|
اللاعنف والمقاومةNonviolence and resistance
بتاريخ 6 نيسان/أبريل 1930 – الذي يصادف ذكرى الهَرْتَـل [الإضراب الاحتجاجي] hartâl الذي جرى سَنَةَ 1919 والذي أطلقَ شرارةَ المقاومة الجماهيرية الهندية ضد السيطرة البريطانية –، وفي الساعة 8.30 صباحًا، اقتربَ غاندي من ساحل المحيط وغطسَ ثم عاد إلى الشاطئ ليجمعَ قليلاً من المِلْح الذي تركَتْه الأمواجُ. ابتداءً من تلك اللحظة أصبحَ متمرِّدًا على الإمبراطورية البريطانية. وأطلقَ عندئذٍ أمرَ العصيان المدني لجميع الهنود طالبًا منهم التزوُّدَ غيرَ القانوني من المِلْح. وخلالَ النهار، بيعَتْ حفنةُ المِلْح التي التقطَها غاندي بالمزاد لقاءَ مبلغِ 425 روبيَّة.
دخل الجيش الحر مدينة داريا بشكل علني وبزخم قوي في كانون الثاني 2012. ويُظهر فيديو نُشر على موقع youtube في 21 من الشهر المذكور، بعنوان (الجيش الحر يسيطر على داريا) أو (الجيش الحر في مدينة داريا لحماية المواطنين)، رتلاً من السيارات المدنية الصغيرة – بعضها من سيارات الأجرة المميزة بلونها الأصفر – يجوب شوارع داريا ليلاً، بسرعة كبيرة، وبداخل السيارات مقاتلون يرددون: الله أكبر، ويلوحون بالأسلحة الفردية وأعلام الثورة من شبابيك السيارات. كانت شوارع المدينة فارغة تمامًا من المارة، مما يشير إلى ساعة متأخرة من الليل، حيث اختار المقاتلون دخول البلدة الغافية. والمشهد بحركته وملامحه الاستعراضية ودلالاته العميقة، يحيل إلى هوة كبيرة تفصل بين فضاء المدينة: ناسها وتاريخها وحراكها السلمي المدني المتميز، وبين هذا الحدث الذي سيقلب أوضاع المدينة رأسًا على عقب.
لم يُنهِ غاندي عامه الأول في جنوب أفريقيا حين التمعت في ذهنه فكرة اتخاذ القرار. كان عمله لصالح دادا عبد الله يتطلب منه السفر متنقلاً في أنحاء ولاية ناتال الداخلية بواسطة القطار أو المركبات. كان المستوطنون الأوروبيون يسافرون على الدوام في عربات الدرجة الأولى، في حين يُفترَض بالهنود أن يسافروا في عربات الدرجة الثالثة. لكن دادا عبد الله كان قد حجز لغاندي مقعدًا في الدرجة الأولى في القطار. فاستقر غاندي في المقصورة متنعِّمًا بالراحة وحيدًا إلى حين الوصول إلى بلدة ماريتزبرغ Maritzburg الجبلية في المساء. ومن هناك استقلَّ أحد المسافرين القطار، وهو أوروبي، ودخل المقصورة التي فيها غاندي. ألقى مجرد نظرة على الرجل ذي البشرة الداكنة الجالس في المقصورة وغادرها. لكنه ما لبث أن عاد بصحبة موظفي القطار وقال أحدهم لغاندي بلهجة حادة: "عليك مغادرة هذا المكان. إذهب إلى عربة الدرجة الثالثة".
هذا المقال جزء من حوار تقوده "منظمة الحقِّ باللاعنف" في منتديات عالمية مختلفة، آخرها في بيروت الخميس 17/7/2012، وأرى لا بدَّ من إهدائه إلى روح غسان تويني الذي درس رسالة كانط عن السلام الدائم في جامعة هارفرد عندما كان طالبًا فيها قبل نصف قرن ونيِّف، وأغناها بملاحظات مكتوبة تُنشر قريبًا. سوريا على بال الجميع، والعنف في سوريا في المقدِّمة، ما يجعل كل حديث عن الثورة واللاعنف كأنَّه ضربٌ من الهذيان.
قد يكون الراهب باولو دالوليو واحدًا من أكثر السوريين انتمائًا لوطن مشتهى اسمه سورية. فهذا الراهب من أصل إيطالي، اكتسب سوريته بالجهد والعرق والحب لهذ البلد والعمل الدؤوب لخدمته. ودير مار موسى الحبشي بالقرب من مدينة النبك، والذي أصبح محجًا لكل زوار سورية في العقود الماضية، هو خير دليل على الدور الذي لعبه هذا الراهب في ترميم هذا الدير المهجور العائد للقرن السادس الميلادي، وجعله ملتقىً روحيًا وثقافيًا لكل أبناء سورية. كان طبيعيًا أن ينحاز الأب باولو إلى الثورة السورية، وكان طبيعيًا أن يرفع الصوت عاليًا وأن يمضي أسابيعه الأخيرة مع الثوار في مدينة القصير بالقرب من حمص ليحاول أن يصون العيش المشترك بين المسلمين والمسيحيين، وهذا بالضبط ما لم يغفره له النظام ولا المؤسسة الكنسية الرسمية، فسارعا إلى طرده مخافة أن تتفشى ظاهرة الأب باولو. لكنها مع ذلك ستتفشى وتعم، وسيعود الأب باولو إلى بلده سورية، أبًا لكل السوريين. ع. أ.
منذ عشرين سنة، كتبتُ أربعة أحرف صينية على مظلة مصباح "إن أردتَ السلام، فالسلام رهن يديك". وبعد بضع سنين، في سنغافورا، سنحت لي الفرصة لكي أطبِّق عمليًا ما كتبت. كان العام 1976، وكان العديد منا ينظمون عملية إنقاذ لـ"أناس القوارب" في خليج السيام. كان المشروع يُدعى "عندما يُراق الدم، نعاني جميعنا". في ذلك الوقت، لم يكن الكثير من الناس يعلمون بوجود أناس القوارب، ولم تكن حكومات تايلاند وماليزيا وسنغافورا تسمح لهم بالرسو على شواطئها. كان العرف المتَّبع هو إعادة هؤلاء الناس إلى عرض البحر، ما يعني أنهم قد يلاقون حتفهم، وأنه لن يكون بوسع أولئك الذين على اليابسة التعامل معهم.
أيها السادة الأفاضل! إنَّ الفكرة، التي عبَّرتم عنها في رسالتكم الرائعة، بأنَّ بالإمكان نزع السلاح العام بأسهل السُّبُل وأوثقها، وذلك عن طريق امتناع الأفراد عن المشاركة في الخدمة العسكرية، صحيحة تمامًا. بل إني أعتقد أنَّ هذا هو الطريق الوحيد لتجنيب البشر كافة كوارث العَكسرة المرعبة والمتفاقمة. أما فكرتكم بأنَّ مسألة استبدال التجنيد الإلزامي، بالنسبة للذين يرفضون أداءها، بأعمال الخدمة الاجتماعية، قد تُبحث في المؤتمر القادم، حسب اقتراح القيصر، فتبدو لي خاطئة تمامًا، وفقط لسبب واحد، وهو أنَّ المؤتمر ذاته لا يمكنه أن يكون سوى إحدى تلك الهيئات المنافقة التي غايتها ليست بلوغ السلام بل، بالعكس، إخفاء الوسيلة الوحيدة لبلوغ السلام العالمي، والتي بدأ يراها أفذاذ الناس...
|
|
|