القرب المُعْمي من الواقع: مقدمة المترجم
موسى ديب الخوري
إلى أين يقودنا تقدم البحث التجريبي في الفيزياء؟ هل يقودنا فعلاً إلى
معرفة العالم/الذات؟
منذ أعمال برنار دسبانيا، تركز انتباه الفلاسفة على مسألة ماذا يواجه
الفيزيائيون فعلاً وعم يحدثنا هذا في النهاية. هل يحدثنا عن واقع
حقيقي، مستقل عن فعلنا وتأثيرنا على الطبيعة الواقعية، أم عن واقعية
تجريبية بحتة تنتج بواسطة أدوات قياسنا اللاواقعية؟ كان دسبانيا قد
بيَّن ارتباط النظريات المسماة "ذات الموضوعية الضعيفة" مع معايير
التجارب ومع أدوات القياس، وأكد على فكرة واقع حقيقي بعيد، مدرك ليس كـ
"الشيء في ذاته" الكانطي، المنذور ليبقى غامضًا بالنسبة لنا، بل كمجال
غير مؤكد و"محجوب" لن نستطيع الحصول منه على عناصر معلومات إلا بشكل
غير مباشر. إنه موقف شبه مناظر للذي يدافع عنه بيتبول في هذا الكتاب.
إن الموقف الأصلي لميشيل بيتبول يعاكس الطروحات الإبستمولوجية السائدة.
فمثاليته التجاوزية توازنها واقعية تجريبية يمكن صياغة معناها على
النحو التالي: أيًا كان اكتمال أجهزة قياسنا ومعاييرنا التجريبية،
فإننا لن نعرف أبدًا إلا ما يظهر لإحساساتنا أو لامتداداتها الأداتية،
أي الظاهرات. وبهذا المعنى، فإن الحقيقي ليس بعيدًا، بل هو قريب إلى
درجة أنه "يعمي" من خلال قربه. لهذا، لا يجب البحث عن الواقعي والحقيقي
خارجًا أو بعيدًا؛ لا في الميتافيزياء التي تتجاوز التجربة ولا في
التلاقي المتدرج والمتزايد للنظريات التي ظهرت عبر التاريخ. إنه موقف
أصيل يعاكس طروحات منتشرة جدًا في الإبستمولوجيا منذ بيرس
Peirce
وتم تحسينها وتطويرها منذ بوبر
Popper.
ولا يغري بيتبول أكثر الفهم المسمى الدلالي للنظريات الفيزيائية، وهو
فهم يهدف إلى أخذ نماذج النظريات بعين الاعتبار، أكان لكي تُستنتج منها
أشكال واقعية ممكنة، أو من أجل تبيان الضغط الذي كانت تمارسه الطبيعة
في انتقاء النظريات. ويعد بيتبول وفيًا لروح المشروع الكانطي، ومن هنا
فهو يريد أن يتعرف في النظريات على "لحظات تجاوزية" مشكِّلة للموضوعية.
وهذه اللحظات ستكون مدرجة في الصوريات النظرية كخلفية للمفترضات
المسبقة للنشاطات التجريبية.
يصبح تاريخ الفيزياء عندها
سلسلة متتالية من المراحل غير المستمرة، ومن التوسعات لمعايير مفترضة
مسبقًا عبر ديناميكية نشاطات البحث، يليها تفسير هذه المعايير بواسطة
صورية نظرية تُعتمَد عند كل مرحلة من تعميمها.
فثمة بالفعل تلاق باتجاه شيء ما، لكن هذا الشيء لن يكون كائنًا وواقعًا
نهائيًا، بل بالأحرى أساس كل تجربة فيزيائية ممكنة. لهذا يسمي بيتبول
هذا الطرح بـ "التلاقي الانعكاسي".
إن الهدف من هذا الكتاب هو استخلاص كافة النتائج من فكرة تمت صياغتها
منذ وقت مبكر في تاريخ الميكانيك الكمومي: وهي فكرة أن هذه النظرية
تترجم حالة من عدم الانفصال بين الموضوع والأداة المستخدمة في سبره
التجريبي، وأنها بالنتيجة لا تقدم صورة عن الطبيعة بل فقط "صورة
علاقاتنا مع الطبيعة" كما يقول هايزنبرغ.
إن الصعوبات التي نصادفها عندما نحاول استخدام الميكانيك الكمومي من
أجل الكشف عن سمات مفترضة خاصة بالواقع، تتبدى عندها منسوبة مجازيًا
إلى "القرب المعمي" لهذا الواقع، بالأحرى من كونها منسوبة إلى بعده
المفرط.
