الوعي: الوحدة والثنائية 2
ألكسندر
لوِون
الكلمات وحدَّة الوعي
بدَّلَ رايش في عام 1940 اسم صيغته العلاجية من اسم العلاج العصبي
الإنباتي لسمات الطبع التحليلية "الفيجيتوتيرابي" إلى اسم العلاج
الأورغوني. فقد كان الأورغون هو الاسم الذي أطلقه على الطاقة الكونية
الأساسية. وقد تزامن هذا التعديل مع اعتقاده بإمكانية الاستغناء عن
الكلمات في العملية العلاجية، بما أنه كان ممكنًا إحداث تحسينات ذات
معنى على مستوى الشخصية من خلال العمل المباشر على العمليات الطاقية
للجسم. فالعلاج الأورغوني يشتمِل أيضًا على استخدام محوِّلات الطاقة
الأورغونية لكي يحمِّل الجسم بالطاقة.
كنتُ ذكرتُ في الفصل الأول بأن رايش كان قد توصَّل إلى جعل بعض المرضى
يطوِّرون "الانعكاس لهزَّة الجماع" في وقتٍ قصير جدًا، لكن هذا
التقدُّم لم يتوطَّد في فترة ما بعد العلاج. وذلك بسبب معاناتِهم من
توترات الحياة اليومية، فتعود مشاكل الشخص إلى الظهور في حيّز وعيِه
العادي فاقِدًا فيما بعد قدرته على الاستسلام لجسمه. ولكن ما الذي يعني
بالضبط قدرته على الاستسلام لجسمِه. وما الذي يعني بالضبط "العمل إلى
الحد الأقصى على مشاكل أحد؟" إننا نستخدِم هذا التعبير على نحوٍ
لاتمييزي، وبدون إدراك مستوياته الحقيقية.
أن نتكلَّم تحليليًا على مشكلة فهذه الأخيرة تُستحضَر عندما يعرف الشخص
ماذا تكون، وكيف تكون، ولماذا تكون... وما هي هذه المشكلة؟ وكيف تؤثِّر
مشكلة على سلوكِه في الحياة؟ ولماذا لديه هذه المشكلة؟ تبحث التقنية
التحليلية النفسانية عن إجابات على أسئلة كهذه. لماذا إذن لم تنجح
الإجابة بطريقة أكثر فعالية؟ الإجابة هي التالية: ثمة عامِل رابع، وهو
العامل الاقتصادي أو الطاقي. وأظهر رايش بأن المريض لن يتحسَّن على
نحوٍ ذي معني إن لم يكن يوجَد على الأقل تغيُّر في العمَل الوظيفي
الجنسي للمريض، أو في اقتصاده الطاقي، أو أنه على الأقل يملك من طاقة
أكثر من تلك التي يفرغها بطريقة أكثر كمالًا.
المعرِفَة لا تكفي. كلنا لدينا معرفة كافية عن أشخاص يعرِفون أمرًا
بخصوص ما الذي، وكيف، ومن أجل ماذا مشاكلهم بدون أن يكونوا قادرين على
تعديل استجاباتِهم الانفعالية. لقد كُتِبَ الكثير من الكتب حول علم
النفس الذي يضَعُ معرفة شامِلَة نسبيًا حول مشاكل الشخصية في متناوَل
الجميع. وتساعِد هذه الكتب أيَّ شخصٍ على استحضار مشاكلِه بصعوبة حتى
عندما يزوِّدونه بمعلومات كاملة حول طبيعتها، وطريقة عملِها، وأصولِها.
والسبب في ذلك هو أن المعرفة هي وظيفة لوعي الرأس الذي ليس بالضرورة أن
يتخلَّل أو يؤثِّر على الوعي الجسماني. بالإمكان، فإنه لمنطقي التأثير
على هذا الوعي أي الوعي الجسماني، وقد حَصَل ذلك في الأزمنة الأولى
للتحليل النفسي، وذلك قبل أن يصبِحَ الناس سفسطائيين على مستوى علم
النفس. ففي ذلك الوقت، كان المريض الذي من خلال تفسير الأحلام على
معرفة أنها تتضمَّن غشيان المحارم (سفاح القربى) مع الأم، وكان يسبِّبُ
له ذلك صدمةً على المستوى الانفعالي، ويبدو على المستوى الجسماني
حزينًا بسبب هذه المعلومَة. وعلى هذا النحو تتولَّد لديه صدمة حول
نفسِه، حيث كان يستجيب بكيانه ككل. كان تبصُّرًا فعَّالًا. وفي هذه
الأيام يتكلم المرضى حول حق بغضائهم لأمهاتِهم أو عن رفضِهم الذي
عايشوه من قِبَل الأم، وبدون أية مشاركة انفعالية قوية أو بدون أية
حمولة من الطاقة في كلماتِهم.
كانَت بالضبط هذه الحالَة – التكلم بخصوص المشاعِر بدون الشعور بشيء –
مما حمل رايش على تطوير أو تقنية لتحليل الطبع، وبالتالي، تقنيات
التحرر من "الدرع العضلي" للجسم. ولازلنا أيضًا أسرى لصوفية الكلمات،
كما لو أن واقع التعبير عنها سوف يغيِّر الأشياء. أعتقد بأن الأمر يذهب
أيضًا إلى ما هو أكثر بعدًا. إننا نستخدِم الكلمات غالبًا لكي لا
نغيِّر شيئًا البته. فنشعر بالأمان لطالما أنه بوسعِنا التكلُّم بخصوص
الموضوع، على قدر ما أن التكلُّم يقلِّص من الحاجَة إلى الشعور
والتصرُّف. فالكلمات هي بديل للفعل، وأحيانًا بديل ثمين وضروري، ولكن
في أحيان أخرى، تكون انحصارًا لحياة الجسم. وعندما تكون الكلمات
مستخدَمَةً كبديل للمشاعِر، فتكون مجرَّدة وتقلِّص الحياة.
ثمة دائمًا الخطر، عندما تضع ثقتَك في الكلمات لأنها لا تعبِّر عن
حقيقة الشخص. فالأشخاص يكذبون بشكل متداول، ولكنهم لا يستطيعون القِيام
بذلك على المستوى الجسماني، لأن وضع القناع على شعور يفضح عدم إخلاصهم.
فأنا لا ألتقي غالبًا في علاج الأشخاص بأولئك الذين يكذبون عليَّ بوعي
بالرغم من أن هذا يحصَل. ولكن توجد مشكلة التضليل الذاتي عندما يقوم
الشخص بتأكيد ما يفكِّر على أنه حقيقة، ولكنه لا يكون على اتحاد مع
حقيقة جسمه. وبشكل عام، فالأشخاص يقولون: "إنني على ما يرام"، حتى
عندما تفضح نظرة عابرة فقط على مظهرهم التعِب، والحزين أو حالة انحطاط
جسمهم. ومن الممكن ألاَّ يُعالِج الأمر أكذوبة متعمَّدة: وبشكل عام،
فإنها واجِهَةٌ مبنية بالكلِمات، لإقناعِ أنفسهم أكثر من الآخرين.
من بوسعِه أن تكون لديه شجاعة القول إنه يعتقِد في كل الكلمات التي
يتلفَّظ بها الأشخاص؟ هذا قد يكون شخصًا ساذجًا، وغير متواحِد مع
نفسِه، أو أنه إذن غبي تمامًا. كل معالِج يتشكَّك بكلمات المريض بينما
لا يعرف بأنه من خلف الواجِهَة أو الدفاعات المبنية على نحوٍ لاواعٍ ضد
انفتاحِه أمام الآخرين.
بالتالي، مفهومٌ لماذا حاول رايش تجاوز مستوى الكلام لمعالَجَة المريض
بشكلٍ خاص على مستوى الجسم أو الطاقة. ولماذا لم يعطِ النتيجة المرجوة
من عملِه هذا؟ لماذا لا غِنَى عن الكلِمات في العمل الوظيفي الإنساني؟
وهو كان قد قام بإسقاطها بسبب فقدانها للمصداقية.
الكلمات هي مستودع كبير للخبرات. وتفيد هذه الوظيفة على المستوى
الثقافي في القصص التي تُحكى، وفي الكتب التي نقرأ. وليسَت هي المستودع
الوحيد الموجود. ولكنها من بعيد الأكثر أهمية. ليسَت القصة مسجَّلة فقط
في الكلمات: فثمة الأعمال اليدوية التي نكتشفها أو التي نحتفظ بها من
عصور سابقة، ولكن دراسة القصة بدون استخدام الكلمات المكتوبة والمحكية
هي مهمَّةٌ فوق طاقة الإنسان.
تجدي الكلمات للفرد في الوظيفة نفسها التي تجدي فيها للمجتمع. فالقصة
الحية لحياة شخص تكمن في جسمِه، ولكن القصة الواعية لحياتِه تكمن في
كلماتِه. فإذا حُرِمَ من تذكُّر تجاربِه، فلن تتوفَّر لديه الكلمات لكي
يصفَها. وإذا تذكرها فلسوف تُتَرجَم في كلمات تُبتكَر له، وسوف يتكلم
بطلاقة أمام الآخَرين، أو أمام من يعرف منهم، وسوف يكتب. وعلى أية حال،
فعندما تُستحضَر ذكرى، فتجري ترجمتُها في كلمات تتخذ حقيقة موضوعية،
وحتى أيضًا عند التعبير عنها. وفي علاجي الشخصي، عندما رأيت صورة
والدتي، وهي تنظر إليَّ بغضب لأنني كنتُ مهتمًا بها، ففي بكائي كنتُ
أقول لها بصوتٍ عالٍ: "لماذا أنتِ غاضِبَة مني؟ فأنا أبكي لأنني أريد
أن أكون معكِ". تواجدَت كل المشاعِر هناك في تلك اللحظة كما لو كنتُ
طفلًا، ولكنني تكلمتُ بكلمات راشد. وعند قيامي بذلك، بقيتُ واعيًا
كليًا لأحاسيس الزعل والصدمة بسبب ردَّةِ فعلِها. بمعرفتي لذلك،
استطعتُ أن أفهم لماذا كنتُ في حياتي أقاوم مؤخرًا بمشاعر شبيهة للزعل
والصدمة عندما كان يواجهني أشخاصٌ أسعى للتواصل معهم بنفس ردة الفعل
التي كانت لأمي ذات يوم عندما كنتُ لا أزل طفلًا صغيرًا.
