدرسية]. (پيير لارشيه [Pierre
Larcher]،
« Qu’est-ce que l’arabe du Coran ?
Réflexions d’un linguiste »
["ما هي عربية القرآن. تأمُّلات لُغوي"]).
لقد وَرَدَ في كُتُب اللُّغةِ أنَّ مُعْظَمَ اللسان العربي أُخِـذَ مِن
أَكثرِ الـمَسموع مِن سُكَّان البَراري مِن غَيرِ الـحَضَرِ البَعيدين
عن أطراف الجزيرة العربية، ولَمْ يؤخذ عن حَضَريٍّ قَط. وَوَرَدَ
أَيضًا أنَّ القُرآن وَافَقَ في مُعظَمِه لَهْجةَ قُرَيشٍ الـحَضَرية،
وفي هذا تناقُضٌ. فإمَّا أنَّ لُغةَ القُرآنِ واللِّسانَ العَربيَّ
لُغتانِ مُختلفتان (وهذا يبدو غَيرَ صَحيحٍ لأنَّ القُرآن كان أَهَمَّ
مَرجِـعٍ لتقعيدِ اللِّسانِ)، وإمَّا أنَّ قُريشًا نَفسها لَمْ تَكُنْ
قَبيلةً مُتجانِسةً ذاتَ لَهْجةٍ واحِدةٍ، فَعَلى الأرجَحِ لَمْ تَكُن
في الأساس قبيلةً بالمعنى السوسيولوجي والأنثروبولوجي. فرُبَّـما كانت
قُرَيشٌ اتِّـحادًا أو تَـحالُفًا [أو حِلْفًا] لِـمَجموعةِ قَبائلَ أو
اتِّـحادًا مِن مَجموعةِ أفرادٍ من قبائلَ شَــتًّى لهم عَمَلٌ واحِدٌ
كالتِّجارة، أيْ تَـجَـمُّعًا لتُجَّـار قبائل العَرَبِ ("إيلاف
قُريشٍ"). والاسم "قُريشٌ" يدلُّ على ذلك (تصغيرُ "قَرْش": ما جُمِـعَ
مِن هُنا وهُنا، ويشير إلى التجمُّع والكَسب [التِّجارة]). قال ابن
منظور (في لسان العرب): "القَرْشُ: الـجَمع والكسبُ والضَّمُّ
من هَـهُنا وهَـهُنا يُـضَـمُّ بَعضُه إلى بعضٍ. [...] وبِهِ
سُـمِّـيَـتْ قُرَيشٌ. وتَـقَرَّشَ القومُ: تَـجَمَّعوا. وقَرَشَ
يَـقْـرِشُ ويَـقْـرُشُ قَرْشًا واقْتَرَشَ وتَقَرَّشَ: جَمَعَ
واكتَسَبَ."
وحتّى كلمة "الإيلاف" تشير إلى الـجَمع بين أفراد وإلى العَهد والأمان.
جاء في لسان العرب:
"وأَلَّـفْتُ بينهم تأْلِيفًا إذا جَمَعْتَ بينَّم بَعدَ تَفَرُّقٍ؛
وأَلَّفْتُ الشيءَ تأليفًا إذا وَصَلْتَ بَعضَه ببعضٍ؛ ومنه تأليف
الكِتابِ. [...] ابنُ الأعرابي: أَصحابُ الإيلافِ أربعةُ إَخْوةٍ:
هاشِمٌ وعبدُ شمسٍ والـمُطَّلِبُ ونَوفَلٌ بنو عبدِ مُنافٍ، [...]
وكانوا يُسَمَّون الـمُجِيرينَ، فأَمَّا هاشِمٌ فإنَّه أَخَذَ
حَـبْـلاً [رِباطًا وعَهدًا] مِن مَلِك الرُّومِ، وأخَذَ نَوفَلٌ
حَبْلاً مِن كِسْرَى، وأَخَذَ عَبْدُ شَمسٍ حَبْلاً مِن النَّجاشيّ،
وأَخَذَ الـمُطَّلِبُ حَبْلاً مِن مُلوك حِـمْـيَـرَ، قال: فكان
تُـجَّارُ قُرَيشٍ يَختَلِفون [يَـتَرَدَّدون] إلى هذه الأمصار
بِحِبالِ هؤلاءِ الإِخْوَةِ فلا يُتَعَرَّضُ لَهم؛ [...] والإيْلافُ:
مِن «يُؤَلِّـفُونَ» أيْ يُهَيِّئونَ ويُـجَهِّزون، قال ابن الأعرابي:
كان هاشمٌ يُؤَلِّفُ إلى الشام، وعَبدُ شَمسٍ يُؤَلِّفُ إلى الحَبَشَة،
والـمُطَّلِبُ إلى اليَمَن ونَوفَلٌ إلى فارسَ. [...] الإيلافُ:
العَهدُ والذِّمام، كان هاشِمٌ بنُ عَبد مُنافٍ أَخَذَه مِن الملوك
لِقُرَيشٍ".
هذا "الـقُرَيْشُ" [الــتَّجَمُّع الصغير] الـمُتَقَرِّشُ
[الـمُـتَـجَمِّع] مِن الأقوياء اقتصاديًا مِن قبائل العَرَب بهدف
التَّـقَـرُّشِ [التِّجارة] كان خُطوةً تِـجارية واقتصادية ساهَمَتْ في
التمهيد لِـخَلْقِ لِسان مُـنَـمَّط وموحَّد مِن لَـهَـجات العرب.