كذلك يجب إعطاء شكل واتساق للمفهوم الجديد للنظرية الفيزيائية إثر هذا
التحول في التمثيلات الإبستمولوجية. فماذا يمكن أن تكون نظرية ما إذا
لم تكن
Theoria،
وفق المفهوم اليوناني، أي تأملاً ممنهجًا لصيرورة طبيعية مفترضة
كصيرورة خارجية[1]؟
وماذا يجب أن يشبه نمط تنظيم عقلي للنشاطات التجريبية وللظاهرات
الناجمة عنها التي، كما كتب كاسيرر
Cassirer،
لم يكن هدفها
[...] كسر حدود عالم التجربة لكي نعد لأنفسنا مخرجًا نحو عالم التجاوز،
بل أن نتعلم قطع وعبور هذا العالم التجريبي بكل أمان ويقين، وسكناه
بشكل مريح؟
لكن مثل هذا التحوُّل لمفاهيمنا للنظرية الفيزيائية ألا يتضمن القيام
بعدة تخليات لا يمكن القبول بها؟
الجواب المطروح على هذا التساؤل الأخير أنه مقابل التراجع الأنطولوجي
الظاهر لمشروع الفيزياء هناك تقدم إبستمولوجي لا جدال فيه؛ وأن نظرية
فيزيائية من النمط الذي يتصوره كاسيرر
Cassirer
ستجد أن حقل صحتها سيتوسع في الوقت نفسه الذي سوف تقلِّص فيه من
طموحاتها؛ وأن معرفة لا تكون شاملة بشكل معقول إلا بشرط التخلي عن
كونها موضوعانية بشكل شمولي؛ وأنها لا تكون عامة بدرجة كافية إلا بشرط
أن تكون في جزء منها تشاركية.
التخلي عن الشمولية باسم مفهوم ثابت وعالمي للموضوعية يشكل خيارًا
مقبولاً (وقد بيَّن فعاليته خلال عصر الفيزياء الكلاسيكية)، لكنه يفضي
إن عاجلاً أو آجلاً إلى ظهورات "عودة المكبوت" الإبستمولوجي. وقد
ذكَّرنا الميكانيك الكمومي بهذا، بين أمور أخرى، بشكل غامض وإن كان
بإصرار. فأن نفقد هذه الرؤية ونغفلها من جديد لبعض الوقت لن يشكِّل
أبدًا تقدمًا للفكر.
إن الاختبار الرئيسي لمثل هذا المفهوم يشتمل على تبيان أن بعض الميزات
التي اعتبرت غامضة في الميكانيك الكمومي قد تمَّ توضيحها بشكل كبير
طالما أننا نُحلُّ محل مفهوم النظرية الفيزيائية كوصف منفصل عن العالم،
المفهومَ الذي يجعل منها تقريرًا تنبؤيًا للارتباطات والاتصالات
الممكنة في العالم.
أول سمة مميز لهذا النوع هو اللاتحديدية. لهذا عمل بيتبول على تبيان أن
اللاتحديدية الكمومية تُفهم بسهولة كمؤشر على لاإنفصالية الظاهرة وشروط
ظهورها، بدلاً بالأحرى من فهمها كانعكاس للنظام (أو للفوضى) من طبيعة
منفصلة.
وضمن التوجه نفسه، فإن النظرية الذرية أعيدَ تقديرها على ضوء قدرتها
(الجزئية فقط) على توحيد طيف واسع من المشاريع التجريبية المشتركة.
وأعيد مفهوم الفراغ الكمومي، الذي غالبًا ما يجسد أو يشبَّه بمفهوم
"أثير جديد"، إلى نسبيته اتجاه الحالة الديناميكية لعائلة من كواشف
الأحداث المنفصلة.
وأخيرًا، فإن المفهوم الذي يدافع عنه بيتبول في كتابه القرب المعمي
من الواقع يصل إلى مفهوم لتاريخ الفيزياء بعيد جدًا عن فكرة
"التلاقي المتقارب باتجاه الإخلاص للواقع" الذي يبدو أنه يشكل الحكمة
المشتركة في هذا المجال، على الأقل منذ بيرس
C.S. Peirce.