عند التكلم بحرية، فإنني أجعل التجربة موضوعية سواءً بالنسبة لي، أو
بالنسبة لمحاوِري، وفي حالتي فإن محاوري كان آنذاك رايش نفسه. وهو قد
فهم أيضًا التجربة وشاركَني بها. فالفعل باحتيازي لها مجزّأة، جعل
التجربة أيضًا أكثر حقيقية لأنني إذا نسيتُها فهي لن تنساني.
هذا حادث منعزِل. ففي مسار العلاج، يكتشف الشخص ويفسِّر الكثير من
التجارب المفقودة على أنها أجزاء مخفية من ذاته نفسها. تضمن المعايشة
مرةً ثانية لبعض التجارب على المستوى الجسماني إحساسًا باليقين بأنه لا
يمكن أن يتمّ الحصول على أية طريقة أخرى، ولكن التكلم عنها مع شخص آخَر
يعطي صفةً حقيقية الكلمات فقط بوسعها منحَها إياها. وهذه الحقيقة
توحِّد الجزء من الذات نفسِها أو من الجسم المتضمّن في التجربة داعِمةً
تكامُل هذا الجزء من الذات مع الشخصية كلها.
الشعور واختباره هامان لأنه بدون هذين العنصرين تكون الكلمات فارغة لا
معنى لها. ولكن الاختبار فقط لا يكفي. فنحن بحاجة للتكلم عن التجارب
بشكل متكرر لالتقاط كل الفوارق الدقيقة لهذه التجارب، والدلالات التي
تكوِّنُها، ولكي تجعلَها حقيقيةً بشكل موضوعي في داخل الوعي الخاص.
فإذا قمنا بهذا، فليس ثمة ضرورة لكي نعايش ثانيةً التجربة في حدِّ
ذاتها مرات ومرات متتالية لتحويلها إلى عامل فعَّال للتغيرات. وفي هذه
الحال، تستدعي الكلمات المشاعِر، وتجعل منها بدائل ملائمة بالنسبة
للفعل.
أعتقد بأن التكلُّم هام جدًا بالنسبة للمنهَج العلاجي حيث أعطي للمريض
نصف الوقت من الجلسة لكي يتحدَّث. وفي بعض الأحيان تكون الجلسة بالكامل
مكرَّسةً لمناقشة تصرُّفاته، والمواقف التي يتّخِذُها في سبيل العثور
على صلتِها مع التجربة في الماضي. ويكون العمل دائمًا على الجسم مرفقًا
بقليل من الحديث. ومع ذلك، فثمة لحظات أجد فيها أن المناقشة المكررة هي
بدون هدف. وعندما يحدث هذا، نقوم بالتمارين الموجِّهة لتزويد التجارب
بما نحن في صدد الكلام عنه.
القرّاء المعتادون على تشديدي غير المنقطِع على العلاقة المباشرة بين
الحقيقة والجسم بإمكانِهم أن يتفاجأوا ويتشوَّشوا عندما أتكلَّم كما
الآن، عن حقيقة الكلمات. فهذا تشويش لا يمكن تجنُّبُه إذا تجاهلنا
واقِعَ الإنسان في أيامنا هذه بأن لديه وعي مضاعف، مثلما أشرت في
الفقرة السابقة. فليس للكلمات نفس المعنى لحقيقة مباشرة، مثل تجربة
جسمانية: فحقيقتها مقدَّرَةٌ من خلال المشاعِر التي تعبِّر عنها، أو
تستدعيها. وبالتالي، فبوسع الكلمات أن تكون غير حقيقية، عندما تكون
منفصِلَةً عن أية مشاعر بشكل كامِل. ولكن، بالنسبة لكثير من الأشخاص
بشكل خاص، فالكلمات بوسعِها أن تملك وقعًا أكثر عنفًا مما هو للصدمة.
ليس الأطفال هم الوحيدون الذين يتأثَّرون من معاناة زعل كبير بسبب
الكلمات. أعتقد أننا كلنا لدينا وعي لهذا الأمر. فشخص واعٍ على درجة
عالية يختار كلماته بحذر عندما يقوم بانتقاد أو يقدِّم إجابةً سلبية
لكي لا يتسبَّب بزعَل شخص آخَر.
على النحو نفسِه، فالذي يشتم أحدًا، بوسع كلماته أن يكون لديها تأثير
سلبي قوي. في حين أن كلمة نصيحة أو مديح تترك أثرًا في الآخَر بشكل
عميق. إنه شيء أن يشعر المرء بأن جهده ممنون وهو شيء آخَر عندما يسمع
هذا الامتنان يتم التعبير عنه من خلال الكلمات. حتى عندما نشعر بأننا
محبوبون، فأن نسمع الشخص يقول "أنا أحبك" فهي تجربة مشوِّقَة، أو
منعِمة، وتُغْنِي الشخص. ومن الممكن أن نورِدَ أيضًا أمثلةً أخرى
كثيرة: "إنكِ جميلة"، "أنتَ عزيزي"، وهكذا دواليك.
أستطيع التأمل فقط حول السبب في أن للكلمات قدرة كهذه. والمشاعر ذاتية،
والكلمات بدورِها لها نوعية موضوعية. فالكلمات هي هناك في الفراغ لكي
تصبح مرئية أو مسموعة ولها ديمومة أيضًا. فكلنا ندرك كم هو صعب إدراك
تأثير كلمة نُطِقَ بها، نظرًا لكونِها قيلَت. فالكلمة تبدو كما لو أنها
تستمر في البقاء. ويصِل بعضٌ منها للبقاء إلى الأبد. إن جُملة باتريك
هنري
Patrick
Henry:
"أعطِني الحرية أو الموت إذن" تبقى مثل نصبٍ للروح الإنسانية، وذلك حتى
بعد وقت طويل من حالة فقدان الذاكرة. وكلمات شكسبير لديها أيضًا نوعية
خالدة.
بما أن الكلمات هي مستودَع للخبرات فهي تفيد أيضًا لكي تقوْلِبَ
وتصوِّر الخبرات المستقبلية. فعندما تقول الأم لابنتها: "الرجال
أنانيون. لا تثقي بهم". فهي توصِل إليها أولًا خبرتها الشخصية الخاصة،
وثانيًا هي توصِل لابنتِها بنية التجارب المستقبلية مع الرجال. وكذلك
ليس ضروريًا إضافة التحذير كالقول ببساطة "الرجال أنانيون" أو "إياكِ
أن تثقي بالرجال" فلها التأثير نفسه. وهذا هو ما ندعوه بالتعلّم
schooling.
فالهدف من المدرسة يكمن في إيصال التجربة الماضية إلى طفل بشكل رئيسي
على هيئة كلمات. وفي الأسلوب نفسِه، بنية العلاقة المستقبلية للطفل مع
العالَم، وفقًا لإيعازات هذه التجارب.
لا أستطيع التوغُّل في مسألة القِيَم أو العيوب الناجمة من خلال أسلوب
تعليم الأطفال في المدرسة. فالمؤسَّسَة المدرسية ضرورية لتطوُّر
ثقافتنا الحالية. ويكمن الهدف من أي برنامج مدرسي في التحقق ما إذا
كانت الخبرة المنقولة قد تمَّ إدراكها بالشكل المناسِب، وإذا نُقِلَت
بنزاهة. أما بالنسبة لتدريس التاريخ فإنه لواضِحٌ بأن ثمة حضور
لتشوُّهات كثيرة في عملية تدريسِه.
إننا مشغولو البال بقدرة الكلمات على قولبة التجارب. فلنعتبِر أن الطفل
الذي يسمَع من والدِه ما يلي: "إنك لا تفعل شيئًا بشكلِه الصحيح". هذا
الطفل سوف يعاني بقيَّةَ حياتِه من هذا الإحساس بأنه لا يستطيع أبدًا
القيام بأي شيء في شكله الصحيح. وهذا الشعور بعدم الكفاءة سوف يمعن فيه
بشكل مستقل بينما هو يقوم بدوره فعليًا في الحياة. وتظل هذه الكلمات
مسجَّلَة في عقل الطفل، وإزالتِها ليس بالمهمة السهلة.
