|
قيم خالدة
يعارض إيمانويل ليفيناس الأولوية المعطاة لعلم الوجود (الأنطولوجيا) في التراث الفلسفي الغربي. ينظر علم الوجود إلى الوجود على أنه استمرارية في الكيان: "أن تكون، هو السعي لأن تكون والمثابرة في الكيان". آنذاك، يكتفي الكائن بتفكير في الوجود يصبح انطواءً على الذات وأنانيَّة. فالكائن لا يهتم إلا بإشباع احتياجاته، ويسعى لتأكيد ذاته في التمسُّك والسيطرة. يؤكِّد إيمانويل ليفيناس: في كل ما أجدُّ ساعيًا إليه هناك شيء من الانتقاص في مفهوم الكائن الذي في إصراره بأن يكون، يخبىء عنفًا وشرًا وأنانية. إنَّ حرِّية الإنسان الذي لا يأبه إلا لذاته تتوه في ما هو اعتباطيٌّ: حيث كل شيء مسموح له به، حتى القتل. إنَّ مفهومًا كهذا للوجود يجعل الكائن مستمرًا في الرضى بذاته وجهله الآخر. إنَّ علم الوجود المفهوم بهذا الشكل يصبح فلسفة القوة والتسلُّط والاحتلال والعنف والحرب. فإذا كان الهمّ الوحيد للإنسان أن يستمر في الوجود فإن ذلك يحمله حتمًا على مقاومة الإنسان الآخر الذي يبان له وكأنه عدوّ.
صديقي العزيز، بادئَ ذي بدْء، شكرًا أيضًا على ما فعلْتَه من أجلي منذ وقت قريب. إذا كان ذلك ناجعًا، كما أتمنى، فسيكون قد حصلَ ليس من أجلي ولكنْ من أجل آخرين من خلالي، من أجل إخْوةٍ لكَ شبابٍ لا بدَّ أنهم عزيزون جدًا عليكَ، يجمعهم مصيرٌ واحد. سيكون بعضهم مَدِينين لكَ ربما، وهم على أعتاب اللحظة الأخيرة، بعذوبةِ تبادُلِ النظرات. لديكَ من بين الجميع هذا الامتياز بأنَّ الحالةَ الراهنة للعالَم هي واقع حقيقي في نظركَ. كذلك الأمر أيضًا ربما في نظر من يَقتُلون في هذه اللحظة ويموتون، يَجرحون ويُجرحون، ولا يعرفون، أمام دهشتهم، أين هم ولا ماذا يحلُّ بهم، الذين ليس لديهم، كما كان حالُكَ بالأمسِ، أفكارٌ عن هذا الواقع. وفي نظر الآخرين جميعًا، أُناسِ هذا البلد مثلاً، فإنَّ ما يجري هو كابوسٌ مشوَّشٌ عند البعض القليل جدًا، وهو عند الغالبية قماشُ خلفيةٍ غيرِ واضحٍ، ديكورُ مسْرح، وفي الحالتَين لاواقع. |
|
|