(2)- الأدب: الشِّعر الجاهليّ وبعض كَلام العَرَبِ:
بحسب السيوطي (في الـمُزهِر)، فقد أُخِذَ اللسانُ العربي [مُعظَمُه] عن
لغاتِ: قيسٍ وتميمٍ وأسدٍ. ثم أُخِذَ بعضٌ منه من هُذيل وبعض الكنانيين
والطائيين. ولم يؤخَذْ عن حَضَريّ ولا عن سكّان البراري المجاورين
للأمم الأخرى (كـلَخم وجُذام [جيران مصر والقِبط] وقُضاعة وغسّان وإياد
[جيران الشام والنصارى قُرّاء العِبرية] وتَغلب واليمن [جيران اليونان]
وعبد القيس وأزدْعُمان [البحرين لاختلاطهم بالهند والفُرس] وأهل اليمن
[لاختلاطهم بالهند والحبشة]). كما أنَّ للشِّعر دَورًا كبيرًا إلى جانب
القرآن في تقريب لُغات العرب والتحضير للغة وسيطة إذْ أن العربي كان
يستخدم كلمات من قبيلة أخرى لحاجته في الشعر.
فـ"العَـرَبِـيَّـة" هي لِسان معياري رسمي وَضَعَهُ النُّحاةُ (وهُمْ
"أَهْـلُ العربيَّةِ"، وهُمْ أهلُ الكوفة والبصرة، بحسب الفارابي)
ابتداءً من المشترَك من لغات العرب (اعتمادًا على مُنتَجات لغوية
مشترَكة هي القرآن والأدب [من شِعر وأقوال سائرة لدى مختلف القبائل
العربية])، ليكونَ مفهومًا أكثرَ من كلّ الجماعات التي تشترك فيما
بينها بأغلب الظواهر النحوية والـمُفرداتية ولِـيُـتَـعَـلَّمَ
ويُـعَـلَّـمَ كِتابيًا من خِلال قواعِدَ نحويَّةٍ ("فيُصيِّرون عند
ذلك لِسانَهم ولُغتَهم بِصُورةِ صِناعةٍ يُمكِنُ أنْ تُتعلَّمَ
وتُعَلَّمَ بقولٍ وحتَّى يمكنَ أنْ تُعطى عِلَلَ كلِّ ما يقولون"
[الفارابي، كتاب الحروف، ص 148])، ونُعِتَت هذه "العربيةُ" بـ"الفُصحى"
(اسمُ تَفضيلٍ، مؤنَّثُ "أَفْـصَح" مِنَ الفَصاحةِ، أيْ: الوضوح) أي
التي بلغَت أعلى درجةٍ مِن الوضوحِ والمفهومية بين أكبر عدد ممكن من
المتكلمين في مختلف المناطق.
فالعربية هي مَصْدَر صِـناعيّ
يشير إلى التجريد، وليست كلمةُ "العربيّة" صِفةً لِلُّغةِ، لأنَّهم
عِندَ صناعة "العربية" كانوا يستخدمون كلمةَ "لِسان" للتعبير عن اللغة
الـمُقَعَّدة العابرة للهَجات (بينما استخدموا كلمة "اللغة" للدلالة
على "اللهْجة")، فلو كانت "العربيَّة" صِفةً لاستخدموها مُذكَّرةً
(كصفةٍ لِلِّسانِ). وتدلُّ "العربيةُ" على لغة مُقَعَّدَة مُجرَّدة
تتجاوز اللهَجاتِ، فقد أشار النُّحاةُ إلى كلام العرب بضمير الغائب،
بحسب جورجين أيُّوب ("قالت العربُ"، "لُغتهم"، إلخ.). وضميرُ الغائبِ
هو ضميرٌ لاشخصيّ بحسب إيـميل بـيـنـڤـينيست (1902-1976) (Émile
Benveniste).
لُـغةُ العَربِ هي كلامُ الغائب، لغة القانون، الكلامُ الـمُجَرَّد،
الـمُتعالي (transcendante)،
الـمُقَـعَّدُ الـمُدوَّن (codifiée)،
اللازمني. بينما اللغة الْـحَـيَّـة يُـشار إليها بالـمُتكلِّم (énonciateur)
والـمُخاطَب (destinataire).
وكخُطوة أخيرة في تقعيد اللسان العربي المعياري، وَضَعَ النُّحاةَ
حركاتِ الإعراب [التشكيلَ] كزينةٍ وتحسين لسهولة وصل الكلمات.
ففي مقابل فرضية التطور الخطي للعربية من الكمال إلى الفساد، ومن اللغة
الـمُعرَبة إلى فُقدان حركات الإعراب، هناك باحثون يَرَونَ أنَّ حركاتِ
الإعراب من وضع النحاة وليست أصيلةً في اللغة العربية ولا هي من طبيعة
اللغة. إذْ أنَّهم يَرَونَ أنَّ العربية لم تكن تَمتلِك نظامًا
إعرابيًا ولا حركاتٍ منذ ظهور الإسلام بل وحتّى قبلَ الإسلام. هذا ما
ذَهبَ إليه كثير من الباحثين، مِثل:
الفنلندي جورج أوغست ڤـالين [Georg
August Wallin]
(1811 – 1852)، والألماني "كارل فولَّرس" [Karl
Vollers]
(1857 – 1909 م)، ورائد الدراسات اللغوية الباحث المصري "إبراهيم أنيس"
(1906 – 1977 م)، والباحث السويدي "يان ريتسو" [Jan
Retsö]،
وأستاذ اللسانيات العربية في جامعة بايرويت في ألمانيا "جوناثان أوينز"
[Jonathan Owens]،
والباحث الفرنسي أستاذ اللسانيات العربية في جامعة آيكس-مرسيليا
"پــــيـيـر لارشيه" [Pierre Larcher]،
والإيطالي "جوليانو لانسيوني" [Giuliano
Lancioni]،
والفرنسي "مانويل سارتوري" [Manuel
Sartori]
(جامعة آيكس-مرسيليا)، وغيرِهِم. ومن الباحثين من رأى أن اللغة الأم
للعربية كانت تمتلك حركاتٍ إعرابيةً ولكنْ فقدَتْها عند ظهور الإسلام،
ومنهم أحمد الجلاَّد [Ahmad
Al-Jallad]
ومحمد الشرقاوي [Muhammad
Al-Sharkawi]
(جامعة وَين ستَيت في ديترويت ميشيجان بالولايات المتحدة).