في معظم الحالات التي عالجتُها، اكتشفتُ بضعة بديهيات في تكوين
انطباعات عن هذه الصفة السلبية. فقد عقَّبَت مريضة بأن أمها كانت تقول
لها: "لن يحبَّكِ رجل على الإطلاق". وكانت هذه الكلمات مثل لعنةٍ مرمية
فوق رأسها. ههنا مثال آخَر: قال لي مريض بأنه لم يكن يتوصَّل لأن يكون
لديه أصدقاء لأنه كان ينتظِر وكان يبغي الكثير منهم. وكان يعلَم بأنه
كان حقيقة فيما يتعلق بذلك ولكنه لم يكن يعلم لأي سبب كان يصرُّ على
متطلبَّات كان يدرك هو نفسُه بأنها غير معقولة. اكتشفنا فيما بعد بأن
أمه كانت عدائية تجاهه بعدة طرق، على نحوٍ أنني سألتُه: "إنه لكثير أن
نطلب من أم ألا تكون عدائية؟". وفي الحال أجابني: "إيه، نعم، إنه
لكثير". وعندما سألتُه لماذا؟ أجاب بأنه من غير الممكن أن تكون لديه أم
إلا على هذا النحو. أشرتُ إلى الواقِع بأن سؤالي كان يتركز حول طلَب
وليس حول التوصُّل. "إنه لكثير أن يُطلَب"، أجبتُ. "بالنسبة للآخرين
فالأمر ليس على هذا النحو، وإنما بالنسبة لي فالأمر مختلِف". وتابعَ
تاليًا: "كانت أمي تقول دائمًا بأنني كنتُ أطلب أكثر من اللازم".
لا يطلب الطفل إطلاقًا ما هو "أكثر من اللازم". إنه يطلب ما هو بحاجة
إليه. "فالأكثر من اللازم" هو تقييم للراشد الذي يقوم بخدمة الطفل لكي
يستمر في شعورِه بالذنب من خلال مجرد واقع أنَّه يريد. يكمن تأثير
الذنب في جعل الشخص يطلب أكثر من اللازم لكي يتم رفضه. فالرفض يعطي
أساسًا للشعور بالذنب ويغلق الدائرة حيث يجد الفرد نفسه سجينًا فيها.
من الممكِن أن تُقاوَم قدرة الكلمات بكلمات أخرى فقط. وعلى الكلمات
الجديدة أن يكون لديها صفة الحقيقة. عليها أن تلامس داخل المريض لكي
تستطيع تحريره من سجن الكلمات. إن هذا ما نقوم به عندما نستحضِر مشكلة،
موضِّحين طبيعتها على نحوٍ تحليلي. طريقة العمل والأسباب تقود طريقة
العمل هذه إلى ما نسميه في التحليل بالتبصُّر
insight
الذي يمكن أن يتم تحديده كـ"رؤية تشوُّهات الانفعال".
أنا لا أدافع عن الفكرة بأن التبصُّرات
insights
والتحليل فقط يتوصلان إلى تغيُّرٍ في الشخصية. فثمة عامل آخَر من
الأهمية بمكان ألا وهو العامِل الطاقي، الذي يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار
على المستوى الجسماني. إنني أدافع بأنه ممكِنٌ للتغيُّر في الشخصية أن
يستمر على أن تحصل تبصُّرات
insights
كنتيجة لعمل مجهِد على المشكلة.
إن "الشفاء" السريع الذي كان رايش يتوصَّل إلى تحقيقه بوسعِه أن
يُسمَّى بـ"تحول سحري" أو "خبرة التعالي". كانت تحصل للمريض كنتيجة
لنمط شخصٍ مثل رايش، وبما كان يقوم به. وحقَّقتُ أيضًا مع مرضايَ
"أعمالًا سحرية" مماثلة له. ولكنني كنت أدرك أيضًا بأن هذه التغيرات لن
تدوم. وعلى النحو نفسه كما بوسع التغيرات في ظروف مشتركة مع بعضها،
فبوسعِها أن تُفقَد في حالَةٍ أخرى، وعندما تُفقَد، فالمريض لن يعرف
الطريق الذي يقوده إلى حريته. إنه بحاجة إلى خارطة كتلك التي قام بها
كونوي
Conway
عندما كان في بحثٍ عن شانغري-لا
Shangri-la.
تكمن إحدى أهداف التحليل في خلق هذه الخارطة في عقل المريض. إنها خارطة
من الكلمات مكوَّنة من خلال تذكُّرات، وبالتالي، تُظهِر القصَّة
الكامِلة لحياة الشخص. وعندما تتوصَّل كل الأجزاء للتجمُّع، مثل لعبة
الصور المتكاملة، فكل شيء يتناهى لكي يكوِّنَ توجُّهًا، ويرى الشخص من
هو، وكيف يتفاعل مع العالَم، كما يعرف أيضًا السبب لامتلاكِه الصفة
التي لديه. وتكمن النتيجة في وعي أوسع لنفسه ذاتها، ولحياتِه وللعالَم.
والعمل العلاجي مع مرضايَ من خلال كل شيء، يتناوَب بين توسع الوعي على
المستوى الجسماني، وتكثيفِه على المستوى الشفهي.
عبَّر أحدُ مرضايَ بشكل مقتضبٍ عن هذه الفكرة في قوله: "إذا لم يَعرِض
الناسُ مشاعِرَهم شفهيًا، فإنهم يتناهَوْن لعَدَم قيامِهم بأدائهم
الوظيفي. إنها الرمية الأخيرة. إنها ما يجعل الصورة كاملة". فهمتُ
للحال. فالكلمات تكوِّن الصورة للأفضل أو للأسوأ. وقال المزيد أيضًا:
تكوِّن الكلمات إطارًا في عقولِنا، مصوِّرةً العالَم من حولنا.
وبدونِها، نكون ضائعين. وهذه هي نهاية الأسباب حيث يكون من خلالِها
الشيزوفريني ضائعًا. فهو لا يشكِّل صورةً كامِلَةً عن العالَم ولا عن
نفسِه، مكوِّنًا فقط أجزاءً منفصِلةً لا يتوصَّل إلى جمعِها. وإذا كانت
الصورة كاملة ظاهريًا، ولكنها مبهمَة بسبب الأوهام. فما يكون لدينا هو
حالةٌ عصابية. وعلى قدر ما يتقدَّم العلاج، فهو يروح مكوِّنًا هذه
الصورة بشكلٍ أكثر وضوحًا وحقيقية، وعلى نحوٍ متحسِّن مما كانت عليه
حياته الخاصة. ومما يُعرَف عمن يكون. ما من علاج ينتهي طالما أن الصورة
مازالت غير كاملة. ولكن الصورة هي من طبيعة شفهية، وليسَت من طبيعة
مرئية. ومن خلال الكلمات الصحيحة نرى ونتعرَّف على أنفسِنا، وبالنتيجة
نستطيع أن نعبِّر عن أنفسِنا داخليًا بشكل كامل.
إن استخدام الكلمات السليمة هي وظيفة طاقية لأنها وظيفة الوعي. إنها
احتياز الوعي الملتئم بشكل كامل بين كلمة وشعور، وبين فكرة وشعور.
وعندما تنسجِم الكلمات والمشاعِر، فإن تيار الطاقة الذي ينجم من هنا
يزيد من حالة الاستثارة في العقل وفي الجسم مصعِّدًا مستوى الوعي،
ورافعًا من حدَّة بؤرته. ولكن الدخول في تواصل ليس عملية واعية. فنحن
نقوم بمجهود واعٍ لكي نكتشف الكلمات الصحيحة التي تخدم مشاعرنا – فكل
كاتب يقوم بهذا بالضبط – ولكن لحظة التطبيق المذكورة تحصل بشكل خاص
بطريقة عفوية. تنزلق الكلمة الصحيحة إلى مكانها، أحيانًا على نحوٍ غيرِ
منتظَر، وعندما نكون منفتحين على مشاعرنا، فإنَّنا نسمح لها بالانسياب.
وأنا أعتقد بأن حمولة الطاقة المشتركة مع الشعور تستثير وتنشِّط
الخلايا العصبية للدماغ مشتملة على إنشاء الكلمات. وعندما تستجيب هذه
الخلايا العصبية بشكلٍ ملائم في إدراك الشعور، ويحصل تعشيق سليم له ضمن
هذه الخلايا، فيبدو كما لو أنه أضاء نورٌ في رأس الشخص.
يستخدم الأشخاص الكلمات التي ليسَت على ارتباط مع مشاعرِهم. وفي هذه
الأحوال، نقول ببساطة إن الشخص يتكلم فقط لكي يتكلم. وتشير هذه
التعبيرات أيضًا إلى أن الكلمات ليسَت لديها علاقة مع حقيقة الوضع.
إنني مهتم في التعبير ذاته، ذلك أنه هو لغة الجسم، ويشير إلى توعية ما
للعمليات الديناميكية المشتملة على التواصل الشفهي. وهذا يتّضِح عندما
تتناقض هذه التعبيرات مع تلك التي هي ضدها: "يتكلم الشخص من قلبِه" أو
"الكلمات التي يتفوَّه بها تخرج مباشرة من قلبِه". عندما يُجرَى الحديث
من القلب، يُعرَف ذلك من خلال نبرة الصوت، ومن خلال استخدام الكلمات
التي تعبِّر ببساطة، وبشكل مباشر عن المشاعِر الحقيقية للشخص. عندما
يتكلَّم الشخص من القلب، فإننا نصبح للحال متيقنين من خلال تكامل شخصه
مع تصريحاته.
عندما تأتي كلمات الشخص من رأسه فقط، يغيب حضور البساطة والفورية.
فالكلمات تكون تقنية أو عقلانية، وتعكس الهموم الأساسية للذي يتكلم
بأفكار أكثر مما هي للمشاعِر. إنني لا أقوم بانتقاد هذا النمط من
الحديث المنطقي عندما يكون ملائمًا، ولكن حتى في حالات كهذه، فإن معظم
الذين يقومون بإلقاء خطاب ما بشكل جيد يملؤون خطابهم بلغة الجسد،
والمشاعر، وهم يقومون بهذا لأنهم لا يستطيعون فصل أفكارهم عن مشاعرهم
بالكامل.
