عندما
بحثنا في الدراسة السابقة عن الأصل التاريخي للعبرانيين، ونسبناهم إلى جماعة من
العابيرو قصدت مصر كيَدٍ عاملة مأجورة في مشاريع البناء التي كان يقوم بها
الفرعون رمسيس الثاني في منطقة الدلتا، ثم جرى ترحيلها بعد الانتهاء من هذه
المشاريع، لم نكن نقصد إلى إسباغ الطابع التاريخي على قصة الخروج. فهذه القصة
تبقى بعد كل شيء ملحمة أدبية قامت على موروث غامض ومشوش في ذاكرة إحدى الجماعات
التي استوطنت منطقة المرتفعات الفلسطينية في عصر الحديد الأول، وهي الجماعات
التي تشكلت منها في عصر الحديد الثاني مملكتي إسرائيل ويهوذا. إلا أن أهمية هذه
الملحمة التي تشغل الأسفار المركزية الأربعة في الكتاب، تنبع من كونها مصدرًا
للعقيدة التوراتية، وشاهدًا على ميلاد إله جديد سوف تقوده مسيرته الطويلة لأن
يكون وراء مفهوم "الله" في الديانات التوحيدية اللاحقة.
لعلنا
لسنا بحاجة لكي نعلم ولا لمن يقول لنا إن ماسونية اليوم هي أبعد ما تكون عن
ماسونية الأمس كما كانت في تأسيسها الأصلي. وأعمالها الحالية كلها ليست أكثر من
تذكير بالمساررة القديمة في أسرار أوزيريس، وتلك التي للدرويد (كهنة الطبيعة)
القدماء، جاعلين منها مثلها مثل الديانات كلها مؤسسة جرى تحديثها من زمن إلى
زمن وفقًا لضرورات الظروف.
يكمن هدف الديانات كلها في روحنة الإنسان وجعله "السوبرمان" مفكر وروحاني،
ويتمتع بسلطة أعظم على التحكم بذاته، نافضًا عنه الجهل والأنانية والخوف.
فالوصول لـ"السوبرمان"، أو المعلم إنما هو الوصول إلى مواجهة الرب. ومع الشعلة
الإلهية، ومع اللهب المشتعل من عليقة على جبل حوريب، والإصغاء للصوت الداخلي
الذي يصرخ إليه قائلاً:
"اخلع حذاءك من قدميك، لأن الموضع الذي أنت واقف عليه هو
أرض مقدسة".