يسمى هذا المفهوم الجديد "التلاقي الانعكاسي"، لأنه يشتمل على ملاحظة
أنه بالإضافة إلى تقاطع القابليات التكنولوجية التي يستجرها التقدم في
الفيزياء، فإن هذا التقدم يميل إلى أن يكشف لنا بشكل أفضل (عبر بنية
الصوريات) عن المعايير التي تحكم نشاطاتنا الخاصة في الاستكشاف
التجريبي. إن نجاح النظريات في الضبط التنبؤي للظاهرات التجريبية، وفي
التوحيد الشكلي، يعود إلى قدرتها على أن تترجم المفترضات المسبقة
للعقلانيات الإجرائية الموافقة لطبقات أكثر فأكثر عمقًا وعمومية للنشاط
التجريبي. إن هذه المفترضات تشتمل على ما يسميه بيتبول "الخلفية
البراغماتية التجاوزية" للنظريات الفيزيائية.
إن مجرد تقديم بديل لتفسير نجاح النظريات بواسطة الواقعية المتلاقية
يجعل هذا التفسير أقل جاذبية، طالما أن إحدى الحجج الكبرى لهذا التفسير
كانت تفرُّده. بالمقابل، تنخفض جاذبيته أكثر إذا أخذنا بعين الاعتبار
النظام الحالي لنماذج النظريات الفيزيائية الأكثر غنى في المحتوى
الأنطولوجي. وطالما كان من الممكن، خلال الفترات التي تلي ثورة علمية،
صياغة نموذج موحَّد يندرج ضمن تراتبية تقليدية من الأنماط الأنطولوجية،
فقد كان بإمكاننا التفكير أن اللحظة الموجزة التي تعرضت لها الركيزة
التجاوزية للنظريات لم تكن سوى لحظة طارئة على مسارها، وأن ديناميكية
البحث كانت تظل بالإجمال متجهة نحو فهم تقاربي لنموذج صحيح للطبيعة.
ولكن بدءًا من اللحظة، كما في حالة الميكانيك الكمومي، التي لا تعود
تسمح فيها النماذج المقترحة بتقديم تمثيل موحَّد وغير اعتباطي، وحيث في
الوقت نفسه تظل الخلفية التجاوزية للنظرية مكشوفة، فإن لدينا الحق على
العكس أن نتساءل إذا لم تكن الأولوية السابقة المعطاة للنماذج تعود إلى
حادث تاريخي طويل. وهذا الحادث، كان احتواء البحث وحصره في بيئة النوع
الإنساني، في بيئتنا المباشرة، على هذه الجزيرة من الوسط الباسكالي حيث
لا تقود الافتراضات المسبقة البراغماتية للفعل واللغة، كما على سبيل
المثال وسط نزع السياقية، إلى أي طريق مسدود. وبسبب هذا الحادث ليس إلا
فإن لا شيء يمنع من متابعة التحضير لتراتبية من أنماط النماذج التي كان
نموذجها البدئي هو نموذج "الشيء" والمكان في البيئة اليومية، على الرغم
من اعتراضات الوضعيين ومن النظرة النقدية للكانطيين الجدد. وبالنتيجة،
بالنظر إلى دروس الميكانيك الكمومي، فإن إدراكنا لما هو طارئ ولما هو
أساسي في تاريخ الفيزياء، ينعكس تمامًا.
إن السلسلة الطويلة من أنماط النماذج يظهر كأثر دائم إنما طارئ لإسقاط
معايير وافتراضات مسبقة لنشاطاتنا التجريبية على الطبيعة. إسقاط يميل
إلى التحقق وفق نمط قريب جدًا وأقرب ما يكون من الفهم المسبق الإدراكي
والمحرض لمهامنا اليومية.
وعلى العكس، فإن ما يظهر أنه أساسي بعديًا في تاريخ النظريات
الفيزيائية، هي هذه اللحظات الباهتة والعابرة في البداية ثم التي تصبح
ظاهرة أكثر فأكثر، حيث نبش بعض كبار ممثلي الفترات الثورية الأسس
البراغماتية - التجاوزية للمرحلة التي كانوا يجتازونها.
وبالتركيز على هذه اللحظات بدلاً من التركيز على المراحل ما بعد
الثورية من إعادة تجهيز النماذج، فإننا نصل إلى فهم تاريخ الفيزياء
بطريقة معاكسة جذريًا بالتأكيد لطريقة الواقعية المتلاقية، إنما أكثر
تنظيمًا من الانتشارات الفوضوية من المحاولات والأخطاء على طريقة
فايرباند
Feyerabend.