يقود فصل الاثنين إلى عقلنة عقيمة حيث بعض الأشخاص يتَّخذون التبحُّر
في العلوم على نحوٍ خاطئ. فبمعزل عما يقول الشخص، تُعتبَر تعليقاتُه
كأنها رتيبة وبدون وجهة. منذ وقت قصير، شاهدت برنامجًا تلفزيونيًا حيث
كانت مقابلة مع ويليام بوكلي
William
Buckley
ومالكوم موغريدج
Malcolm
Muggeridge.
كان تناقض عَرْضَيْ أطروحتهما صارخًا. فقد كان
Muggeridge
يعبِّر عن أفكاره بلهجة بسيطة نسبيًا ترافقها مشاعره. في حين
Buckley
بدورِه كان يستخدِم كلمات يُعثَر عليها بشكل طبيعي فقط في رسائل في
الفلسفة. لقد كان
Muggeridge
هامًا، أما
Buckley
فقد كان ثقيل الدم، وكان يظهَر هذا الاختلاف أيضًا في جسديْهما، ذلك أن
Muggeridge،
الرجل الأكثر تقدمًا في العمر، كانت لديه عينان براقتان، ونيِّرتان،
ناهيكم عن أساليبه الظريفة والدمثة، في حين كان
Buckley
متوترًا، ومكبوتًا، ولم يكن لعينيه أدنى تعبير.
الكلمات هي لغة الأنا، كما الحركة هي لغة الجسد. وبناءً عليه يدرس علم
نفس الأنا الكلمات التي يستخدمها الشخص. ما من دراسة جدية للشخصية
الإنسانية بوسعها تجاهل أهمية الأنا وعلم النفس الخاص بها، ولكن لا
يمكن حصرها أيضًا ضمن مظهر ما فقط للشخصية. فالأنا ليست هي الشخص، ولا
تقوم بأدائها الوظيفي بمعزل عن الجسم. إن أنا منفصِلَة وعقلانية معتوهة
تمثل فقدانًا في تكامل الشخصية. وعلم نفس الأنا عاجز عن الانتصار على
هذه المشكلة، نظرًا إلى أن بؤرته مقصورة على الأنا، وتكثُّف الانفصال.
يجب مواجهة الإشكالية اعتبارًا من المستوى الجسماني والمشاعِر لكي
تتشكَّلَ عملية شفاء. ولكن علينا أن نأخذ بالحسبان واقع كون هذه
المقاربة أحادية البعد أيضًا.
فقط يكون بوسعِنا من خلال الكلمات وضع المشكلة في رأسِنا من أجل مشروع
حاسم نتولَّى من خلالِه القيامَ بالعمل على حلِّها. أستخدم مصطلح "رأس"
بالمعنى الحرفي لرأس الجسد. كل الكائنات الحية يذهبون ليحشروا رؤوسهم
في حياة الداخل، بنفس الطريقة التي يحشرون فيها رؤوسهم من خلال ثقب
الولادة. فالرأس، مع وظائف الأنا هو نصل رمح الجسم. تخيَّل سهمًا بدون
رأس حادٍّ. وسوف تكون لديك الصورة عن جسم مع مشاعرِه، ولكن بدون الرأس
لكي يترجم المشاعِر في أفعال مؤثِّرَة في العالَم. ولكن لا ننسى أيضًا
بأن رأس سهم بدون عود السهم، أو الأنا بدون الجسم، هم فقط بقايا قوة
حيوية تعود إلى أزمنة أخرى.
المبادئ والطبع
إن واقع عدم توصُّل علم نفس الأنا إلى حلِّ مشكلة العقل المنفصِل، قد
تسبَّب في أواخر هذه السنوات إلى ظهور تقنيات تشدِّد على التداعي[1]
كواسطة لمساعدة الشخص في الوصول إلى مستوى أكثر عمقًا من المشاعِر. وفي
حالات كثيرة فإن هذه التقنيات في التداعي توسِّع الوعي، وهي تُدخِل
الشخص في اتِّصال مع المشاعِر الملغاة منذ زمن الطفولة. ويقدِّر
المنهَج الحيوي الطاقي هذه التقنيات، وقد تم استخدامُها منذ عدة سنوات.
ولكن بقدر ما أن التداعي هام إلى هذا الحد، فكذلك توسيع الوعي، ولكنهما
ليسا غايتين في حد ذاتهما، أو أقلها أنهما موضوعان علاجيان تمَّ
القِيَامُ بهما شرعيًا. فالمطلوب هو التحرُّك في العالَم ككائن إنساني
فعَّال، ومتكامِل بشكل تام. ويمكن لهذا أن يحصل عليه فقط إذا كان
التداعي متوازنًا من خلال التقدُّم ابتداءً من توسيع الوعي، وثمرة
حدَّته، ومن خلال حركة نازِلَة تكافئ الحركة الصاعِدَة، والتي تهدف إلى
بلوغ الرأس. من الضرورة بمكان الرجوع إلى الوراء في الزمن لكي يستطيع
أن يؤثِّر تأثيرًا حسنًا في الحاضِر.
إن التوازن نوعية هامة لحياة سوية. والتأكيد على هذا واضِح جدًا لدرجة
أنه لا يحتاج للإثبات. تكلَّمنا عن حِمْيَةٍ (صحية) متوازِنَة، وعن
توازن موافِق بين العمَل والراحة، بين النشاطات العقلية والجسمانية،
وهكذا دواليك. وبشكل عام، فإننا لسنا واعين كم أن مبدأ التوازن الذي
يعمَل في داخِل أجسامِنا يقع في العمق، وفي الطبيعَة، على الرغم من
وعيِنا لأهميَّتِه الدقيقة. إننا نتَّخِذ الطبيعَة كشيء ممنوح لنا،
وعلينا استغلالها، مخلِّين بالتوازن الإيكولوجي (البيئي) الدقيق الذي
يتعلق فيه بقاؤنا على قيد الحياة. والآن نرى أن بقاءنا على قيد الحياة
مهدَّدًا، ونحن نبدأ بإدراك مخاطِر جهلِنا، وجشعِنا. والأمر نفسُه
نطبِّقُه على أجسامِنا.
إن أفضل تمثيل لمبدأ التوازن وفقًا لعملِه في الكائن الحي هو من خلال
ما يُعرَف كآليَّات الاستقرار الجسمانية. فالعمليات الكيميائية للجسم
تقتضي الحفاظ على توازن دقيق بين الهيدروجين وإيونات الهيدروكسيل[2]
في الدم، وسوائل أخرى للجسم. يُشَار للتناسُب الأمثَل من خلال نسبة 7.4
من الأسيد (نسبة الحموضة). إن إفراطًا في إيونات الهيدروجين يخلق حالة
من الأكسدة أي (ارتفاع نسبة الحموضة)[3]
، وقلّتها تحدِّد التحوّل القلوي[4]
للدم. وبوسع أية واحدةٍ من الحالَتيْن أن تؤدي إلى الغيبوبة وإلى
الموت. بما أن الحياة ليست حالة سكونية، ولكنها عملية تضمن استمرارًا
لتبادل الفعل وديمومة التبادُل مع الوَسَط المحيط، فالأسيد (أي نسبة
حموضة الدم) ليسَت ثابتة، فتتغيّر في حدود ضيّقة – 7.38 إلى 7.42 – وهي
مضبوطة من خلال أنظمة الـ
feedback
(التغذية الاسترجاعية) التي تضبط الأسيد (نسبة الحموضة) من خلال
التنفُّس.
عندما يتمايل البندول بشكل زائد نحو الأسيد فإن تنفسًا شديدًا يَزفُرُ
إلى الخارج ثاني أوكسيد الكربون
dioxide
de carbon
ويُقلِّص من الهيدروجين المركَّز. وعندما يتمايل أكثر إلى الجانب
القلوي، فإن أدنى تنفُّس يسبِّب احتباسًا لثاني أوكسيد الكربون، وزيادة
في إيونات الهيدروجين في الدم.
نعرِف أنه ينبغي لدرجة حرارةِ جسمِنا الداخلية أن تظلّ ثابتة في حوالي
C360.
إلا أننا لسنا معتادين للآليات الدقيقة التي ترسِّخ حرارتنا. وعندما
نشعر بالبرد، فإننا نبدأ بالرجفان. وليس الرجفان عبارة عن ردة فعل
إرادية لأن نشاط العضلات يكون في أقصى درجاته، وفي الرجَفَان يُنتِج
الحرارَة الضرورية للحفاظ على درجة حرارة الجسم. فالرجفان يحرِّض
التنفُّس رافِعًا من محتوى الأوكسجين في الاحتراق الاستقلابي. والرجفان
اللاإرادي للعضلات في العلاج الحيوي الوظيفي الطاقي، لديه تأثير مشابه
له. كما يجري تفريغ معظَم حرارة الجسم على نحوٍ آلي ذاتي من خلال زيادة
التعرّق ونقصان النشاط العضلي إلى حدِّه الأدنى.
نعتبِر حالتَنا السائلة التي يجب أن تبقى على مستوى أفضل ما يمكن على
نحوٍ لا يكون فيه لا نقصانًا في السوائل ولا زيادة فيها. وعلى المستوى
اللاواعي، يوازن الجسم شرب السوائل من خلال تفريغِها بسوائل أيضًا.
والعقل الواعي يتَّخِذ دورًا ذا أهمية ثانوية في هذه العملية، محدِّدًا
إياه في اكتشاف الماء الصالِح للشرب عندما يُرسِل الجسم إليه إشارة
بالحاجة للماء. فالجسم "يعرِف" ما هو بحاجةٍ إليه، وماذا عليه أن يفعل.
فهذه "المعرفة" هي مفاجئة جدًا إلى حد أن
W.B.Cannon
وهو يتقصَّى هذه العمليات، وضع لكتابِه عنوانًا:
The
wisdom of the Body
أي حكمة الجسد.