إنَّ أوّل من قال بهذا الرأي من القدماء هو قُطرُب (المتوفَّى سنة 821
م) (أبو علي محمد بن المستنير بن أحمد البصري، أحد تلاميذ سيبويه) حيث
رأى أنَّ الحركاتِ وُضِعَت فقط لوصل الكلام وسلاسة النطق وعدم التقاء
ساكنَينِ والفصل بين الصوامت ولا علاقة لها بــ"الإعراب" الذي يعني
أصلاً: إيضاح الكلام وتبيينه فقط. لقد شَرَح مُعجَمُ لِسان العربِ معنى
"أعرَبَ" بمعنى "أَوضَحَ": «ورُوِيَ عن النَّبيّ [...]: "الثَّيِّبُ
تُـعْـرِبُ عن نفسِها"، أيْ تُـفْـصِـحُ. [...] وقال الأزهري:
"الإعرابُ والتَّعريبُ معناهما واحد، وهو الإبانة"؛ [...] وإنَّما
سُـمِّيَ الإعرابُ إعرابًا لتبيينِه وإيضاحِه؛ [...] وفي حديث
السَّقيفةِ: أَعرَبُهم أحسابًا أيْ أَبْـيَـنُهم وأَوضَحُهم. ويُقال:
"أَعرِبْ عَمَّا في ضَميرِكَ" أيْ أَبِــنْ.» وقد نُسِبَ إلى عُمَرَ
قولُه: "تَـعَـلَّموا إعرابَ القُرآنِ كما تتعلَّمون حِفظَه" (إيضاح
الوقف والابتداء، الأنباري، ص 34). والمقصود هنا نُـطْـقُـه بوضوح،
أيْ: التحقق من مخارج حروفه، وليس المقصودُ حركاتِ الإعراب التي لم تكن
قد وُضِعَت بعدُ.
وقد قال قُطرُب إنّ الكلام لَم يُعرَبْ للدلالة على المعاني والفَرق
بين بعضها بعضًا، لأننا نجد في كلام العرب أسماءً متَّفقة في الإعراب
مختلفة المعاني وأسماء مختلفة في الإعراب متفقة في المعاني. فلو كان
الإعراب قد دخلَ الكلام للفَرق بين المعاني لوجبَ أن يكون لكل معنى
إعراب يدل عليه ولا يزول إلا بزواله. وإنما أَعربَت العربُ كلامَها،
بحسب قُطرب، لأنَّ الاسم في حال الوقوف يلزمه السكونُ للوقوف، فلو
جَعَلوا وَصْلَهُ بالسُّكونِ أَيضًا لكانَ يَلْزَمُه الإسكانُ في الوقف
والوصل، ولكانوا يُبْطِئون عِند الإدراج، فلمَّا وصلوا وأمكنَهم
التحريكُ جَعَلوا التحريكَ مُعاقِبًا للإسكان لِيَعتدِلَ الكلامُ.
وعندما سُئل قُطرُب لماذا لَمْ يَلْزَمِ العَرَبُ حَرَكةً واحدةً لأنها
مُجْزِئةً لهم إذا كان الغرضُ هو حَركةً تَعقِبُ سُكونًا، قال: لو
فعلوا ذلك لضيّقوا على أنفسهم فأرادوا الاتِّساعَ في الحركات وأَلّاَّ
يُضَيِّقوا على المتكلِّم. (الزَّجَّاجي، الإيضاح، ص 70)
وقد أشار الزّجاجيّ (المتوفَّى سنة 952 م) إلى "أسبقية الكلام على
الإعراب"، فـ"الإعراب عَرَضٌ داخِلٌ في الكلام لمعنى يوجِده ويدلُّ
عليه"، بمعنى أنَّ الكلام بدون إعراب لا يختلّ معناه. فالاسمُ (نَـحوَ:
"زيد" و"محمَّد" و"جَعفر") لا يزول عنه معنى الاسميَّة إن كان غيرَ
مُعْرَبٍ. وكذلك الفعلُ (نَحوَ: "يَقوم" و"يَذْهَب" و"يَركَب") لا يزول
عنه معنى الفعلية مُعربًا كان أو غَيرَ مُعْرَبٍ. (الإيضاح، ص 67) وهذا
يعني أن حركات الإعراب ليست أصيلةً في الكلام.
وأضاف الزَّجَّاجي أنَّه يمكن أن يكون الإعرابُ قد أُضيفَ لاحقًا،
فقال: "وقد أجاز بعضُهم أن تكون العرب نطقَت أولاً بالكلام غيرَ
مُعرَب، ثم رأت اشتباهَ المعاني فأعربَتْه" (الإيضاح، ص 69). وقد أشار
الزّجاجيّ إلى الهدف من وضع حركاتِ الإعراب فقال: "ليَتَوَسَّعوا في
كلامهم ويقدّموا الفاعل إن أرادوا ذلك أو المفعول عند الحاجة إلى
تقديمه، وتكون الحركاتُ دالَّةً على المعاني" (الإيضاح، ص 70). ويُفهَم
من كلام الزَّجّاجيّ أنه موافق على أنَّ حركاتِ الإعراب قد وَضَعَها
النُّحاةُ أو العَرَبُ، ولكنْ يَختلِف عن قُطرب في أنَّ هذه الحركاتِ
تُفيد في المعنى، بينما يرى قُطرب أنَّ الغرضَ صوتيٌّ بَحتٌ.
