|
إضاءات
كلمة نانو nanos هي كلمة إغريقية وتعنى القزم dwarf، في العلوم والتقنية النانو مقياس يساوي جزءًا من المليار جزء من المتر (إذا قسمنا المتر إلى مليار جزء فإن جزءًا واحدًا منه يساوي نانومتر). النانومتر أصغر من قطر شعرة الإنسان بعشرات آلاف المرات، وأصغر من خلية الإنسان بآلاف المرات وأصغر من فيروس البرد على سبيل المثال بمئة مرة. وحيز النانو nanoscale هو الحيز الذي تعارف عليه العلماء والممتد من 0.2 نانومتر إلى 100 نانو متر، وهو الحيز الذي تشغله الذرات والجزيئات. وقد لاحظ العلماء أن خواص المواد في هذا الحيز الصغير تختلف اختلافًا جذريًا عن خواص مثيلاتها في الحيز الأكبر، فالمواد في هذا الحيز لها مواصفات وخواص فيزيائية وكيميائية فريدة. فتصغير حجم جسيمات مادة لتكون في حيز النانو وبدون تغيير في المادة نفسها يغير في خواصها مثل التوصيلية الكهربائية والمغنطيسية والقوة والنشاط واللون ونقطة الإنصهار وغيرها، وهي الخواص التي تعتبر ثابتة (كما في الجدول الدوري) لمادة معينة. خواص المواد تتغير بشكل ملحوظ جدًا حسب مكوناتها النانونية، فالمركبات المكونة من حبيبات في حجم النانو، سواء كانت سراميكيات أو معادن أو غيرها، تكون أقوى كثيرًا من مثيلاتها في الحجم الأكبر، كما أن المواد غير الموصلة للكهرباء قد تكون موصلة أو شبه موصلة في حيز النانو مثل الكربون، والمواد الخاملة قد تصبح نشطة جدًا، والمواد قد تغير من لونها وتكتسب عدة ألوان أخرى في هذا الحيز مثل الذهب.
يعتبر مفهوم الإيديولوجيا من أشيع المفاهيم وأكثرها تداولاً، لكن معناها يظل مع ذلك من أكثر المعاني إثارة للجدل، ومن ثمة فهو من أقل المفاهيم ثباتًا، فهو عند البعض مفهوم علمي حثمي، وعند الآخرين معنى مبتذل، بل يمكن أن يكون سبة كما نجد عند ريمون آرون، بل إن نهايتها وشيكة كما ينظر لذلك فوكوياما. وهذا الوضع يبين أن مفهوم الإيديولوجيا نفسه، هو موضوع لعملية "أدلجة" مكثفة. ويعتبر المفكر المغربي عبد الله العروي في كتابه مفهوم الإيديولوجيا، أن كلمة "إيديولوجيا" دخيلة على جميع اللغات الحية، فهي لغويًا تعني في أصلها الفرنسي "علم الأفكار" كما أصَّل لها الفيلسوف الفرنسي ديتوت دى تراسي tracy De (1754- 1836). وكلمة إيديولوجيا Ideology كلمة يونانية تتكون من مقطعين، المقطع الأول Idea ويعنى الفكرة، والمقطع الثاني Logos يعني العلم فتكون الترجمة الحرفية "علم الأفكار"، وقد تأثر دي تراسي بالنظرية التجريبية للفيلسوف الإنجليزي جون لوك، كما تأثر بمذهب الفيلسوف الفرنسي كوندياك الذي يرد كل معرفة أو إدراك إلى أصول حسية بحثة، لكنها لم تحتفظ (أي الإيديولوجيا) بالمعنى اللغوي.
لا يقرُّ الفقه الإسلامي، قديمًا وراهنًا، بالمساواة في الحقوق والواجبات ما بين مواطني الدولة القائمة على الشريعة الإسلامية. هذا الفقه، وإن زعم تبنِّيه المواطنة أساسًا للحكم، لا يزال يميِّز بين المواطنين على أساس دينيٍّ ومذهبيٍّ. أمَّا حين يتحدَّث بعض الفقهاء والمفكِّرين الإسلاميين عن المواطنة، فتراهم يضعون استثناءات أو تحفُّظات تشريعية عن مشاركة غير المسلمين في الدولة الإسلامية.
ماذا يمكن للفلسفة أن تفعل للسياسة؟ ماذا يمكن للفلسفة أن تفعل لعالمها أو لعصرها؟ وإذا كان الجواب: لا شيء، فإنَّ السؤال يُصبح عندها: ما الفائدة من الفلسفة إذن؟ كما كان الحال عليه دائمًا في تاريخ الفلسفة، وحدهم كبار الفلاسفة هم من يُقدِّمون أجوبة مختلفة على نفس السؤال. هكذا فقد أجاب هيغل مثلاً على مسألة دور الفلسفة في مؤلَّفه الشهير مبادئ فلسفة الحقِّ بما يلي: "إنَّ بومة منيرفا لا تفرد جناحيها إلا بعد أن يرخي الليل سدوله". بهذه النظرة يصوِّر هيغل الفلسفة بوصفها تأتي لاحقة على الحدث، بل وبعد فوات الأوان وهو يؤكِّد ذلك باستطراده أن الفلسفة لا تظهر "إلا بعد أن يُكمل الواقع سيرورة تعيُّنه". الآن لو قبلنا بما طرحه "هيغل" من لاحقية الفلسفة على الواقع فإنَّ السؤال يظلُّ مطروحًا: إذا كان الحال كذلك فماذا يمكن للفلسفة أن تُقدِّم لعصرها وعالمها الذين تأتي متأخرة عنهما بخطوة؟ يجيب هيغل على هذا السؤال بقوله إنَّ الفلسفة بوصفها "فكرة العالَم" لا تستطيع أن تقدِّم أكثر من وصفٍ وفهمٍ وتأويلٍ للعصر الذي وجدت فيه.