يتدخَّل الإنسان بوعي في هذه العمليات عندما تختلُّ آليَّات الاستقرار
بسبب الأمراض. ولابد أن هذا التدخُّل موجَّهًا لاستعادة التوازن على
نحوٍ يستطيع فيه الجسم أن يشفي نفسَه بنفسِه، والمحافظة على وظيفتِه
الحيوية. فالتوازن هو المبدأ الهام.
في مصطلحات نشاطاتنا العظمى التوازن أساسي أيضًا. ويتجلى هذا بشكل واضح
في طريقتِنا بالمشي والوقوف. فنحن نقف على أقدامِنا، وفقط عندما نبقى
على هذا النحو نتوازن بالضرورة. نستطيع تحطيم توازن الشخصية لشخص ما
يُطلَبُ منه البقاء مسنودًا على قدم واحدة فقط. وهذا ما نقوم به في
تماريننا بالسقوط. إننا نمشي أو نركض مستندين على سيقانِنا، وندعم
التوازن بشكل عظيم بنقل الوزن من ساق إلى أخرى. ولكن، لا نقوم بهذا على
نحوٍ واعٍ، ولكن إذا أقحمنا الوعي والوعي حصرًا ضمن هذا النشاط بعنف
قوي، فلن نذهب بعيدًا بما يكفي. إن قصة أم الأربع وأربعين التي حاولَت
أن تقرِّر بوعي أية ساق تحرِّك، وفي أي نظام كانت ضائعة؛ فالمخلوقة
المسكينة لم تستطِعْ التحرُّك.
يقتضي التوازن ثنائية – كأن يكون لديك قدمان – أو قطبية كالقطبين
الشمالي والجنوبي لمغناطيس. وفي الجسم فإن هذا يتمثَّل في الدم في هيئة
توازن بين
H+
و
OH-.
ومع ذلك، فالتوازن ليس ظاهرة سكونية، لأن الأمر إذا كان كذلك، فما من
حَرَكَة سوف تكون ممكنة. وقد يكون مستحيلًا المشي إذا كانت كلا الساقين
نشيطتان، ومتساويتان بالحمولة والوزن، وعلى نحوٍ تزامني. بإمكانِهما أن
تصيرا طليقتين، ولكن بدون قدرة على المشي. فالحياة هي حركة وتوازن في
الوقت نفسِه، أو توازن في حركة، حيث يتم بلوغها من خلال تغيُّرات في
الحمولَة. وبالتناوب من الاستثارة من قطب إلى آخَر، ومن القَدَم
اليُسرى إلى اليُمنَى، ومرّةً أخرى إلى اليسرى، ومن الشهيق إلى الزفير،
ومن الانبساط إلى الانقباض، ومن وعي النهار إلى لاوعي النوم. فهذا
النشاط الإيقاعي الجسماني هو وحدة تحتانية كامِنَة في كل الثنائيات
التي لدينا وعي لها.
لا يمكن أن يكون في الحياة ثنائية لا تستنِد على وحدةٍ أساسية. كما أنه
ليس ثمة وحدة أيضًا لا تؤلِّف ثنائيات متوافِقَة. فهذا المفهوم
للثنائية ووحدة كل العمليات الحية الذي ورثتُه عن معلِّمي فيلهلم رايش
الذي أعتبِرُ ما قام به أعظم مساهَمَة سواءً في فهم الشخصية الإنسانية
أو في فهم الحياة. لقد ادّعى لنفسِه كمبدأ الوحدة والتضاد لكل الوظائف
الطبيعية. فدائمًا ما تكون الثنائيات متضادَّة.
ترى عقولُنا المنطقية الأشياء فقط في مصطلحات ثنائيات العلة والمعلول.
فهذا هو موقف الإوالي (القائل بالمذهب الآلي). في حين أن عقولنا
الروحانية مع الاستئذان اللازِم لاستخدامِنا لهذا المصطلح، تنظر فقط
إلى الوحدة الكامنة تحت الثنائية، والتي تعطي مجالًا لحالةٍ صوفية
(سرانية). يشتمِلُ حيِّز الفكر الوظيفي بالضبط على فهم المفارقة بين
الوحدة والثنائية. ويستدعي هذا الفكر نمطًا جديدًا من الوعي ليس صوفيًا
(سرانيًا)، ولا إواليًا (القائل بالمذهب الآلي). والحق أن الحياة هي
مفارقة في حد ذاتِها، إنها نار تحترق في الماء، وليس فوقها كشعلة
الزيت، وإنما في داخلِها كجزء منها. وتكمن النقطة الهامَّة في أننا لا
نُستهلَك من خلال النار، ولا نغرَق ولا نضيع في الماء. فثمة سر هنا،
وإنني لا أعتقِد على الإطلاق بأنه سوف يوجد حل له. أو على الأقل آمل
ألا يوجد حل له. فالأسرار جوهرية بالنسبة للكائنات الإنسانية، بدونها
نفقد حاسَّةَ دهشتنا، وفي النهاية، نفقد احترامَنا ومعايشتَنا ثانيةً
للحياة في ذاتِها.
إن الفكر الوظيفي جدلي، وعلى امتداد هذا العمَل، فإنني سوف أستخدِم
رسومًا بيانية جدلية لتفسير العلاقات. والآن سوف أستخدِم رسمًا آخَر
لإظهار العلاقة بين الطريقتين التي يعمل من خلالِهما الوعي.
فقط من وجهَةِ نَظَرِ الوعي، لدينا الشروط الكافية لإدراك الثنائية،
كوعي الرأس أو الوعي الجسماني، والفكر أو الشعور. فالوحدة توجد فقط على
مستوى اللاوعي، أو في العمليات الجسمانية التي تتجاوز الإدراك. كيف
يكون بوسعِنا أن نعرِف بأن الوحدة موجودة إذا لم ندركها؟ نستطيع
استنباطها، ونستطيع حدسها في العلاقات. يتم الشعور بالوحدة بإبهام،
نظرًا لأن الحدود بين الوعي واللاوعي ليست عبارة عن جدار وإنما منطقة
من النور المُبهَم. وفي العبور الذي نقوم به يوميًا من خلال هذه
المنطقة، فإننا نستطيع إدراك عدة ومضات بالنسبة إلى حضور هذه الوحدة
الكامنة تحت الثنائية. فالصوفيون (السرانيون) ذوو الوعي الباطني لديهم
سهولة أكبر في الانتقال إلى هذه المنطقة إذ لديهم وعي أكبر بكثير مما
للآخَرين بوجود الوحدة الداخلية للأشياء.
ثمَّة طريق آخَر لكي ندرك الوحدة. إن وعي الرأس ووعي الجسم اللذين لا
يتكاملان فقط الواحِد مع الآخَر، وإنما يدخُلان أيضًا عَرَضيًا باتصال
فيما بينهما، وبالانصهار فيما بينهما يبدأ التصعيد (التسامي) في
الحرارة، وفي استثارة الذوَبان، فيصيران وعيًا موحِّدًا حيث بقدر ما
يكون وعيًا، فكذلك يكون لاوعيًا في الوقت نفسه، وهذه (مفارقة أخرى).
لقد اختبَرتُ عدَّةَ ذوَبانات للوعي مع اللاوعي أثناء حياتي. فحين كنتُ
طفلًا، أصبحتُ مستثارًا لدرجة أنني أثناء حضوري للعبة لم أكن مدركًا
بعد لكي أصرِّح فيما إذا كنتُ أحلم أو كنتُ مستيقظًا. توجب عليَّ أن
أقوم بقرص جسمي لكي أكتشف ما الذي يحصَل لي. وفي النشاط الجنسي
اختبَرتُ هزَّة جماع جعلَتني أحلِّق في الفضاء بين النجوم، وبالتالي،
تلاشَت حدودي وجعلَتني واعيًا للاوعيي ذاتِه. وهذه الخبرات من النشوة
حصَلَت لعدة أشخاص، وعندما تأتي من تلقاء نفسِها، فالشخص "يعرف"، ويدرك
وحدة الحياة.
بيد أننا في معظم الوقت، نعمَل من خلال وعيٍ مزدوَج، وهذا أمرٌ طبيعي،
ذلك أن النشوة فقط بوسعِها أن تكون تجربةً رائعة، حتى تصير نشوة نقية.
ومع ذلك، فإننا أكثر قربًا من هذه الحالة عندما يكون الوعي في الوقت
نفسِه، متَّسِعٌ وحادٌّ. فإن سهمَيْ الرسم البياني الجدلي يقترب كلاهما
الواحِد أكثر من الآخَر.
علينا للقِيَامِ بهذا، أن نقبلَ الطبيعة المزدوجة للوعي. وليس ثمة نشوة
في أحد الجانبين فقط، لأنها عبارة عن التقاء الأضداد التي تولِّد شعلة
الاتحاد.
إذا قَبِلْنا بثنائية الوعي، فعلينا القبول بأنه على المستوى الواعي
لدينا الإدراك لطبيعة مزدوجة في شخصيتنا. وعندما نركِّز على الأفكار
كما أفعل الآن فيما أنني أكتب، لدينا وعي العقل وعملياته العقلية. وبما
أن فكر كل شخص هو فريد، فإننا ندرك بأن عقل كل شخص هو فريد. فيما بعد،
إذا ما تركِّز الشخص في جسمه، فإنه يحتاز وعيًا بأن لديه حياة خاصَّة.