وحتّى سِيبوَيهِ (المتوفَّى سنة 796 م، وهو تِلميذ الخليل بن أحمد
الفراهيدي [ت. 786 م] الذي كان تلميذًا لأبي عَمروٍ بن العَلاء
مُؤَصِّل "العربية" [ت. 774 م]) أشار إلى أن الحركات زوائد لوصل
الكلمات ببعضها حيث قال في الكِتاب: "وزعم الخليل أنَّ الفَتحةَ
والكَسرة والضَّمَّةَ زَوائدُ يَـلْحَـقْنَ الـحَرفَ لِـيُـوصَـلَ إلى
التكلُّم به". وليس هدفُ الحركاتِ الوصلَ فقطْ، بل هي زينة للكلام
أيضًا، كما تؤكد الملاحظة المنسوبة لمالك بن أنس: "الإعراب حِـلِــيُّ
اللِّسانِ فلا تَـمْـنَعوا أَلسِنَتَكم مِن حِـلِــيِّـها".
(الزُّبَـيديّ، طبقات النحويين واللغويين، ص 13.)
فالنحاة الأوائل لم يُنكِروا أنْ تَكونَ الحركاتُ الإعرابية قد أضيفَت
فيما بعدُ ولكنهم يختلِفون في سبب الإضافة: هل أضيفَت لحاجة المعنى أم
لسهولة النطق.
لقد أشار الدكتور إبراهيم أنيس (في كتابه مِن أسرار العربية، ص 183)
إلى أنَّ ظاهرة الإعراب [حركات أواخِر الكلمات] قد حِيكَت وتَــمَّ
نَسجُها حياكةً مُحكَمةً في أواخِرِ القرنِ الأول الهجري أو أوائل
الثاني، على يد قومٍ من صُنَّاعِ الكلامِ نشأوا وعاشوا مُعظَمَ حياتِهم
في البيئة العراقية. وكان لصُنّاع الكلام [النحويين] سلطان عظيم
فرفضوا الاستشهاد بأحاديثَ نبويةٍ بحُجَّة أن رُواتَها يَـلْـحَنون
[يُـخْطِؤون في الإعراب] ورفضوا قراءاتٍ قرآنيةً قويةَ السَّنَدِ لأنها
لا تنسجم مع قواعدهم الإعرابية واعتبروها قِراءاتٍ شاذَّةً. وفرضوا
قواعدَهم على قُرَّاء القرآن وعلى فحول الشعراء. حتَّى جاء ابنُ مَضاء
القُرطُبي الأندلسي (1116 – 1196) فهاجَمَ النُّحاةَ في كتابه:
الرَّدُّ على النُّحاةِ، ودعا إلى إلغاء نظرية العامل التي هي أساس
الإعراب [مثال: عامل الرفع في الفعل المضارع هو تَـجَـرُّدُه من الناصب
والجازم]. ويرى إبراهيم أنيس (ص 202) أن المستشرقين رُبَّـما ظَـنُّـوا
أنَّ حَرَكاتِ الإعراب العربية هي من بقايا اللغات الساميَّة فراحوا
يبحثون عن جذور الإعراب في اللغات القديمة. ولكنَّ الحقيقة هي أن
النحاة ابتكروا قواعدَ الإعراب وفرضوه. وقدَّم أنيس الأدلَّةَ التالية:
1. الوقف على ساكن يدلّ على أنَّ حركاتِ الإعراب للوصل بين الكلمات فقط
ولِـمَنع التقاء ساكنَينِ ولتحقيق طلاقة في النطق كما أشار قُطْرُب منذ
القرن التاسع الميلادي. فإذا وقفنا على كلمة فلا حاجةَ لتحريكِ آخرِها،
مما يعني أنَّ الحركةَ زائدةٌ وَصْـلِـيَّة وليست أَصيلةً ذاتية. إننا
نُحَرِّكُ آخِرَ الكلمةِ فقط في دَرج الكلام. وقد تَدَخَّلَ عاملان في
تحديد الحركة للتخلص من التقاء الساكنين، هما: أيثار بعض الحروف لحركة
معينة (كإيثار حروف الحلق للفتحة مثلاً)، والميل إلى تجانس الحركات
المتجاورة. كما أنَّ تحريك أواخر الكلمات ضروري موسيقيًا في الشِّعر.
وقد يُضطَرُّ الشاعِر إلى تسكين كلمةٍ مُحرَّكة لضرورة موسيقية، كقوله:
"-وأشربُ الـماءَ ما بي نَـحوَهُ و عَـطَشٌ * إلاَّ لِأَنَّ
عُـيُـوْنَــهْ سالَ واديها."
["نَـحوَهُ و" بإشباعِ الهاء و"عُـيُـوْنَــهْ" بإسكانـِها]. (الشاهد
من الـمُزهِر، ج1، ص 262.)
2. ليس للحركة الإعرابية مدلول وليست جزءًا من بنية الكلمة كما ظَنَّ
ابن مَضاء، فلا تَدُلُّ الحركاتُ الإعرابية على فاعلية أو مفعولية أو
اضافة أو غير ذلك. فمثلاً: حركة تنوين الـجَـرِّ (ـــٍـــ) تشير إلى
الجر والنصب والرفع: فكلمةُ "مُـعَلِّــــــمٍ" مجرورة بالكسرة، بينما
"مُعلّماتٍ" منصوبة بالكسرة، و"قاضٍ" مرفوعة ولكنَّ آخرَها كَسرة. وإذا
كان التنوين علامةُ التنكير فما سَببُ تنوينِ الاسم العَلَمِ وهو
مَعرِفة؟ فالفاعل والمفعول يُعرَفانِ بمكانهما من الجملة لا بحركة
آخرِهِما. أيْ أنَّ مكانَهما ثابت في الجملة إلاَّ في بعض السياقات
الخاصة (كالـحَصر وطول الفاعل أو اشتماله على ضمير يعود على المفعول).
وفي الشِّعر والقرآن يمكن تأخير الفاعل لضرورة القافية الشِّعرية أو
الفاصلة القرآنية.