تناقلت وسائل الإعلام خبرًا مفاده أنَّ عائلة الأمير عبد القادر الجزائري وجَّهت إلى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة رسالة تطالبه فيها بالتدخل لدى السلطات السورية لإنقاذ حياة خلدون الحسني، أحد أحفاد الأمير عبد القادر، بعدما أصدرت إحدى المحاكم العسكرية السورية حكمًا عليه بالإعدام بتهمة التعدِّي على "حقوق الأمة السورية". أعاد هذا الخبر إلى الذاكرة اسم الأمير الجزائري والدور الذي لعبه في الدفاع عن مسيحيي دمشق أثناء الأحداث الطائفية التي امتدت من جبل لبنان إلى سوريا في صيف 1860.
شكَّلت منطقة شرق المتوسط، والتي تحتل المنطقة المعروفة باسم سورية الطبيعية قسمًا هامًا من خارطتها، منطقة استقطاب وعبور للعديد من الشعوب والحضارات. ويحصي علماء التاريخ ثمانٍ وثلاثين حضارة مرت فيها، منها ما عَبَرها ومنها ما استقر ليشكل أقلية قومية فيها، وليترك بصماته في ثقافتها. وكانت هذه المنطقة قبلة لشعوب هاجرت إليها هربًا من غوائل التاريخ. كما كانت أيضًا مهد الديانات التوحيدية الثلاث الكبرى، منها انطلقت رسالاتها، وفيها حدثت كبرى صراعاتها الداخلية والبينية. واليوم، كما في الأمس، لا تزال المنطقة مسرحًا لصراعات قائمة، وأخرى تلوح في الأفق، يتداخل فيها الديني مع القومي وتنذر بانفجارات يتجاوز شررها حدود المنطقة ليصيب مناطق بعيدة في العالم.
هذه المحاضرة هي، ابتداء، إنشاء أدبيات علم الإنسان حول موضوع ملغز في الوجود الإنساني، أطلقت عليه أدبيات الثقافات المختلفة مصطلح "الحياة". وقد استقر استخدام هذا المصطلح في الخطاب الإنساني عمومًا، وتم تداوله حاملاً معه دلالات مبهمة وغير واضحة. وبما أن إنتاج المصطلح واستخدامه في إرث الإنسانية كان يشكل خلقًا لوجود جديد، يبدأ من إنتاج اللفظ، ثم دافعًا بالتصور عند المستخدم ليصبح اللفظ ودلالته جزءًا من معرفة الإنسان الفرد والعلم الإنساني، يتم تداوله حسب الآليات التي ينتجها التطور الإنساني في حركته الدائبة التي لا تتوقف. والذي دفع علم الإنسان لتجنب استخدام مصطلح "الحياة"، وصياغة مصطلح "طريقة العيش" للاستخدام في خطابه العلمي، هو الظلال التي رافقت استخدام مصطلح "الحياة" حين تم استخدامه كمفردة في خطاب ثقافة معينة. وهو ما جعل علم الإنسان – في استجابته لخصائص منهجية – يصوغ مصطلح "طريقة العيش"، لتجنب ما سينتج عن ذلك من تداخل وغموض.
في سنوات الإعدادية، بعد منتصف الستينات من القرن الماضي، حَوَت مدرستي تلميذين يهوديين. كان الدين، على أرض سوريا، موزعًا حصصًا، بتدريسه، على الإسلام والمسيحية. ما من دين ثالث. والنقلة، التي لا محيد عنها، من مرحلة الإعدادية إلى الثانوية، تقتضي عبور الامتحان في الدين. فما الذي كان متوجبًا على هذين التلميذين اليهوديين أن يفعلا؟ تسامح الجغرافيا – الموطَّدة بالدين المختار، والعروبة المختارة نقاءً يُنْكِر أعراقًا أخرى، في أرض لم "تتكلم العربية" قبل الغزو العربي، وهي لا تتكلم، قط، إلاَّ لغةَ نَفْسِها – هذا التسامح الفريد خيَّر التلميذين في تقديم امتحانهما "الديني"، للعبور إلى الثانوية، بأحد الدينين: الإسلام، والمسيحية.
إن توازن الأمم والشعوب وتقدمها الحضاري يكمن في تنوعها الثقافي والعقيدي، لأن حضارتنا، في المحصلة، هي نتاج تراكمات آلاف السنين من هذا التنوع، وكل إلغاء للآخر هو انكماش للذات وخواء على جهلها الذاتي. |
|
|