ومن وجهة نظر الوعي يتوجب السؤال: "من أنا؟" لعلّني عقل مفكِّر، أم
أنني هذا الجسم الحي؟ والإجابة الواضحة هي "كلاهما". ولكن، من الطبيعي
ألا يكون لدينا وعي لكليهما في الوقت نفسه. وإنه من المستحيل أن يتركز
الوعي في بؤرة لعمليتين متميزتين في الوقت نفسِه. تخيَّل طائرتين
محلِّقتيْن في مجالين مختلفين من السماء، وكمنارة تعمل على احتواء
الاثنتين كما لو أنهما مشعل من نور؛ إن ذلك مستحيل. ولكن مسألة ثنائية
الإنسان لا تزعجنا من حيث المبدأ، فمنارة نور الوعي تكون في مائدة
دوَّارَة، تدور حول نفسِها بسُرعَة وسهولة، وهي قادِرة على الخروج من
مجال إلى آخَر بسرعة كبيرة. وتستطيع الإبقاء على منظورين في داخل
النطاق الطبيعي للانتباه.
أستطيع توضيح هذا المفهوم، ذلك أن الوظيفة سهلةٌ بطريقة واعية عندما
أتكلم أمام الجمهور. فعلى مدار السنين، انتهيتُ متعلِّمًا بأن واعِظًا
شعبيًا فعَّالًا، لا يفقد الاتصال مع جمهورِه أبدًا. وعند تقديم
محاضرات، اتَّخذتُ تمرينًا، صار الآن عادةً، ألا وهو النظر إلى الأشخاص
الجالسين للاستماع لكي أشعر بحضورِهم، وأتكلَّم معهم. عليَّ أن أضيف
بأن هذه العادة قد صارَت أكثر صعوبة في التكلم من خلال ميكروفون
(مذياع) عندما لا يكون ثمة جمهور، وثمة مشكلة أخرى أيضًا مع هذا النمط
من العادة. تتوجه بؤرتك بقوة كبيرة إلى المستمِع، وبالتالي، فإنه من
ممكن أن يفقد الواعِظ الاتصال بنفسِه ذاتِها، ومع شخصه، ومع المكان حيث
هو، ومع ما لديه لكي يقولَه. لا يمكن البقاء في مكانين في وقت واحد.
يواجِه كل الواعِظين هذا النوع من المشكلة، فعندما يُقرأ نص قد تمَّ
تحضيرُه، فمن السهل فقدان الاتصال بالجمهور. إذاك من الضروري بمكان رفع
العينين والنظر إلى الجمهور، والقِيَام بتواصل من آنٍ لآخَر مع
مشاركيهم. فما أقوم به هو انتقال انتباهي من الجمهور إليَّ، ومجدَّدًا
مني إلى الجمهور، متِّبِعًا نمطًا إيقاعيًا وناعمًا. لكي لا أظهر بوجود
صدوع في اتصالي بأيٍّ من الجانبين. وهذا هو المبدأ الذي يتأسس عليه
المحرك التناوبي. إنه مبدأ الإيقاعية الذي يعمل في داخلِنا الوقتَ
كلَّه. وعلى الرغم من أن الأغلبية ليس لديها وعي لنشاطه. إنه كالمشي،
وذلك ممكِن فقط من خلال تناوب ساق تتحرك بعد الأخرى.
أؤمن بقيمة الثنائية على مستوى الوعي. وبدونها لن نستطيع نقل أنفسنا
بطريقة ناعمة جدًا، وفعَّالَة كما يحصَل عند مواجَهَة الأحداث
المتعدِّدَة للحياة. يعمل المنهَج الحيوي الوظيفي الطاقي على هذه
الأسس، بتناوب بؤرة النور من الجسم إلى العقل، ومن جديد من العقل إلى
الجسم، ففي القصد تطوير وعي المريض حتى النقطة التي اعتبارًا منها
ينتقِل الوعي إلى بلوغ احتواء الجانبين الاثنين لكينونتِه الواعِيَة في
مجال انتباهه.
من الواضِح وجود هذه الثنائية فقط على المستوى الواعي، وتوجد تحتها
الوحدة: نحن لسنا عقلًا مفكِّرًا، وجسمًا حسَّاسًا، بل جسد حي. ومع ذلك
فإننا نمضي أغلبية حيواتنا في حالةٍ من الوعي. علينا أن نصيرَ قادرين
على العمل مع الثنائيات، فكل نظرية علم نفس الغشتالت تتأسس على هذا
الواقِع، في المعرفة بأنه لا توجد الصورة بدون العمق الذي يستنِد
وجودها عليه، وبأنه ليس ثمَّة مستوى أوَّلي بدون عمل مسرحي[5]
يتجلى فيه، وليس ثمة صفة ليس لها نقيض.
هذا يعني على مستوى الشخصية، بأنه ليس ثمَّة أفكار بدون حضن حيث تجري
فيه هذه المشاعِر. ولكن، عند تمركز نور الوعي حول الأفكار، يستغرِقُ
الباقي كلُّه في حقل من الظلام، وهكذا فغالبًا ما نفقد رؤية المشاعِر
التي تحفِّز الأفكار. ومن الواضِح، أننا نستطيع استقصاء مشاعرنا،
والتأكيد على انسجامها مع الأفكار. ومع ذلك، ليس نادرًا حدوث صراع
للأفكار مع المشاعِر. سأدع جانبًا أية محاولة لكي نفسِّر لماذا يجري
الأمر على هذا النحو. إن اختبار هذا الصراع شائع جدًا. فأنا أريد شراء
قارب، ولكنني أفكر في التكاليف المادية، والصيانة،... وهكذا أدخل في
صراع داخلي. أو أنني أريد أن أكون متساهلًا مع نفسي في تناول الفاكهة
اللذيذة ما بعد وجبة الطعام، ولكنني أفكر بعد ذلك في زيادة وزني، وهكذا
أدخل في صراع داخلي مرة أخرى.
كل المعالِجين يعملون على صراعات، وليس كتلك الموصوفَة أعلاه، وإنما مع
أخرى مشابِهَة لها بدلالَة دخولِها في نشاز مع شعور أو رغبة يحب الشخص
التعبير عنها، ويخشى في الوقت نفسه من العواقِب. نظرًا إلى أن العواقب
موشِكة الحدوث، فالخوف يتمثَّل كنتاج عقلي للإدراك، أو أنه مثل الفكر
المشترَك مع استجابة جسمانية. إنني لا أقول بأن الخوف هو تخيِّلي لأنه
عقلي، وإنما إحساس جسماني على الرغم من أنه يتأصَّل في نشاطٍ عقلي.
يتعامَل العِلاج مع صراعات حادَّة حيث المشاعِر التي تبحث عن وسيلة
للتعبير تُعتبَر هامة من أجل تكامل الشخصية، وكما تهدِّد العواقِب
التكامل الخاص للشخص. وعندما لا يتوصَّل الشخص إلى حل لصراع حاد، ويكمن
الحل الوحيد في إلغاء الرغبة أو الشعور الذي يلغي الخوف على هذا النحو،
ويؤدِّي خصوصًا إلى كبت الصراع. وهكذا تبتعِد الحالة كلها عن الوعي،
وبمعنى ما، إذاك تصير بدورها إلى عدم وجودها. إلا أن الصراع لا يزول،
وإنما ينتقِل ليصير منظومًا في داخل الجسم على مستوى اللاوعي، وينزَع
فقط إلى الاختفاء عن الرؤية.
تخلق هذه الطريقة في التعامل مع الصراعات عدَّةَ بنى للطبع كنتُ
وصفتُها سابِقًا. نعتبِر هذه التكيُّفات على أنها عصابية، نظرًا
لكونِها تشوِّش بجدِّية إمكانية الشخص التي يتوجَّب عليه التحرُّك
وفقَها كفرد متكامِل وفعَّال بامتلاء.
لكن، كيف يواجه الأشخاص الذين ليسوا عصابيين نسبيًا العدد غير المحدود
للصراعات التي تظهَر في حياتِهم، بين المشاعِر والأفكار؟ تكمن إجابتي
في أن هؤلاء يطوِّرون شيفرات من "السلوك" مقبولة من قِبَلِ الوعي، وهي
نقيض المستويات المنظومَة على نحوٍ غيرِ واعٍ من سلوك. وتتَّخِذ شيفرات
السلوك هذه صيغة مبادئ.
من الأهمية بمكان أن نلاحِظ أنه بالرغم من أننا نوظِّف الكلمة "طبع"
بالمعنى السلبي، فليس لديها دائمًا هذا التوظيف. ففي الحقيقة إن كلمة
"طبع" استُخدِمَت دائمًا للإشارة إلى بعض الفضائل، وفي هذه الحال،
فإنها مشتركة بالصفة "جيد" كمثل هذا التعبير الذي نسمعه: "هذا الشخص
طبعه جيد"، في حين أن لدى أشخاص آخَرين "طبع سيئ". فالكلمة "طبع"
تتعلَّق بـ"صفة مميَّزة"، وتقتضي أن يتصرَّف شخص على هذا النحو النمطي
أي المتوقَّع، سواءً كان ذلك جيدًا أو سيئًا. فالقدرة على التنبؤ
بتصرُّفه تعني أيضًا أنه موضع ثقة: فأنت تستطيع أن تثِق بشخص لديه طبع
جيد مثل أحد يُعتبَر أنه إنسان فاضِل، وتستطيع أيضًا أن تثِقَ بشخص له
طبع سيئ على أنه لا أخلاقي وبدون مبادئ.