3. سَمِـعَ النُّحاةُ الأُوَلُ حركاتِ أواخِر الكلمات (مِن ضَـمٍّ
حينًا وكَسْرٍ حينًا وفَـتْـحٍ في كثيرٍ مِن الأحيان) فـخُـيِّلَ إليهم
أنَّ وراءها سِرًّا يرتبط بالمعاني. ففَسَّـروها على أنها علاماتٌ على
الفاعلية والمفعولية وغيرهما، في حين أنها لا تعدو أنْ تَكونَ حركاتِ
وَصلٍ بين الكلمات. وحين ظَنُّوا أنها حركاتٌ إعرابية استخدَموها في
أواخر الكلمات التي لا داعي لتحريكها حَـتَّى تَـطَّـــرِد قواعدُهم،
فقالوا مثلا: "الرَّجُــــلُ قائِـــمٌ" (بِضَمِّ اللام من "الرجل"
وضمّ الميم من "قائم")، وكان يكفي أن يقال: "الرَّجُــــلْ قائِـــمْ"
(بتسكين اللام والميم إذْ لا ضرورة لـتحريكهما)، دون أن يُـخِـلَّ
التسكينُ بالفصاحة (الوضوح).
4. أما المعرب بالحروف (كالأسماء الخمسة والـمُثنَّى وجمع المذكَّر
السالم)، فكانت صِيَــغُه موزَّعةً بين القبائل بحيث أنَّ كُلَّ
قَبيلةٍ كانت تَلتَزِمُ صيغةً مُحدَّدةً. ولكنَّ النُّحاة جَمَعوا كل
هذه الصيغ، وخصُّوا كلَّ صيغة منها بحالة إعرابية معينة. (إبراهيم
أنيس، مِن أسرار العربية، ص 254 وما بعدها).
إننا ما زِلْنا نرى رواسبَ وبقايا من التوزُّع الـحَركاتيِّ في
اللَّـهَـجات العربية المعاصرة بحيث تكون الحركةُ ثابتةً في
اللَّـهْـجة الواحدة. فعلى سبيل الـمِثال، هُناك لَـهَجاتٌ يُـلْـفَـظُ
فيها ضَميرُ الـمُتكلِّمُ الـمُفرَد بفتحِ آخِرِه، هكذا: «أَنَـــا»،
وهي اللَّهَجاتُ الغالبة واللُّغةُ المِعيارية [الفُصحى]. بينما يُلفَظ
في لَـهَجات أخرى بكسرِ آخِرِه: «أَنِــي» [أو «آنِــي»] (وكذلك في
العِبريَّةِ أُخْـتِ العَرَبيَّةِ). ويُـلـفَــظ في بَعض لَـهَـجات
شَمال العِراقِ وسوريّةَ الـمُـتأثِّـرة بالسريانية والآرامية
والطورانية بالضَّــمِّ: «أُنُـــو» [«أُونُـــو»/ «إِنُـــو»]. وضمير
الـمُـتكلِّم الـجَمعِ له ثَلاثُ حركات في اخِرِه بِحَيثُ تَـلتزِم
كلُّ لَـهْـجةٍ بِحركةٍ: «نَــحْـــنُ» (بالضَّم) (في الفُصحى
[المِعيارية])؛ و«نِــحْـــنَ» (بالفتح)؛ و«نِـــحْــنِ» (بالكسر)؛ وقد
يُـسَـكَّـنُ آخِرُه في لَهَجات أُخرى: «نِـــحْــنْ».
فالأَلِــفُ والياءُ والواوُ والفَتحةُ والكَسرةُ والضَّـمَّـةُ هي
حَركاتٌ ولكنَّها لَيست حركاتِ إعرابٍ، أَيْ لَيس لها وَظيفةٌ إعرابية.
فإبراهيم أنيس يَرى أنَّ النُّحاة هُم مَن صَنعوا حركاتِ الإعراب،
بينما يَـنسِـبُها قُطرُبٌ إلى العَرَبِ لغرض صوتي. ويبدو أنَّ
الرأيَينِ صحيحانِ. فالحركاتُ كانت موجودةً متفرِّقةً بين لُغات العرب،
والنُّحاة استثمروها وقَـعَّدوها وأَصَّـلُوها ليجعلوا من العربية
الموحَّدة لِسانًا «كريمًا» [«شريفًا»] يُضاهي اللاتينية واليونانية،
كما أشار مانويل سارتوري" [Manuel
Sartori]
(في مقاله: « La flexion
désinentielle et l’arabe. État de la question et discussion
d’arguments récents »,
["حركات الإعراب والعربية. عرض الموضوع ومناقشة الحجج الأخيرة"]
(2018)).
ولكنْ قد يعترض البعضُ على الباحثين ("ڤـالين"، و"فولَّرس"، و"إبراهيم
أنيس"، و"أوينز"، و"ريتسو"، و"لارشيه"، و"لانسيوني"، و"سارتوري"
وغيرِهم) بالقول إنَّ كتُب اللغة قد أوردَت أنَّ مِن قبائلِ العرب من
كان لديه إعرابٌ في أواخر الكلمات ثابتٌ غالبًا في كل لغة [لهجة].