هكذا فإننا نتوصل إلى اعتبار هذا التاريخ كمتتالية من المراحل غير
المستمرة والمتقطعة من التوسعات لمعايير مفترضة مسبقًا بواسطة
ديناميكية نشاطات البحث، والتي تلاها تفسير هذه المعايير بواسطة تشكيل
نظري متوافق مع كل مرحلة من تعميمها. إن توسعة هذه المعايير تتم من
جهتها في زمنين أساسيين. ففي مرحلة أولى، تعمل نظرية فيزيائية سابقة
كمنهجية مشكَّلة من معايير مفترضة مسبقًا بواسطة نمط تقليدي من النشاط
التجريبي ومن ترقب نتائجها. وفي مرحلة ثانية، فإن ظرف القيمة غير
المعدومة لثابتة كونية (تترجم هي نفسها، وفق المبدأ الإنساني الضعيف،
شيئًا ما من وضعنا ككائنات في العالم بدلاً بالأحرى من شيء ما من
العالم كما هو، بشكل مستقل عن الوضع الذي نحتله فيه) يقيِّد المجرِّب
الذي يواجهه مجال لا يمكن إهمال هذه النتيجة فيه في إعادة توجيه نشاطه،
وتوسعة المعايير وصياغة نظرية أخرى تشتمل على هذه المعايير الجديدة.
باعتمادنا لهذه الطريقة في فهم تاريخ الفيزياء، نصل إلى عدة أهداف
إبستمولوجية هامة:
-
فنحن ندرك من الآن فصاعدًا تطور النظريات كصيرورة تستعير شيئًا ما من
معقولية المناهج البحثية المرتكزة على المعتقد الواقعي، وإن كانت
تتمايز بشكل جذري عن نمط مقاربة الواقع. وتحت غطاء من اختلاف الإعدادات
والتحضيرات، واختبارها وسحب نماذج معينة وطيها، فإن هذه الصيرورة تميل
في الواقع إلى أن تنتخب بطريقة مضبوطة عقلانيات إجرائية أكثر فأكثر
عمومية متوافقة مع كل مرحلة من توسعة البحث.
-
نتجاوز هكذا مسألة التحديدية التحتية، طالما أن هذه الأخيرة تتعلق
بالغنى التمثيلي للنماذج وليس الافتراضات المسبقة التجاوزية بحدها
الأدنى لممارسة ما، وهو ما يُعبَّر عنه بالبنية التحتية التنبؤية
للنظرية.
-
نعطي معنى جديدًا لأحادية اتجاه العمل العلمي، وذلك بتجنب ربطه مع هذا
الأقنوم من البنى التحتية الأنطولوجية للنماذج الذي كان يميل إلى دعم
الواقعي في انطباعه بمتابعة بحث عن الحقيقة الموافقة بنجاح.
-
على ضوء مثل هذا التصور، فإن الإجراء المعياري الذي يُدخِل متتالية
متكاثرة من المخمنات والتفنيدات للنماذج يُفسَّر بالصعوبة الكامنة في
تحديد المعايير التي تكون متضمنة أحيانًا لبحث ما دون مساعدة ترجمتها
الموضوعانية على شكل نماذج. إن أسطورة التلاقي باتجاه الحقيقي /
الواقعي تبدو بالتالي مثل الإسقاط الأنطولوجي، أو الصورة في المرآة
لتلاقٍ آخر. وهذا التلاقي، هو ما يسميه بيتبول "التلاقي الانعكاسي"؛ أي
التلاقي باتجاه الأشكال الأكثر عالمية لعملية توجُّه الكائن الحي في
العالم.
إن الفيزيائي وفقًا لبيتبول لا يحدثنا بالتالي عن العالم، عن الطبيعة
أو عن واقع متجاوز، بل هو يحدثنا في أفضل الأحوال عن المعرفة وعن أعماق
فكرنا. فالفيزياء لا تخبرنا ويا للغرابة إلا حول الذات وليس حول
المواضيع والأشياء!
إن هذا الطرح، وهو نواة الكتاب، يتعرض من قبل الكاتب نفسه عبر فصوله
المختلفة إلى نقاشات معمقة، مع الواقعيين كما ومع اللاواقعيين. وهو طرح
مدهش بما يكشفه من جوانب. فنرى بيتبول يعيد هنا تقييم المذهب الذري
الذي تضعضع مع تقدم الميكانيك الكمومي، كشاهد بسيط مفضل بالنسبة له على
"انحلال النواة الميتافيزيائية للأنطولوجيات"، أي للنظريات حول ما يمكن
أن تكون الأشياء بذاتها. فالفراغ الفيزيائي مثلاً لم يعد سوى "تابع
علاجي بمواجهة التصلبات الوجودية"...