لكن إذا لم يكن سلوك الفرد منظومًا أو ليس لديه نموذج، فمن أين تأتي
شخصيته؟ وبعبارات أخرى، كيف لشخصٍ سويٍّ نسبيًا، وعفويٍّ، وقادِرٍ بشكل
كامِل على أن يُظهِر نفسَه، في أن يكون لديه طبع؟ في الدرجة الأولى،
علينا التعرُّف على الاختلاف بين الطبع وبنية الطبع. إن الرواج للمصطلح
"بنية" يشير إلى أن نموذج السلوك ليس محددًا بشكلٍ واعٍ، وإنما نعم،
فقد صار بشكل لاواعٍ مثبتًا، ومتصلِّبًا على مستوى الجسم. أما عندما
تكون سلوكية الشخص محكومة من خلال توجيهات واعية أو مبادئ يحملها على
عاتقِه، فهو سوف يتصرَّف بطريقة مميزة طالما أن هذه المبادئ تعزِّز
حُسْنَ حضورِه. هذا هو الاختلاف بين الطبع وبنية الطبع.
نادرًا ما يُشار إلى مفهوم المبادئ في نظرية الشخصية. فنحن على وشك
الوصول إلى مرحلة في ثقافتِنا نقول فيها: أي مبدأ هو سيئ لأنه يرسِّخ
حدودًا، ويحدِّد استجابات معيَّنة. وهذا المفهوم متعلِّق بمبادئ
أخلاقية يعتبِرُها أشخاصٌ كثيرون كتضييق على حريتهم أو على حقِّهم في
التعبير عن الذات. وهذا تطوُّر بائس لأن المبادئ هي علاقة شخص قد بلغ
مستوى ساميًا من الوعي. من الواضِح أنني أتكلَّم عن مبادئ يشكِّلُها
الشخص على نحوٍ واعٍ، وبوسعِهم أن يكونوا أنفسهم على الرغم أن المجتمع
ينادي بها ويروِّج لها.
رأينا بأن الوعي يبدأ من خلال إدراك الأحاسيس. فهذه بشكل عام إما
متموضِعَة أو مبهمَة. وبهذا الخصوص تتناقض الأحاسيس مع المشاعِر التي
هي أكثر إيحاءً وتحديدًا. فعندما تصبح المشاعِر أكثر حدَّةً، وتتبنَّى
تحديدًا أكثر وضوحًا نسميه بالانفعالات. وبهذه الطريقة، نستطيع الكلام
عن مشاعر بـ "أن تكون في حالةٍ سيئة" ولكن بإمكانِنا أن ندعوَ ذلك
بانفعال حزين. المشكلة تكمن في استخدامِنا لكلمة "شعور" لكي يتضمَّن كل
الإدراكات الجسمانية. ولكن، عندما تتكامل انفعالاتنا مع الأشياء التي
نفكِّر بها، فحينئذٍ بإمكانِنا الحديث عن مبدأ. إن نظام التطور ينحو
على الشكل التالي:
إحساس
شعور
انفعال
مبدأ
على مستوى المبادئ، الأنا والجسم، والشعور والفكر، تكون متكاملة في وعي
توحيدي أي في وحدة واعية.
إن أحد المبادئ التي يدافع عنها أشخاص كثيرون هي الصدق. فبمقدور شخص أن
يقول الحقيقة، ولكن بسبب الخوف لأن يتعرَّض للعقاب من قِبَل الله،
الكلي الحضور، كسلوك قهري، أو اعتبارًا من يقين داخلي بأن هذه هي
الطريقة السليمة للتصرُّف. ولكن لكي تصِل للاختيار بين الحقيقة والكذب
هكذا، لابد أن ينبثق اليقين من تجارب رواية الكذب أو الحقيقة. ففي حال
رواية الحقيقة، يشعر الشخص بالانسجام بين مشاعره، والتموضعات التي
تشكِّلِها، ويدرِك السرور الذي ينجم عن هذا الانسجام. وفي حال القيام
برواية أكاذيب، فسوف يفتقِد هذا الانسجام، ويستطيع الشخص الشعور فعليًا
بألَم الصراع كله. واعتبارًا من هنا، فمن الممكن القيام باختيارٍ واعٍ
متأسِّس على مشاعر جسمانية.
جميع الأطفال يكذبون في مرحلة أو في أخرى من مراحل حياتِهم. ويفعلون
ذلك لكي يستكشفوا دور المخادِع، ولكي يشعروا بالقدرة التي يمتلكها تصرف
كهذا. فالأطفال يكذبون لكي يختبروا إمكانيتهم في تضليل والديهم، الأمر
الذي يمنحهم إحساسًا بالسيطرة فيما إذا توصَّلوا إلى الإبقاء على
الأكذوبة. ولكن الكذابين يشعرون بالخوف من العقبات التي بإمكانِها
جعلهم يعانون الألَم عند مواجهة الحقيقة. وفي كلتا الحالتين، سوف نربح
شيئًا ونخسر شيئًا آخر أيضًا. يكمن الربح في إحساس القدرة والسيطرة، أو
في تجنُّب العقوبات. ولكن الخسارة تكمن في انعدام السرور في أن نكون
نزهاء. وإذا كانت الخسارة أعظم من الربح، فسوف يدرك الطفل أن الكذب ليس
جديرًا بالاهتمام، باستثناء الرزوح تحت ظروف غير اعتيادية. وسوف يدرك
الطفل أن الكذب مكلِّف في مصطلحات مشاعره الطيبة، وسيتطوَّر لديه
اليقين بأن الكذب خطأ. فجسمه وعقله سوف يعلنان له عن ذلك. وبالتالي سوف
يمضي للاعتقاد بأنه ليس فقط مع رأسِه، وإنما أيضًا مع قلبِه. وتستريح
قناعاته في محطَّتين: المعرفة والشعور. ومع مرور الوقت، ومع تراكم
الخبرات، فإن الصدق يصير بالنسبة لطفل كهذا مسألة مبادئ. وسيتجنَّب
الصراعات، وفقدان الطاقَة التي تشتمِل على أن يكون لديه القدرة على
اتِّخاذ القرار ضمن حالات كثيرة سوف يواجهها في الحياة، وذلك بين قول
أكذوبة، أو قول الحقيقة.
يعمل مبدأ وفقًا لتوازن بندول الساعة الذي يحافظ على الإيقاع الطبيعي
لتلك الآلية. فالمبدأ الذي يدعم التوازن بين الفكر والشعور بطريقة يدخل
كلاهما في انسجام دون أن يتوجَّب عليهما أن يكونا مثبَّتيْن واحدًا ضد
الآخَر على نحوٍ مستمر مع وظيفة الوعي. تنشئ المبادئ حياة منظَّمة،
وبدونِها فإنني على قناعة أنه لن يتوفَّر شيء باستثناء اختلال النظام
والفوضى.
يبدو لي أنه في غياب المبادئ، لن يكون ممكنًا وجود توازن في حياة
الشخص. فمن السهولة بمكان الذهاب إلى الحدِّ الأقصى لكي يسوِّغ الوسائل
التي من خلالِها يبلغ بعض الغايات واتِّباع نزوات اللحظة. وحتى من
الممكن البقاء في وضعية غير معقولة بما يتوجَّب التحرُّك وفقًا لكل شيء
ولأي شعور، وذلك بما أنه لا يُعرَف أين يُرسَم الخط الفاصِل أو غير
معقول أيضًا في الوضعية أن كل سلوك يجب أن يكون منطقيًا، ومسيطَرًا
عليه. لدينا في هذه الحالَة الأخيرة أقصى حد للصلابَة. وفي البدء ليس
ثمة بنية. فالأشخاص ذوو المبادئ يتجنَّبون تطرُّفات كتلك لأن المبدأ في
حد ذاته يمثل تناغم الأضداد، وتكامل الفكر والشعور، والتوازن جوهري
جدًا لتيار الحياة الهرموني.
من الأهمية بمكان الإقرار بأنه ليس مُمكِنًا غرسُ المبادئ الأخلاقية
بالذهن من خلال القيام بالوعظ، ومن خلال تهديدات أو من خلال عقوبات.
فهذه التقنيات تجعل الشخص يتردَّد في أن يروي أكذوبة بسبب الخوف، ولكن
سيكون على القرار أن يُجدَّدَ في كل وضع جديد. وهذا ليس الشيء نفسه بأن
يكون لديه مبدأ يختزِنُه الشخص لهذا الصراع. وباستثناء ذلك، فإن فرض
قوة من الخارج، سواءً ضمن شكل وعظ أو تهديد، يؤدِّي إلى تحطيم الانسجام
الداخلي، ويصير الأمر أكثر صعوبة في تطوير اليقين الداخلي الضروري الذي
ينجم عن المبدأ. دعوني أوضِّح الأمر على النحو التالي: المبادئ ليسَت
وصايا، وإنما قناعات.
ههنا مثال في الكيفية التي يتم من خلالِها ترسيخ المبدأ. عالجتُ فتى
كان متورِّطًا بتعاطي المخدرات بعمق، رغم أنه لم يكن قد صار بعد ضحية
لتعاطي الهيرويين. بالعمل على جسمه، وبالتعبير عن مشاعرِه على سبيل
المثال (في قيامِه بضرب المقعد بغضب)، استطاع المريض الوصول إلى حالَة
حيث أصبحَت لديه مشاعر جيدة في جسمِه. وإذاك، وذات يوم، دخل إلى
عيادتي، وقال إنه كان يدخِّن الماكونيا في بيت صديق له في الليلة
السابقة. "استدعيتُ كل المشاعر الطيبة التي كان قد كافح إلى حد كبير
لكي يتوصَّل إليها". وقال "أدرك الآن بأن الماكونيا لا تجعلني في حالة
جيدة". كان الفكر والشعور اللذان اجتمعا معًا للوصول إلى هذه النتيجة.