فهذيل، مثلاً، كانت تُـعرِب اسمَ الموصول "الذين" إعراب جمع المذكر
السالم، فيقولون: "نَحْنُ الَّذُونَ صَبَّحوا الصَّبَاحا، * يَوم
النُّخَيلِ غَارَةً مِلحاحا." (يُنسَب لليلى الأخيلية). وفي لغة تميم
يَـنصبون تمييزَ "كَم" الخبرية مفردًا (فيقولون: "كم دِرهمًا!"، و"كم
عبدًا!".)، بينما في لغة غيرِهِم يجب جَــرُّه ويجوز إفراده وجمعه
(فيقال: "كم درهمٍ عندَك!"، و"كم عبيدٍ ملَكْتَ!"). وفي لغة الحجازيين
يُنصَب الخبرُ بعد "ما" النافية (نحو: "ما هذا بشرًا")، بينما تميم
يرفعونه. وفي لغة أهل العالية ينصبون الخبر بعد "إنْ" النافية، (مثل:
"إنْ أَحدٌ خَيرًا من أحدٍ إلا بالعافية."). والحجازيون يَنصبون خبر
"ليس" مطلقًا، وبنو تميم يرفعونه إذا اقترن بـــ"إلاَّ"، فيقول بنو
تميم: "ليس الطيبُ إلاَّ الـمِسكُ". وفي لغة بني أسد يَصرفون ما لا
ينصرف فيما عِلَّة منعِه الوصفية وزيادة النون (فيقولون: "لستُ
بِسكرانٍ"). والحجازيون يَبنون الأعلام التي على وزن "فَعال" (كــ:
"حَذامِ" و"قَطامِ") على الكسرِ في كل حالات الإعراب، بينما تميم
تُعربها ما لم يكن آخرها راءً وتمنعها من الصرف للعَلَمية والعدل،
فإذا كان آخرها راءً (كَــ"وَبارِ" [اسم قبيلة بائدة] و"ظَفارِ" [اسم
مدينة]) فتكلَّموا بها كالحجازيين.
لا يُنكِر إبراهيم أنيس وجودَ هذه الحركات في أواخر بعض الكلمات. فهو
يؤكِّد بأن الظواهر الإعرابية كانت قد استمدَّت خيوطَها من ظواهرَ
لغويةٍ مُتناثرةٍ بين قبائل الجزيرة العربية (مِن أسرار العربية، ص
183). ولكنّه يشير إلى أنّ كل قبيلة كانت تلتزِم في لهجتها بحركة
محدَّدة ثابتة لا تتغيَّر تِبعًا لتغيُّرِ محلِّ الكلمة في الجملة. مما
يعني أنَّ هذه الحركات ليس لها وظيفة إعرابية نحوية، بل صوتية فقط، فلا
تشير إلى فاعل ولا إلى مفعول. وبالتالي لَمْ يَكُنْ هناكَ إعراب في
لُغاتِ العرب، بمعنى أنهم لم يَكُونوا يُـغَـيِّرون حركةَ آخرِ الكلمةِ
بتغيير مَوقِعِها مِن الجملة.
ويوضح الباحث جواد علي (1907 - 1987) (في المفصَّل في تاريخ العرب قبل
الإسلام، ج 4): «وتوحي الأحاديثُ الواردة في الـحَثِّ على إعراب
القرآن والكتبُ التي ألَّفها العُلماءُ في إعرابه أنَّ مِن
العَربِ، مِن أهلِ مَدَرٍ [الحَضَر] وأهلِ وَبَرٍ [البدو]، مَن كان
يَقرأُ القُرآنَ بِغير إعراب، إمّا لأنَّ لغته لم تكن معربةً، وإمّا
لأنَّ إعرابَها كان لا يتُجانس مع إعراب القرآن، وسببه أنّ
الجاهليين لم يكونوا يتقيدون جميعًا بقواعد الإعراب، فمنهم من كان
يتحلَّل منه، ومنهم من يعمل به وفق قواعدِ لغتِه ولهجته، ودليلُ ذلك
قراءةُ الصحابةِ القرآنَ بألسنتهم، مما سبَّبَ في ظهور مشكلة
القراءات، و هذا ما أخاف الصحابةَ، وجعلها تَــخشى من احتمال ظهور
قَرائين مختلفة، مِـمَّا حَملَ "عثمانَ" على توحيد لغة القرآن، وتدوين
كتاب الله حسب التوصيات التي أعطاها إلى اللَّجنة التي كلَّفها
بتدوينه.» ("الـمَدَرُ": الطِّين اللَّزِجُ المتماسك، و"أهل الـمَدَر":
سُكّان البيوت المبنيّة [الـحَضَر]، بخلاف "أهل الوبَرِ" وهُم سكّان
الخِيام [البدو]).
ربما بسبب كون الحركات ليست من طبيعة العربية ولا من سليقة العرب (أو
على الأقل أنَّ لُـغات العرب تخلَّت عنها منذ أكثر من ألف وأربعمئة عام
وتتطوّر باتّجاه التسهيل والتخفيف) فإنَّ هذه الحركاتِ بقيَت غريبةً
ولَمْ تُستخدَمْ في الكتابات الرسمية إلاَّ في حالة الضرورة.
فــ"العَرَبِيَّةُ" الـمُزيَّنة بحركات الإعراب ليست الأصلَ الذي
تفرَّعَت عنه اللَّهَجاتِ من خلال سيرورة تَـقهقُرٍ سُمِّيَت "فَسادَ
اللغةِ"، بَـلِ العكسُ، إنها بِناءٌ [نِظام لُغوي] مُستقِلّ بُنِيَ مِن
عناصرَ موجودةٍ في هذه اللهَجات. (پيير لارشيه [Pierre
Larcher]،
« Qu’est-ce que l’arabe du Coran ?
Réflexions d’un linguiste »
["ما هي عربية القرآن. تأمُّلات لُغوي"]). إنَّ فرضية التطوُّرِ
الـخَطِّـيّ للعربيَّةِ مِن الكمال إلى الفَساد مَعِيبة وغَير عِلمية.
لقد انتقد أحمد عَلَم الدين الجندي نظرةَ النُّحاةِ الأوائل المتمثِّلة
في فساد اللغة فقال: "كما كان علماء العربية ينظرون إلى اللَّـهَجات
على أنها نوع من الانحطاط اللغوي، وغاب عنهم أن ما يسمونه «انحطاطًا»
هو في الحقيقة تطوُّر لُغويّ، وها هو ابن حَزم يُنكِر تَفضيلَ لَهجة
على لَهجة أخرى: «وقد توهَّمَ قومٌ في لغتهم أنها أفضل اللغات... وهذا
لا معنى له... لأن وجوه الفضل معروفة... وإنما هي بعملٍ أو اختصاص، ولا
عملَ للُّغةِ»." (الجندي، اللهجات العربية في التراث، ص 117).