يضاف إلى هذا التطرف النقدي (ربما) إعادة تفسيرات جميلة أو توضيحات،
وخاصة فيما يتعلق بنظرية العوالم المتعددة لإيفيريت أو حول الصدفة
الموضوعية في الميكانيك الكمومي. يمكننا مع ذلك عدم موافقة الكاتب حول
قناعاته الكانطية الجديدة، حيث تظل المثالية التجاوزية مثالية وتظل
المشروع نفسه عبر التاريخ[2].
يُعدُّ ميشيل بيتبول اليوم من أهم فلاسفة العلم، وهو يؤسس لنقد فلسفي
صريح للتوجهات العلمية المقبلة كما وللنماذج التي يتحول عبرها العلم في
صيرورة بحثه عن المعنى الكامن فيما هو حقيقي وواقعي. ميشيل بيتبول
الطبيب، والفيزيائي والفيلسوف، هو أيضًا بلا شك أحد الـ "عبر مناهجيين"
الذين يؤسسون لفكر فلسفي منفتح على العلم بقدر ما هو مؤسس على المنطق،
إنما يعتمد في بناء ركائزه أيضًا المعنى الإنساني. وهذا الكتاب الذي
نقدمه للقارئ العربي هو أحد كتبه التي بين فيها المقاربات الفلسفية
للفكر العلمي من خلال عرض تحليلي ونقدي لأهم المدارس التي تسعى حاليًا
لسبر الميكانيك الكمومي، الجانب الأكثر إدهاشًا في عالم الفيزياء
المعاصرة.
لا بدَّ لي من التطرق في النهاية إلى الصعوبة المزدوجة في ترجمة هذا
الكتاب! فمن جهة، للغة ميشيل بيتبول سمة خاصة لا بد من الاحتكاك بها
كثيرًا وعن قرب للتآلف معها والقيام بترجمتها. فهي إضافة إلى كونها لغة
فلسفية وعلمية في آن واحد، فإنها تعبر في الوقت نفسه عن فكر تحليلي
عميق وعن رؤيا فكرية تقع على تخوم فلسفة العلوم المعاصرة. ومن جهة
أخرى، فإن المصطلحات الفلسفية التي يستخدمها بيتبول والتي تعدُّ
نموذجًا للتجدد الفلسفي للعلوم المتلاقية، تطرح إشكالية الانقطاع
الثقافي للغتنا العربية ولفكرنا العربي أمام زخم الإضاءات المعرفية في
شتى المجالات. وقد وجدت صعوبة بالغة في اعتماد مصطلحات معينة لم أجد
تناولاً لها في أدبيات الفلسفة العربية المعاصرة.
لا بد لي في النهاية من الإشارة إلى إن هذه الترجمة ما كانت لترى النور
لولا تشجيع المفكر الإنساني أكرم أنطاكي، الذي وافق على ترجمة هذا
الكتاب لصالح دار معابر، والذي غادرنا قبل صدور الكتاب، فإلى روحه
الباقية معنا أهدي هذا الكتاب. كما أوجه الشكر إلى أسرة دار معابر التي
تابعت العمل على إصدار الكتاب.
دمشق في 25/ آب 2014
*** *** ***
مراجع المقدمة:
-
Michel Bitbol, Mécanique quantique : une introduction philosophique,
Collection Nouvelle Bibliothèque Scientifique, Flammarion, 1996 ;
réédition Champs-Flammarion, 1997.
-
Michel Bitbol, L’aveuglante proximité du réel : anti-réalisme et
quasi-réalisme en physique, Champs-Flammarion, 1998
-
Michel Bitbol, Physique et philosophie de l’esprit, Flammarion,
2000.
-
Michel Bitbol, De l’intérieur du monde : pour une philosophie et une
science des relations, Flammarion, 2010.
-
http://michel.bitbol.pagesperso-orange.fr/aveuglante.proximite.html
مقدمة كتاب القرب المُعْمي من
الواقع، ميشيل بيتبول، ترجمة موسى الخوري، يصدر قريبًا عن
دار نشر معابر.