وكان أول تأكيد لمبدأ سوف يصير أكثر قوة بقدر ما تزداد المشاعِر الجيدة
لأنه كان يعرف ما الذي يمكن فقدانه من خلال تعاطيه للمخدرات.
من المستحيل تنمية مبادئ إذا لم يكن هناك أي شيء لخسارتِه. وبدون
مشاعِر طيبة، فليس هناك باعث لكي يحمي تكامل الشخصية. لا تأتي مسألة
المبادئ إطلاقًا إلى حيِّز النور في العِلاج، حتى يستعيد الجسم حالة
السرور من خلال إنقاص مستمر لتوتراتِه العضلية وانحصاراتِه. إذاك، تطرح
مسألة المبادئ نفسها بشكل عفوي وفقًا لما يصارع المريض لكي يفهم لماذا
يفقد المشاعِر الطيبة أثناء نشاطاتِه اليومية. وفي النهاية، تتطور
مبادئه السلوكية الخاصة لكي ترشده إلى الحفاظ على هذه الحالَة من
السرور أو من المشاعِر الطيبة التي هي هامة جدًا للإحساس بالذات،
ولفعلِها كأن يكون إنسانًا متكاملًا.
لا أعتقِد بأن المجتمَع يكون مخطئًا عندما يحاول أن يلقِّن مبادئ
أخلاقية للفتيان. يحاول كل جيل أن ينقل خبراته للجيل التالي لكي يسهِّل
عبوره للحياة. فالمبادئ من نمط الوصايا العشر تطوّرَت من تجارب متراكمة
لهذا القوم. ويكون تعليم المبادئ فعَّالًا فقط عندما تنجم منظومةَ
معتقدات المعلِّم من قناعتِه الداخلية الخاصَّة أو من مشاعرِه. وفي هذه
الحالة يُنتظَر من معلمٍّ كهذا أن يتبعَ مبادئَه بكل سرور. إن غياب
السرور والمشاعِر الطيبة في الجيل السابِق يصبِح في حالة تساؤل للفتيان
عن مدى صلاحية مبادئهم. وبنفس الطريقة لن يكون لديهم معنى في الدفاع عن
مبادئ لأجسام تعاني. ليس المبدأ موجَّهًا لمصالحَة الشخص مع معاناتِه،
وإنما لتزويده بانسجام داخلي يُفسِح مجالًا لحياة مرحة، ومتوازنة.
فالمبادئ ليسَت تقنيات للبقاء على قيد الحياة. وعندما تكون البؤرة
مركَّزَة في البقاء على قيد الحياة، إذاك تكون المبادئ غير هامة في
حدِّ ذاتِها. وقبل أن نتكلم عن مبادئ، يجب علينا أن يكون لدينا اليقين
بأن الفتيان يشعرون جيدًا مع أجسامِهم، ومع أنفسِهم ذاتِها. ففي
المبادئ تصبِح المحافظة على المشاعر الطيبة أكثر سهولة.
ثمة مبادئ كثيرة حيث اكتشف الأشخاص أن عليهم، لكي يتحكموا بسلوكياتهم،
الاهتمام بالشعور بأنفسهم على أنهم في خير. فالصدق هو واحد من هذه: حيث
نعثر فيه على احترام الشخص واحترام ملكية الآخَرين. فمنذ سنوات طويلة،
أمضينا أنا وزوجتي أسبوعًا في غوادالوب
Guadalupe
في النادي المتوسطي
Mediterranée.
عرفَت زوجتي مقيمًا في المكان حيث كان يعمل في الحدائق. وعلَّقَت في
حوارها مع الرجل بأنها لم تذق البته قصب السكر. فعرضَ الموظَّفُ نفسُه
لكي يدبِّرَ لها القليلَ منه، واتفقا على لقاء وذهبا معًا إلى أرض
مزروعة. وعندما التقيا قال الرجل بأنه ليس بعيدًا عن فندق في المكان.
وفي الطريق مرَّا من خلال عدة حقول من قصَب السكَّر، فرجعَت زوجتي
متلهِّفَة للحقل الأول الذي رأته. وعندما لاحظ الرجل حركتها قال
ببساطة: "آه، هذا ليس حقلي"، وقادَها إلى الحقل الخاص بملكيتِه، حيث
جنى البعض من قصَب السكر من أجلِها. أليس من السهولة بمكان أن يقتطِع
شيئًا من هذا القصَب من أي حقل من الحقول الأخرى؟! ولكن أن يأخذ الرجل
شيئًا مما لا ينتمي إليه كان ضد مبادئه. لستُ بحاجة للتعليق عن
الاحترام العظيم الذي شعرَت زوجتي به إزاء تكامل ذلك الكائن الإنساني.
من منظور المنهج الحيوي الطاقي، فإن المبدأ هو تيار من الاستثارة أو
الطاقة التي توحِّد الرأس والقلب والأعضاء التناسلية والقدمين في حركة
غير منقطعة. وثمَّة إحساس بالاستقامة فيه لأن الشخص يشعر بنفسِه
متماسكًا وموحَّدًا وكاملًا. لا يحتاج التأكيد على صلاحيته، ولا على
خضوعِه للبراهين. ولكنه قناعة شخصية. والشخص لن يقوم بفرضِه على أحد.
ربما تكمنُ المشكلة الأساسية التي يواجهها مجتمعنا في نقص مبادئنا
الأخلاقية من عدد كبير جدًا من مكوِّناتها. ولكنني لا أعتقِد بأن
أخلاقية مفروضَة بمقدورِها أن تعمَل. سوف يكون ممكنًا إبقاء قلة من
الأشخاص في داخل إطارها إذا كانت مدعومة من خلال الأغلبية، ولكن لن
تستطيع أبدًا أن تسيطر على الجميع. لا أعتقد بأن أية أخلاقية مفروضة،
استطاعَت أن تنجح ذات يوم. فقوانين أخلاقيات الماضي لم تُفرَضْ، بالرغم
من أن كل البديهيات كانَت عكس ذلك. لقد أحضر موسى الوصايا العشر إلى
قومِه. ولكن لو لم تكن هذه على توافق مع قناعاتِه الداخلية حول الصواب
والخطأ، لاستُبعِدَت هذه الوصايا على الفور.
ليسَت المبادئ الأخلاقية مطلقة. ومع ذلك فقد وصل بعضها حتى الآن إلى أن
تكون كذلك. إن مبادئَ كهذه تتطور في سبيل مساعدة الأشخاص على الشعور
أنهم في حالة جيدة، وعلى أن يتحركوا بشكل فعَّال في وضع ثقافي ما.
وتفقد صلاحيتها عندما لا تتوصَّل إلى القيام بهذه الوظيفة. فبوسع الصدق
أن يبدو مبدأ أخلاقيًا طبيعيًا، ولكن ثمة شروط حيث أن رواية الحقيقة
تستطيع أن تكون فعل ضعف أو جبن. فالحقيقة لا تُروى لعدو عندما يكون في
الأمر خيانة للأصدقاء. إن مبدأ الإخلاص الأكثر عمقًا يكون في موضعِ
رهانٍ. ولكن ليكن ما يكن الوضع الثقافي، فالأشخاص يحتاجون لمبادئ
أخلاقية لكي يُوجَّهوا، ويتحكَّموا بتصرفاتِهم. وبدونِها فمن الممكن
للمجتمع أن يتفكك في حالةٍ فوضوية، ويصير الأشخاص مختلِّين عقليًا.
فإذا طوَّر الأشخاص مبادئهم الخاصة، فلدي اليقين في أنهم سيظهرون هذه
المبادئ نفسَها في وضع ثقافي محدَّد، نظرًا إلى أن الطبيعة الإنسانية
هي نفسها.
كتبتُ في عام 1944 مقالًا حول جنسانية المراهِق لمجلة رايش بعنوان
الاقتصاد الجنسي، والبحث الأورغوني
Sex
Economy and Orgone research.
في تلك المناسبة، دافعتُ عن حق المراهقين في الإشباع الجنسي الذي كانوا
يعتبرونه أمرًا خطيرًا. وعند مناقشة المشكلة مع رايش قال لي: "لووِن،
لا يُنصَح دائمًا بقول الحقيقة، ولكن إذا لم يكن بوسعك أن تقول الحقيقة
فلا تقل شيئًا". كان رايش رجل مبادئ. وكان يعيش متوجهًا وفق هذه
المبادئ، ومات بسببها. من الممكن عدم الاتفاق حول مبادئه، ولكن لا يمكن
التشكُّك بالتكامل الذي كانت تمثّلُه. إن المبدأ التحتاني الكامن
للمنهَج الحيوي الوظيفي الطاقي هو الثنائية والوحدة المتزامنة للشخصية
الإنسانية. فالإنسان مفكِّر خلاَّق، وحيوان حسَّاس، وليس هو أكثر من
رجل أو امرأة. إن عقلًا منطقيًا، وجسمًا غير منطقي لا يتجاوز جسدًا
حيًا. يجب أن نحيا على كل المستويات في الوقت نفسِه، وليسَت هذه
بالمهمة السهلة. فلكي يكون المرء فردًا متكاملًا، عليه التواحد مع
جسمِه وكلماتِه. نقول إن الرجل طيب جدًا نظرًا للكلمات التي يلفظها.
ونصِفُه باحترام باعتبارِه رجلًا صاحبَ كلمة. وللحصول على مستوى من
التكامل يتوجَّب عليه أن يبدأ باعتباره للجسم نفسه: فأنت جسمك. ولكن
الأمر لا يتوقَّف عند هذا الحد. وبالتالي يتوجَّب الإنهاء بأن تكون
الكلمة: فأنت ما تقول. ولكن الكلمة يجب أن تأتي من قلبِك.
ترجمة: نبيل سلامة
*** *** ***