ومِـمَّا يُشير إلى أنَّ "العَرَبِيَّة" بِناءٌ لِسانيّ مُستقِلّ عن
اللهَجات ما قاله اللُّغويُّ العِراقيُّ الكُوفيُّ ابْـنُ شُبرُمةَ
(القَرن الثامن) ناصحًا أبناءَ العرب أن يتعَلَّموا العربيةَ: "إذا
سرَّكَ أنْ تَعظُمَ في عينِ مَن كُنْتَ عِندَهُ صغيرًا ويَصْغُــرَ في
عينِكَ مَن كان عِندكَ عظيمًا فتَعَلَّمِ العربيَّةَ، فإنها تُـجريكَ
على الـمَنطِقِ وتُدْنِيكَ مِن السُّلطانِ."
ابتداءً من ثَراءٍ لَـهَـجاتيٍّ هائلٍ يُـمْـكِنُ أنْ يُقالَ فيهِ كلُّ
شَيءٍ،
صَنَعَ النُّحاةُ لُـغةً جديدةً سَـمَّـوها "العربيَّة"، لُغةً
مُختلِفةً عن لَـهَجات قَبائل العَربِ، مُتجانِسةً، مِعياريَّةً،
مُوحَّـدةً، مُتعاليةً (transcendante)،
لازَمنيَّةً (atemporel)،
ثابتةً لا تَتَغيَّرُ (immuable)،
تَـجَمَّدَتْ نَـحْـوِيًّا وتَطَوَّرَتْ مُفرداتيًا، وبَقِيَت حَيَّةً.
بينما لم تتوقَّـفِ اللَّـهَجاتُ عن التطوُّرِ نَـحْـويًا ومُفرداتيًا.
لِـنَـرَ مِثالاً على التطوُّرِ الـمُعجَميّ (الـمُفرداتيّ) والثَّبات
النَّحْويّ مِن خِلال الـمُقارنة بينَ "عَربيَّةِ" الرَّجَّازِ
الـمُخضرَم رُؤْبةَ بنِ العَجَّاجِ (توفّي حوالَي ١٤٥ هـ/٧٦٢ م) وبينَ
"عربيةَِّ" الشاعرِ والـمُغَنّي اللُّبنانيّ الـمُعاصِر وِلْـيَـمَ
حَسْوانيّ (١٩٣٣ – ٢٠١٩ م). قال رُؤْبةُ في وصفِ ناقةٍ [على بحز
الرَّجَز]:
"وقاتِـمِ الأَعْماقِ خاوِي الـمُخْـتَـرَقْ
تَــنَــشَّــطَــتْــهُ كُــلُّ مِـغْلاةِ الْــوَهَـقْ
مَـضْــبُــورَةٍ قَــرْواءَ هِــرْجابٍ فُـنُـقْ مائِرَةِ
الضِّبعَـيْنِ مِصْلابِ العُنُقْ."
وقال وِلْـيَـمَ حَسْوانيّ بعد أكثرَ مِن اثنَيْ عَشَرَ قَرنًا [على
البحر الطويل]:
"وَتَــغْــفُــــوْ قَـنَـادِيْــلُ الْـمَـسَـاءِ،
وَلَــــيْــلُــنَــــــــا مُــضِـــيْءٌ يُــرَوِّيْ
حُــلْــمَــنَـــا وَالْأَمَـــانِـــيَـــا.
وَنَــغْــدُوْ وَلَــيْــلُ الْــعَـــاشِــقِــيْــنَ
يَــلُـــفُّــنَـــــــــــــا
كَــأَشْـرِعَــةٍ بَـيْــضَـــاءَ ضَـــلَّــتْ مَــوَانِــيَــا.
ثَـــوَانٍ وَيَــطْــوِي اللَّــيْــلُ مَــا كَـانَ
بَــيْــنَــنَـا كَـأَنْ لَـيْـسَ لَـيْـلُ الْـحُــبِّ
إِلاَّ ثَـــــــوَانِــيَــا."
فالشاهدانِ يَـلتَزِمانِ بقواعدَ نَـحْويَّةٍ واحدةٍ. أمَّا على الصعيد
الـمُفرداتيّ فبينهما بَونٌ شاسع.
أنْ تَكونَ "العربية" لِسانًا مُستقِلاً مصنوعًا من عدة لهجات وأنْ
تَكونَ حركاتُ الإعراب قد ابتكرَها صُنّاعُ العربيةِ فإنَّ هذا ليس
عيبًا ولا انتقاصًا مِن العربيةِ في شَيْءٍ. فجهودُهم الـجَبَّارةُ في
خَـلْق لِسانٍ مِعياريٍّ موسيقيٍّ جَميلٍ مُوحَّـدٍ ما زال حيًّا
أتاحَت تدوينَ تُراث لا يُستهان به.
*** *** ***
مَراجع عربية:
1.
ابن الحاجب، جمال الدين عثمان بن عمر بن أبي بكر [ت. 646 هـ]، الكافية
في عِلم النحو، والشافية في عِلْمَي التَّصريف والخطّ، تحقيق: صالح عبد
العظيم الشاعر، مكتبة الآداب، القاهرة، 2010.
2.
ابن جِنِّي الموصلي، أبو الفتح عثمان [ت. 392 هـ]، الخصائص، الهيئة
المصرية العامة للكتاب، ط٤، ج2.
3.
ابن شمس الخلافة، جعفر بن محمد ابن مختار الأفضلي، أبو الفضل، الملقب
مجد الملك [ت. 622 هـ]، الآداب النافعة بالألفاظ المختارة الجامعة، ص
11، نسخة المكتبة الشاملة الحديثة،
https://al-maktaba.org/book/5433/11.
4.
ابن مَضاء القُرطُبي الأندلسي، أبو العباس، أحمد بن عبد الرحمن ابن
محمد، الرَّدُّ على النُّحاةِ، تحقيق: شوقي ضيف، دار الفكر العربي،
القاهرة، 1947.
5.
ابن منظور، أبو الفضل محمد بن مكرم (ت. 710 هـ)، لسان العرب، دار صادر
بيروت، ط1، 1968.
6.
أنباري (ال-)، أبو بكر محمد بن القاسم بن بشَّار، (271-328 هـ)، إيضاح
الوقف والابتداء في كتاب الله عَزَّ وجَلَّ، تحقيق محي الدين عبد
الرحمن رمضان، مَجمَع اللغة العربية بدمشق، 1971، ص 34 – 35.
7.
أنيس، إبراهيم، في اللَّهَجات العربية، مكتبة الأنجلو المصرية،
القاهرة، ط8، 1992.
8.
أنيس، إبراهيم، مِن أسرار العربية، «الفصل الثالث: قصة الإعراب»، ص 183
وما بعدها، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، ط3، 1966.
9.
جندي (ال-)، أحمد عَلَم الدين، اللهجات العربية في التراث، الدار
العربية للكتاب، 1983، ص 55، ص 117-118.
10.
حريري (ال-)، القاسم بن عليّ بن محمّد، دُرَّة الغَوَّاص، تحقيق عبد
الحفيظ فرغلي عليّ القرني، دار الجيل، بيروت، مكتبة التراث الإسلامي،
القاهرة، ط1، 1996.
11.
حَملاوي (ال-)، أحمد بن محمد بن أحمد، شذا العرف في فن الصرف، تقديم
وتعليق: محمد بن عبد المعطي، تخريج الشواهد ووضع الفهارس: أبو الأشبال
أحمد بن سالم المصري، دار الكيان، الرياض، بدون تاريخ، ص 120. نسخة دار
الكتب العلمية، تحقيق: د. عبد الحميد هنداوي، دار الكتب العلمية،
بيروت، ط4، 2001، ص 93.
12.
زُبَـيديّ (ال-)، أبو بكر محمد بن الحسن، طبقات النحويين واللغويين،
دار المعارف، 1984، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، ص 13.
13.
زَجَّاجي (ال-)، أبو القاسم، الإيضاح في عِلل النحو، تحقيق: مازن
المبارك، دار النفائس، بيروت، ط٣، 1979، ص 67 - 70.
14.
سيوطي (ال-)، جلال الدين، الإتقان في علوم القُرآن، النوع 37 ["فيما
وقع فيه بغير لغة الحجاز"] والنوع 38 ["فيما وقعَ فيه بغير لغة
العرب"]، تحقيق: شعيب الأرنؤوط ومصطفى شيخ مصطفى، مؤسسة الرسالة
ناشرون، بيروت، طبعة أولى، 2008، ص 282 – 299.
15.
سيوطي (ال-)، جلال الدين، الـمُـزهِر في علوم اللغة وأنواعها، تحقيق:
محمّد أحمد جاد المولى بك وعليّ محمّد البجاوي ومحمّد أبو الفضل
إبراهيم، ج 1، المكتبة العصرية، بيروت، 1986، ص 184 – 265.
16.
صالح (ال-)، صبحي، دراسات في فقه اللغة، دار العِلم للملايين، بيروت،
2009، ص 122.
17.
عبد التوَّاب، رمضان، فصول في فقه العربية، مكتبة الخانجي، القاهرة،
طبعة سادسة، 1999، ص 377 – 378.
18.
علي، جواد، المفصَّل في تاريخ العرب قبل الإسلام، ط2، 1993، ج. 4.
19.
فارابي (ال-)، أبو نصر محمد بن محمد، كِتاب الـحُروف، تحقيق: محسن
مهدي، دار المشرق، بيروت، ط2، 1990، ص 80، ص 112، ص 146 – 148.
20.
مبارك (ال-)، عبد الحسين، فقه اللغة، «ظاهرة الإعراب في العربية»،
جامعة البصرة، 1986،
https://almerja.com/reading.php?idm=54357.
21.
محمد، زكريا، نقوش عربية قبل الإسلام، دار الناشر، الأردن، 2015، ص 7
و95.
مَراجع أجنبية:
1.
AL-JALLAD Ahmad & VAN PUTTEN Marijn, “The Case For
Proto-Semitic And Proto-Arabic Case: A Reply To Jonathan Owens”,
Leiden University, Romano-Arabica XVII, 2017.
2.
AYOUB, Georgine, « Le Tout de la langue ou le malheur de
l’infini : Une étude de la Durrat al-Ghawwāṣṣ de Ḥarīrī. »
Dans Paroles, Signes, Mythes, Mélanges J.-E. Bencheikh, éd. F.
Sanagustin, pp. 67-141. Institut Français d’Études Arabes à Damas,
Damas. 2001.
3.
AYOUB, Georgine, « Un idiome harmonieux et pur : Le trésor
enseveli. » (2003). Dans : Cent titres à l’usage des
bibliothécaires, libraires et amateurs : Poésie de langue arabe, éd.
Jean-Charles Depaule, pp. 29-58. Centre International de Poésie,
Marseille, 2003.
4.
BERMAN, Antoine, La traduction et la lettre ou l’Auberge du
lointain, Éditions du Seuil, Paris, 1999, p. 63 - 64.
5.
LARCHER, Pierre, « Qu’est-ce que l’arabe du Coran ?
Réflexions d’un linguiste. » Cahiers de linguistique de l’INALCO,
INALCO, 2008, n° 5, 2003-2005 [années de tomaison], pp.27-47. ⟨halshs-00246122⟩.
6.
SARTORI, Manuel, « La flexion désinentielle et l’arabe. État
de la question et discussion d’arguments récents ». Case and Mood
Endings in Semitic Languages ‒ Myth or Reality? Désinences casuelles
et modales dans les langues sémitiques ‒ mythe ou réalité ?, 2018.
⟨hal-02141828⟩.